موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل14 ماي 2024


الآية [58] من سورة  

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍۭ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَٰكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّنۢ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَٰرِثِينَ


ركن التفسير

58 - (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) عيشها واريد بالقرية أهلها (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا) للمارة يوما أو بعضه (وكنا نحن الوارثين) منهم

يقول تعالى معرضا بأهل مكة في قوله تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها" أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق كما قال في الآية الأخرى "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان -إلى قوله - فأخذهم العذاب وهم ظالمون" ولهذا قال تعالى: "فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا" أي دثرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم وقوله تعالى: "وكنا نحن الوارثين" أي رجعت خرابا ليس فيها أحد وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا عن ابن مسعود أنه سمع كعبا يقول لعمر: إن سليمان عليه السلام قال للهامة - يعني البومة - مالك لا تأكلين الزرع؟ قالت: لأنه أخرج آدم من الجنة بسببه قال فمالك لا تشربين الماء؟ قالت لأن الله تعالى أغرق قوم نوح به قال فمالك لا تأوين إلا إلى الخراب؟ قالت لأنه ميراث الله تعالى ثم تلا "وكنا نحن الوارثين" ثم قال تعالى مخبرا عن عدله وأنه لا يهلك أحدا ظالما له وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم.

﴿وكَمْ أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهم لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلًا وكُنّا نَحْنُ الوارِثِينَ﴾ . عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا﴾ [القصص: ٥٧] بِاعْتِبارِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلِانْتِقامِ شَأْنَ الأُمَمِ الَّتِي كَفَرَتْ بِنِعَمِ اللَّهِ فَهو تَخْوِيفٌ لِقُرَيْشٍ مِن سُوءِ عاقِبَةِ أقْوامٍ كانُوا في مِثْلِ حالِهِمْ مِنَ الأمْنِ والرِّزْقِ فَغَمِطُوا النِّعْمَةَ وقابَلُوها بِالبَطَرِ. والبَطَرُ: التَّكَبُّرُ. وفِعْلُهُ قاصِرٌ مِن بابِ فَرِحَ، فانْتِصابُ ”مَعِيشَتَها“ بَعْدَ ”بَطِرَتْ“ عَلى تَضْمِينِ ”بَطِرَتْ“ مَعْنى (كَفَرَتْ)؛ لِأنَّ البَطَرَ وهو التَّكَبُّرُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الِاعْتِرافِ بِما يُسْدى إلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ. والمُرادُ: بَطِرَتْ حالَةَ مَعِيشَتِها، أيْ نِعْمَةَ عَيْشِها. والمَعِيشَةُ هُنا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى العَيْشِ، والمُرادُ حالَتُهُ فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ دَلَّ عَلَيْهِ المَقامُ، ويُعْلَمُ أنَّها حالَةٌ حَسَنَةٌ مِن قَوْلِهِ ”بَطِرَتْ“ وهي حالَةُ الأمْنِ والرِّزْقِ. (p-١٥١)والإشارَةُ بِـ ”تِلْكَ“ إلى ”مَساكِنِهِمْ“ الَّذِي بُيِّنَ بِهِ اسْمُ الإشارَةِ؛ لِأنَّهُ في قُوَّةِ تِلْكَ المَساكِنِ. وبِذَلِكَ صارَتِ الإشارَةُ إلى حاضِرٍ في الذِّهْنِ مُنَزَّلٍ مَنزِلَةَ الحاضِرِ بِمَرْأى السّامِعِ، ولِذَلِكَ فَقَوْلُهُ ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ. والتَّقْدِيرُ: فَمَساكِنُهم لَمْ تَسْكُنْ مِن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلًا. والسُّكْنى: الحُلُولُ في البَيْتِ ونَحْوِهِ في الأوْقاتِ المَعْرُوفَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِمْرارِ زَمَنًا طَوِيلًا. ومَعْنى ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ لَمْ يَتْرُكُوا فِيها خَلَفًا لَهم. وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنِ انْقِراضِهِمْ عَنْ بَكْرَةِ أبِيهِمْ. وقَوْلُهُ ”إلّا قَلِيلًا“ احْتِراسٌ أيْ إلّا إقامَةَ المارِّينَ بِها المُعْتَبِرِينَ بِهَلاكِ أهْلِها. وانْتَصَبَ ”قَلِيلًا“ عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن عُمُومِ أزْمانٍ مَحْذُوفَةٍ. والتَّقْدِيرُ: إلّا أزْمانًا قَلِيلًا، أوْ عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. والتَّقْدِيرُ: لَمْ تُسْكَنْ سَكَنًا إلّا سَكَنًا قَلِيلًا، والسَّكَنُ القَلِيلُ: هو مُطْلَقُ الحُلُولِ بِغَيْرِ نِيَّةِ إطالَةٍ فَهي إلْمامٌ لا سُكْنى. فَإطْلاقُ السُّكْنى عَلى ذَلِكَ مُشاكَلَةٌ لِيَتَأتّى الِاسْتِثْناءُ، أيْ لَمْ تُسْكَنْ إلّا حُلُولَ المُسافِرِينَ أوْ إناخَةَ المُنْتَجَعَيْنِ مِثْلَ نُزُولِ جَيْشِ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِحِجْرِ ثَمُودَ واسْتِقائِهِمْ مِن بِئْرِ النّاقَةِ. والمَعْنى: فَتِلْكَ مَساكِنُهم خاوِيَةً خَلاءً لا يَعْمُرُها عامِرٌ، أيْ أنَّ اللَّهَ قَدَّرَ بَقاءَها خالِيَةً لِتَبْقى عِبْرَةً ومَوْعِظَةً بِعَذابِ اللَّهِ في الدُّنْيا. وبِهَذِهِ الآيَةِ يَظْهَرُ تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ مَرَّ في طَرِيقِهِ إلى تَبُوكَ بِحِجْرِ ثَمُودَ فَقالَ: «لا تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم أنْ يُصِيبَكَمْ مِثْلُ ما أصابَهم إلّا أنْ تَكُونُوا باكِينَ» أيْ خائِفِينَ أيِ اقْتِصارًا عَلى ضَرُورَةِ المُرُورِ لِئَلّا يَتَعَرَّضُوا إلى تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ السُّكْنى الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ انْتِفاءَها بَعْدَ قَوْمِها فَرُبَّما قُدِّرَ إهْلاكُ مَن يَسْكُنُها تَحْقِيقًا لِقَدَرِهِ. وجُمْلَةُ ﴿وكُنّا نَحْنُ الوارِثِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ وهو يُفِيدُ أنَّها لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ فَلا يَحِلُّ فِيها قَوْمٌ آخَرُونَ بَعْدَهم فَعَبَّرَ عَنْ تَداوُلِ السُّكْنى بِالإرْثِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ. وقَصْرُ إرْثِ تِلْكَ المَساكِنِ عَلى اللَّهِ تَعالى حَقِيقِيٌّ، أيْ لا يَرِثُها غَيْرُنا. وهو كِنايَةٌ (p-١٥٢)عَنْ حِرْمانِ تِلْكَ المَساكِنِ مِنَ السّاكِنِ. وتِلْكَ الكِنايَةُ رَمْزٌ إلى شِدَّةِ غَضَبِ اللَّهِ تَعالى عَلى أهْلِها الأوَّلِينَ بِحَيْثُ تَجاوَزَ غَضَبُهُ السّاكِنِينَ إلى نَفْسِ المَساكِنِ فَعاقَبَها بِالحِرْمانِ مِن بَهْجَةِ المَساكِنِ؛ لِأنَّ بَهْجَةَ المَساكِنِ سُكّانُها فَإنَّ كَمالَ المَوْجُوداتِ هو بِهِ قِوامُ حَقائِقِها.


ركن الترجمة

How many habitations that had come to boast of their resources have We destroyed? These their dwellings were never inhabited except rarely after them; and they came back to Us.

Et combien avons-Nous fait périr de cités qui étaient ingrates (alors que leurs habitants vivaient dans l'abondance), et voilà qu'après eux leurs demeures ne sont que très peu habitées, et c'est Nous qui en fûmes l'héritier.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :