موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأربعاء 18 رمضان 1446 هجرية الموافق ل19 مارس 2025


الآية [17] من سورة  

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِنۢ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًا


ركن التفسير

17 - (وكم) أي كثيرا (أهلكنا من القرون) الأمم (من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) عالما ببواطنها وظواهرها وبه يتعلق بذنوب

يقول تعالى منذرا كفار قريش في تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه قد أهلك أمما من المكذبين للرسل من بعد نوح ودل هذا على أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على الإسلام كما قاله ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. ومعناه أنكم أيها المكذبون لستم أكرم على الله منهم وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق فعقوبتكم أولى وأحرى. وقوله "وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا" أي هو عالم بجميع أعمالهم خيرها وشرها لا يخفى عليه منها خافية سبحانه وتعالى.

(p-٥٦)﴿وكَمْ أهْلَكْنا مِنَ القُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ ضُرِبَ مِثالٌ لِإهْلاكِ القُرى الَّذِي وُصِفَ سَبَبُهُ، وكَيْفِيَّتُهُ في الآيَةِ السّابِقَةِ، فَعَقَّبَ ذَلِكَ بِتَمْثِيلِهِ؛ لِأنَّهُ أشَدُّ في الكَشْفِ، وأدْخَلُ في التَّحْذِيرِ المَقْصُودِ، وفي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ حُلُولِ العَذابِ بِالقُرى مُقَدَّمًا بِإرْسالِ الرَّسُولِ إلى أهْلِ القَرْيَةِ، ثُمَّ بِتَوْجِيهِ الأوامِرِ إلى المُتْرَفِينَ ثُمَّ فِسْقِهِمْ عَنْها، وكانَ زُعَماءُ الكَفَرَةِ مِن قَوْمِ نُوحٍ مُتْرَفِينَ، وهُمُ الَّذِينَ قالُوا (﴿وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هم أراذِلُنا بادِئَ الرَّأْيِ﴾ [هود: ٢٧]) وقالَ لَهم نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿ولا أقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أعْيُنُكم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا﴾ [هود: ٣١] . فَكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ عَطْفَ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِالفاءِ؛ لِأنَّها كالفَرْعِ عَلى الجُمْلَةِ قَبْلَها، ولَكِنَّها عُطِفَتْ بِالواوِ؛ إظْهارًا لِاسْتِقْلالِها بِوَقْعِ التَّحْذِيرِ مِن جِهَةٍ أُخْرى؛ فَكانَ ذَلِكَ تَحْرِيجًا عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ لِهَذا الِاعْتِبارِ المُناسِبِ. و(كَمْ) في الأصْلِ اسْتِفْهامٌ عَنِ العَدَدِ، وتُسْتَعْمَلُ خَبَرِيَّةً دالَّةً عَلى عَدَدٍ كَثِيرٍ مُبْهَمِ النَّوْعِ، فَلِذَلِكَ تَحْتاجُ إلى تَمْيِيزٍ لِنَوْعِ العَدَدِ، وهي هُنا خَبَرِيَّةٌ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِالفِعْلِ الواقِعِ بَعْدَها؛ لِأنَّها التُزِمَ تَقْدِيمُها عَلى الفِعْلِ؛ نَظَرًا لِكَوْنِ أصْلِها الِاسْتِفْهامَ، ولَهُ صَدْرُ الكَلامِ، ومِنَ القُرُونِ تَمْيِيزٌ لِلْإبْهامِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ (كَمْ) . والقُرُونُ: جَمْعُ قَرْنٍ، وهو في الأصْلِ المُدَّةُ الطَّوِيلَةُ مِنَ الزَّمَنِ فَقَدْ يُقَدَّرُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وبِأرْبَعِينَ سَنَةً، ويُطْلَقُ عَلى النّاسِ الَّذِينَ يَكُونُونَ في تِلْكَ المُدَّةِ كَما هُنا، وفي الحَدِيثِ «خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم»، أرادَ أهْلَ قَرْنِي، أيْ أهْلَ القَرْنِ الَّذِي أنا فِيهِ، وقالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وعادًا وثَمُودًا وأصْحابَ الرَّسِّ وقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٨] . (p-٥٧)وتَخْصِيصُ مِن بَعْدِ نُوحٍ إيجازٌ، كَأنَّهُ قِيلَ: مِن قَوْمِ نُوحٍ فَمَن بَعْدَهم، وقَدْ جُعِلَ زَمَنُ نُوحٍ مَبْدَأً لِقَصَصِ الأُمَمِ؛ لِأنَّهُ أوَّلُ رَسُولٍ، واعْتُبِرَ القَصَصُ مِن بَعْدِهِ؛ لِأنَّ زَمَنَ نُوحٍ صارَ كالمُنْقَطِعِ بِسَبَبِ تَجْدِيدِ عُمْرانِ الأرْضِ بَعْدَ الطُّوفانِ، ولِأنَّ العَذابَ الَّذِي حَلَّ بِقَوْمِهِ عَذابٌ مَهُولٌ، وهو الغَرَقُ الَّذِي أحاطَ بِالعالَمِ. ووَجْهُ ذِكْرِهِ تَذْكِيرُ المُشْرِكِينَ بِهِ وأنَّ عَذابَ اللَّهِ لا حَدَّ لَهُ، والتَّنْبِيهُ عَلى أنَّ الضَّلالَةَ تَحُولُ دُونَ الِاعْتِبارِ بِالعَواقِبِ، ودُونَ الِاتِّعاظِ بِما يَحِلُّ بِمَن سَبَقَ، وناهِيكَ بِما حَلَّ بِقَوْمِ نُوحٍ مِنَ العَذابِ المَهُولِ. وجُمْلَةُ ﴿وكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ إقْبالٌ عَلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ بِالخُصُوصِ؛ لِأنَّ كُلَّ ما سَبَقَ مِنَ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ إنَّما مَآلُهُ إلى حَمْلِ النّاسِ عَلى تَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِيما جاءَ بِهِ مِنَ القُرْآنِ بَعْدَ أنْ لَجُّوا في الكُفْرِ، وتَفَنَّنُوا في التَّكْذِيبِ، فَلا جَرَمَ خَتَمَ ذَلِكَ بِتَطْمِينِ النَّبِيءِ بِأنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلى ذُنُوبِ القَوْمِ، وهو تَعْرِيضٌ بِأنَّهُ مُجازِيهِمْ بِذُنُوبِهِمْ بِما يُناسِبُ فَظاعَتَها، ولِذَلِكَ جاءَ بِفِعْلِ كَفى وبِوَصْفَيْ خَبِيرًا بَصِيرًا المُكَنّى بِذِكْرِهِما عَنْ عَدَمِ إفْلاتِ شَيْءٍ مِن ذُنُوبِهِمُ المَرْئِيَّةِ، والمَعْلُومَةِ مِن ضَمائِرِهِمْ أعْنِي أعْمالَهم ونَواياهم. وقَدَّمَ ما هو مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمائِرِ والنَّوايا؛ لِأنَّ العَقائِدَ أصْلُ الأعْمالِ في الفَسادِ والصَّلاحِ، وفي الحَدِيثِ: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْعَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهي القَلْبُ» . وفِي ذِكْرِ فِعْلِ (كَفى) إيماءٌ إلى أنَّ النَّبِيءَ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى مَن يَنْتَصِرُ لَهُ غَيْرِ رَبِّهِ فَهو كافِيَةِ وحَسْبُهُ، قالَ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وهو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧]، أوْ إلى أنَّهُ في غُنْيَةٍ عَنِ الهَمِّ في شَأْنِهِمْ كَقَوْلِهِ لِنُوحٍ ﴿فَلا تَسْألْنِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] فَهَذا إمّا تَسْلِيَةٌ لَهُ عَنْ أذاهم، وإمّا صَرْفٌ لَهُ عَنِ التَّوَجُّعِ لَهم، وفي خِطابِ النَّبِيءِ بِذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالوَعِيدِ لِسامِعِيهِ مِنَ الكُفّارِ.


ركن الترجمة

"How many generations have We laid low after Noah, for your Lord knows and notices well enough the sins of His creatures.

Que de générations avons-nous exterminées, après Noé! Et ton Seigneur suffit qu'Il soit Parfaitement Connaisseur et Clairvoyant sur les péchés de Ses serviteurs.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :