موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأربعاء 6 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل15 ماي 2024


الآية [26] من سورة  

قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَٰسِقِينَ


ركن التفسير

26 - (قال) تعالى له (فإنها) أي الأرض المقدسة (محرمة عليهم) أن يدخلوها (أربعين سنة يتيهون) يتحيرون (في الأرض) وهي تسعة فراسخ قاله ابن عباس (فلا تأسَ) تحزن (على القوم الفاسقين) روي أنهم كانوا يسيرون جادين فاذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه ويسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين ، قيل وكانوا ستمائة ألف ومات هارون وموسى في التيه وكان لهما رحمة وعذابا لأولئك وسأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه كما في الحديث ونبئ يوشع بعد الأربعين وأمر بقتال الجبارين فسار بمن بقي معه وقاتلهم وكان يوم الجمعة ووقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم ، وروى أحمد في مسنده حديث "إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس"

وقوله تعالى " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " الآية. لما دعا عليهم موسى - عليه السلام- حين اكلوا عن الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم قدر مدة أربعين سنة فوقعوا في التيه يسيرون دائما لا يهتدون للخروج منه وفيه كانت أمور عجيبة وخوارق كثيرة من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل معهم على دابة فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا تجري لكل شعب عين وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران وهناك نزلت التوراة وشرعت لهم الأحكام وعملت قبة العهد ويقال لها قبة الزمان قال يزيد بن هارون: عن أصبغ بن زيد عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير سألت ابن عباس عن قوله " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " الآية. قال: فتاهوا في الأرض أربعين سنة يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى وهذا قطعة من حديث الفتون ثم كانت وفاة هارون - عليه السلام- ثم بعده بمدة ثلاثة سنين وفاة موسى الكليم - عليه السلام- وأقام الله فيهم يوشع بن نون - عليه السلام- نبيا خليفة عن موسى بن عمران ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة ويقال إنه لم يبق منهم أحد سوى يوشع وكالب ومن ههنا قال بعض المفسرين في قوله " قال فإنها محرمة عليهم " هذا وقف تام وقوله " أربعين سنة " منصوب بقوله " يتيهون في الأرض " فلما انقضت المدة خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر فلما تضيفت الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم قال: إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي فحبسها الله تعالى حتى فتحها وأمر الله يوشع بن نون أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدس أن يدخلوا بابها سجدا وهم يقولون حطة أي حط عنا ذنوبا فبدلوا ما أمروا به ودخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حبة في شعرة وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن أبي عمر العبدي حدثنا سفيان عن أبي سعد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قوله " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " قال فتاهوا أربعين سنة قال فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون وهو الذي قام بالأمر بعد موسى وهو الذي افتتحها وهو الذي قيل له اليوم يوم الجمعة فهموا بافتتاحها ودنت الشمس للغروب فخشي أن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا فنادى الشمس إنى مأمور وإنك مأمورة فوقفت حتى افتتحها فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط فقربوه إلى النار فلم تأته فقال فيكم الغلول فدعا رءوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده فقال: الغلول عندك فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها وهذا السياق له شاهد في الصحيح وقد اختار ابن جرير أن قوله " فإنها محرمة عليهم " هو للعامل في أربعين سنة وأنهم مكثوا لا يدخلونها أربعين سنة وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد قال: ثم خرجوا مع موسى عليه السلام ففتح بهم بيت المقدس ثم احتج على ذلك من قال بإجماع علماء أخيار الأولين أن عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام قال: فلو كان قتله إياه قبل التيه لما رهبت بنو إسرائيل من العماليق فدل على أنه كان بعد التيه قال: وأجمعوا على أن بلعام بن باعورا أعان الجبارين بالدعاء على موسى قال وما ذاك إلا بعد التيه لأنهم كانوا قبل التيه لا يخافون من موسى وقومه هذا استدل له ثم قال: حدثنا أبو كريب حدثنا ابن عطية حدثنا قيس بن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت عصا موسى عشرة أذرع ووثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع فوثب فأصاب كعب عوج فقتله فكان جسرا لأهل النيل سنة وروي أيضا عن محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي إسحق عن نوف هو البكالي قال: كان سرير عوج ثمانمائة ذراع وكان طول موسى عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ووثب في السماء عشرة أذرع فضرب عوجا فأصاب كعبه فسقط ميتا وكان جسرا للناس يمرون عليه. وقوله تعالى " فلا تأس على القوم الفاسقين " تسلية لموسى عليه السلام عنها أي لا تأسف ولا تحزن عليهم فيما حكمت عليهم به فإنهم مستحقون ذلك وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه عن خلقه في ذلك الزمان وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون لتقر به أعينهم وما بالعهد من قدم ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يترددون وهم البغضاء إلى الله وأعدائه ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود وألزمهم لعنة تصحبهم إلى الدار ذات الوقود ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود وقد فعل وله الحمد في جميع الوجود.

﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ فَإذا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكم غالِبُونَ وعَلى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿قالُوا يا مُوسى إنّا لَنْ نَدْخُلَها أبَدًا ما دامُوا فِيها فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إلّا نَفْسِي وأخِي فافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ ﴿قالَ فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرْضِ فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ . فُصِّلَتْ هَذِهِ الجُمَلُ الأرْبَعُ جَرْيًا عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَرَةِ كَما بَيَّنّاهُ سالِفًا في سُورَةِ البَقَرَةِ. والرَّجُلانِ هُما يُوشَعُ وكالِبٌ. ووُصِفَ الرَّجُلانِ بِأنَّهم (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالخَوْفِ في قَوْلِهِ: ”يَخافُونَ“ الخَوْفَ مِنَ العَدُوِّ؛ فَيَكُونُ المُرادُ بِاسْمِ المَوْصُولِ بَنِي إسْرائِيلَ. جَعَلَ تَعْرِيفَهم بِالمَوْصُولِيَّةِ لِلتَّعْرِيضِ بِهِمْ بِمَذَمَّةِ الخَوْفِ وعَدَمِ الشَّجاعَةِ، فَيَكُونُ (مِن) في قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ﴾ اتِّصالِيَّةً وهي الَّتِي في نَحْوِ قَوْلِهِمْ: لَسْتُ مِنكَ ولَسْتَ مِنِّي، أيْ يَنْتَسِبُونَ إلى الَّذِينَ يَخافُونَ. ولَيْسَ المَعْنى أنَّهم مُتَّصِفُونَ بِالخَوْفِ بِقَرِينَةِ أنَّهم (p-١٦٥)حَرَّضُوا قَوْمَهم عَلى غَزْوِ العَدُوِّ، وعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما﴾ أنَّ اللَّهَ أنْعَمَ عَلَيْهِما بِالشَّجاعَةِ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ فِعْلِ (أنْعَمَ) اكْتِفاءً بِدَلالَةِ السِّياقِ عَلَيْهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالخَوْفِ الخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، أيْ كانَ قَوْلُهُما لِقَوْمِهِما ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ﴾ ناشِئًا عَنْ خَوْفِهِما اللَّهَ تَعالى، فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأنَّ الَّذِينَ عَصَوْهُما لا يَخافُونَ اللَّهَ تَعالى، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما﴾ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِبَيانِ مَنشَأِ خَوْفِهِما اللَّهَ تَعالى، أيِ الخَوْفُ مِنَ اللَّهِ نِعْمَةٌ مِنهُ عَلَيْهِما. وهَذا يَقْتَضِي أنَّ الشَّجاعَةَ في نَصْرِ الدِّينِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلى صاحِبِها. ومَعْنى ﴿أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما﴾ أنْعَمَ عَلَيْهِما بِسَلْبِ الخَوْفِ مِن نُفُوسِهِمْ وبِمَعْرِفَةِ الحَقِيقَةِ. و”البابَ“ يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ مَدْخَلُ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، أيِ المَسالِكُ الَّتِي يُسْلَكُ مِنها إلى أرْضِ كَنْعانَ، وهو الثَّغْرُ والمَضِيقُ الَّذِي يُسْلَكُ مِنهُ إلى مَنزِلِ القَبِيلَةِ يَكُونُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وعْرَيْنِ، إذْ لَيْسَ في الأرْضِ المَأْمُورِينَ بِدُخُولِها مَدِينَةٌ بَلْ أرْضٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١]، فَأرادا: فَإذا اجْتَزْتُمُ الثَّغْرَ ووَطِئْتُمْ أرْضَ الأعْداءِ غَلَبْتُمُوهم في قِتالِهِمْ في دِيارِهِمْ. وقَدْ يُسَمّى الثَّغْرُ البَحْرِيُّ بابًا أيْضًا، مِثْلَ بابِ المَندَبِ، وسَمَّوْا مَوْضِعًا بِجِهَةِ بُخارى البابَ. وحَمَلَ المُفَسِّرُونَ البابَ عَلى المَشْهُورِ المُتَعارَفِ، وهو بابُ البَلَدِ الَّذِي في سُورِهِ، فَقالُوا: أرادا بابَ قَرْيَتِهِمْ، أيْ لِأنَّ فَتْحَ مَدِينَةِ الأرْضِ يُعَدُّ مِلْكًا لِجَمِيعِ تِلْكَ الأرْضِ. والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ القَرْيَةَ هي (أرِيحا) أوْ (قادِشُ) حاضِرَةُ العَمالِقَةِ يَوْمَئِذٍ، وهي المَذْكُورَةُ في سُورَةِ البَقَرَةِ. والبابُ بِهَذا المَعْنى هو دَفَّةٌ عَظِيمَةٌ مُتَّخَذَةٌ مِن ألْواحٍ تُوَصَّلُ بِجُزْأيْ جِدارٍ أوْ سُورٍ بِكَيْفِيَّةٍ تَسْمَحُ لِأنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّوْحُ سادًّا لِتِلْكَ الفُرْجَةِ مَتى أُرِيدَ سَدُّها وبِأنْ تُفْتَحَ عِنْدَ إرادَةِ فَتْحِها؛ فَيُسَمّى السَّدُّ بِهِ غَلْقًا وإزالَةُ السَّدِّ فَتْحًا. وبَعْدَ أنْ أمَرا القَوْمَ بِاتِّخاذِ الأسْبابِ والوَسائِلِ أمَراهم بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ والِاعْتِمادِ عَلى وعْدِهِ ونَصْرِهِ وخَبَرِ رَسُولِهِ، ولِذَلِكَ ذَيَّلا بِقَوْلِهِما ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، لِأنَّ الشَّكَّ في صِدْقِ الرَّسُولِ مُبْطِلٌ لِلْإيمانِ. (p-١٦٦)وإنَّما خاطَبُوا مُوسى عَقِبَ مَوْعِظَةِ الرَّجُلَيْنِ لَهم، رُجُوعًا إلى إبايَتِهِمُ الأُولى الَّتِي شافَهُوا بِها مُوسى إذْ قالُوا ﴿إنَّ فِيها قَوْمًا جَبّارِينَ﴾ [المائدة: ٢٢]، أوْ لِقِلَّةِ اكْتِراثِهِمْ بِكَلامِ الرَّجُلَيْنِ وأكَّدُوا الِامْتِناعَ الثّانِيَ مِنَ الدُّخُولِ بَعْدَ المُحاوَرَةِ أشَدَّ تَوْكِيدٍ. دَلَّ عَلى شِدَّتِهِ في العَرَبِيَّةِ ثَلاثُ مُؤَكِّداتٍ: إنَّ، ولَنْ، وكَلِمَةُ أبَدًا. ومَعْنى قَوْلِهِمْ ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا﴾ إنْ كانَ خِطابًا لِمُوسى أنَّهم طَلَبُوا مِنهُ مُعْجِزَةً كَما تَعَوَّدُوا مِنَ النَّصْرِ فَطَلَبُوا أنْ يُهْلِكَ اللَّهُ الجَبّارِينَ بِدَعْوَةِ مُوسى. وقِيلَ: أرادُوا بِهَذا الكَلامِ الِاسْتِخْفافَ بِمُوسى، وهَذا بِعِيدٌ، لِأنَّهم ما كانُوا يَشُكُّونَ في رِسالَتِهِ، ولَوْ أرادُوا الِاسْتِخْفافَ لَكَفَرُوا ولَيْسَ في كَلامِ مُوسى الواقِعِ جَوابًا عَنْ مَقالَتِهِمْ هَذِهِ إلّا وصْفُهم بِالفاسِقِينَ. والفِسْقُ يُطْلَقُ عَلى المَعْصِيَةِ الكَبِيرَةِ، فَإنَّ عِصْيانَ أمْرِ اللَّهِ في الجِهادِ كَبِيرَةٌ، ولِذَلِكَ قالَ تَعالى ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: أتى المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ النَّبِيءَ وهو يَدْعُو عَلى المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لا نَقُولُ كَما قالَتْ بَنُو إسْرائِيلَ ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ الحَدِيثَ. فَلا تَظُنَّنَّ مِن ذَلِكَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ كانَتْ مَقْرُوءَةً بَيْنَهم يَوْمَ بَدْرٍ، لِأنَّ سُورَةَ المائِدَةِ مِن آخِرِ ما نَزَلَ، وإنَّما تَكَلَّمَ المِقْدادُ بِخَبَرٍ كانُوا يَسْمَعُونَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيما يُحَدِّثُهم بِهِ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ، ثُمَّ نَزَلَتْ في هَذِهِ الآيَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ. قالَ أيْ مُوسى، مُناجِيًا رَبَّهُ أوْ بِمَسْمَعٍ مِنهم لِيُوقِفَهم عَلى عَدَمِ امْتِثالِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ ﴿رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إلّا نَفْسِي وأخِي﴾، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى لا أقْدِرُ إلّا عَلى نَفْسِي وأخِي، وإنَّما لَمْ يَعُدَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قالا ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ﴾، لِأنَّهُ خَشِيَ أنْ يَسْتَهْوِيَهُما قَوْمُهُما. والَّذِي في كُتُبِ اليَهُودِ أنَّ هارُونَ كانَ قَدْ تُوَفِّيَ قَبْلَ هَذِهِ الحادِثَةِ. ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِأخِيهِ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ لِأنَّهُ كانَ (p-١٦٧)مُلازِمَهُ في شُئُونِهِ، وسَمّاهُ اللَّهُ فَتاهُ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ﴾ [الكهف: ٦٠] الآيَةَ. وعَطَفَهُ هُنا عَلى نَفْسِهِ لِأنَّهُ كانَ مُحَرِّضًا لِلْقَوْمِ عَلى دُخُولِ القَرْيَةِ. ومَعْنى ﴿فافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ أنْ لا تُؤاخِذَنا بِجُرْمِهِمْ، لِأنَّهُ خَشِيَ أنْ يُصِيبَهم عَذابٌ في الدُّنْيا فَيُهْلِكَ الجَمِيعَ فَطَلَبَ النَّجاةَ، ولا يَصِحُّ أنْ يُرِيدَ الفَرْقَ بَيْنَهم في الآخِرَةِ، لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ اللَّهَ لا يُؤاخِذُ البَرِيءَ بِذَنْبِ المُجْرِمِ، ولِأنَّ بَراءَةَ مُوسى وأخِيهِ مِنَ الرِّضا بِما فَعَلَهُ قَوْمُهم أمْرٌ يَعْلَمُهُ اللَّهُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالفَرْقِ بَيْنَهُمُ الحُكْمُ بَيْنَهم وإيقافُ الضّالِّينَ عَلى غَلَطِهِمْ. وقَوْلُ اللَّهِ تَعالى لَهُ ﴿فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ أرْبَعِينَ سَنَةً﴾ إلَخْ جَوابٌ عَنْ قَوْلِ مُوسى ﴿فافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾، وهو جَوابٌ جامِعٌ لِجَمِيعِ ما تَضَمَّنَهُ كَلامُ مُوسى: لِأنَّ اللَّهَ أعْلَمَ مُوسى بِالعِقابِ الَّذِي يُصِيبُ بِهِ الَّذِينَ عَصَوْا أمْرَهُ، فَسَكَّنَ هاجِسَ خَوْفِهِ أنْ يُصِيبَهم عَذابٌ يَعُمُّ الجَمِيعَ، وحَصَلَ العِقابُ لَهم عَلى العِصْيانِ انْتِصارًا لِمُوسى. فَإنْ قُلْتَ: هَذا العِقابُ قَدْ نالَ مُوسى مِنهُ ما نالَ قَوْمَهُ، فَإنَّهُ بَقِيَ مَعَهم في التِّيهِ حَتّى تُوُفِّيَ. قُلْتُ: كانَ ذَلِكَ هَيِّنًا عَلى مُوسى لِأنَّ بَقاءَهُ مَعَهم لِإرْشادِهِمْ وصَلاحِهِمْ وهو خِصِّيصَةُ رِسالَتِهِ، فالتَّعَبُ في ذَلِكَ يَزِيدُهُ رَفْعَ دَرَجَةٍ، أمّا هم فَكانُوا في مَشَقَّةٍ. يَتِيهُونَ يَضِلُّونَ، ومَصْدَرُهُ التَّيْهُ بِفَتْحِ التّاءِ وسُكُونِ الياءِ والتِّيهُ بِكَسْرِ التّاءِ وسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ. وسُمِّيَتِ المَفازَةُ تَيْهاءَ وسُمِّيَتْ تِيهًا. وقَدْ بَقِيَ بَنُو إسْرائِيلَ مُقِيمِينَ في جِهاتٍ ضَيِّقَةٍ ويَسِيرُونَ الهُوَيْنا عَلى طَرِيقٍ غَيْرِ مُنْتَظِمٍ حَتّى بَلَغُوا جَبَلَ (نِيبُو) عَلى مَقْرُبَةٍ مِن نَهْرِ (الأُرْدُنِّ)، فَهُنالِكَ تُوُفِّيَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهُنالِكَ دُفِنَ. ولا يُعْرَفُ مَوْضِعُ قَبْرِهِ كَما في نَصِّ كِتابِ اليَهُودِ. وما دَخَلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ حَتّى عَبَرُوا الأُرْدُنَّ بِقِيادَةِ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ خَلِيفَةِ مُوسى. وقَدِ اسْتَثْناهُ اللَّهُ تَعالى هو وكالِبَ بْنَ يَفْنَةَ، لِأنَّهُما لَمْ يَقُولا: لَنْ نَدْخُلَها. وأمّا بَقِيَّةُ الرُّوّادِ الَّذِينَ أرْسَلَهم مُوسى لِاخْتِبارِ الأرْضِ فَوافَقُوا قَوْمَهم في الِامْتِناعِ مِن دُخُولِها. (p-١٦٨)وقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى الإخْبارِ بِهَذا العِقابِ، لِأنَّهُ عَلِمَ أنَّ مُوسى يُحْزِنُهُ ذَلِكَ، فَنَهاهُ عَنِ الحُزْنِ لِأنَّهم لا يَسْتَأْهِلُونَ الحُزْنَ لِأجْلِهِمْ لِفِسْقِهِمْ. والأسى: الحُزْنُ، يُقالُ أسِيَ كَفَرِحَ إذا حَزِنَ.


ركن الترجمة

(And God) said: "Then verily this land is forbidden them for forty years, and they shall wander perplexed over the earth. So do not grieve for these, the wicked people."

Il (Allah) dit: «Eh bien, ce pays leur sera interdit pendant quarante ans, durant lesquels ils erreront sur la terre. Ne te tourmente donc pas pour ce peuple pervers».

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :