ركن التفسير
22 - (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا) لتصرفنا عن عبادتها (فأتنا بما تعدنا) من العذاب على عبادتها (إن كنت من الصادقين) في أنه يأتينا
أي قال لهم هود ذلك فأجابه قومه قائلين "أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا" أي لتصدنا عن آلهتنا "فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعادا منهم وقوعه كقوله جلت عظمته "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها".
﴿قالُوا أجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ جَوابٌ عَنْ قَوْلِهِ ﴿أنْ لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢٦]، ولِذَلِكَ جاءَ فِعْلُ قالُوا مَفْصُولًا عَلى طَرِيقِ المُحاوَرَةِ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ. والمَجِيءُ مُسْتَعارٌ لِلْقَصْدِ بِطَلَبِ أمْرٍ عَظِيمٍ، شُبِّهَ طَرُوُّ الدَّعْوَةِ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ يَدْعُو بِها بِمَجِيءٍ جاءَ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ المَكانِ. والأفْكُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ: الصَّرْفُ، وأرادُوا بِهِ مَعْنى التَّرْكُ، أيْ لِنَتْرُكَ عِبادَةَ آلِهَتِنا. وهَذا الإنْكارُ تَعْرِيضٌ بِالتَّكْذِيبِ فَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَيْهِ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ فَصَرَّحُوا بِتَكْذِيبِهِ بِطَرِيقِ المَفْهُومِ. (p-٤٧)والمَعْنى: ائْتِنا بِالعَذابِ الَّذِي تَعِدُنا بِهِ، أيْ عَذابِ اليَوْمِ العَظِيمِ، وإنَّما صَرَفُوا مُرادَ هُودٍ بِالعَذابِ إلى خُصُوصِ عَذابِ الدُّنْيا لِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ وبِهَذا يُؤْذِنُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَلَمّا رَأوْهُ عارِضًا وقَوْلُهُ ﴿بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٤] . وأرادُوا: ائْتِنا بِهِ الآنَ لِأنَّ المَقامَ مَقامُ تَكْذِيبٍ بِأنَّ عِبادَةَ آلِهَتِهِمْ تَجُرُّ لَهُمُ العَذابَ. و”مِنَ الصّادِقِينَ“ أبْلَغُ في الوَصْفِ بِالصِّدْقِ مِن أنْ يُقالَ: إنْ كُنْتَ صادِقًا، كَما تَقَرَّرَ في قَوْلِهِ - تَعالى - وكانَ مِنَ الكافِرِينَ في سُورَةِ البَقَرَةِ، أيْ إنْ كُنْتَ في قَوْلِكَ هَذا مِنَ الَّذِينَ صَدَقُوا، أيْ فَإنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فَما أنْتَ بِصادِقٍ فِيهِ.