ركن التفسير
65 - واذكر (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) إليكم
وقوله: "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" النداء الأول عن سؤال التوحيد وهذا فيه إثبات النبوات ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم وكيف كان حالكم معهم وهذا كما يسأل العبد في قبره. من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأما الكافر فيقول هاه هاه لا أدري ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكون لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
﴿ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهم لا يَتَساءَلُونَ﴾ هُوَ يَوْمُ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، كَرَّرَ الحَدِيثَ عَنْهُ (p-١٦٢)بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ ما يَقَعُ فِيهِ؛ لِأنَّ مَقامَ المَوْعِظَةِ يَقْتَضِي الإطْنابَ في تَعْدادِ ما يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّوْبِيخَ. وكُرِّرَتْ جُمْلَةُ ”يَوْمَ يُنادِيهِمْ“؛ لِأنَّ التَّكْرارَ مِن مُقْتَضَياتِ مَقامِ المَوْعِظَةِ، وهَذا تَوْبِيخٌ لَهم عَلى تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ بَعْدَ انْقِضاءِ تَوْبِيخِهِمْ عَلى الإشْراكِ بِاللَّهِ. والمُرادُ: ماذا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ في الدَّعْوَةِ إلى تَوْحِيدِ اللَّهِ وإبْطالِ الشُّرَكاءِ. والمُرادُ بِـ ”المُرْسَلِينَ“ مُحَمَّدٌ ﷺ كَما في قَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ سَبَأٍ: ”فَكَذَّبُوا رُسُلِي“ . ولَهُ نَظائِرُ في القُرْآنِ مِنها قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ١٠٣]، يُرِيدُ مُحَمَّدًا ﷺ في سُورَةِ يُونُسَ، وقَوْلُهُ: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥]، الآياتِ في سُورَةِ الشُّعَراءِ، وإنَّما كَذَّبَ كُلُّ فَرِيقٍ مِن أُولَئِكَ رَسُولًا واحِدًا. والَّذِي اقْتَضى صِيغَةَ الجَمْعِ أنَّ جَمِيعَ المُكَذِّبِينَ إنَّما كَذَّبُوا رُسُلَهم بِعِلَّةِ اسْتِحالَةِ رِسالَةِ البَشَرِ إلى البَشَرِ، فَهم إنَّما كَذَّبُوا بِجِنْسِ المُرْسَلِينَ، ولامُ الجِنْسِ إذا دَخَلَتْ عَلى ”جَمِيعِ“ أبْطَلَتْ مِنهُ مَعْنى الجَمْعِيَّةِ. والِاسْتِفْهامُ بِـ ”ماذا“ صُورِيٌّ مَقْصُودٌ مِنهُ إظْهارُ بَلْبَلَتِهِمْ. و”ذا“ بَعْدَ ”ما“ الِاسْتِفْهامِيَّةِ تُعامَلُ مُعامَلَةَ المَوْصُولِ، أيْ ما الَّذِي أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ، أيْ ما جَوابُكم. والأنْباءُ: جَمْعُ نَبَأٍ، وهو الخَبَرُ عَنْ أمْرٍ مُهِمٍّ، والمُرادُ بِهِ هُنا الجَوابُ عَنْ سُؤالِ ﴿ماذا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ﴾؛ لِأنَّ ذَلِكَ الجَوابَ إخْبارٌ عَمّا وقَعَ مِنهم مَعَ رُسُلِهِمْ في الدُّنْيا. والمَعْنى: عَمِيَتِ الأنْباءُ عَلى جَمِيعِ المَسْئُولِينَ فَسَكَتُوا كُلُّهم، ولَمْ يُنْتَدَبْ زُعَماؤُهم لِلْجَوابِ كَفِعْلِهِمْ في تَلَقِّي السُّؤالِ السّابِقِ ﴿أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] . ومَعْنى ”عَمِيَتْ“ خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ وهو مَأْخُوذٌ مِن عَمى البَصَرِ؛ لِأنَّهُ يَجْعَلُ صاحِبَهُ لا يَتَبَيَّنُ الأشْياءَ، فَتَصَرَّفَتْ مِنَ العَمى مَعانٍ كَثِيرَةٌ مُتَشابِهَةٌ، يُبَيِّنُها تَعْدِيَةُ الفِعْلِ كَما عُدِّيَ هُنا بِحَرْفِ ”عَلى“ المُناسِبِ لِلْخَفاءِ. ويُقالُ: عَمِيَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، إذا لَمْ يَعْرِفْ ما يُوَصِّلُ مِنهُ، قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ: ؎أرانا الهُدى بَعْدَ العَمى فَقُلُوبُنا بِهِ مُوقِناتٌ أنَّ ما قالَ واقِعُ والمَعْنى: خَفِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ ولَمْ يَهْتَدُوا إلى جَوابٍ، وذَلِكَ مِنَ الحَيْرَةِ والوَهَلِ، (p-١٦٣)فَإنَّهم لَمّا نُودُوا ﴿أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص: ٦٢] انْبَرى رُؤَساؤُهم فَلَفَّقُوا جَوابًا عَدَلُوا بِهِ عَنْ جادَّةِ الِاسْتِفْهامِ إلى إنْكارِ أنْ يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ سَنُّوا لِقَوْمِهِمْ عِبادَةَ الأصْنامِ، فَلَمّا سُئِلُوا عَنْ جَوابِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ عَيُوا عَنِ الجَوابِ، فَلَمْ يَجِدُوا مُغالَطَةً؛ لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا مَسْبُوقِينَ مِن سَلَفِهِمْ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ، فَإنَّ الرَّسُولَ بُعِثَ إلَيْهِمْ أنْفُسِهِمْ. ولِهَذا تَفَرَّعَ عَلى ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ﴾ قَوْلُهُ: ﴿فَهم لا يَتَساءَلُونَ﴾، أيْ لا يَسْألُ بَعْضُهم بَعْضًا لِاسْتِخْراجِ الآراءِ، وذَلِكَ مِن شِدَّةِ البَهْتِ والبَغْتِ عَلى الجَمِيعِ أنَّهم لا مُتَنَصَّلَ لَهم مِن هَذا السُّؤالِ فَوَجِمُوا. وإذْ كانَ الِاسْتِفْهامُ لِتَمْهِيدِ أنَّهم مَحْقُوقُونَ بِالعَذابِ عُلِمَ مِن عَجْزِهِمْ عَنِ الجَوابِ عَنْهُ أنَّهم قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ العَذابُ.