ركن التفسير
62 - (وقال لفتيته) وفي قراءة {لفتيانه} غلمانه (اجعلوا بضاعتهم) التي أتوا بها ثمن الميرة وكانت دراهم (في رحالهم) أوعيتهم (لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم) وفرغوا أوعيتهم (لعلهم يرجعون) إلينا لأنهم لا يستحلون إمساكها
وقال لفتيانه " أي غلمانه " اجعلوا بضاعتهم " أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها " في رحالهم " أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون " لعلهم يرجعون " بها قيل خشي يوسف عليه السلام أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها وقيل تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام وقيل أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجا وتورعا لأنه يعلم ذلك منهم والله أعلم.
﴿وقالَ لِفِتْيَتِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ لَعَلَّهم يَعْرِفُونَها إذا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ ”لِفِتْيَتِهِ“ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ جَمْعُ تَكْسِيرِ فَتًى مِثْلِ أخٍ وإخْوَةٍ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ (لِفِتْيانِهِ) بِوَزْنِ إخْوانٍ. والأوَّلُ صِيغَةُ قِلَّةٍ والثّانِي صِيغَةُ كَثْرَةٍ وكِلاهُما يُسْتَعْمَلُ في الآخَرِ. وعَدَدُ الفِتْيانِ لا يَخْتَلِفُ. والفَتى: مَن كانَ في مَبْدَأِ الشَّبابِ، ومُؤَنَّثُهُ فَتاةٌ، ويُطْلَقُ عَلى الخادِمِ تَلَطُّفًا، لِأنَّهم كانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِالشَّبابِ في الخِدْمَةِ، وكانُوا أكْثَرَ ما يَسْتَخْدِمُونَ العَبِيدَ. والبِضاعَةُ: المالُ أوِ المَتاعُ المُعَدُّ لِلتِّجارَةِ. والمُرادُ بِها هُنا الدَّراهِمُ الَّتِي ابْتاعُوا بِها الطَّعامَ كَما في التَّوْراةِ. وقَوْلُهُ ﴿لَعَلَّهم يَعْرِفُونَها﴾ رَجاءَ أنْ يَعْرِفُوا أنَّها عَيْنُ بِضاعَتِهِمْ إمّا بِكَوْنِها مَسْكُوكٌ سِكَّةَ بِلادِهِمْ وإمّا بِمَعْرِفَةِ الصُّرَرِ الَّتِي كانَتْ مَصْرُورَةً فِيها كَما في التَّوْراةِ، أيْ يَعْرِفُونَ أنَّها وُضِعَتْ هُنالِكَ قَصْدَ عَطِيَّةٍ مِن عَزِيزِ مِصْرَ. (p-١٥)والرِّحالُ: جَمْعُ رَحْلٍ، وهو ما يُوضَعُ عَلى البَعِيرِ مِن مَتاعِ الرّاكِبِ، ولِذا سُمِّيَ البَعِيرُ راحِلَةً. والِانْقِلابُ: الرُّجُوعُ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وجُمْلَةُ ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ جَوابٌ لِلْأمْرِ في قَوْلِهِ ﴿اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ﴾ لِأنَّهُ لَمّا أمَرَهم بِالرُّجُوعِ اسْتَشْعَرَ بِنَفاذِ رَأْيِهِ أنَّهم قَدْ يَكُونُونَ غَيْرَ واجِدِينَ بِضاعَةً لِيَبْتاعُوا بِها المِيرَةَ لِأنَّهُ رَأى مَخايِلَ الضِّيقِ عَلَيْهِمْ.