موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأربعاء 6 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل15 ماي 2024


الآية [41] من سورة  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِأَفْوَٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ سَمَّٰعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِنۢ بَعْدِ مَوَاضِعِهِۦ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُوا۟ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُۥ فَلَن تَمْلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ


ركن التفسير

41 - (يا أيها الرسول لا يحزنك) صنع (الذين يسارعون في الكفر) يقعون فيه بسرعة أي يظهرونه إذا وجدوا فرصة (من) للبيان (الذين قالوا آمنا بأفواههم) بألسنتهم متعلق بقالوا (ولم تؤمن قلوبهم) وهم المنافقون (ومن الذين هادوا) قوم (سماعون للكذب) الذي افترته أحبارهم سماع قبول (سماعون) منك (لقوم) لأجل قوم (آخرين) من اليهود (لم يأتوك) وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما (يحرفون الكلم) الذي في التوراة كآية الرجم (من بعد مواضعه) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه (يقولون) لمن أرسلوهم (إن أوتيتم هذا) الحكم المحرف أي الجلد الذي أفتاكم به محمد (فخذوه) فاقبلوه (وإن لم تؤتوه) بل أفتاكم بخلافه (فاحذروا) أن تقبلوه (ومن يرد الله فتنته) إضلاله (فلن تملك له من الله شيئا) في دفعها (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) من الكفر ولو أراده لكان (لهم في الدنيا خزي) ذل بالفضيحة والجزية (ولهم في الآخرة عذاب عظيم)

نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين أراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل " من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " أي أظهروا الإيمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه وهؤلاء هم المنافقون " من الذين هادوا" أعداء الإسلام وأهله وهؤلاء كلهم "سماعون للكذب " أي مستجيبون له منفعلون عنه " سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " أي يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد وقيل المراد أنهم يتسمعون الكلام وينهونه إلى قوم آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك " يحرفون الكلم من بعد مواضعه" أي يتأولونه على غير تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " قيل نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا: تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد فإن حكم بالدية فاقبلوه وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه والصحيح أنها نزلت في اليهود من اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه واصلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والحميم والركاب على حمارين مقلوبين فلما وقعت تلك الكائنة بعد الأجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حتى نتحاكم إليه فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك وقد وردت الأحاديث بذلك فقال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على اية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة أخرجاه وهذا لفظ البخاري وهو لفظ له قال لليهود ما تصنعون بهما ؟ قالوا نسخم وجوههم ونخزيهما قال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاء,ا فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور: اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه فقال ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال يا محمد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما وعند مسلم أن رسول الله أتي بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا نسود وجوههما ونحممها ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين قال فجاءوا بها فقرؤها حتى إذا مر بأية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليرفع يده فرفع يده فاذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال عبد الله بن عمر كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه وقال أبو داود حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدارس فقالوا: يا أبا القاسم إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال ائتوني بالتوراة فأتي بها فبزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال صلى الله عليه وسلم ائتوني بأعلمكم فأتى بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع وقال الزهري: سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ونحن عند ابن المسيب عن أبي هريرة قال زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلنا واحتج بها عند الله قلنا فتيا نبي من أنبيائكم قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ويجبه ويجلد والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قالى وسكت شاب منهم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم النشدة فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أول ما ارتخصتم أمر الله فقال زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل في إثره من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا لا نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما قال الزهري بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه وابن جرير وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزانية و في كتابكم فقالوا نعم فقالوا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقال لا والله ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه قال فأمر به فرجم قال فأنزل الله عز وجل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله يقولون إن أؤتيتم هذا فخذوه أي يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخدوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال في اليهود إلى قوله من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون قال في اليهود ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال في الكفار مثلها انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن الأعمش به وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا مجالد بن معيد الهمداني عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود المدينة أن سلوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه فسألوه عن ذلك فقال ارسلوا إلى أعلم رجلين فيكم فجاءوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أنتما أعلم من قبلكما فقالا قد دعانا قومنا لذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما أليس عندكما التوراة فيها حكـم الله قالا بلى قال النبي صلى الله عليه وسلم أنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام وأنجاكم من آل فرعون وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقال أحدهما للآخر ما نشدت بمثله قط ثم قالا نجد ترداد النظر زنية والاعتناق زنية والتقبيل زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبديء ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم فقال النبي هو ذاك فأمر به فرجم فنزلت فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث مجالد به نحوه ولفظ أبي داود عن جابر قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوا بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة ؟ قالا نجد إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما يمنعكم أن ترجموهما قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما ثم رواه أبو داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا ولم يذكر فيه قدما بالشهود فشهدوا فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محاله ولكن هذا بوحي خاص من الله عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع علمهم على خلافه بأن زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم وعدو لهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به ولهذا قالوا إن أوتيتم هذا أي الجلد والتحميم فخذوه أي اقبلوه وإن لم تؤتوه فاحذروا أي من قبوله واتباعه قال الله تعالى ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم لي الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أي الباطل أكالون للسحت أي الحرام وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ثم قال لنبيه فإن جاؤك أي يتحاكمون إليك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والحسن وغير واحد هي منسوخة بقوله وأن احكم بينهم بما أنزل الله وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط أي بالحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل إن الله يحب المقسطين ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الذائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا أي لا يخرجرن عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها والربانيون والأحبار أي وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والأحبار وهم العلماء بما استحفظوا من كتاب الله أي بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني أي لا تخافوا منهم أو خافوني ولاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فيه قولان سياتي بيانهما سبب آخر في نزول الآيات الكريمات وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله ابن عبد الله عن ابن عباس قال إن الله أنزل من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الفاسقون قال: قال ابن عباس أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قاتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائه وسق فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا لنا بمائة وسق فقالت الذليلة وهل كان في حيين دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحددية بعضهم نصف دية بعض إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذا قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ثم ذكرت العزيزة فقالت والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه لأن لم يعطيكم حذرتم فلم تحكموه فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخيروا له رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا فانزل الله تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الخيرات إلى قوله الفاسقون ففيهم والله أنزل وإياهم عنى الله عز وجل ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه بنحوه وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات التي في المائدة قوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إلى المقسطين إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف تؤدى الدية كاملة وأن قريظة كان يؤدى لهم نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية في ذلك سواء والله أعلم أي ذلك كان ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن إسحق بنحوه ثم قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت فريظة والنضير وكانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل القرظي رجلا من النضير قتل به وإن قتل النضيري رجلا من قريظة ودي بمائه وسق من تمر فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجلا من النضير رجلا من قريظة فقالوا ادفعوه إليه فقالوا بيننا وبينكم رسول الله فنزلت وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن موسى بنحوه وهكذا قال قتادة وثفات بن حبان وابن زيد وغيره واحد وروى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا كما تقدمت الأحاديث بذلك وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الأيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلك وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين إلى آخرها وهذا يقول أن سبب النزول قضية القصاعى والله سبحانه وتعالى أعلم وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاري وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم: نزلت في أهل الكتاب زاد الحسن البصري وهي علينا واجبة وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت قال: فقالا وفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقال السدي ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به فهو ظالم فاسق رواه ابن جرير ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي ومن لم يحكم بما أنزل الله قال للمسلمين وقال ابن جرير حدثنا ابن المثن حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة بن أبي السفر عن الشعبي ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال هذا في المسلمين ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون قال هذا في اليهود ومن لم يحكم بما أنزل الله أولئك هم الفاسقون قال هذا في النصارى وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي وقال عبدالرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله "ومن لم يحكم" الآية قال هي به كفر قال ابن طاوس وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق رواه ابن جرير وقال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" قال ليس بكفر ينقل عن الملة وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" قال ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ورواه الحاكم في مستدركه عن حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

﴿يا أيُّها الرَّسُولُ لا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهم ومِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِيتُمْ هَذا فَخُذُوهُ وإنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فاحْذَرُوا ومَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهم لَهم في الدُّنْيا خِزْيٌ ولَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِتَهْوِينِ تَألُّبِ المُنافِقِينَ واليَهُودِ عَلى الكَذِبِ والِاضْطِرابِ في مُعامَلَةِ الرَّسُولِ ﷺ وسُوءِ طَواياهم مَعَهُ، بِشَرْحِ صَدْرِ (p-١٩٥)النَّبِيءِ ﷺ مِمّا عَسى أنْ يُحْزِنَهُ مِن طَيْشِ اليَهُودِ واسْتِخْفافِهِمْ ونِفاقِ المُنافِقِينَ. وافْتَتَحَ الخِطابَ بِأشْرَفِ الصِّفاتِ وهي صِفَةُ الرِّسالَةِ عَنِ اللَّهِ. وسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ حَدَثَ أثْناءَ مُدَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فَعُقِّبَتِ الآياتُ النّازِلَةُ قَبْلَها بِها. وسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ وما أشارَتْ إلَيْهِ هو ما رَواهُ أبُو داوُدَ، والواحِدِيُّ في أسْبابِ النُّزُولِ، والطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ ما مُحَصِّلُهُ: «أنَّ اليَهُودَ اخْتَلَفُوا في حَدِّ الزّانِي حِينَ زَنى فِيهِمْ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ مِن أهْلِ خَيْبَرَ أوْ أهْلِ فَدَكَ، بَيْنَ أنْ يُرْجَمَ وبَيْنَ أنْ يُجْلَدَ ويُحَمَّمَ اخْتِلافًا ألْجَأهم إلى أنْ أرْسَلُوا إلى يَهُودِ المَدِينَةِ» أنْ يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ في شَأْنِ ذَلِكَ، وقالُوا: إنْ حَكَمَ بِالتَّحْمِيمِ قَبِلْنا حُكْمَهُ وإنْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ فَلا تَقْبَلُوهُ، وأنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ لِأحْبارِهِمْ بِالمَدِينَةِ: ما تَجِدُونَ في التَّوْراةِ عَلى مَن زَنى إذا أُحْصِنَ، قالُوا: يُحَمَّمُ ويُجْلَدُ ويُطافُ بِهِ، وأنَّ النَّبِيءَ ﷺ كَذَّبَهم وأعْلَمَهم بِأنَّ حُكْمَ التَّوْراةِ هو الرَّجْمُ عَلى مَن أُحْصِنَ، فَأنْكَرُوا، فَأمَرَ بِالتَّوْراةِ أنْ تُنْشَرَ أيْ تُفْتَحَ طَيّاتُها وكانُوا يَلُفُّونَها عَلى عُودٍ بِشَكْلٍ أُسْطُوانِيٍّ وجَعَلَ بَعْضُهم يَقْرَؤُها ويَضَعُ يَدَهُ عَلى آيَةِ الرَّجْمِ أيْ يَقْرَؤُها لِلَّذِينَ يَفْهَمُونَها، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإذا تَحْتَها آيَةُ الرَّجْمِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَأكُونَنَّ أوَّلَ مَن أحْيا حُكْمَ التَّوْراةِ. فَحَكَمَ بِأنْ يُرْجَمَ الرَّجُلُ والمَرْأةُ. وفي رِواياتِ أبِي داوُدَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ لا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ نَزَلَ في شَأْنِ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ رَوى الواحِدِيُّ والطَّبَرِيُّ. ولَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا يَدُلُّ عَلى سَبَبِ الإشارَةِ إلى ذِكْرِ المُنافِقِينَ في صَدْرِ هَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ . ولَعَلَّ المُنافِقِينَ مِمَّنْ يُبْطِنُونَ اليَهُودِيَّةَ كانُوا مُشارِكِينَ لِلْيَهُودِ في هَذِهِ القَضِيَّةِ، أوْ (p-١٩٦)كانُوا يَنْتَظِرُونَ أنْ لا يُوجَدَ في التَّوْراةِ حُكْمُ رَجْمِ الزّانِي فَيَتَّخِذُوا ذَلِكَ عُذْرًا لِإظْهارِ ما أبَطَنُوهُ مِنَ الكُفْرِ بِعِلَّةِ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ ﷺ . وأحْسَبُ أنَّ التِجاءَ اليَهُودِ إلى تَحْكِيمِ الرَّسُولِ ﷺ في ذَلِكَ لَيْسَ لِأنَّهم يُصَدِّقُونَ بِرِسالَتِهِ ولا لِأنَّهم يَعُدُّونَ حُكْمَهُ تَرْجِيحًا في اخْتِلافِهِمْ ولَكِنْ لِأنَّهم يَعُدُّونَهُ ولِيَّ الأمْرِ في تِلْكَ الجِهَةِ وما يَتْبَعُها. ولَهم في قَواعِدِ أعْمالِهِمْ وتَقادِيرِ أحْبارِهِمْ أنْ يُطِيعُوا وُلاةَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ أهْلِ مِلَّتِهِمْ. فَلَمّا اخْتَلَفُوا في حُكْمِ دِينِهِمْ جَعَلُوا الحُكْمَ لِغَيْرِ المُخْتَلِفِينَ لِأنَّ حُكْمَ ولِيِّ الأمْرِ مُطاعٌ عِنْدَهم. فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ حُكْمًا جَمَعَ بَيْنَ إلْزامِهِمْ بِمُوجِبِ تَحْكِيمِهِمْ وبَيْنَ إظْهارِ خَطَئِهِمْ في العُدُولِ عَنْ حُكْمِ كِتابِهِمْ، ولِذَلِكَ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى القِسْطَ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ حَكَمْتَ فاحْكم بَيْنَهم بِالقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] . ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ناشِئًا عَنْ رَأْيِ مَن يُثْبِتُ مِنهم رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ ويَقُولُ: إنَّهُ رَسُولٌ لِلْأُمِّيِّينَ خاصَّةً. وهَؤُلاءِ هُمُ اليَهُودُ العِيسَوِيَّةُ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مُؤَيِّدًا لَهم، لِأنَّهُ يُعَدُّ كالإخْبارِ عَنِ التَّوْراةِ، ويُؤَيِّدُهُ ما رَواهُ أبُو داوُدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ يَهُودِيًّا زَنى بِيَهُودِيَّةٍ فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنا إلى مُحَمَّدٍ فَإنَّهُ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإنْ أفْتى بِالجَلْدِ دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنا واحْتَجَجْنا بِها عِنْدَ اللَّهِ وقُلْنا فُتْيا نَبِيءٍ مِن أنْبِيائِكَ، وإمّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن نَوْعِ الِاعْتِضادِ بِمُوافَقَةِ شَرِيعَةِ الإسْلامِ فَيَكُونُ تَرْجِيحُ أحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ بِمُوافَقَتِهِ لِشَرْعٍ آخَرَ. ويُؤَيِّدُهُ ما رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ أنَّهم قالُوا: ذَهَبَ سُلْطانُنا فَكَرِهْنا القَتْلَ؛ وإمّا أنْ يَكُونُوا قَدْ عَدَلُوا عَنْ حُكْمِ شَرِيعَتِهِمْ تَوَقُّفًا عِنْدَ التَّعارُضِ فَمالُوا إلى التَّحْكِيمِ. ولَعَلَّ ذَلِكَ مُباحٌ في شَرْعِهِمْ، ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ ورَدَ في حَدِيثِ البُخارِيِّ وغَيْرِهِ أنَّهم لَمّا اسْتَفْتَوُا النَّبِيءَ ﷺ انْطَلَقَ مَعَ أصْحابِهِ حَتّى جاءَ المِدْراسَ وهو بَيْتُ تَعْلِيمِ اليَهُودِ وحاجَّهم في حُكْمِ الرَّجْمِ، وأجابَهُ حَبْرانِ مِنهم يُدْعَيانِ بِابْنَيْ صُورِيّا بِالِاعْتِرافِ بِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّجْمِ في التَّوْراةِ؛ وإمّا أنْ يَكُونُوا حَكَّمُوا النَّبِيءَ ﷺ قَصْدًا لِاخْتِبارِهِ فِيما يَدَّعِي مِنَ العِلْمِ بِالوَحْيِ، وكانَ حُكْمُ الرَّجْمِ عِنْدَهم مَكْتُومًا لا يَعْلَمُهُ إلّا خاصَّةُ أحْبارِهِمْ، (p-١٩٧)ومَنسِيًّا لا يُذْكَرُ بَيْنَ عُلَمائِهِمْ، فَلَمّا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ بُهِتُوا، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما ظَهَرَ مِن مُرادِهِمْ في إنْكارِهِمْ وُجُودَ حُكْمِ الرَّجْمِ. فَفي صَحِيحِ البُخارِيِّ أنَّهم أنْكَرُوا أنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّجْمِ في التَّوْراةِ وأنَّ النَّبِيءَ ﷺ جاءَ المِدْراسَ فَأمَرَ بِالتَّوْراةِ فَنُشِرَتْ فَجَعَلَ قارِئُهم يَقْرَأُ ويَضَعُ يَدَهُ عَلى آيَةِ الرَّجْمِ وأنَّ النَّبِيءَ ﷺ أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ فَأمَرَهُ أنْ يَرْفَعَ يَدَهُ وقُرِئَتْ آيَةُ الرَّجْمِ واعْتَرَفَ ابْنا صُورِيّا بِها. وأيًّا ما كانَ فَهَذِهِ الحادِثَةُ مُؤْذِنَةٌ بِاخْتِلالِ نِظامِ الشَّرِيعَةِ بَيْنَ اليَهُودِ يَوْمَئِذٍ وضَعْفِ ثِقَتِهِمْ بِعُلُومِهِمْ. ومَعْنى ﴿لا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ﴾ نَهْيُهُ عَنْ أنْ يَحْصُلَ لَهُ إحْزانٌ مُسْنَدٌ إلى الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ. والإحْزانُ فِعْلُ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ، والنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ الغَيْرِ إنَّما هو نَهْيٌ عَنْ أسْبابِهِ، أيْ لا تَجْعَلْهم يُحْزِنُونَكَ، أيْ لا تَهْتَمَّ بِما يَفْعَلُونَ مِمّا شَأْنُهُ أنْ يُدْخِلَ الحُزْنَ عَلى نَفْسِكَ. وهَذا اسْتِعْمالٌ شائِعٌ وهو مِنِ اسْتِعْمالِ المُرَكَّبِ في مَعْناهُ الكِنائِيِّ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهم: لا أعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذا، أيْ لا تَفْعَلْ حَتّى أعْرِفَهُ. وقَوْلُهم: لا أُلْفِيَنَّكَ هاهُنا، ولا أرَيَنَّكَ هُنا. وإسْنادُ الإحْزانِ إلى الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ لَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لِأنَّ الَّذِينَ يُسارِعُونَ سَبَبٌ في الإحْزانِ، وأمّا مُثِيرُ الحُزْنِ في نَفْسِ المَحْزُونِ فَهو غَيْرُ مَعْرُوفٍ في العُرْفِ؛ ولِذَلِكَ فَهو مِنَ المَجازِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ. وأمّا كَوْنُ اللَّهِ هو مُوجِدَ الأشْياءِ كُلِّها فَذَلِكَ لَيْسَ مِمّا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ ومَجازٌ؛ إذْ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ غالِبُ الإسْنادِ مَجازًا عَقْلِيًّا، ولَيْسَ كَذَلِكَ، وهَذا مِمّا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النّاظِرِينَ في تَعْيِينِ حَقِيقَةٍ عَقْلِيَّةٍ لِبَعْضِ مَوارِدِ المَجازِ العَقْلِيِّ. ولَقَدْ أجادَ الشَّيْخُ عَبْدُ القاهِرِ إذْ قالَ في دَلائِلِ الإعْجازِ: اعْلَمْ أنَّهُ لَيْسَ بِواجِبٍ في هَذا أنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ فاعِلٌ في التَّقْدِيرِ إذا أنْتَ نَقَلْتَ الفِعْلَ إلَيْهِ صارَ حَقِيقَةً فَإنَّكَ لا تَجِدُ في قَوْلِكَ: أقْدَمَنِي بَلَدَكَ حَقٌّ لِي عَلى فُلانٍ، فاعِلًا سِوى الحَقِّ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ؎وصَيَّرَنِي هَواكِ وبِي لِحَيْنِي يُضْرَبُ المَثَلُ و: ؎يَزِيدُكَ وجْهُهُ حُسْنًا (p-١٩٨)أنْ تَزْعُمَ أنَّ لَهُ فاعِلًا قَدْ نُقِلَ عَنْهُ الفِعْلُ فَجُعِلَ لِلْهَوى ولِلْوَجْهِ اهـ. ولَقَدْ وهِمَ الإمامُ الرّازِيُّ في تَبْيِينِ كَلامِ عَبْدِ القاهِرِ فَطَفِقَ يَجْلِبُ الشَّواهِدَ الدّالَّةَ عَلى أنَّ أفْعالًا قَدْ أُسْنِدَتْ لِفاعِلٍ مُجازِيٍّ مَعَ أنَّ فاعِلَها الحَقِيقِيَّ هو اللَّهُ تَعالى، فَإنَّ الشَّيْخَ لا يَعْزُبُ عَنْهُ ذَلِكَ ولَكِنَّهُ يَبْحَثُ عَنِ الفاعِلِ الَّذِي يُسْنَدُ إلَيْهِ الفِعْلُ حَقِيقَةً في عُرْفِ النّاسِ مِن مُؤْمِنِينَ وكافِرِينَ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: إذا أنْتَ نَقَلْتَ الفِعْلَ إلَيْهِ أيْ أسْنَدْتَهُ إلَيْهِ. ومَعْنى المُسارَعَةِ في الكُفْرِ إظْهارُ آثارِهِ عِنْدَ أدْنى مُناسَبَةٍ وفي كُلِّ فُرْصَةٍ، فَشَبَّهَ إظْهارَهُ المُتَكَرِّرَ بِإسْراعِ الماشِي إلى الشَّيْءِ، كَما يُقالُ: أسْرَعَ إلَيْهِ الشَّيْبُ، وقَوْلُهُ: إذا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرى إلَيْهِ. وعُدِّيَ بِـ ”في“ الدّالَّةِ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الإسْراعَ مَجازٌ بِمَعْنى التَّوَغُّلِ، فَيَكُونُ (في) قَرِينَةَ المَجازِ، كَقَوْلِهِمْ: أسْرَعَ الفَسادُ في الشَّيْءِ، وأسْرَعَ الشَّيْبُ في رَأْسِ فُلانٍ. فَجَعَلَ الكُفْرَ بِمَنزِلَةِ الظَّرْفِ وجَعَلَ تَخَبُّطَهم فِيهِ وشِدَّةَ مُلابَسَتِهِمْ إيّاهُ بِمَنزِلَةِ جَوَلانِ الشَّيْءِ في الظَّرْفِ جَوَلانًا بِنَشاطٍ وسُرْعَةٍ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿يُسارِعُونَ في الإثْمِ﴾ [المائدة: ٦٢]، وقَوْلُهُ: ﴿نُسارِعُ لَهم في الخَيْراتِ﴾ [المؤمنون: ٥٦]، ﴿أُولَئِكَ يُسارِعُونَ في الخَيْراتِ﴾ [المؤمنون: ٦١] . فَهي اسْتِعارَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ في القُرْآنِ وكَلامِ العَرَبِ. وسَيَجِيءُ ما هو أقْوى مِنها وهو قَوْلُهُ: ﴿يُسارِعُونَ فِيهِمْ﴾ [المائدة: ٥٢] . وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ﴾ إلَخْ بَيانٌ لِلَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ. والَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهم هُمُ المُنافِقُونَ. وقَوْلُهُ: ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا﴾ . والوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ . وقَوْلُهُ: ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هم سَمّاعُونَ (p-١٩٩)لِلْكَذِبِ. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ المُقَدَّرَ عائِدٌ عَلى الفَرِيقَيْنِ: المُنافِقِينَ واليَهُودِ، بِقَرِينَةِ الحَدِيثِ عَنِ الفَرِيقَيْنِ. وحَذْفُ المُسْنَدِ إلَيْهِ في مِثْلِ هَذا المَقامِ حَذْفٌ اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمالُ، وذَلِكَ بَعْدَ أنْ يَذْكُرُوا مُتَحَدِّثًا عَنْهُ أوْ بَعْدَ أنْ يَصْدُرَ عَنْ شَيْءٍ أمْرٌ عَجِيبٌ يَأْتُونَ بِأخْبارٍ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ مَحْذُوفٍ المُبْتَدَأُ مِنها، كَقَوْلِهِمْ لِلَّذِي يُصِيبُ بِدُونِ قَصْدٍ ”رَمْيَةٌ مِن غَيْرِ رامٍ“ وقَوْلِ أبِي الرُّقَيْشِ. ؎سَرِيعٌ إلى ابْنِ العَمِّ يُلْطَمُ وجْهُهُ ∗∗∗ ولَيْسَ إلى داعِي النَّدى بِسَرِيعِ وقَوْلِ بَعْضِ شُعَراءِ الحَماسَةِ: ؎فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الغِنى عَنْ صَدِيقِهِ ∗∗∗ ولا مُظْهِرُ الشَّكْوى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ عَقِبَ قَوْلِهِ: ؎سَأشْكُرُ عَمْرًا إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي ∗∗∗ أيادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وإنْ هي جَلَّـتِ والسَّمّاعُ: الكَثِيرُ السَّمْعِ، أيِ الِاسْتِماعِ لِما يُقالُ لَهُ. والسَّمْعُ مُسْتَعْمَلٌ في حَقِيقَتِهِ، أيْ أنَّهم يُصْغُونَ إلى الكَلامِ الكَذِبِ وهم يَعْرِفُونَهُ كَذِبًا، أيْ أنَّهم يَحْفَلُونَ بِذَلِكَ ويَتَطَلَّبُونَهُ فَيَكْثُرُ سَماعُهم إيّاهُ. وفي هَذا كِنايَةٌ عَنْ تَفَشِّي الكَذِبِ في جَماعَتِهِمْ بَيْنَ سامِعٍ ومُخْتَلِقٍ، لِأنَّ كَثْرَةَ السَّمْعِ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ القَوْلِ. والمُرادُ بِالكَذِبِ كَذِبُ أحْبارِهِمُ الزّاعِمِينَ أنَّ حُكْمَ الزِّنى في التَّوْراةِ التَّحْمِيمُ. وجُمْلَةُ ﴿سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ خَبَرٌ ثانٍ عَنِ المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ. والمَعْنى أنَّهم يَقْبَلُونَ ما يَأْمُرُهم بِهِ قَوْمٌ آخَرُونَ مِن كَتْمِ غَرَضِهِمْ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ حَتّى إنْ حَكَمَ بِما يَهْوَوْنَ اتَّبَعُوهُ وإنْ حَكَمَ بِما يُخالِفُ (p-٢٠٠)هَواهم عَصَوْهُ، أيْ هم أتْباعٌ لِقَوْمٍ مُتَسَتِّرِينَ، هُمُ القَوْمُ الآخَرُونَ، وهم أهْلُ خَيْبَرَ وأهْلُ فَدَكَ الَّذِينَ بَعَثُوا بِالمَسْألَةِ ولَمْ يَأْتِ أحَدٌ مِنهُمُ النَّبِيءَ ﷺ . واللّامُ في ”لِقَوْمٍ“ لِلتَّقْوِيَةِ لِضَعْفِ اسْمِ الفاعِلِ عَنِ العَمَلِ في المَفْعُولِ. وجُمْلَةُ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ قَوْمٍ آخَرِينَ أوْ حالٌ، ولَك أنْ تَجْعَلَها حالًا مِنَ ﴿الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ . وتَقَدَّمَ الكَلامُ في تَحْرِيفِ الكَلِمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] في سُورَةِ النِّساءِ، وأنَّ التَّحْرِيفَ المَيْلُ إلى حَرْفٍ، أيْ جانِبٍ، أيْ نَقْلُهُ مِن مَوْضِعِهِ إلى طَرَفٍ آخَرَ. وقالَ هُنا ﴿مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾، وفي سُورَةِ النِّساءِ ﴿عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [المائدة: ١٣] لِأنَّ آيَةَ سُورَةِ النِّساءِ في وصْفِ اليَهُودِ كُلِّهِمْ وتَحْرِيفِهِمْ في التَّوْراةِ، فَهو تَغْيِيرُ كَلامِ التَّوْراةِ بِكَلامٍ آخَرَ عَنْ جَهْلٍ أوْ قَصْدٍ أوْ خَطَأٍ في تَأْوِيلِ مَعانِي التَّوْراةِ أوْ في ألْفاظِها. فَكانَ إبْعادًا لِلْكَلامِ عَنْ مَواضِعِهِ، أيْ إزالَةً لِلْكَلامِ الأصْلِيِّ سَواءٌ عُوِّضَ بِغَيْرِهِ أوْ لَمْ يُعَوَّضْ. وأمّا هاتِهِ الآيَةُ فَفي ذِكْرِ طائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ أبْطَلُوا العَمَلَ بِكَلامٍ ثابِتٍ في التَّوْراةِ إذْ ألْغَوْا حُكْمَ الرَّجْمِ الثّابِتَ فِيها دُونَ تَعْوِيضِهِ بِغَيْرِهِ مِنَ الكَلامِ، فَهَذا أشَدُّ جُرْأةً مِنَ التَّحْرِيفِ الآخَرِ، فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ أبْلَغَ في تَحْرِيفِ الكَلامِ، لِأنَّ لَفْظَ (بَعْدَ) يَقْتَضِي أنَّ مَواضِعَ الكَلِمِ مُسْتَقِرَّةٌ وأنَّهُ أُبْطِلَ العَمَلُ بِها مَعَ بَقائِها قائِمَةً في كِتابِ التَّوْراةِ. والإشارَةُ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿إنْ أُوتِيتُمْ هَذا﴾ إلى الكَلِمِ المُحَرَّفِ. والإيتاءُ هُنا: الإفادَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿وآتاهُ اللَّهُ المُلْكَ والحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٥١] . والأخْذُ: القَبُولُ، أيْ إنْ أُجِبْتُمْ بِمِثْلِ ما تَهْوَوْنَ فاقْبَلُوهُ وإنْ لَمْ تُجابُوهُ فاحْذَرُوا قَبُولَهُ. وإنَّما قالُوا: فاحْذَرُوا، لِأنَّهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِمُ الطَّعْنَ في أحْكامِهِمُ الَّتِي مَضَوْا عَلَيْها وفي حُكّامِهِمُ الحاكِمِينَ بِها. وإرادَةُ اللَّهِ فِتْنَةَ المَفْتُونِ قَضاؤُها لَهُ في الأزَلِ، وعَلامَةُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ عَدَمُ (p-٢٠١)إجْداءِ المَوْعِظَةِ والإرْشادِ فِيهِ. فَذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾، أيْ لا تَبْلُغُ إلى هَدْيِهِ بِما أمَرَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدَّعْوَةِ لِلنّاسِ كافَّةً. وهَذا التَّرْكِيبُ يَدُلُّ في كَلامِ العَرَبِ عَلى انْتِفاءِ الحِيلَةِ في تَحْصِيلِ أمْرٍ ما. ومَدْلُولُ مُفْرَداتِهِ أنَّكَ لا تَمْلِكُ، أيْ لا تَقْدِرُ عَلى أقَلِّ شَيْءٍ مِنَ اللَّهِ، أيْ لا تَسْتَطِيعُ نَيْلَ شَيْءٍ مِن تَيْسِيرِ اللَّهِ لِإزالَةِ ضَلالَةِ هَذا المَفْتُونِ، لِأنَّ مادَّةَ المِلْكِ تَدُلُّ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ، قالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيمِ: ؎مَلَكْتُ بِها كَفِّي فَأنْهَرَ فَتْقَها أيْ شَدَدْتُ بِالطَّعْنَةِ كَفِّي، أيْ مَلَكْتُها بِكَفِّي، وقالَ النَّبِيءُ ﷺ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ «أوَأمْلِكُ لَكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» . وفي حَدِيثِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ عَشِيرَتَهُ «فَإنِّي لا أُغْنِي عَنْكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» . و(شَيْئًا) مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ. وتَنْكِيرُ (شَيْئًا) لِلتَّقْلِيلِ والتَّحْقِيرِ، لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَمّا كانَ بِمَعْنى النَّفْيِ كانَ انْتِفاءُ مِلْكِ شَيْءٍ قَلِيلٍ مُقْتَضِيًا انْتِفاءَ مِلْكِ الشَّيْءِ الكَثِيرِ بِطَرِيقِ الأوْلى. والقَوْلُ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ كالقَوْلِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ . والمُرادُ بِالتَّطْهِيرِ التَّهْيِئَةُ لِقَبُولِ الإيمانِ والهُدى أوْ أرادَ بِالتَّطْهِيرِ نَفْسَ قَبُولِ الإيمانِ. والخِزْيُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إلّا خِزْيٌ﴾ [البقرة: ٨٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وأعادَ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ [المائدة: ٤٢] لِلتَّأْكِيدِ ولِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] . ومَعْنى ﴿أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] أخّاذُونَ لَهُ، لِأنَّ الأكْلَ اسْتِعارَةٌ لِتَمامِ الِانْتِفاعِ. (p-٢٠٢)والسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وسُكُونِ الحاءِ الشَّيْءُ المَسْحُوتُ، أيِ المُسْتَأْصَلُ. يُقالُ: سَحَتَهُ: إذا اسْتَأْصَلَهُ وأتْلَفَهُ. سُمِّيَ بِهِ الحَرامُ لِأنَّهُ لا يُبارَكُ فِيهِ لِصاحِبِهِ، فَهو مَسْحُوتٌ ومَمْحُوقٌ، أيْ مُقَدَّرٌ لَهُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٦]، قالَ الفَرَزْدَقُ: ؎وعَضُّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَدِعْ ∗∗∗ مِنَ المالِ إلّا مُسْحَتٌ أوْ مُجَنَّفُ والسُّحْتُ يَشْمَلُ جَمِيعَ المالِ الحَرامِ، كالرِّبا والرَّشْوَةِ وأكْلِ مالِ اليَتِيمِ والمَغْصُوبِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ سُحْتٌ بِسُكُونِ الحاءِ وقَرَأهُ الباقُونَ بِضَمِّ الحاءِ إتْباعًا لِضَمِّ السِّينِ.


ركن الترجمة

Be not grieved, O Apostle, by those who hasten to outrace others in denial, and say with their tongues: "We believe," but do not believe in their hearts. And those of the Jews who listen to tell lies, and spy on behalf of others who do not come to you, and who distort the words (of the Torah) out of context, and say: "If you are given (what we say is true) accept it; but if you are not given it, beware." You cannot intercede with God for him whom God would not show the way. These are the people whose hearts God does not wish to purify. For them is ignominy in this world and punishment untold in the next --

O Messager! Que ne t'affligent point ceux qui concourent en mécréance; parmi ceux qui ont dit: «Nous avons cru» avec leurs bouches sans que leurs cœurs aient jamais cru et parmi les Juifs qui aiment bien écouter le mensonge et écouter d'autres gens qui ne sont jamais venus à toi et qui déforment le sens des mots une fois bien établi. Ils disent: «Si vous avez reçu ceci, acceptez-le et si vous ne l'avez pas reçu, soyez méfiants». Celui qu'Allah veut éprouver, tu n'as pour lui aucune protection contre Allah. Voilà ceux dont Allah n'a point voulu purifier les cœurs. A eux, seront réservés, une ignominie ici-bas et un énorme châtiment dans l'au-delà.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :