موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 19 رمضان 1446 هجرية الموافق ل20 مارس 2025


الآية [117] من سورة  

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ


ركن التفسير

117 - (بديع السماوات والأرض) موجدهم لا على مثال سبق (وإذا قضى) أراد (أمراً) أي إيجاده (فإنما يقول له كن فيكون) أي فهو يكون ، وفي قراءة بالنصب جواباً للأمر

وقوله تعالى" بديع السموات والأرض" أي خالقهما على غير مثال سبق قال مجاهد والسدي وهو مقتضى اللغة ومنه يقال للشيء المحدث بدعة كما جاء في صحيح مسلم "فإن كل محدثه بدعة" والبدعة على قسمين تارة تكون بدعة شرعية كقوله "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه وقال ابن جرير "بديع السموات والأرض" مبدعهما وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل كما صرف المؤلم إلى الأليم والمسمع إلى السميع: ومعنى المبدع المنشئ والمحدث ما لا يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد قال ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعا لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره وكذلك كل محدث قولا أو فعلا لم يتقدم فيه متقدم فإن العرب تسميه مبتدعا ومن ذلك قول أعشى بن ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنفي: دعى إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا أي يحدث ما شاء قال ابن جرير: فمعنى الكلام سبحان الله أن يكون له ولد وهو مالك ما في السموات والأرض تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية وتقر له بالطاعة وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه وهذا إعلام من الله لعباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح الذي أضافوا إلى الله بنوته وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته وهذا من ابن جرير رحمه الله كلام جيد وعبارة صحيحة: وقوله تعالى "وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه وأنه إذا قدر أمرا وأراد كونه فإنما يقول له كن أي مرة واحدة فيكون أى فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" وقال تعالى "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون" وقال تعالى "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" وقال الشاعر: ذا ما أراد لله أمرا فإنــما يقول له كن قوله فيكــون ونبه بذلك أيضا على أن خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره الله قال الله تعالى "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون".

(p-٦٨٦)﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ وإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ هُوَ بِالرَّفْعِ خَبْرٌ لِمَحْذُوفٍ عَلى طَرِيقَةِ حَذْفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ لِاتِّباعِ الِاسْتِعْمالِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ”﴿صُمٌّ بُكْمٌ﴾ [البقرة: ١٨]“ وذَلِكَ مِن جِنْسِ ما يُسَمُّونَهُ بِالنَّعْتِ المَقْطُوعِ. والبَدِيعُ مُشْتَقٌّ مِنَ الإبْداعِ وهو الإنْشاءُ عَلى غَيْرِ مِثالٍ فَهو عِبارَةٌ عَنْ إنْشاءِ المُنْشَآتِ عَلى غَيْرِ مِثالٍ سابِقٍ وذَلِكَ هو خَلْقُ أُصُولِ الأنْواعِ وما يَتَوَلَّدُ مِن مُتَوَلِّداتِها، فَخَلْقُ السَّماواتِ إبْداعٌ وخَلْقُ الأرْضِ إبْداعٌ وخَلْقُ آدَمَ إبْداعٌ وخَلْقُ نِظامِ التَّناسُلِ إبْداعٌ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ فَقِيلَ هو مُشْتَقٌّ مِن بَدَعَ المُجَرَّدِ مِثْلَ قَدَرَ إذا صَحَّ ووَرَدَ بَدَعَ بِمَعْنى قَدَرَ بِقِلَّةٍ أوْ هو مُشْتَقٌّ مِن أبْدَعَ ومَجِيءُ فَعِيلٍ مِن أفْعَلَ قَلِيلٌ، ومِنهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كْرِبَ: ؎أمِن رَيْحانَةَ الدّاعِي السَّمِيعُ يُؤَرِّقُنِي وأصْحابِي هُجُوعُ يُرِيدُ المَسْمَعَ. ومِنهُ أيْضًا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: ؎سَقاكَ بِها المَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ∗∗∗ فَأنْهَلَكَ المَأْمُونُ مِنها وعَلَّكَ أيْ كَأْسًا مَرْوِيَّةً. فَيَكُونُ هُنا مِمّا جاءَ قَلِيلًا وقَدْ قَدَّمْنا الكَلامَ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ تَعالى إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ويَأْتِي في قَوْلِهِ ”بَشِيرًا ونَذِيرًا“ وقَدْ قِيلَ في البَيْتِ تَأْوِيلاتٌ مُتَكَلَّفَةٌ، والحَقُّ أنَّهُ اسْتِعْمالٌ قَلِيلٌ حُفِظَ في ألْفاظٍ مِنَ الفَصِيحِ غَيْرِ قَلِيلَةٍ مِثْلِ النَّذِيرِ والبَشِيرِ إلّا أنَّ قِلَّتَهُ لا تُخْرِجُهُ عَنِ الفَصاحَةِ لِأنَّ شُهْرَتَهُ تَمْنَعُ مِن جَعْلِهِ غَرِيبًا. وأمّا كَوْنُهُ مُخالِفًا لِلْقِياسِ فَلا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِعْمالِهِ إلّا بِالنِّسْبَةِ إلى المُوَلَّدِ إذا أرادَ أنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ في مادَّةٍ أُخْرى. (p-٦٨٧)وذَهَبَ صاحِبُ الكَشّافِ إلى أنَّ بَدِيعَ هُنا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مَأْخُوذٌ مِن بَدُعَ بِضَمِّ الدّالِّ أيْ كانَتِ البَداعَةُ صِفَةً ذاتِيَّةً لَهُ بِتَأْوِيلِ بَداعَةِ السَّماواتِ والأرْضِ الَّتِي هي مِن مَخْلُوقاتِهِ فَأُضِيفَتْ إلى فاعِلِها الحَقِيقِيِّ عَلى جَعْلِهِ مُشَبَّهًا بِالمَفْعُولِ بِهِ وأجْرِيَتِ الصِّفَةُ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ لِيَكُونَ ضَمِيرُهُ فاعِلًا لَفْظًا عَلى نَحْوِ: زَيْدٌ حَسَنُ الوَجْهِ كَما يُقالُ: فُلانٌ بَدِيعُ الشِّعْرِ، أيْ بَدِيعَةٌ سَماواتُهُ. وأمّا بَيْتُ عَمْرٍو فَإنَّما عَيَّنُوهُ لِلتَّنْظِيرِ ولَمْ يُجَوِّزُوا فِيهِ احْتِمالَ أنْ يَكُونَ السَّمِيعُ بِمَعْنى المَسْمُوعِ لِوُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّهُ لَمْ يَرِدْ سَمِيعٌ بِمَعْنى مَسْمُوعٍ مَعَ أنَّ فَعِيلًا بِمَعْنى مَفْعُولٍ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. الثّانِي: أنَّ سَمِيعٌ وقَعَ وصْفًا لِلذّاتِ وهو الدّاعِي، وحُكْمُ سَمِعَ إذا دَخَلَتْ عَلى ما لا يَسْمَعُ أنْ تَصِيرَ مِن أخَوات ظَنَّ فَيَلْزَمُ مَجِيءُ مَفْعُولٍ ثانٍ بَعْدَ النّائِبِ المُسْتَتِرِ وهو مَفْقُودٌ. الثّالِثُ: أنَّ المَعْنى لَيْسَ عَلى وصْفِ الدّاعِي بِأنَّهُ مَسْمُوعٌ بَلْ عَلى وصْفِهِ بِأنَّهُ مُسْمِعٌ أيِ الدّاعِي القاصِدُ لِلْإسْماعِ المُعْلِنُ لِصَوْتِهِ وذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِأنَّهُ داعٍ في أمْرٍ مُهِمٍّ. ووَصْفُ اللَّهِ تَعالى بِبَدِيعِ السَّماواتِ والأرْضِ مُرادٌ بِهِ أنَّهُ بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ المَخْلُوقاتِ وفي هَذا الوَصْفِ اسْتِدْلالٌ عَلى نَفْيِ بُنُوَّةِ مَن جَعَلُوهُ ابْنًا لِلَّهِ تَعالى لِأنَّهُ تَعالى لَمّا كانَ خالِقَ السَّماواتِ والأرْضِ وما فِيهِما. فَلا شَيْءَ مِن تِلْكَ المَوْجُوداتِ أهْلٌ لِأنْ يَكُونَ ولَدًا لَهُ، بَلْ جَمِيعُ ما بَيْنَهُما عَبِيدٌ لِلَّهِ تَعالى كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ بَلْ لَهُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ ولِهَذا رُتِّبَ نَفْيُ الوَلَدِ عَلى كَوْنِهِ بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ في سُورَةِ الأنْعامِ بِقَوْلِهِ ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ولَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠١] وقَوْلُهُ ﴿وإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ إلَخْ كَشْفٌ لِشُبْهَةِ النَّصارى واسْتِدْلالٌ عَلى أنَّهُ لا يَتَّخِذُ ولَدًا بَلْ يُكَوِّنُ الكائِناتِ كُلَّها بِتَكْوِينٍ واحِدٍ وكُلُّها خاضِعَةٌ لِتَكْوِينِهِ وذَلِكَ أنّالنَّصارى تَوَهَّمُوا أنَّ مَجِيءَ المَسِيحِ مِن غَيْرِ أبٍ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ ابْنُ اللَّهِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ تَكْوِينَ أحْوالِ المَوْجُوداتِ مِن لا شَيْءَ أعْجَبُ مِن ذَلِكَ وأنَّ كُلَّ ذَلِكَ راجِعٌ إلى التَّكْوِينِ والتَّقْدِيرِ سَواءٌ في ذَلِكَ ما وُجِدَ بِواسِطَةٍ تامَّةٍ أوْ ناقِصَةٍ أوْ بِلا واسِطَةٍ قالَ تَعالى ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] فَلَيْسَ تَخَلُّقُ عِيسى مِن أُمٍّ دُونَ أبٍ بِمُوجِبِ كَوْنِهِ ابْنَ اللَّهِ تَعالى. وكانَ في الآيَةِ تامَّةٌ لا تَطْلُبُ خَبَرًا أيْ يَقُولُ لَهُ: إيجَدْ فَيُوجَدُ والظّاهِرُ أنَّ القَوْلَ والمَقُولَ. والمُسَبَّبُ هُنا تَمْثِيلٌ لِسُرْعَةِ وُجُودِ الكائِناتِ عِنْدَ تَعَلُّقِ الإرادَةِ والقُدْرَةِ بِهِما بِأنْ شَبَّهَ فِعْلَ اللَّهِ (p-٦٨٨)تَعالى بِتَكْوِينِ شَيْءٍ وحُصُولِ المُكَوَّنِ عَقِبَ ذَلِكَ بِدُونِ مُهْلَةٍ بِتَوَجُّهِ الآمِرِ لِلْمَأْمُورِ بِكَلِمَةِ الأمْرِ وحُصُولِ امْتِثالِهِ عَقِبَ ذَلِكَ لِأنَّ تِلْكَ أقْرَبُ الحالاتِ المُتَعارَفَةِ الَّتِي يُمْكِنُ التَّقْرِيبُ بِها في الأُمُورِ الَّتِي لا تَتَّسِعُ اللُّغَةُ لِلتَّعْبِيرِ عَنْها وإلى نَحْوِ هَذا مالَ صاحِبُ الكَشّافِ ونَظَرَهُ بِقَوْلِ أبِي النَّجْمِ: ؎إذْ قالَتِ الأنْساعُ لِلْبَطْنِ الحَقِ ∗∗∗ قُدُمًا فَآضَتْ كالفَنِيقِ المُحْنَقِ والَّذِي يُعَيِّنُ كَوْنَ هَذا تَمْثِيلًا أنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ خِطابُ مَن لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِأنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فَلَيْسَ هَذا التَّقْرِيرُ الصّادِرُ مِنَ الزَّمَخْشَرِيِّ مَبْنِيًّا عَلى مَنعِ المُعْتَزِلَةِ قِيامَ صِفَةِ الكَلامِ بِذاتِهِ تَعالى إذْ لَيْسَ في الآيَةِ ما يُلْجِئُهم إلى اعْتِبارِ قِيامِ صِفَةِ الكَلامِ إذْ كانَ يُمْكِنُهم تَأْوِيلُهُ بِما تَأوَّلُوا بِهِ آياتٍ كَثِيرَةً ولِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ ابْنُ المُنِيرِ خِلافًا لِما يُوهِمُهُ كَلامُ ابْنِ عَطِيَّةَ.


ركن الترجمة

Creator of the heavens and the earth from nothingness, He has only to say when He wills a thing: "Be", and it is.

Il est le Créateur des cieux et de la terre à partir du néant. Lorsqu'Il décide une chose, Il dit seulement: «Sois», et elle est aussitôt.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :