موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 8 شوال 1445 هجرية الموافق ل18 أبريل 2024


الآية [155] من سورة  

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ


ركن التفسير

155 - (ولنبلونكم بشيء من الخوف) للعدو (والجوع) القحط (ونقص من الأموال) بالهلاك (والأنفس) بالقتل والموت والأمراض (والثمرات) بالجوائح ، أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا (وبشر الصابرين) على البلاء بالجنة

أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده: أي يختبرهم ويمتحنهم كما قال تعالى "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" فتارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعالى "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه ولهذا قال لباس الجوع والخوف وقال ههنا "بشيء من الخوف والجوع" أي بقليل من ذلك "ونقص من الأموال" أي ذهاب بعضها "والأنفس" كموت الأصحاب والأقارب والأحباب "والثمرات" أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه ولهذا قال تعالى "وبشر الصابرين" وقد حكى بعض المفسرين أن المراد من الخوف ههنا خوف الله وبالجوع صيام رمضان وبنقص الأموال الزكاة والأنفس الأمراض والثمرات الأولاد وفي هذا نظر والله أعلم.

﴿ولَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ﴾ عَطَفَ لَنَبْلُوَنَّكم عَلى قَوْلِهِ ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ١٥٣] عَطْفَ المَقْصِدِ عَلى المُقَدِّمَةِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ قَبْلُ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ ولَنَبْلُوَنَّكم عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿ولِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] الآياتِ لِيُعْلِمَ المُسْلِمِينَ أنَّ تَمامَ النِّعْمَةِ ومَنزِلَةَ الكَرامَةِ عِنْدَ اللَّهِ لا يَحُولُ بَيْنَهم وبَيْنَ لَحاقِ المَصائِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِأسْبابِها، وأنَّ تِلْكَ المَصائِبَ مَظْهَرٌ لِثَباتِهِمْ عَلى الإيمانِ ومَحَبَّةِ اللَّهِ تَعالى والتَّسْلِيمِ لِقَضائِهِ فَيَنالُونَ بِذَلِكَ بَهْجَةَ نُفُوسِهِمْ بِما أصابَهم في مَرْضاةِ اللَّهِ ويَزْدادُونَ بِهِ رِفْعَةً وزَكاءً، ويَزْدادُونَ يَقِينًا بِأنَّ اتِّباعَهم لِهَذا الدِّينِ لَمْ يَكُنْ لِنَوالَ حُظُوظٍ في الدُّنْيا، ويَنْجَرُّ لَهم مِن ذَلِكَ ثَوابٌ، ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ وجَعَلَ قَوْلَهُ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ١٥٣] الآيَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ المُتَعاطِفَيْنِ لِيَكُونَ نَصِيحَةً لِعِلاجِ الأمْرَيْنِ تَمامِ النِّعْمَةِ والهُدى والِابْتِلاءِ، ثُمَّ أُعِيدَ عَلَيْهِ ما يُصَيِّرُ الجَمِيعَ خَبَرًا بِقَوْلِهِ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ . وجِيءَ بِكَلِمَةِ شَيْءٍ تَهْوِينًا لِلْخَبَرِ المُفْجِعِ، وإشارَةً إلى الفَرْقِ بَيْنَ هَذا الِابْتِلاءِ وبَيْنَ الجُوعِ والخَوْفِ اللَّذَيْنِ سَلَّطَهُما اللَّهُ عَلى بَعْضِ الأُمَمِ عُقُوبَةً، كَما في قَوْلِهِ ﴿فَأذاقَها اللَّهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢] ولِذَلِكَ جاءَ هُنا بِكَلِمَةِ شَيْءٍ وجاءَ هُنالِكَ بِما يَدُلُّ عَلى المُلابَسَةِ والتَّمَكُّنِ، وهو أنِ اسْتَعارَ لَها اللِّباسَ اللّازِمَ لِلّابِسِ، لِأنَّ كَلِمَةَ ”شَيْءٍ“ مِن أسْماءِ الأجْناسِ (p-٥٥)العالِيَةِ العامَّةِ، فَإذا أُضِيفَتْ إلى اسْمِ جِنْسٍ أوْ بُيِّنَتْ بِهِ عُلِمَ أنَّ المُتَكَلِّمَ ما زادَ كَلِمَةَ شَيْءٍ قَبْلَ اسْمِ ذَلِكَ الجِنْسِ إلّا لِقَصْدِ التَّقْلِيلِ لِأنَّ الِاقْتِصارَ عَلى اسْمِ الجِنْسِ الَّذِي ذَكَرَهُ المُتَكَلِّمُ بَعْدَها لَوْ شاءَ المُتَكَلِّمُ لَأغْنى غَناءَها، فَما ذَكَرَ كَلِمَةَ شَيْءٍ إلّا والقَصْدُ أنْ يَدُلَّ عَلى أنَّ تَنْكِيرَ اسْمِ الجِنْسِ لَيْسَ لِلتَّعْظِيمِ ولا لِلتَّنْوِيعِ، فَبَقِيَ لَهُ الدَّلالَةُ عَلى التَّحْقِيرِ وهَذا كَقَوْلِ السَّرِيِّ مُخاطِبًا لِأبِي إسْحاقَ الصّابِي: ؎فَشَيْئًا مِن دَمِ العُنْقُو دِ أجْعَلُهُ مَكانَ دَمِي فَقَوْلُ اللَّهِ تَعالى ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ﴾ عُدُولٌ عَنْ أنْ يَقُولَ: بِخَوْفٍ وجُوعٍ، أمّا لَوْ ذَكَرَ لَفْظَ شَيْءٍ مَعَ غَيْرِ اسْمِ جِنْسٍ كَما إذا أُتْبِعَ بِوَصْفٍ أوْ لَمْ يُتْبَعْ أوْ أُضِيفَ لِغَيْرِ اسْمِ جِنْسٍ فَهو حِينَئِذٍ يَدُلُّ عَلى مُطْلَقِ التَّنْوِيعِ نَحْوُ قَوْلِ قُحَيْطٍ العِجْلِيِّ: ؎فَلا تَطْمَعْ أبَيْتَ اللَّعْنَ فِيها ∗∗∗ ومَنَعُكَها بِشَيْءٍ يُسْتَطاعُ فَقَدْ فَسَّرَهُ المَرْزُوقِيُّ وغَيْرُهُ بِأنَّ مَعْنى بِشَيْءٍ بِمَعْنًى مِنَ المَعانِي مِن غَلَبَةٍ أوْ مَعازَةٍ أوْ فِداءٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وقَدْ يَكُونُ بَيانُ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ المُقامِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: ١٧٨] فَهو الدِّيَةُ عَلى بَعْضِ التَّفاسِيرِ أوْ هو العَفْوُ عَلى تَفْسِيرٍ آخَرَ، وقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ: ؎ومِن مالِئٍ عَيْنَيْهِ مِن شَيْءِ غَيْرِهِ ∗∗∗ إذا راحَ نَحْوَ الجَمْرَةِ البَيْضُ كالدُّمى أيْ مِن مَحاسِنِ امْرَأةٍ غَيْرِ امْرَأتِهِ. وقَوْلِ أبى حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ: ؎إذا ما تَقاضى المَرْءَ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ ∗∗∗ تَقاضاهُ شَيْءٌ لا يَمَلُّ التَّقاضِيا أيْ شَيْءٌ مِنَ الزَّمانِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٠] أيْ مِنِ الغَناءِ. (p-٥٦)وكَأنَّ مُراعاةَ هَذَيْنِ الِاسْتِعْمالَيْنِ في كَلِمَةِ ”شَيْءٍ“ هو الَّذِي دَعا الشَّيْخَ عَبَدَ القاهِرِ في دَلائِلِ الإعْجازِ إلى الحُكْمِ بِحُسْنِ وقْعِ كَلِمَةِ شَيْءٍ في بَيْتِ ابْنِ أبِي رَبِيعَةَ وبَيْتِ أبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، وبِقِلَّتِها وتَضاؤُلِها في قَوْلِ أبِي الطَّيِّبِ: ؎لَوِ الفَلَكُ الدَّوّارُ أبْغَضْتَ سَعْيَهُ ∗∗∗ لَعَوَّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّوَرانِ لِأنَّها في بَيْتِ أبِي الطَّيِّبِ لا يَتَعَلَّقُ بِها مَعْنى التَّقْلِيلِ كَما هو ظاهِرٌ ولا التَّنْوِيعِ لِقِلَّةِ جَدْوى التَّنْوِيعِ هُنا إذْ لا يَجْهَلُ أحَدٌ أنَّ مُعَوِّقَ الفَلَكِ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ شَيْئًا. والمُرادُ بِالخَوْفِ والجُوعِ وما عُطِفَ عَلَيْهِما مَعانِيها المُتَبادِرَةُ وهي ما أصابَ المُسْلِمِينَ مِنِ القِلَّةِ وتَألُّبِ المُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الهِجْرَةِ، كَما وقَعَ في يَوْمِ الأحْزابِ إذْ جاءُوهم مِن فَوْقِهِمْ ومِن أسْفَلَ مِنهم وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وأمّا الجُوعُ فَكَما أصابَهم مِن قِلَّةِ الأزْوادِ في بَعْضِ الغَزَواتِ، ونَقْصِ الأمْوالِ ما يَنْشَأُ عَنْ قِلَّةِ العِنايَةِ بِنَخِيلِهِمْ في خُرُوجِهِمْ إلى الغَزْوِ، ونَقْصُ الأنْفُسِ يَكُونُ بِقِلَّةِ الوِلادَةِ لِبُعْدِهِمْ عَنْ نِسائِهِمْ كَما قالَ النّابِغَةُ: ؎شُعَبُ العِلافِيّاتِ بَيْنَ فُرُوجِهِمْ ∗∗∗ والمُحْصَناتُ عَوازِبُ الأطْهارِ وكَما قالَ الأعْشى يَمْدَحُ هَوْذَةَ بْنَ عَلِيٍّ صاحِبَ اليَمامَةِ، بِكَثْرَةِ غَزَواتِهِ: ؎أفِي كُلِّ عامٍ أنْتَ جاشِمُ غَزْوَةٍ ∗∗∗ تَشُدُّ لِأقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا ؎مُوَرِّثَةٍ مالًا وفي المَجْدِ رِفْعَةٌ ∗∗∗ لِما ضاعَ فِيها مِن قُرُوءِ نِسائِكا وكَذَلِكَ نَقْصُ الأنْفُسَ بِالِاسْتِشْهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما يُصِيبُهم في خِلالِ ذَلِكَ وفِيما بَعْدَهُ مِن مَصائِبَ تَرْجِعُ إلى هاتِهِ الأُمُورِ. والكَلامُ عَلى الأمْوالِ يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] في هَذِهِ السُّورَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٠] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. * * * ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ جُمْلَةُ ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى ولَنَبْلُوَنَّكم، والخُطّابُ لِلرَّسُولِ ﷺ بِمُناسَبَةِ أنَّهُ مِمَّنْ شَمِلَهُ قَوْلُهُ ولَنَبْلُوَنَّكم وهو عَطْفُ إنْشاءٍ عَلى خَبَرٍ ولا ضَمِيرَ فِيهِ عِنْدَ مَن تَحَقَّقَ أسالِيبَ العَرَبِ ورَأى في كَلامِهِمْ كَثْرَةَ عَطْفِ الخَبَرِ عَلى الإنْشاءِ وعَكْسِهِ. (p-٥٧)وأُفِيدَ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ الَّذِي هو حُصُولُ الصَّلَواتِ والرَّحْمَةِ والهُدى لِلصّابِرِينَ بِطَرِيقَةِ التَّبْشِيرِ عَلى لِسانِ الرَّسُولِ تَكْرِيمًا لِشَأْنِهِ، وزِيادَةً في تَعَلُّقِ المُؤْمِنِينَ بِهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ خَيْراتُهم بِواسِطَتِهِ، فَلِذَلِكَ كانَ مِن لَطائِفِ القُرْآنِ إسْنادُ البَلْوى إلى اللَّهِ بِدُونِ واسِطَةِ الرَّسُولِ، وإسْنادُ البِشارَةِ بِالخَيْرِ الآتِي مِن قِبَلِ اللَّهِ إلى الرَّسُولِ. والكَلامُ عَلى الصَّبْرِ وفَضائِلِهِ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] . ووَصْفُ الصّابِرِينَ بِأنَّهُمُ ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا﴾ إلَخْ لِإفادَةِ أنَّ صَبْرَهم أكْمَلُ الصَّبْرِ إذْ هو صَبْرٌ مُقْتَرِنٌ بِبَصِيرَةٍ في أمْرِ اللَّهِ تَعالى إذْ يَعْلَمُونَ عَنْدَ المُصِيبَةِ أنَّهم مِلْكٌ لِلَّهِ تَعالى يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشاءُ فَلا يَجْزَعُونَ مِمّا يَأْتِيهِمْ، ويَعْلَمُونَ أنَّهم صائِرُونَ إلَيْهِ فَيُثِيبُهم عَلى ذَلِكَ، فالمُرادُ مِنَ القَوْلِ هُنا القَوْلُ المُطابِقُ لِلِاعْتِقادِ إذِ الكَلامُ إنَّما وُضِعَ لِلصِّدْقِ، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ القَوْلُ مُعْتَبَرًا إذا كانَ تَعْبِيرًا عَمّا في الضَّمِيرِ فَلَيْسَ لِمَن قالَ هاتِهِ الكَلِماتِ بِدُونِ اعْتِقادٍ لَها فَضْلٌ وإنَّما هو كالَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ، وقَدْ عَلَّمَهُمُ اللَّهُ هَذِهِ الكَلِمَةَ الجامِعَةَ لِتَكُونَ شِعارَهم عِنْدَ المُصِيبَةِ، لِأنَّ الِاعْتِقادَ يَقْوى بِالتَّصْرِيحِ لِأنَّ اسْتِحْضارَ النَّفْسِ لِلْمُدْرَكاتِ المَعْنَوِيَّةِ ضَعِيفٌ يَحْتاجُ إلى التَّقْوِيَةِ بِشَيْءٍ مِنَ الحِسِّ، ولِأنَّ في تَصْرِيحِهِمْ بِذَلِكَ إعْلانًا لِهَذا الِاعْتِقادِ وتَعْلِيمًا لَهُ لِلنّاسِ. والمُصِيبَةُ يَأْتِي الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ أصابَتْكم مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ﴾ [النساء: ٧٢] في سُورَةِ النِّساءِ. والتَّوْكِيدُ بِإنَّ في قَوْلِهِمْ إنّا لِلَّهِ لِأنَّ المُقامَ مَقامُ اهْتِمامٍ، ولِأنَّهُ يُنْزِلُ المُصابَ فِيهِ مَنزِلَةَ المُنْكِرِ كَوْنُهُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعالى وعَبْدًا لَهُ إذْ تُنْسِيهِ المُصِيبَةُ ذَلِكَ ويَحُولُ هَوْلُها بَيْنَهُ وبَيْنَ رُشْدِهِ. واللّامُ فِيهِ لِلْمُلْكِ. والإتْيانُ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِ هو ذَلِكَ المَوْصُوفُ بِجَمِيعِ الصِّفاتِ السّابِقَةِ عَلى اسْمِ الإشارَةِ، وأنَّ الحُكْمَ الَّذِي يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلى تِلْكَ الأوْصافِ مِثْلُ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] وهَذا بَيانٌ لِجَزاءِ صَبْرِهِمْ. والصَّلَواتُ هُنا مَجازٌ في التَّزْكِياتِ والمَغْفِراتِ ولِذَلِكَ عُطِفَتْ عَلَيْها الرَّحْمَةُ الَّتِي هي مِن مَعانِي الصَّلاةِ مَجازًا في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] . وحَقِيقَةُ الصَّلاةِ في كَلامِ العَرَبِ أنَّها أقْوالٌ تُنْبِئُ عَنْ مَحَبَّةِ الخَيْرِ لِأحَدٍ، ولِذَلِكَ كانَ (p-٥٨)أشْهَرُ مَعانِيها هو الدُّعاءَ وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٣] ولِأجْلِ ذَلِكَ كانَ إسْنادُ هَذا الفِعْلِ لِمَن لا يُطْلَبُ الخَيْرُ إلّا مِنهُ مُتَعَيِّنًا لِلْمَجازِ في لازِمِ المَعْنى وهو حُصُولُ الخَيْرِ، فَكانَتِ الصَّلاةُ إذا أُسْنِدَتْ إلى اللَّهِ أوْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ دالَّةً عَلى الرَّحْمَةِ وإيصالِ ما بِهِ النَّفْعُ مِن رَحْمَةٍ أوْ مَغْفِرَةٍ أوْ تَزْكِيَةٍ. وقَوْلُهُ ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ بَيانٌ لِفَضِيلَةِ صِفَتِهِمْ إذِ اهْتَدَوْا لِما هو حَقُّ كُلِّ عَبْدٍ عارِفٍ فَلَمْ تُزْعِجْهُمُ المَصائِبُ ولَمْ تَكُنْ لَهم حاجِبًا عَنِ التَّحَقُّقِ في مَقامِ الصَّبْرِ، لِعِلْمِهِمْ أنَّ الحَياةَ لا تَخْلُو مِنَ الأكْدارِ، وأمّا الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا فَهم يَجْعَلُونَ المَصائِبَ سَبَبًا في اعْتِراضِهِمْ عَلى اللَّهِ أوْ كُفْرِهِمْ بِهِ أوْ قَوْلِ ما لا يَلِيقُ أوْ شَكِّهِمْ في صِحَّةِ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ هَذا هو الدِّينَ المَرْضِيَّ لِلَّهِ لَما لَحِقَنا عَذابٌ ومُصِيبَةٌ، وهَذا شَأْنُ أهْلِ الضَّلالِ الَّذِينَ حَذَّرَنا اللَّهُ أمْرَهم بِقَوْلِهِ ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَن مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] وقالَ في المُنافِقِينَ ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، والقَوْلُ الفَصْلُ أنَّ جَزاءَ الأعْمالِ يَظْهَرُ في الآخِرَةِ، وأمّا مَصائِبُ الدُّنْيا فَمُسَبَّبَةٌ عَنْ أسْبابٍ دُنْيَوِيَّةٍ، تَعْرِضُ لِعُرُوضِ سَبَبِها، وقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ سَبَبَ المُصِيبَةِ عُقُوبَةً لِعَبْدِهِ في الدُّنْيا عَلى سُوءِ أدَبٍ أوْ نَحْوِهِ لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ، وقَدْ تَكُونُ لِرَفْعِ دَرَجاتِ النَّفْسِ، ولَها أحْوالٌ ودَقائِقُ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ تَعالى وقَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْها العَبْدُ إذا راقَبَ نَفْسَهُ وحاسَبَها، ولِلَّهِ تَعالى في الحالَيْنِ لُطْفٌ ونِكايَةٌ يَظْهَرُ أثَرُ أحَدِهِما لِلْعارِفِينَ.


ركن الترجمة

Be sure We shall try you with something of fear and hunger and loss of wealth and life and the fruits (of your labour); but give tidings of happiness to those who have patience,

Très certainement, Nous vous éprouverons par un peu de peur, de faim et de diminution de biens, de personnes et de fruits. Et fais la bonne annonce aux endurants,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :