ركن التفسير
22 - (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) لا ناصر لك
يقول تعالى والمراد المكلفون من الأمة لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكا "فتقعد مذموما" أي على إشراكك "مخذولا" لأن الرب تعالى لا ينصرك بل يكلك إلى الذي عبدت معه وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له. وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا بشير ابن سليمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أرسل الله له بالغني إما آجلا وإما عاجلا" ورواه أبو داود والترمذي من حديث بشير بن سليمان به وقال الترمذي حسن صحيح غريب.
﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ تَذْيِيلٌ هو فَذْلَكَةٌ لِاخْتِلافِ أحْوالِ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، فَإنَّ خُلاصَةَ أسْبابِ الفَوْزِ تَرْكُ الشِّرْكِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو مَبْدَأُ الإقْبالِ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ فَهو أوَّلُ خُطُواتِ السَّعْيِ لِمُرِيدِ الآخِرَةِ؛ لِأنَّ الشِّرْكَ قاعِدَةُ اخْتِلالِ التَّفْكِيرِ وتَضْلِيلِ العُقُولِ، قالَ اللَّهُ تَعالى في ذِكْرِ آلِهَةِ المُشْرِكِينَ ﴿وما زادُوهم غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] . والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ تَبَعٌ لِخِطابِ قَوْلِهِ ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٢١]، والمَقْصُودُ إسْماعُ الخِطابِ غَيْرَهُ بِقَرِينَةٍ تُحَقِّقُ أنَّ النَّبِيءَ قائِمٌ بِنَبْذِ الشِّرْكِ، ومَنحٍ عَلى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ. وتَقْعُدَ مُسْتَعارٌ لِمَعْنى المُكْثِ والدَّوامِ، أُرِيدَ بِهَذِهِ الِاسْتِعارَةِ تَجْرِيدُ مَعْنى النَّهْيِ إلى أنَّهُ نَهْيُ تَعْرِيضٍ بِالمُشْرِكِينَ؛ لِأنَّهم مُتَلَبِّسُونَ بِالذَّمِّ والخِذْلانِ، فَإنْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنِ الشِّرْكِ دامُوا في الذَّمِّ والخِذْلانِ. والمَذْمُومُ: المَذْكُورُ بِالسُّوءِ والعَيْبِ. والمَخْذُولُ: الَّذِي أسْلَمَهُ ناصِرُهُ. فَأمّا ذَمُّهُ فَمِن ذَوِي العُقُولِ، إذْ أعْظَمُ سُخْرِيَةً أنْ يَتَّخِذَ المَرْءُ حَجَرًا أوْ عُودًا رَبًّا لَهُ، ويَعْبُدَهُ، كَما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥]، وذَمَّهُ مِنَ اللَّهِ عَلى لِسانِ الشَّرائِعِ. (p-٦٥)وأمّا خِذْلانُهُ فَلِأنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ ولِيًّا لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا ﴿إنْ تَدْعُوهم لا يَسْمَعُوا دُعاءَكم ولَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤]، وقالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿يا أبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢]، وخِذْلانُهُ مِنَ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ لا يَتَوَلّى مَن لا يَتَوَلّاهُ قالَ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] وقالَ ﴿وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ﴾ [الرعد: ١٤] .