ركن التفسير
74 - (فانطلقا) بعد خروجهما من السفينة يمشيان (حتى إذا لقيا غلاما) لم يبلغ الحنث يلعب مع الصبيان أحسنهم وجها (فقتله) الخضر بأن ذبحه بالسكين أو اقتلع رأسه بيده أو ضرب رأسه بالجدار أقوال وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقاء وجواب إذا (قال) موسى (أقتلت نفسا زكية) أي طاهرة لم تبلغ حد التكليف وفي قراءة ذكية بتشديد الياء بلا ألف (بغير نفس) أي لم تقتل نفسا (لقد جئت شيئا نكرا) بسكون الكاف وضمها أي منكرا
يقول تعالى " فانطلقا " أي بعد ذلك " حتى إذا لقيا غلاما فقتله " وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى وأنه عمد إليه من بينهم وكان أحسنهم وأجملهم وأضوأهم فقتله وروي أنه احتز رأسه وقيل رضخه بحجر وفي رواية اقتلعه بيده والله أعلم فلما شاهد موسى عليه السلام هذا أنكره أشد من الأول وبادر فقال " أقتلت نفسًا زكية " أي صغيرة لم تعمل الحنث ولا عملت إثما بعد فقتلته " بغير نفس " أي بغير مستند لقتله " لقد جئت شيئًا نكرا " أي ظاهر النكارة.
﴿فانْطَلَقا حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا فَقَتَلَهُ قالَ أقَتَلْتَ نَفْسًا زاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكُرًا﴾ يَدُلُّ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ ﴿فانْطَلَقا حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا﴾ عَنِ اعْتِذارِ مُوسى، عَلى أنَّ الخَضِرَ قَبِلَ عُذْرَهُ، وانْطَلَقا مُصْطَحِبَيْنِ. والقَوْلُ في نَظْمِ قَوْلِهِ ﴿حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا﴾ كالقَوْلِ في قَوْلِهِ ﴿حَتّى إذا رَكِبا في السَّفِينَةِ﴾ [الكهف: ٧١] . وقَوْلُهُ ”فَقَتَلَهُ“ تَعْقِيبٌ لِفِعْلِ ”لَقِيا“ تَأْكِيدًا لِلْمُبادَرَةِ المَفْهُومَةِ مِن تَقْدِيمِ الظَّرْفِ، فَكانَتِ المُبادَرَةُ بِقَتْلِ الغُلامِ عِنْدَ لِقائِهِ أسْرَعَ مِنَ المُبادَرَةِ بِخَرْقِ السَّفِينَةِ حِينَ رُكُوبِها. وكَلامُ مُوسى في إنْكارِ ذَلِكَ جَرى عَلى نَسَقِ كَلامِهِ في إنْكارِ خَرْقِ السَّفِينَةِ (p-٣٧٨)سِوى أنَّهُ وصَفَ هَذا الفِعْلَ بِأنَّهُ نُكُرٌ، وهو بِضَمَّتَيْنِ: الَّذِي تُنْكِرُهُ العُقُولُ وتَسْتَقْبِحُهُ، فَهو أشَدُّ مِنَ الشَّيْءِ الإمْرِ؛ لِأنَّ هَذا فَسادٌ حاصِلٌ، والآخَرُ ذَرِيعَةُ فَسادٍ كَما تَقَدَّمَ، ووَصَفَ النَّفْسَ بِالزّاكِيَةِ؛ لِأنَّها نَفْسُ غُلامٍ لَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ؛ فَلَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْبًا؛ فَكانَ زَكِيًّا طاهِرًا، والزَّكاءُ: الزِّيادَةُ في الخَيْرِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وأبُو جَعْفَرٍ، ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ (زاكِيَةً) بِألْفٍ بَعْدِ الزّايِ اسْمَ فاعِلٍ مِن زَكا، وقَرَأ الباقُونَ ”زَكِيَّةً“، وهُما بِمَعْنًى واحِدٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: النُّونُ مِن قَوْلِهِ نُكْرًا هي نِصْفُ القُرْآنِ، أيْ نِصْفُ حُرُوفِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ ذَلِكَ مُخالِفٌ لِقَوْلِ الجُمْهُورِ: إنَّ نِصْفَ القُرْآنِ هو حَرْفُ التّاءِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف: ١٩] في هَذِهِ السُّورَةِ.