ركن التفسير
49 - (وقالوا) منكرين للبعث (أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا)
يقول تعالى مخبرا عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد القائلين استفهام إنكار منهم لذلك "أئذا كنا عظاما ورفاتا" أي ترابا قاله مجاهد وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما غبارا "أئنا لمبعوثون خلقا جديدا" أي يوم القيامة بعد ما بلينا وصرنا عدما لا نذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر "يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة" وقوله تعالى "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه" الآيتين فأمر الله سبحانه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم.
(p-١٢٣)﴿وقالُوا أإذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا إنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةً وقالُوا مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما تَقُولُونَ﴾ [الإسراء: ٤٢] بِاعْتِبارِ ما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن قَوْلِهِ ﴿كَما تَقُولُونَ﴾ [الإسراء: ٤٢] لِقَصْدِ اسْتِئْصالِ ضَلالَةٍ أُخْرى مِن ضَلالاتِهِمْ بِالحُجَّةِ الدّامِغَةِ، بَعْدَ اسْتِئْصالِ الَّتِي قَبْلَها بِالحُجَّةِ القاطِعَةِ بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما تَقُولُونَ﴾ [الإسراء: ٤٢] الآيَةَ وما بَيْنَهُما بِمَنزِلَةِ الِاعْتِراضِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿إذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إنْ تَتَّبِعُونَ إلّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] الَّتِي مَضْمُونُها مَظْرُوفٌ لِلنَّجْوى، فَيَكُونُ هَذا القَوْلُ مِمّا تَناجَوْا بِهِ بَيْنَهم، ثُمَّ يَجْهَرُونَ بِإعْلانِهِ ويَعُدُّونَهُ حُجَّتَهم عَلى التَّكْذِيبِ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ. وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ مِن قَوْلِهِ (﴿إذا كُنّا عِظامًا﴾) لِلِاهْتِمامِ بِهِ؛ لِأنَّ مَضْمُونَهُ هو دَلِيلُ الِاسْتِحالَةِ في ظَنِّهِمْ، فالإنْكارُ مُتَسَلِّطٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، وقُوَّةُ إنْكارِ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِحالَةِ الكَوْنِ عِظامًا ورُفاتًا، وأصْلُ تَرْكِيبِ الجُمْلَةِ: أإنّا لَمَبْعُوثُونَ إذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا. ولَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ الظَّرْفِ التَّقْيِيدَ؛ لِأنَّ الكَوْنَ عِظامًا ورُفاتًا ثابِتٌ لِكُلِّ مَن يَمُوتُ فَيُبْعَثُ. والبَعْثُ: الإرْسالُ، وأُطْلِقَ هُنا عَلى إحْياءِ المَوْتى؛ لِأنَّ المَيِّتَ يُشْبِهُ الماكِثَ في عَدَمِ مُبارَحَةِ مَكانِهِ. والعِظامُ: جَمْعُ عَظْمٍ، وهو ما مِنهُ تَرْكِيبُ الجَسَدِ لِلْإنْسانِ والدَّوابِّ، ومَعْنى ﴿كُنّا عِظامًا﴾ أنَّهم عِظامٌ لا لَحْمَ عَلَيْها. (p-١٢٤)والرُّفاتُ: الأشْياءُ المَرْفُوتَةُ، أيِ المُفَتَّتَةُ، يُقالُ: رَفَتَ الشَّيْءَ إذا كَسَرَهُ كِسَرًا دَقِيقَةً، ووَزْنُ فُعالٍ يَدُلُّ عَلى مَفْعُولِ أفْعالِ التَّجْزِئَةِ مِثْلَ الدُّقاقِ، والحُطامِ، والجُذاذِ، والفُتاتِ. و﴿خَلْقًا جَدِيدًا﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ مَبْعُوثُونَ، وذُكِرَ الحالُ؛ لِتَصْوِيرِ اسْتِحالَةِ البَعْثِ بَعْدَ الفَناءِ؛ لِأنَّ البَعْثَ هو الإحْياءُ، فَإحْياءُ العِظامِ والرُّفاتِ مُحالٌ عِنْدَهم، وكَوْنُهم خَلْقًا جَدِيدًا أدْخَلُ في الِاسْتِحالَةِ. والخَلْقُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ، ولِكَوْنِهِ مَصْدَرًا لَمْ يَتْبَعْ مَوْصُوفَهُ في الجَمْعِ.