موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأربعاء 18 رمضان 1446 هجرية الموافق ل19 مارس 2025


الآية [33] من سورة  

وَلَا تَقْتُلُوا۟ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلْطَٰنًا فَلَا يُسْرِف فِّى ٱلْقَتْلِ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورًا


ركن التفسير

33 - (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه) لوارثه (سلطانا) تسلطا على القاتل (فلا يسرف) يتجاوز الحد (في القتل) بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به (إنه كان منصورا)

يقول تعالى ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة" وفي السنن "لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم" وقوله: "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا" أي سلطة على القاتل فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قودا وإن شاء عفا عنه على الدية وإن شاء عفا عنه مجانا كما ثبتت السنة بذلك. وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة أنه سيملك لأنه كان ولي عثمان وقد قتل عثمان مظلوما رضي الله عنه وكان معاوية يطالب عليا رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم لأنه أموي وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة وأبى أن يبايع عليا هو وأهل الشام ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما قاله ابن عباس واستنبطه من هذه الآية الكريمة وهذا من الأمر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال حدثنا يحيى بن عبدالباقي حدثنا أبو عمير بن النحاس حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شودب عن مطر الوراق عن زهدم الجرمي قال: كنا في سمر ابن عباس فقال إني محدثكم بحديث ليس بسر ولا علانية إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان يعني عثمان قلت لعلي اعتزل فلو كنت في حجر طلبت حتى تستخرج فعصاني وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية وذلك أن الله يقول "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل" الآية وليحملنكم قريش على سنة فارس والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس فمن أخذ منكم يومئذ بما يعرف نجا ومن ترك وأنتم تاركون كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك وقوله "فلا يسرف في القتل" قالوا معناه فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل وقوله: "إنه كان منصورا" أي أن الولي منصور على القاتل شرعا وغالبا وقدرا.

﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ مَعْلُومَةٌ حالَةُ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ مِنَ التَّسَرُّعِ إلى قَتْلِ النُّفُوسِ فَكانَ حِفْظُ النُّفُوسِ مِن أعْظَمِ القَواعِدِ الكُلِّيَّةِ لِلشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّةِ، ولِذَلِكَ كانَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ مِن أهَمِّ الوَصايا الَّتِي أوْصى بِها الإسْلامُ أتْباعَهُ في هَذِهِ الآياتِ الجامِعَةِ، وهَذِهِ هي الوَصِيَّةُ التّاسِعَةُ. والنَّفْسُ هُنا الذّاتُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وقَوْلِهِ ﴿أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ في الأرْضِ فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] وقَوْلِهِ ﴿وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، وتُطْلَقُ النَّفْسُ عَلى الرُّوحِ الإنْسانِيِّ وهي النَّفْسُ النّاطِقَةُ. والقَتْلُ: الإماتَةُ بِفِعْلِ فاعِلٍ، أيْ إزالَةُ الحَياةِ عَنِ الذّاتِ. وقَوْلُهُ ﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ حُذِفَ العائِدُ مِنَ الصِّلَةِ إلى المَوْصُولِ؛ لِأنَّهُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِفِعْلِ الصِّلَةِ وحَذْفُهُ كَثِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: حَرَّمَها اللَّهُ، وعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِعَيْنِ النَّفْسِ، والمَقْصُودُ تَحْرِيمُ قَتْلِها. (p-٩٢)ووُصِفَتِ النَّفْسُ بِالمَوْصُولِ والصِّلَةِ بِمُقْتَضى كَوْنِ تَحْرِيمِ قَتْلِها مَشْهُورًا مِن قَبْلِ هَذا النَّهْيِ، إمّا لِأنَّهُ تَقَرَّرَ مِن قَبْلُ بِآياتٍ أُخْرى نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ وقَبْلَ آيَةِ الأنْعامُ حُكْمًا مُفَرِّقًا، وجَمَعَتِ الأحْكامَ في هَذِهِ الآيَةِ وآيَةِ الأنْعامِ، وإمّا لِتَنْزِيلِ الصِّلَةِ مَنزِلَةَ المَعْلُومِ؛ لِأنَّها مِمّا لا يَنْبَغِي جَهْلُهُ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأهْلِ الجاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِقَتْلِ النَّفْسِ بِأنَّهم جَهِلُوا ما كانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْلَمُوهُ، تَنْوِيهًا بِهَذا الحُكْمِ، وذَلِكَ أنَّ النَّظَرَ في خَلْقِ هَذا العالَمِ يَهْدِي العُقُولَ إلى أنَّ اللَّهَ أوْجَدَ الإنْسانَ؛ لِيُعَمِّرَ بِهِ الأرْضَ، كَما قالَ تَعالى ﴿هُوَ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ واسْتَعْمَرَكم فِيها﴾ [هود: ٦١]، فالإقْدامُ عَلى إتْلافِ نَفْسِ هَدْمٌ لِما أرادَ اللَّهُ بِناءَهُ، عَلى أنَّهُ قَدْ تَواتَرَ وشاعَ بَيْنَ الأُمَمِ في سائِرِ العُصُورِ والشَّرائِعِ مِن عَهْدِ آدَمَ صَوْنُ النُّفُوسِ مِنَ الِاعْتِداءِ عَلَيْها بِالإعْدامِ، فَبِذَلِكَ وُصِفَتْ بِأنَّها الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، أيْ عُرِفَتْ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الصِّلَةِ. واسْتُثْنِيَ مِن عُمُومِ النَّهْيِ القَتْلُ المُصاحِبُ لِلْحَقِّ، أيِ الَّذِي يَشْهَدُ الحَقُّ أنَّ نَفْسًا مُعَيَّنَةً اسْتَحَقَّتِ الإعْدامَ مِنَ المُجْتَمَعِ، وهَذا مُجْمَلٌ يُفَسِّرُهُ في وقْتِ النُّزُولِ ما هو مَعْرُوفٌ مِن أحْكامِ القَوَدِ عَلى وجْهِ الإجْمالِ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ سِيقَتْ مَساقَ التَّشْرِيعِ لِلْأُمَّةِ، وإشْعارًا بِأنْ سَيَكُونُ في الأُمَّةِ قَضاءٌ، وحُكْمٌ فِيما يُسْتَقْبَلُ أُبْقِيَ مُجْمَلًا حَتّى تُفَسِّرَهُ الأحْكامُ المُسْتَأْنَفَةُ مِن بَعْدُ، مِثْلَ آيَةِ ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢] إلى قَوْلِهِ ﴿وأعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣] . فالباءُ في قَوْلِهِ بِالحَقِّ لِلْمُصاحَبَةِ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنى الِاسْتِثْناءِ، أيْ إلّا قَتْلًا مُلابِسًا لِلْحَقِّ. والحَقُّ بِمَعْنى العَدْلِ، أوْ بِمَعْنى الِاسْتِحْقاقِ، أيْ حَقُّ القَتْلِ، كَما في الحَدِيثِ: «فَإذا قالُوها أيْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها» . ولَمّا كانَ الخِطابُ بِالنَّهْيِ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ الفِعْلُ في سِياقِ النَّهْيِ كانَ تَعْيِيمُ الحَقِّ المُبِيحِ لِقَتْلِ النَّفْسِ مَوْكُولًا إلى مَن لَهم تَعْيِينُ الحُقُوقِ. (p-٩٣)ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ نازِلَةً قَبْلَ الهِجْرَةِ فَتَعْيِينُ الحَقِّ يَجْرِي عَلى ما هو مُتَعارَفٌ بَيْنَ القَبائِلِ، وهو ما سَيُذْكَرُ في قَوْلِهِ تَعالى عَقِبَ هَذا ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ الآيَةَ. وحِين كانَ المُسْلِمُونَ وقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ مُخْتَلِطِينَ في مَكَّةَ بِالمُشْرِكِينَ، ولَمْ يَكُنِ المُشْرِكُونَ أهْلًا لِلثِّقَةِ بِهِمْ في الطّاعَةِ لِلشَّرائِعِ العادِلَةِ، وكانَ قَدْ يَعْرِضُ أنْ يَعْتَدِيَ أحَدُ المُشْرِكِينَ عَلى أحَدِ المُسْلِمِينَ بِالقَتْلِ ظُلْمًا أمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِأنَّ المَظْلُومَ لا يَظْلِمُ، فَقالَ ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ أيْ قَدْ جَعَلَ لِوَلِيِّ المَقْتُولِ تَصَرُّفًا في القاتِلِ بِالقَوَدِ أوِ الدِّيَةِ. والسُّلْطانُ: مَصْدَرٌ مِنَ السُّلْطَةِ كالغُفْرانِ، والمُرادُ بِهِ ما اسْتَقَرَّ في عَوائِدِهِمْ مِن حُكْمِ القَوَدِ. وكَوْنُهُ حَقًّا لِوَلِيِّ القَتِيلِ يَأْخُذُ بِهِ أوْ يَعْفُو أوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ ألْهَمَهُمُ اللَّهُ إلَيْهِ؛ لِئَلّا يَنْزُوا أوْلِياءَ القَتِيلِ عَلى القاتِلِ أوْ ذَوِيهِ لِيَقْتُلُوا مِنهم مَن لَمْ تَجْنِ يَداهُ قَتْلًا، وهَكَذا تَسْتَمِرُّ التِّراتُ بَيْنَ أخْذٍ ورَدٍّ، فَقَدْ كانَ ذَلِكَ مِن عَوائِدِهِمْ أيْضًا. فالمُرادُ بِالجَعْلِ ما أرْشَدَ اللَّهُ إلَيْهِ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ مِن عادَةِ القَوَدِ. والقَوَدُ مِن جُمْلَةِ المُسْتَثْنى بِقَوْلِهِ ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾؛ لِأنَّ القَوَدَ مِنَ القاتِلِ الظّالِمِ هو قَتْلٌ لِلنَّفْسِ بِالحَقِّ، وهَذِهِ حالَةٌ خَصَّها اللَّهُ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ العُدْوانِ في بَقِيَّةِ أيّامِ الجاهِلِيَّةِ، فَأمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِقَبُولِ القَوَدِ، وهَذا مَبْدَأُ صَلاحٍ عَظِيمٍ في المُجْتَمَعِ الإسْلامِيِّ، وهو حَمْلُ أهْلِهِ عَلى اتِّباعِ الحَقِّ والعَدْلِ حَتّى لا يَكُونَ الفَسادُ مِن طَرَفَيْنِ فَيَتَفاقَمُ أمْرُهُ، وتِلْكَ عادَةٌ جاهِلِيَّةٌ، قالَ الشَّمَيْذَرُ الحارِثِيُّ: ؎فَلَسْنا كَمَن كُنْتُمْ تُصِيبُونَ سَلَّةً فَنَقْبَلُ ضَيْمًا أوْ نُحَكِّمُ قاضِيا ؎ولَكِنَّ حُكْمَ السَّيْفِ فِينا مُسَلَّطٌ ∗∗∗ فَنَرْضى إذا ما أصْبَحَ السَّيْفُ راضِيا (p-٩٤)فَنَهى اللَّهُ المُسْلِمِينَ عَنْ أنْ يَكُونُوا مِثالًا سَيِّئًا يُقابِلُوا الظُّلْمَ بِالظُّلْمِ كَعادَةِ الجاهِلِيَّةِ بَلْ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَّبِعُوا سَبِيلَ الإنْصافِ فَيَقْبَلُوا القَوَدَ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾ . والسَّرَفُ: الزِّيادَةُ عَلى ما يَقْتَضِيهِ الحَقُّ، ولَيْسَ خاصًّا بِالمالِ كَما يُفْهَمُ مِن كَلامِ أهْلِ اللُّغَةِ، فالسَّرَفُ في القَتْلِ هو أنْ يُقْتَلَ غَيْرُ القاتِلِ، أمّا مَعَ القاتِلِ وهو واضِحٌ كَما قالَ المُهَلْهَلُ في الأخْذِ بِثَأْرِ أخِيهِ كُلَيْبٍ: ؎كُلُّ قَتِيلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّةٌ ∗∗∗ حتى يَعُمُّ القَتْلُ آلَ مُرَّةَ وأمّا قَتْلُ غَيْرِ القاتِلِ عِنْدَ العَجْزِ عَنْ قَتْلِ القاتِلِ فَقَدْ كانُوا يَقْتَنِعُونَ عَنِ العَجْزِ عَنِ القاتِلِ بِقَتْلِ رَجُلٍ مِن قَبِيلَةِ القاتِلِ، وكانُوا يَتَكايَلُونَ الدِّماءَ، أيْ يَجْعَلُونَ كَيْلَها مُتَفاوِتًا بِحَسَبِ شَرَفِ القَتِيلِ، كَما قالَتْ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبَ: ؎فَيَقْتُلُ جَبْرًا بِامْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ∗∗∗ بَواءً ولَكِنْ لا تَكايُلَ بِالدَّمِ البَواءُ: الكُفْءُ في الدَّمِ، تُرِيدُ فَيَقْتُلُ القاتِلَ وهو المُسَمّى جَبْرًا، وإنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِعَبْدِ اللَّهِ أخِيها، ولَكِنَّ الإسْلامَ أبْطَلَ التَّكايُلَ بِالدَّمِ. وضَمِيرُ ﴿يُسْرِفْ﴾ بِياءِ الغَيْبَةِ، في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، يَعُودُ إلى الوَلِيِّ مَظِنَّةِ السَّرَفِ في القَتْلِ بِحَسَبِ ما تَعَوَّدُوهُ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ بِتاءِ الخِطابِ أيْ خِطابٍ لِلْوَلِيِّ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ اسْتِئْنافٌ، أيْ أنَّ ولِيَّ المَقْتُولِ كانَ مَنصُورًا بِحُكْمِ القَوَدِ، فَلِماذا يَتَجاوَزُ الحَدَّ مِنَ النَّصْرِ إلى الِاعْتِداءِ والظُّلْمِ بِالسَّرَفِ في القَتْلِ، حَذَّرَهُمُ اللَّهُ مِنَ السَّرَفِ في القَتْلِ، وذَكَّرَهم بِأنَّهُ جَعَلَ لِلْوَلِيِّ سُلْطانًا عَلى القاتِلِ. وقَدْ أكَّدَ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وبِإقْحامِ (كانَ) الدّالِّ عَلى أنَّ الخَبَرَ مُسْتَقِرُّ الثُّبُوتِ، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ مَن تَجاوَزَ حَدَّ العَدْلِ إلى السَّرَفِ في القَتْلِ لا يُنْصَرُ. (p-٩٥)ومِن نُكَتِ القُرْآنِ وبَلاغَتِهِ وإعْجازِهِ الخَفِيِّ الإتْيانُ بِلَفْظِ (سُلْطانٍ) هُنا الظّاهِرِ في مَعْنى المَصْدَرِ، أيِ السُّلْطَةِ والحَقِّ والصّالِحِ لِإرادَةِ إقامَةِ السُّلْطانِ، وهو الإمامُ الَّذِي يَأْخُذُ الحُقُوقَ مِن المُعْتَدِينَ إلى المُعْتَدى عَلَيْهِمْ حِينَ تَنْتَظِمُ جامِعَةُ المُسْلِمِينَ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ دَوْلَةً دائِمَةً، ولَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ سُلْطانٌ. وهَذا الحُكْمُ مَنُوطٌ بِالقَتْلِ الحادِثِ بَيْنَ الأشْخاصِ وهو قَتْلُ العُدْوانِ، فَأمّا القَتْلُ الَّذِي هو لِحِمايَةِ البَيْضَةِ والذَّبِّ عَنِ الحَوْزَةِ، وهو الجِهادُ، فَلَهُ أحْكامٌ أُخْرى، وبِهَذا تَعْلَمُ التَّوْجِيهَ لِلْإتْيانِ بِضَمِيرِ جَماعَةِ المُخاطَبِينَ عَلى ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] وما عُطِفَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّمائِرِ. واعْلَمْ أنَّ جُمْلَةَ ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] عَطْفَ قِصَّةٍ عَلى قِصَّةٍ؛ اهْتِمامًا بِهَذا الحُكْمِ بِحَيْثُ جُعِلَ مُسْتَقِلًّا، فَعُطِفَ عَلى حُكْمٍ آخَرَ، وإلّا فَمُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ تَكُونَ مَفْصُولَةً، إمّا اسْتِئْنافًا لِبَيانِ حُكْمِ حالَةٍ تَكْثُرُ، وإمّا بَدَلَ بَعْضٍ مِن جُمْلَةِ ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾ . و(مَن) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ مُرادٌ بِها العُمُومُ، أيْ وكُلُّ الَّذِي يُقْتَلُ مَظْلُومًا، وأُدْخِلَتِ الفاءُ في جُمْلَةِ خَبَرِ المُبْتَدَأِ؛ لِأنَّ المَوْصُولَ يُعامَلُ مُعامَلَةَ الشَّرْطِ إذا قُصِدَ بِهِ العُمُومُ، والرَّبْطُ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَبَرِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ هو في المَعْنى مُقَدِّمَةٌ لِلْخَبَرِ بِتَعْجِيلِ ما يُطَمْئِنُ نَفْسَ ولِيِّ المَقْتُولِ، والمَقْصُودُ مِنَ إلَخْبَرِ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾، فَكانَ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ تَمْهِيدًا لِقَبُولِ النَّهْيِ عَنِ السَّرَفِ في القَتْلِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ سُلْطانًا فَقَدْ صارَ الحُكْمُ بِيَدِهِ، وكَفاهُ ذَلِكَ شِفاءً لِغَلِيلِهِ. (p-٩٦)ومِن دَلالَةِ الإشارَةِ أنَّ قَوْلَهُ ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ إشارَةٌ إلى إبْطالِ تَوَلِّي ولِيِّ المَقْتُولِ قَتْلَ القاتِلِ دُونَ حُكْمٍ مِنَ السُّلْطانِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِلْخَطَأِ في تَحْقِيقِ القاتِلِ، وذَرِيعَةٌ لِحُدُوثِ قَتْلٍ آخَرَ بِالتَّدافُعِ بَيْنَ أوْلِياءِ المَقْتُولِ وأهْلِ القاتِلِ، ويَجُرُّ إلى الإسْرافِ في القَتْلِ الَّذِي ما حَدَثَ في زَمانِ الجاهِلِيَّةِ إلّا بِمِثْلِ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ، فَضَمِيرُ ﴿فَلا يُسْرِفْ﴾ عائِدٌ إلى ولِيُّهُ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ تَعْلِيلٌ لِلْكَفِّ عَنِ الإسْرافِ في القَتْلِ، والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى ولِيُّهُ. و(في) مِن قَوْلِهِ ﴿فِي القَتْلِ﴾ لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ؛ لِأنَّ الإسْرافَ يَجُولُ في كَسْبٍ ومالٍ ونَحْوِهِ، فَكَأنَّهُ مَظْرُوفٌ في جُمْلَةِ ما جالَ فِيهِ. ولَمّا رَأى بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّ الحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ لا يُناسِبُ إلّا أحْوالَ المُسْلِمِينَ الخالِصِينَ اسْتَبْعَدَ أنْ تَكُونَ الآيَةُ نازِلَةً بِمَكَّةَ فَزَعَمَ أنَّها مَدَنِيَّةٌ، وقَدْ بَيَّنّا وجْهَ مُناسَبَتِها، وأبْطَلْنا أنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً في صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.


ركن الترجمة

And do not take a life, which God has forbidden, except in a just cause. We have given the right (of redress) to the heir of the person who is killed, but he should not exceed the limits (of justice) by slaying (the killer), for he will be judged (by the same law).

Et, sauf en droit, ne tuez point la vie qu'Allah a rendu sacrée. Quiconque est tué injustement, alors Nous avons donné pouvoir à son proche [parent]. Que celui-ci ne commette pas d'excès dans le meurtre, car il est déjà assisté (par la loi).

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :