موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 19 رمضان 1446 هجرية الموافق ل20 مارس 2025


الآية [150] من سورة  

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ


ركن التفسير

150 - (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) كرره للتأكيد (لئلا يكون للناس) اليهود أو المشركين (عليكم حجة) أي مجادلة في التولي إلى غيره لتنتفي مجادلتهم لكم من قول اليهود يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ، وقول المشركين يدَّعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته (إلا الذين ظلموا منهم) بالعناد فإنهم يقولون ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه والاستثناء متصل والمعنى: لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء (فلا تخشوهم) تخافوا جدالهم في التولي إليها (واخشوني) بامتثال أمري (ولأتم) عطف على لئلا يكون (نعمتي عليكم) بالهداية إلى معالم دينكم (ولعلكم تهتدون) إلى الحق

قال في الأمر الثاني" ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" فذكر أنه الحق من الله وارتقاءه المقام الأول حيث كان موافقا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضا من الله يحبه ويرتضيه وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم عليه السلام إلى الكعبة وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة إبراهيم التي هي أشرف وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول إليها وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار وقد بسطها الرازي وغيره والله أعلم: وقوله "لئلا يكون للناس عليكم حجة" أي أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس وهذا أظهر قال أبو العالية "لئلا يكون للناس عليكم حجة" يعني به أهل الكتاب حين قالوا صرف محمد إلى الكعبة: وقالوا اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا قال ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا وقال هؤلاء في قوله "إلا الذين ظلموا منهم" يعني مشركي قريش ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم فلم رجع عنه والجواب أن الله تعالى اختار له التوجه إلى البيت المقدس أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة فأطاع ربه تعالى في ذلك ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة فامتثل أمر الله في ذلك أيضا فهو صلوات الله وسلامه عليه مطيع لله فى جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين وأمته تبع له وقوله "فلا تخشوهم واخشوني" أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردوا الخشية لي فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه: وقوله "ولأتم نعمتي عليكم" عطف على لئلا يكون للناس عليكم حجة أي لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها "ولعلكم تهتدون" أي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.

﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَبِّكَ وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ وحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكم شَطْرَهُ لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ إلّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم فَلا تَخْشَوْهم واخْشَوْنِي ولِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكم ولَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ عُطِفَ قَوْلُهُ ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ عَلى قَوْلِهِ ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ عَطْفَ حُكْمٍ عَلى حُكْمٍ مِن جِنْسِهِ لِلْإعْلامِ بِأنَّ اسْتِقْبالَ الكَعْبَةِ في الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ لا تَهاوُنَ في القِيامِ بِهِ ولَوْ في حالَةِ العُذْرِ كالسَّفَرِ، فالمُرادُ: مِن حَيْثُ خَرَجْتَ مِن كُلِّ مَكانٍ خَرَجْتَ (p-٤٥)مُسافِرًا لِأنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ المَشَقَّةِ في الِاهْتِداءِ لِجِهَةِ الكَعْبَةِ فَرُبَّما يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ سُقُوطَ الِاسْتِقْبالِ عَنْهُ، وفي مُعْظَمِ هاتِهِ الآيَةِ مَعَ قَوْلِهِ ﴿وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ زِيادَةُ اهْتِمامٍ بِأمْرِ القِبْلَةِ يُؤَكِّدُ قَوْلَهُ في الآيَةِ السّابِقَةِ ﴿الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ [البقرة: ١٤٧] . وقَوْلُهُ ﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ زِيادَةُ تَحْذِيرٍ مِنَ التَّساهُلِ في أمْرِ القِبْلَةِ. وقَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ عَطْفٌ عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وأُعِيدَ لَفْظُ الجُمْلَةِ السّالِفَةِ لِيُبْنى عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ . وقَوْلُهُ ﴿وحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكم شَطْرَهُ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ الآيَةَ. والمَقْصِدُ التَّعْمِيمُ في هَذا الحُكْمِ في السَّفَرِ لِلْمُسْلِمِينَ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّبِيءِ ﷺ . وحَصَلَ مِن تَكْرِيرِ مُعْظَمِ الكَلِماتِ تَأْكِيدٌ لِلْحُكْمِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ . وقَدْ تَكَرَّرَ الأمْرُ بِاسْتِقْبالِ النَّبِيءِ الكَعْبَةَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وتَكَرَّرَ الأمْرُ بِاسْتِقْبالِ المُسْلِمِينَ الكَعْبَةَ مَرَّتَيْنِ. وتَكَرَّرَ إنَّهُ الحَقُّ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وتَكَرَّرَ تَعْمِيمُ الجِهاتِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، والقَصْدُ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ اسْتِقْبالِ الكَعْبَةِ والتَّحْذِيرُ مِن تَطَرُّقِ التَّساهُلِ في ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلْحَقِّ في نُفُوسِ المُسْلِمِينَ، وزِيادَةً في الرَّدِّ عَلى المُنْكِرِينَ التَّأْكِيدَ، مِن زِيادَةِ ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ﴾، ومِن جُمَلٍ مُعْتَرِضَةٍ، لِزِيادَةِ التَّنْوِيهِ بِحُكْمِ الِاسْتِقْبالِ: وهي جُمْلَةُ ﴿وإنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٤] الآياتِ، وجُمْلَةُ ﴿وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ وجُمْلَةُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ الآياتِ، وفِيهِ إظْهارُ أحَقِّيَّةِ الكَعْبَةِ بِذَلِكَ لِأنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلى الحَقِّ لا يَزِيدُهُ إنْكارُ المُنْكِرِينَ إلّا تَصْمِيمًا، والتَّصْمِيمُ يَسْتَدْعِي إعادَةَ الكَلامِ الدّالِّ عَلى ما صُمِّمَ عَلَيْهِ لِأنَّ الإعادَةَ تَدُلُّ عَلى التَّحَقُّقِ في مَعْنى الكَلامِ. وقَدْ ذُكِرَ في خِلالِ ذَلِكَ مِن بَيانِ فَوائِدِ هَذا التَّحْوِيلِ وما حَفَّ بِهِ، ما يَدْفَعُ قَلِيلَ السَّآمَةِ العارِضَةِ لِسَماعِ التَّكْرارِ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ ﴿وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَبِّكَ وما اللَّهُ بِغافِلٍ﴾ إلَخْ، وذَكَرَ قَوْلَهُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ﴾ إلَخْ. (p-٤٦)والضَّمِيرُ في ﴿وإنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ راجِعٌ إلى مَضْمُونِ الجُمْلَةِ وهو حُكْمُ التَّحْوِيلِ فَهو راجِعٌ إلى ما يُؤْخَذُ مِنَ المَقامِ، فالضَّمِيرُ هُنا كالضَّمِيرِ في قَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ [البقرة: ١٤٦] وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ بِمُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ عَلى الخِطابِ، وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو بِياءِ الغَيْبَةِ. وقَوْلُهُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَوَلُّوا الدّالِّ عَلى طَلَبِ الفِعْلِ وامْتِثالِهِ، أيْ شَرَعْتُ لَكم ذَلِكَ لِنَدْحَضَ حُجَّةَ الأُمَمِ عَلَيْكم، وشَأْنُ تَعْلِيلِ صِيَغِ الطَّلَبِ أنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ لِلطَّلَبِ بِاعْتِبارِ الإتْيانِ بِالفِعْلِ المَطْلُوبِ. فَإنَّ مَدْلُولَ صِيغَةِ الطَّلَبِ هو إيجادُ الفِعْلِ أوِ التَّرْكِ لا الإعْلامُ بِكَوْنِ الطّالِبِ طالَبًا وإلّا لَما وجَبَ الِامْتِثالُ لِلْآمِرِ فَيُكْتَفى بِحُصُولِ سَماعِ الطَّلَبِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودًا. والتَّعْرِيفُ في ”النّاسِ“ لِلِاسْتِغْراقِ يَشْمَلُ مُشْرِكِي مَكَّةَ فَإنَّ مِن شُبْهَتِهِمْ أنْ يَقُولُوا: لا نَتَّبِعُ هَذا الدِّينَ إذْ لَيْسَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ لِأنَّهُ اسْتَقْبَلَ قِبْلَةَ اليَهُودِ والنَّصارى، وأهْلِ الكِتابِ، والحُجَّةُ أنْ يَقُولُوا: إنَّ مُحَمَّدًا اقْتَدى بِنا واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنا فَكَيْفَ يَدْعُونا إلى اتِّباعِهِ. ولِجَمِيعِ النّاسِ مِمَّنْ عَداكم حُجَّةٌ عَلَيْكم، أيْ لِيَكُونَ هَذا الدِّينُ مُخالِفًا في الِاسْتِقْبالِ لِكُلِّ دِينٍ سَبَقَهُ فَلا يَدَّعِي أهْلُ دِينٍ مِنَ الأدْيانِ أنَّ الإسْلامَ مُقْتَبِسٌ مِنهُ. ولا شَكَّ أنَّ ظُهُورَ الِاسْتِقْبالِ يَكُونُ في أمْرٍ مُشاهَدٍ لِكُلِّ أحَدٍ لِأنَّ إدْراكَ المُخالَفَةِ في الأحْكامِ والمَقاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ والكَمالاتِ النَّفْسانِيَّةِ الَّتِي فَضُلَ بِها الإسْلامُ غَيْرَهُ لا يُدْرِكُهُ كُلُّ أحَدٍ بَلْ لا يَعْلَمُهُ إلّا الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ، وعَلى هَذا يَكُونُ قَوْلُهُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ ناظِرًا إلى قَوْلِهِ ﴿وإنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ﴾ [البقرة: ١٤٤]، وقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ [البقرة: ١٤٦] . وقَدْ قِيلَ في مَعْنى حُجَّةِ النّاسِ مَعانٍ أُخَرُ أُراها بَعِيدَةً. والحُجَّةُ في كَلامِ العَرَبِ ما يُقْصَدُ بِهِ إثْباتُ المُخالِفِ، بِحَيْثُ لا يَجِدُ مِنهُ تَفَصِّيًا، ولِذَلِكَ يُقالُ لِلَّذِي غَلَبَ مُخالِفَهُ بِحُجَّتِهِ: قَدْ حَجَّهُ، وأمّا الِاحْتِجاجُ فَهو إتْيانُ المُحْتَجِّ بِما يَظُنُّهُ حُجَّةً ولَوْ مُغالَطَةً، قالَ: احْتَجَّ، يُقالُ: حاجَّ إذا أتى بِما يَظُنُّهُ حُجَّةً قالَ تَعالى ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٨]، فالحُجَّةُ لا تُطْلَقُ حَقِيقَةً إلّا عَلى البُرْهانِ والدَّلِيلِ النّاهِضِ المُبَكِّتِ لِلْمُخالِفِ، وأمّا إطْلاقُها عَلى الشُّبْهَةِ فَمَجازٌ لِأنَّها تُورَدُ في صُورَةِ الحُجَّةِ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿حُجَّتُهم (p-٤٧)داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ١٦]، وهَذا هو فِقْهُ اللُّغَةِ كَما أشارَ إلَيْهِ الكَشّافُ، وأمّا ما خالَفَهُ مِن كَلامِ بَعْضِ أهْلِ اللُّغَةِ فَهو مِن تَخْلِيطِ الإطْلاقِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ، وإنَّما أرادُوا التَّفَصِّيَ مِن وُرُودِ الِاسْتِثْناءِ وأشْكَلَ عَلَيْهِمُ الِاسْتِثْناءُ لِأنَّ المُسْتَثْنى مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِنَقِيضِ حُكْمِ المُسْتَثْنى مِنهُ عِنْدَ قاطِبَةِ أهْلِ اللِّسانِ والعُلَماءِ، إلّا خِلافًا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ في عِلْمِ الأُصُولِ، فَصارَ هَذا الِاسْتِثْناءُ مُقْتَضِيًا أنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا لَهم عَلَيْكم حُجَّةٌ، فَأجابَ صاحِبُ الكَشّافِ، بِأنَّهُ إنَّما أطْلَقَ عَلَيْهِ حُجَّةً لِمُشابَهَتِهِ لِلْحُجَّةِ في سِياقِهِمْ إيّاهُ مَساقَ البُرْهانِ أيْ فاسْتِثْناءُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يَقْتَضِي أنَّهم يَأْتُونَ بِحُجَّةٍ أيْ بِما يُشْبِهُ الحُجَّةَ، فَحَرْفُ ”إلّا“ يَقْتَضِي تَقْدِيرَ لَفْظِ حُجَّةٍ مُسْتَعْمَلًا في مَعْناهُ المَجازِيِّ، وإطْلاقُ اللَّفْظِ في مَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ لَيْسَ بِبِدْعٍ لا سِيَّما مَعَ الإتْيانِ بِلَفْظٍ يُخالِفُ الأوَّلَ عَلى أنَّهُ قَدْ يُجْعَلُ الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعًا بِمَعْنى: لَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يَشْغَبُونَ عَلَيْكم فَلا تَخْشَوْهم. وجُمْلَةُ ﴿ولِأُتِمَّ نِعْمَتِي﴾ تَعْلِيلٌ ثانٍ لِقَوْلِهِ ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكم شَطْرَهُ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ الَّذِي بَيَّناهُ آنِفًا وهو أنَّهُ تَعْلِيلُ الِامْتِثالِ فالمَعْنى: أمَرْتُكم بِذَلِكَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكم بِاسْتِيفاءِ أسْبابِ ذَلِكَ الإتْمامِ، مِنها: أنْ تَكُونَ قِبْلَتُكم إلى أفْضَلِ بَيْتٍ بُنِيَ لِلَّهِ تَعالى، ومَعْلُومٌ أنَّ تَمامَ النِّعْمَةِ بِامْتِثالِ ما أُمِرْنا بِهِ، وجِماعُ ذَلِكَ الِاسْتِقامَةُ وبِها دُخُولُ الجَنَّةِ. أيُّ غايَةُ إتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْنا دُخُولُ الجَنَّةِ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ولَكِنَّهُ مِن جُمْلَةِ مَعْناها فالمُرادُ بِالإتْمامِ هُنا إعْطاءُ الشَّيْءِ وافِرًا مِن أوَّلِ الأمْرِ لا إتْمامُهُ بَعْدَ أنْ كانَ ناقِصًا، فَهو قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى فَأتَمَّهُنَّ أيِ امْتَثَلَهُنَّ امْتِثالًا تامًّا ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ فَعَلَ بَعْضَها ثُمَّ فَعَلَ بَعْضًا آخَرَ، فَمَعْنى الآيَةِ: ولِتَكُونَ نِعْمَتِي نِعْمَةً وافِرَةً في كُلِّ حالٍ. وقَوْلُهُ ﴿ولَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى ولِأُتِمَّ أيْ أمَرْتُكم بِذَلِكَ رَجاءَ امْتِثالِكم فَيَحْصُلُ الِاهْتِداءُ مِنكم إلى الحَقِّ. وحَرْفُ ”لَعَلَّ“ في قَوْلِهِ ﴿ولَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ مَجازٌ في لازِمِ مَعْنى الرَّجاءِ وهو قُرْبُ ذَلِكَ وتَوَقُّعُهُ. ومَعْنى جَعْلِ ذَلِكَ القُرْبِ عِلَّةً أنَّ اسْتِقْبالَهُمُ الكَعْبَةَ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم يَكُونُونَ مُعْتَدِينَ في (p-٤٨)سائِرِ أُمُورِهِمْ لِأنَّ المَبادِئَ تَدُلُّ عَلى الغاياتِ فَهو كَقَوْلِهِ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] كَما قَدَّمْناهُ وقالَ حَبِيبٌ: ؎إنَّ الهِلالَ إذا رَأيْتَ نَماءَهُ أيْقَنْتَ أنْ سَيَصِيرُ بَدْرًا كامِلًا


ركن الترجمة

Whichever place you come from turn towards the Holy Mosque, and wherever you are, turn your faces towards it so that people may have no cause for argument against you, except such among them as are wicked. But do not fear them, fear Me that I may accomplish My favours on you, and you may find the right way perchance.

Et d'où que tu sortes, tourne ton visage vers la Mosquée sacrée. Et où que vous soyez, tournez-y vos visages, afin que les gens n'aient pas d'argument contre vous, sauf ceux d'entre eux qui sont de vrais injustes. Ne les craignez donc pas; mais craignez-Moi pour que Je parachève Mon bienfait à votre égard, et que vous soyez bien guidés!

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :