ركن التفسير
30 - (إن ربك يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء ويقدر) يضيقه لمن يشاء (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم
وقوله: "إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" إخبار أنه تعالى هو الرزاق القابض الباسط المتصرف في خلقه بما يشاء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء لما له في ذلك من الحكمة ولهذا قال "إنه كان بعباده خبيرا بصيرا" أي خبيرا بصيرا بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر كما جاء في الحديث "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه" وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجا والفقر عقوبة عياذا بالله من هذا وهذا.
(p-٨٦)﴿إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ مَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ مَوْقِعُ اعْتِراضٍ بِالتَّعْلِيلِ لِما تَقَدَّمَ مِنَ الأمْرِ بِإيتاءِ ذِي القُرْبى والمَساكِينِ، والنَّهْيِ عَنِ التَّبْذِيرِ، وعَنِ الإمْساكِ المُفِيدِ الأمْرَ بِالقَصْدِ، بِأنَّ هَذا واجِبُ النّاسِ في أمْوالِهِمْ، وواجِبُهم نَحْوَ قَرابَتِهِمْ، وضُعَفاءِ عَشائِرِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ أنْ يَمْتَثِلُوا ما أمَرَهُمُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ، ولَيْسَ الشُّحُّ بِمُبْقٍ مالَ الشَّحِيحِ لِنَفْسِهِ، ولا التَّبْذِيرُ بِمُغْنٍ مَن يُبَذِّرُ فِيهِمُ المالَ فَإنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِكُلِّ نَفْسٍ رِزْقَها. فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ جارِيًا عَلى سَنَنِ الخِطابِ السّابِقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَدْ حَوَّلَ الكَلامَ إلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ، فَوَجَّهَ بِالخِطابِ إلى النَّبِيءِ؛ لِأنَّهُ الأوْلى بِعِلْمِ هَذِهِ الحَقائِقِ العالِيَةِ، وإنْ كانَتْ أُمَّتُهُ مَقْصُودَةً بِالخِطابِ تَبَعًا لَهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الوَصايا مُخَلَّلَةً بِالإقْبالِ عَلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ . ويَقْدِرُ ضِدُّ يَبْسُطُ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦] في سُورَةِ الرَّعْدِ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٦] تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ إلى آخِرِها، أيْ هو يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ عَلِيمٌ بِأحْوالِ عِبادِهِ، وما يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنهم بِحَسَبِ ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُهم، وما يَحِفُّ بِهِمْ مِن أحْوالِ النُّظُمِ العالَمِيَّةِ الَّتِي اقْتَضَتْها الحِكْمَةُ الإلَهِيَّةُ المُودَعَةُ في هَذا العالَمِ. والخَبِيرُ: العالِمُ بِالأخْبارِ، والبَصِيرُ: العالِمُ بِالمُبْصَراتِ، وهَذانَ الِاسْمانِ الجَلِيلانِ يَرْجِعانِ إلى مَعْنى بَعْضِ تَعَلُّقِ العِلْمِ الإلَهِيِّ.