ركن التفسير
39 - (ذلك مما أوحى إليك) يا محمد (ربك من الحكمة) الموعظة (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) مطرودا من رحمة الله
يقول تعالى هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس "ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما" أي تلومك نفسك ويلومك الله والخلق "مدحورا" أي مبعدا من كل خير قال ابن عباس وقتادة مطرودا والمراد من هذا الخطاب الأمة بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه صلوات الله وسلامه عليه معصوم.
﴿ذَلِكَ مِمّا أوْحى إلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ﴾ عَدَلَ عَنْ مُخاطَبَةِ الأُمَّةِ بِضَمائِرِ جَمْعِ المُخاطَبِينَ، وضَمائِرِ المُخاطَبِ غَيْرِ المُعَيَّنِ إلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ رَدًّا إلى ما سَبَقَ في أوَّلِ هَذِهِ الآياتِ مِن قَوْلِهِ ﴿وقَضى رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلَخْ، وهو تَذْيِيلٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ جُمَلِ النَّهْيِ، والإشارَةُ إلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي صَراحَةٌ مِن قَوْلِهِ ﴿وقَضى رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] . (p-١٠٦)وفِي هَذا التَّذْيِيلِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الآياتُ السَبْعَ عَشْرَةَ هو مِنَ الحِكْمَةِ؛ تَحْرِيضًا عَلى اتِّباعِ ما فِيها، وأنَّهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وفِيهِ امْتِنانٌ عَلى النَّبِيءِ ﷺ بِأنَّ اللَّهَ أوْحى إلَيْهِ، فَذَلِكَ وجْهُ قَوْلِهِ ﴿مِمّا أوْحى إلَيْكَ﴾ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لا يَصِلُ إلَيْهِ الأُمِّيُّونَ لَوْلا الوَحْيُ مِنَ اللَّهِ، وأنَّهُ عَلَّمَهُ ما لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ وأمَرَهُ أنْ يُعَلِّمَهُ النّاسَ. والحِكْمَةُ: مَعْرِفَةُ الحَقائِقِ عَلى ما هي عَلَيْهِ دُونَ غَلَطٍ ولا اشْتِباهٍ، وتُطْلَقُ عَلى الكَلامِ الدّالِّ عَلَيْها، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى (﴿يُوتِي الحِكْمَةَ مَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩]) . * * * ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتُلْقى في جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمَلِ النَّهْيِ المُتَقَدِّمَةِ، وهَذا تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿ألّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]، أُعِيدَ لِقَصْدِ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ التَّوْحِيدِ بِتَكْرِيرِ مَضْمُونِهِ، وبِما رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنَ الوَعِيدِ بِأنْ يُجازى بِالخُلُودِ في النّارِ مُهانًا. والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلى طَرِيقَةِ المَنهِيّاتِ قَبْلَهُ، وبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ ﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ﴾ [الإسراء: ٤٠] الآيَةَ. والإلْقاءُ: رَمْيُ الجِسْمِ مِن أعْلى إلى أسْفَلَ، وهو يُؤْذِنُ بِالإهانَةِ، والمَلُومُ: الَّذِي يُنْكَرُ عَلَيْهِ ما فَعَلَهُ. والمَدْحُورُ: المَطْرُودُ، أيِ المَطْرُودُ مِن جانِبِ اللَّهِ، أيْ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، ومُبْعَدٌ مَن رَحْمَتِهِ في الآخِرَةِ. وتُلْقى مَنصُوبٌ في جَوابِ النَّهْيِ بِفاءِ السَّبَبِيَّةِ والتَّسَبُّبِ عَلى المَنهِيِّ عَنْهُ، أيْ فَيَتَسَبَّبُ عَلى جَعْلِكَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ إلْقاؤُكُ في جَهَنَّمَ.