موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 18 رمضان 1445 هجرية الموافق ل29 مارس 2024


الآية [16] من سورة  

وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ


ركن التفسير

16 - (وجاؤوا أباهم عشاء) وقت المساء (يبكون)

يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب ثم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ومظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا.

﴿وجاءُوا أباهم عِشاءً يَبْكُونَ﴾ ﴿قالُوا يا أبانا إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأكَلَهُ الذِّئْبُ وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ ﴿وجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [يوسف: ١٨] عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٥] عَطْفُ جُزْءِ القِصَّةِ. (p-٢٣٦)والعِشاءُ: وقْتُ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الباقِي مِن بَقايا شُعاعِ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِها. والبُكاءُ: خُرُوجُ الدُّمُوعِ مِنَ العَيْنَيْنِ عِنْدَ الحُزْنِ والأسَفِ والقَهْرِ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا ولْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] . وقَدْ أُطْلِقَ هُنا عَلى البُكاءِ المُصْطَنَعِ وهو التَّباكِي. وإنَّما اصْطَنَعُوا البُكاءَ تَمْوِيهًا عَلى أبِيهِمْ لِئَلّا يَظُنُّ بِهِمْ أنَّهُمُ اغْتالُوا يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ولَعَلَّهم كانَتْ لَهم مَقْدِرَةٌ عَلى البُكاءِ مَعَ عَدَمِ وِجْدانِ مُوجِبِهِ، وفي النّاسِ عَجائِبُ مِنَ التَّمْوِيهِ والكَيْدِ. ومِنَ النّاسِ مَن تَتَأثَّرُ أعْصابُهم بِتَخَيُّلِ الشَّيْءِ ومُحاكاتِهِ فَيَعْتَرِيهِمْ ما يَعْتَرِي النّاسَ بِالحَقِيقَةِ. وبَعْضُ المُتَظَلِّمِينَ بِالباطِلِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وفِطْنَةُ الحاكِمِ لا تَنْخَدِعُ لِمِثْلِ هَذِهِ الحِيَلِ ولا تَنُوطُ بِها حُكْمًا، وإنَّما يُناطُ الحُكْمُ بِالبَيِّنَةِ. جاءَتِ امْرَأةٌ إلى شُرَيْحٍ تُخاصِمُ في شَيْءٍ وكانَتْ مُبْطِلَةً فَجَعَلَتْ تَبْكِي، وأظْهَرَ شُرَيْحٌ عَدَمَ الِاطْمِئْنانِ لِدَعْواها، فَقِيلَ لَهُ: أما تَراها تَبْكِي ؟ فَقالَ: قَدْ جاءَ إخْوَةُ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أباهم عِشاءً يَبْكُونَ وهم ظَلَمَةٌ كَذَبَةٌ. لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَقْضِيَ إلّا بِالحَقِّ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: قالَ عُلَماؤُنا: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ بُكاءَ المَرْءِ لا يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقالِهِ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ تَصَنُّعًا. ومِنَ الخَلْقِ مَن لا يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ ومِنهم مَن يَقْدِرُ. قُلْتُ: ومِنَ الأمْثالِ (دُمُوعُ الفاجِرِ بِيَدَيْهِ) وهَذِهِ عِبْرَةٌ في هَذِهِ العِبْرَةِ. والِاسْتِباقُ: افْتِعالٌ مِنَ السَّبْقِ وهو هُنا بِمَعْنى التَّسابُقِ قالَ في الكَشّافِ: والِافْتِعالُ والتَّفاعُلُ يَشْتَرِكانِ كالِانْتِضالِ والتَّناضُلِ، والِارْتِماءِ والتَّرامِي، أيْ فَهو بِمَعْنى المُفاعَلَةِ. ولِذَلِكَ يُقالُ: السِّباقُ أيْضًا. كَما يُقالُ النِّضالُ والرِّماءُ. والمُرادُ: الِاسْتِباقُ بِالجَرْيِ عَلى الأرْجُلِ، وذَلِكَ مِن مَرَحِ الشَّبابِ ولَعِبِهِمْ. والمَتاعُ: ما يُتَمَتَّعُ أيْ يُنْتَفَعُ بِهِ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٢] في سُورَةِ النِّساءِ. والمُرادُ بِهِ هُنا ثَقَلُهم مِنَ الثِّيابِ والآنِيَةِ والزّادِ. (p-٢٣٧)ومَعْنى ﴿فَأكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ قَتَلَهُ وأكَلَ مِنهُ، وفِعْلُ الأكْلِ يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ الشَّيْءِ. والمُرادُ بَعْضُهُ. يُقالُ: أكَلَهُ الأسَدُ إذا أكَلَ مِنهُ. قالَ - تَعالى: ﴿وما أكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] عَطْفًا عَلى المَنهِيّاتِ عَنْ أنْ يُؤْكَلَ مِنها، أيْ بِقَتْلِها. ومِن كَلامِ عُمَرَ حِينَ طَعَنَهُ أبُو لُؤْلُؤَةَ ”أكَلَنِي الكَلْبُ“، أيْ عَضَّنِي. والمُرادُ بِالذِّئْبِ جَمْعٌ مِنَ الذِّئابِ عَلى ما عَرَفْتَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وأخافُ أنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ [يوسف: ١٣]؛ بِحَيْثُ لَمْ يَتْرُكِ الذِّئابُ مِنهُ، ولِذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا فَدَفَنّاهُ. وقَوْلُهُ: ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِ الفائِدَةِ. وهو أنَّ المُتَكَلِّمَ عَلِمَ بِمَضْمُونِ الخَبَرِ. وهو تَعْرِيضٌ بِأنَّهم صادِقُونَ فِيما ادَّعَوْهُ لِأنَّهم يَعْلَمُونَ أباهم لا يُصَدِّقُهم فِيهِ، فَلَمْ يَكُونُوا طامِعِينَ بِتَصْدِيقِهِ إيّاهم. وفِعْلُ الإيمانِ يُعَدّى بِاللّامِ إلى المُصَدَّقِ بِفَتْحِ الدّالِ كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦] . وتَقَدَمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] في سُورَةِ يُونُسَ. وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ فالواوُ واوُ الحالِ. (ولَوِ) اتِّصالِيَّةٌ، وهي تُفِيدُ أنَّ مَضْمُونَ ما بَعْدَها هو أبْعَدُ الأحْوالِ عَنْ تَحَقُّقِ مَضْمُونِ ما قَبْلَها في ذَلِكَ الحالِ. والتَّقْدِيرُ: وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صادِقِينَ في نَفْسِ الأمْرِ، أيْ نَحْنُ نَعْلَمُ انْتِفاءَ إيمانِكَ لَنا في الحالَيْنِ فَلا نَطْمَعُ أنَّ نُمَوِّهَ عَلَيْكَ. ولَيْسَ يَلْزَمُ تَقْدِيرُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ هو ضِدُّ الشَّرْطِ المَنطُوقِ بِهِ لِأنَّ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ عَلى جَعْلِ الواوِ لِلْحالِ مَعَ ”لَوْ وإنْ“ الوَصْلِيَّتَيْنِ ولَيْسَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ في كُلِّ مَوْضِعٍ، ألا تَرى قَوْلَ المَعَرِّي: ؎وإنِّي وإنْ كُنْتُ الأخِيرَ زَمانُهُ لَآتٍ بِما لَمْ تَسْتَطِعْهُ الأوائِلُ كَيْفَ لا يَسْتَقِيمُ تَقْدِيرُ إنِّي إنْ كُنْتُ المُتَقَدِّمَ زَمانُهُ بَلْ وإنْ كُنْتُ الأخِيرَ زَمانُهُ، فَشَرْطُ (لَوِ) الوَصْلِيَّةُ و(إنْ) الوَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهُما مَفْهُومُ مُخالَفَةٍ؛ (p-٢٣٨)لِأنَّ الشَّرْطَ مَعَهُما لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ. وتَقَدَّمَ ذِكْرُ (لَوِ) الوَصْلِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِن أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وجُمْلَةُ ﴿وجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ﴾ [يوسف: ١٨] في مَوْضِعِ الحالِ. ولَمّا كانَ الدَّمُ مُلَطَّخًا بِهِ القَمِيصُ وكانُوا قَدْ جاءُوا مُصاحِبِينَ لِلْقَمِيصِ فَقَدْ جاءُوا بِالدَّمِ عَلى القَمِيصِ. ووَصَفُ الدَّمِ بِالكَذِبِ وصْفٌ بِالمَصْدَرِ، والمَصْدَرُ هُنا بِمَعْنى المَفْعُولِ كالخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ، أيْ مَكْذُوبٍ كَوْنُهُ دَمَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إذْ هو دَمُ جَدْيٍ، فَهو دَمٌ حَقًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ الدَّمُ المَزْعُومُ. ولا شَكَّ في أنَّهم لَمْ يَتْرُكُوا كَيْفِيَّةً مِن كَيْفِيّاتِ تَمْوِيهِ الدَّمِ وحالَةِ القَمِيصِ بِحالِ قَمِيصِ مَن يَأْكُلُهُ الذِّئْبُ مِن آثارِ تَخْرِيقٍ وتَمْزِيقٍ مِمّا لا تَخْلُو عَنْهُ حالَةُ افْتِراسِ الذِّئْبِ، وأنَّهم أفْطَنُ مِن أنْ يَفُوتَهم ذَلِكَ وهم عُصْبَةٌ لا يَعْزُبُ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ. فَما قالَهُ بَعْضُ أصْحابِ التَّفْسِيرِ مِن أنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قالَ لِأبْنائِهِ: ما رَأيْتُ كاليَوْمِ ذِئْبًا أحْلَمُ مِن هَذا، أكَلَ ابْنِي ولَمْ يُمَزِّقْ قَمِيصَهُ، فَذَلِكَ مِن تَظَرُّفاتِ القَصَصِ. وقَوْلُهُ: ﴿عَلى قَمِيصِهِ﴾ [يوسف: ١٨] حالٌ مِن (دَمٍ) فَقُدِّمَ عَلى صاحِبِ الحالِ.


ركن الترجمة

At nightfall they came to their father weeping,

Et ils vinrent à leur père, le soir, en pleurant.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :