ركن التفسير
14 - (ولما بلغ أشده) وهو ثلاثون سنة أو وثلاث (واستوى) بلغ أربعين سنة (آتيناه حكما) حكمة (وعلما) فقها في الدين قبل أن يبعث نبيا (وكذلك) كما جزيناه (نجزي المحسنين) لأنفسهم
لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى عليه السلام ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى آتاه الله حكما وعلما قال مجاهد يعني النبوة: "وكذلك نجزي المحسنين" ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم في قضية قتله ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين.
﴿ولَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوى آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ هَذا اعْتِراضٌ بَيْنَ أجْزاءِ القِصَّةِ المُرَتَّبَةِ عَلى حَسَبِ ظُهُورِها في الخارِجِ. وهَذا الِاعْتِراضُ نَشَأ عَنْ جُمْلَةِ ﴿ولِتَعْلَمَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [القصص: ١٣] فَإنَّ وعْدَ اللَّهِ لَها قَدْ حُكِيَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] . فَلَمّا انْتَهى إلى حِكايَةِ رَدِّهِ إلى أُمِّهِ بِقَوْلِهِ ﴿فَرَدَدْناهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ [القصص: ١٣] إلى آخِرِهِ كَمَّلَ ما فِيهِ وفاءُ وعْدِ اللَّهِ إيّاها بِهَذا الِاسْتِطْرادِ في قَوْلِهِ ﴿ولَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوى آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا﴾ وإنَّما أُوتِيَ الحُكْمَ، أعْنِي النُّبُوَّةَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِن أرْضِ مَدْيَنَ كَما سَيَجِيءُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَمّا قَضى مُوسى الأجَلَ وسارَ بِأهْلِهِ﴾ [القصص: ٢٩] . وتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ يُوسُفَ، إلّا قَوْلَهُ واسْتَوى فَقِيلَ: إنَّ اسْتَوى بِمَعْنى بَلَغَ أشُدَّهُ، فَيَكُونُ تَأْكِيدًا، والحَقُّ أنَّ الأشُدَّ كَمالُ القُوَّةِ؛ لِأنَّ أصْلَهُ جَمْعُ شِدَّةٍ بِكَسْرِ الشِّينِ بِوَزْنِ نِعْمَةٍ، وأنْعُمٍ، وهي هَيْئَةٌ بِمَعْنى القُوَّةِ ثُمَّ عُومِلَ مُعامَلَةَ المُفْرَدِ. وأنَّ الِاسْتِواءَ: كَمالُ البِنْيَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى في وصْفِ الزَّرْعِ ﴿فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩]، ولِهَذا أُرِيدَ لِمُوسى الوَصْفُ بِالِاسْتِواءِ ولَمْ يُوصَفْ يُوسُفُ إلّا بِبُلُوغِ الأشُدِّ خاصَّةً؛ لِأنَّ مُوسى كانَ رَجُلًا طُوالًا كَما في الحَدِيثِ «كَأنَّهُ مِن رِجالِ شَنُوءَةَ» فَكانَ كامِلَ الأعْضاءِ ولِذَلِكَ كانَ وكْزُهُ القِبْطِيَّ قاضِيًا عَلى المَوْكُوزِ. والحُكْمُ: الحِكْمَةُ، والعِلْمُ: المَعْرِفَةُ بِاللَّهِ.