موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 19 رمضان 1446 هجرية الموافق ل20 مارس 2025


الآية [227] من سورة  

وَإِنْ عَزَمُوا۟ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ


ركن التفسير

227 - (وإن عزموا الطلاق) أي عليه بأن لم يفيئوا فليوقِعوه (فإن الله سميع) لقولهم (عليم) بعزمهم المعنى ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق

وقوله "وإن عزموا الطلاق" فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة أشهر كقول الجمهور من المتأخرين وذهب آخرون إلى أنه يقع بمضي أربعة أشهر تطليقة وهو مروي بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وبه يقول ابن سيرين ومسروق والقاسم وسالم والحسن وأبو سلمة وقتادة وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وأبو سلمة بن عبدالرحمن وسليمان بن طرخان التيمي وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس والسدي ثم قيل إنها تطلق بمضي الأربعة أشهر طلقة رجعية قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول وربيعة والزهري ومروان بن الحكم وقيل إنها تطلق طلقة بائنة روي عن علي وابن مسعود وعثمان وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وبه يقول عطاء وجابر بن زيد ومسروق وعكرمة والحسن وابن سيرين ومحمد بن الحنفية وإبراهيم وقبيصة بن ذؤيب وأبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح فكل من قال إنما تطلق بمضي الأربعة أشهر أوجب عليها العدة إلا ما روي عن ابن عباس وأبي الشعثاء أنها إن كانت حاضت ثلاث حيض فلا عدة عليها وهو قول الشافعي والذي عليه الجمهور من المتأخرين أن يوقف فيطالب إما بهذا وإما بهذا ولا يقع عليها بمجرد مضيها طلاق وروى مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء. وأخرجه البخاري وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يوقف المولي. قال الشافعي: وأقل ذلك ثلاثة عشر ورواه الشافعي عن علي - رضي الله عنه - أنه يوقف المولي ثم قال وهكذا تقول وهو موافق لما رويناه عن عمر وابن عمر وعائشة وعثمان وزيد بن ثابت وبضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا قال الشافعي رحمه الله قال ابن جرير: حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن عمر عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه قال: سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق ورواه الدارقطني من طريق سهيل. "قلت" وهو يروى عن عمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وابن عباس وبه يقول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وطاوس ومحمد بن كعب والقاسم وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم رحمهم الله وهو اختيار ابن جرير أيضا وهو قول الليث وإسحق بن راهويه وأبي عبيد وأبي ثور وداود وكل هؤلاء قالوا: إن لم يفئ ألزم بالطلاق فإن لم يطلق طلق عليه الحاكم والطلقة تكون رجعية له رجعتها في العدة وانفرد مالك بأن قال: لا يجوز له رجعتها حتى يجامعها في العدة وهذا غريب جدا. وقد ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر الأثر الذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطإ عن عبدالله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك وقال محمد بن إسحق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها تقول: تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه ألاعبه طورا وطورا كأنما بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه يسر به من كان يلهو بقربه لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه فوالله لولا الله لا شيء غيره لنقض من هذا السرير جوانبه ولكنني أخشى رقيبا موكلا بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه مخافة ربي والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه ثم ذكر بقية ذلك كما تقدم أو نحوه وقد روي هذا من طرق وهو من المشهورات.

﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فاءُوا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ، لِلِانْتِقالِ إلى تَشْرِيعٍ في عَمَلٍ كانَ يَغْلِبُ عَلى الرِّجالِ أنْ يَعْمَلُوهُ في الجاهِلِيَّةِ، والإسْلامِ. كانَ مِن أشْهَرِ الأيْمانِ الحائِلَةِ بَيْنَ البِرِّ والتَّقْوى والإصْلاحِ أيْمانُ الرِّجالِ عَلى مُهاجَرَةِ نِسائِهِمْ، فَإنَّها تَجْمَعُ الثَّلاثَةَ؛ لِأنَّ حُسْنَ المُعاشَرَةِ مِنَ البِرِّ بَيْنَ المُتَعاشِرِينَ، وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] فامْتِثالُهُ مِنَ التَّقْوى، ولِأنَّ دَوامَهُ مِن دَوامِ الإصْلاحِ، ويَحْدُثُ بِفَقْدِهِ الشِّقاقُ، وهو مُنافٍ لِلتَّقْوى. وقَدْ كانَ الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ يُولِي مِنِ امْرَأتِهِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، ولا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ إلّا بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ المُدَّةِ، ولا كَلامَ لِلْمَرْأةِ في ذَلِكَ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: كانَ الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ لا يُرِيدُ المَرْأةَ، ولا يُحِبُّ أنْ يُطَلِّقَها، لِئَلّا يَتَزَوَّجَها غَيْرُهُ، فَكانَ يَحْلِفُ ألّا يَقْرَبَها مُضارَّةً لِلْمَرْأةِ أيْ ويُقْسِمَ عَلى ذَلِكَ لِكَيْلا يَعُودَ إلَيْها إذا حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ النَّدَمِ. قالَ: ثُمَّ كانَ أهْلُ الإسْلامِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَأزالَ اللَّهُ ذَلِكَ، وأمْهَلَ لِلزَّوْجِ مُدَّةً حَتّى يَتَرَوّى فَكانَ هَذا الحُكْمُ مِن أهَمِّ المَقاصِدِ في أحْكامِ الأيْمانِ، الَّتِي مَهَّدَ لَها بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً﴾ [البقرة: ٢٢٤] . والإيلاءُ: الحَلِفُ، وظاهِرُ كَلامِ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّهُ الحَلِفُ مُطْلَقًا: يُقالُ آلى يُولِي إيلاءً، وتَأْلى يَتَألّى تَألِّيًا، وائْتَلى يَأْتَلِي ائْتِلاءً، والِاسْمُ الألُوَّةُ والألِيَّةُ، كِلاهُما بِالتَّشْدِيدِ، وهو واوِيُّ فالأُلُوَّةُ فُعُولَةٌ والألِيَّةُ فَعِيلَةٌ. وقالَ الرّاغِبُ: الإيلاءُ حَلِفٌ يَقْتَضِي التَّقْصِيرَ في المَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُشْتَقٌّ مِنَ الأُلُوِّ وهو (p-٣٨٥)التَّقْصِيرُ قالَ تَعالى ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالًا﴾ [آل عمران: ١١٨] ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] وصارَ في الشَّرْعِ الحَلِفَ المَخْصُوصَ ( فَيُؤْخَذُ مِن كَلامِ الرّاغِبِ أنَّ الإيلاءَ حَلِفٌ عَلى الِامْتِناعِ والتَّرْكِ؛ لِأنَّ التَّقْصِيرَ لا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ مَعْنى التَّرْكِ؛ وهو الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أصْلُ الِاشْتِقاقِ مِنَ الألْوِ، وتَشْهَدُ بِهِ مَوارِدُ الِاسْتِعْمالِ، لِأنّا نَجِدُهم لا يَذْكُرُونَ حَرْفَ النَّفْيِ بَعْدَ فِعْلِ آلى ونَحْوِهِ كَثِيرًا، ويَذْكُرُونَهُ كَثِيرًا، قالَ المُتَلَمِّسُ: ؎آلَيْتُ حَبَّ العِراقِ الدَّهْرَ أطْعَمُهُ وقالَ تَعالى ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا﴾ [النور: ٢٢] أيْ عَلى أنْ يُؤْتُوا وقالَ تَعالى هُنا ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ فَعَدّاهُ بِمِن، ولا حاجَةَ إلى دَعْوى الحَذْفِ والتَّضْمِينِ. وأيًّا ما كانَ فالإيلاءُ، بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، صارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً في هَذا الحَلِفِ عَلى الوَصْفِ المَخْصُوصِ. ومَجِيءُ اللّامِ في ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ﴾ لِبَيانِ أنَّ التَّرَبُّصَ جُعِلَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، فاللّامُ لِلْأجْلِ مِثْلُ (هَذا لَكَ) ويُعْلَمُ مِنهُ مَعْنى التَّخْيِيرِ فِيهِ، أيْ لَيْسَ التَّرَبُّصُ بِواجِبٍ، فَلِلْمُوَلِّي أنْ يَفِيءَ في أقَلَّ مِنَ الأشْهُرِ الأرْبَعَةِ. وعُدِّيَ فِعْلُ الإيلاءِ بِمِن، مَعَ أنَّ حَقَّهُ أنْ يُعَدّى بِعَلى؛ لِأنَّهُ ضُمِّنَ هُنا مَعْنى البُعْدِ، فَعُدِّيَ بِالحَرْفِ المُناسِبِ لِفِعْلِ البُعْدِ، كَأنَّهُ قالَ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مُتَباعِدِينَ مِن نِسائِهِمْ، فَمِن لِلِابْتِداءِ المَجازِيِّ. والنِّساءُ: الزَّوْجاتُ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وتَعْلِيقُ الإيلاءِ بِاسْمِ النِّساءِ مِن بابِ إضافَةِ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ ونَحْوِهِما إلى الأعْيانِ، مِثْلُ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ﴾ [البقرة: ١٧٣] . والتَّرَبُّصُ: انْتِظارُ حُصُولِ شَيْءٍ لِغَيْرِ المُنْتَظَرِ، وسَيَأْتِي الكَلامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وإضافَةُ تَرَبُّصٍ إلى أرْبَعَةِ أشْهُرٍ إضافَةٌ عَلى مَعْنى في كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ﴾ [سبإ: ٣٣] . وتَقْدِيمُ ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ﴾ عَلى المُبْتَدَأِ المُسْنَدِ إلَيْهِ، وهو تَرَبُّصٌ، لِلِاهْتِمامِ بِهَذِهِ التَّوْسِعَةِ الَّتِي وسَّعَ اللَّهُ عَلى الأزْواجِ، وتَشْوِيقٌ لِذِكْرِ المُسْنَدِ إلَيْهِ. وفاءُوا رَجَعُوا أيْ رَجَعُوا إلى قُرْبانِ النِّساءِ، وحَذْفُ مُتَعَلِّقِ فاءُوا بِالظُّهُورِ المَقْصُودِ. والفَيْئَةُ تَكُونُ بِالتَّكْفِيرِ عَنِ اليَمِينِ المَذْكُورَةِ في سُورَةِ العُقُودِ. (p-٣٨٦)وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ دَلِيلُ الجَوابِ، أيْ فَحِنْثُهم في يَمِينِ الإيلاءِ، مَغْفُورٌ لَهم؛ لِأنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّ الإيلاءَ حَرامٌ، لِأنَّ شَأْنَ إيلائِهِمْ، الوارِدَ فِيهِ القُرْآنُ، قَصْدُ الإضْرارِ بِالمَرْأةِ. وقَدْ يَكُونُ الإيلاءُ مُباحًا إذا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الإضْرارُ، ولَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ: كالَّذِي يَكُونُ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ، أوْ لِقَصْدٍ آخَرَ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، غَيْرِ قَصْدِ الإضْرارِ المَذْمُومِ شَرْعًا. وقَدْ «آلى النَّبِيءُ ﷺ مِن نِسائِهِ شَهْرًا»، قِيلَ: لِمَرَضٍ كانَ بِرِجْلِهِ، وقِيلَ: لِأجْلِ تَأْدِيبِهِنَّ؛ لِأنَّهُنَّ قَدْ لَقِينَ مِن سِعَةِ حِلْمِهِ ورِفْقِهِ ما حَدا بِبَعْضِهِمْ إلى الإفْراطِ في الإدْلالِ، وحَمَلَ البَقِيَّةَ عَلى الِاقْتِداءِ بِالأُخْرَياتِ، أوْ عَلى اسْتِحْسانِ ذَلِكَ. واللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ بِبَواطِنِ الأُمُورِ. وأمّا جَوازُ الإيلاءِ لِلْمَصْلَحَةِ: كالخَوْفِ عَلى الوَلَدِ مِنَ الغَيْلِ، وكالحِمْيَةِ مِن بَعْضِ الأمْراضِ في الرَّجُلِ والمَرْأةِ، فَإباحَتُهُ حاصِلَةٌ مِن أدِلَّةِ المَصْلَحَةِ ونَفْيِ المَضَرَّةِ، وإنَّما يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالحَلِفِ عِنْدَ بَعْضِ النّاسِ، لِما فِيهِمْ مِن ضَعْفِ العَزْمِ، واتِّهامِ أنْفُسِهِمْ بِالفَلْتَةِ في الأمْرِ، إنْ لَمْ يُقَيِّدُوها بِالحَلِفِ. وعَزْمُ الطَّلاقِ: التَّصْمِيمُ عَلَيْهِ، واسْتِقْرارُ الرَّأْيِ فِيهِ بَعْدَ التَّأمُّلِ وهو شَيْءٌ لا يَحْصُلُ لِكُلِّ مُوَّلٍ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ، وخاصَّةً إذا كانَ غالِبُ القَصْدِ مِنِ الإيلاءِ المُغاضَبَةَ والمُضارَّةَ، فَقَوْلُهُ: ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ دَلِيلٌ عَلى شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ فاءُوا﴾ فالتَّقْدِيرُ: وإنْ لَمْ يَفِيئُوا فَقَدْ وجَبَ عَلَيْهِمُ الطَّلاقُ، فَهم بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: بَيْنَ أنْ يَفِيئُوا، أوْ يُطَلِّقُوا، فَإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَقَدْ وقَعَ طَلاقُهم. وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ دَلِيلُ الجَوابِ، أيْ فَقَدْ لَزِمَهم وأمْضى طَلاقَهم، فَقَدْ حَدَّ اللَّهُ لِلرِّجالِ في الإيلاءِ أجَلًا مَحْدُودًا، لا يَتَجاوَزُونَهُ، فَإمّا أنْ يَعُودُوا إلى مُضاجَعَةِ أزْواجِهِمْ، وإمّا أنْ يُطَلِّقُوا، ولا مَندُوحَةَ لَهم غَيْرُ هَذَيْنِ. وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُوَلِّي أجَلًا وغايَةً: أمّا الأجَلُ فاتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَماءُ الإسْلامِ، واخْتَلَفُوا في الحالِفِ عَلى أقَلَّ مِن أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فالأئِمَّةُ الأرْبَعَةُ عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِإيلاءٍ، وبَعْضُ العُلَماءِ: كَإسْحاقَ بْنِ راهْوَيْهِ وحَمّادٍ يَقُولُ: هو إيلاءٌ، ولا ثَمَرَةَ لِهَذا الخِلافِ، فِيما يَظْهَرُ، إلّا ما يَتَرَتَّبُ عَلى الحَلِفِ بِقَصْدِ الضُّرِّ مِن تَأْدِيبِ القاضِي إيّاهُ إذا رَفَعَتْ زَوْجُهُ أمْرَها إلى القاضِي ومِن أمْرِهِ إيّاهُ بِالفَيْئَةِ. (p-٣٨٧)وأمّا الغايَةُ، فاخْتَلَفُوا أيْضًا في الحاصِلِ بَعْدَ مُضِيِّ الأجَلِ، فَقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: إنْ رَفَعَتْهُ امْرَأتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، يُوقَفُ لَدى الحاكِمِ، فَإمّا أنْ يَفِيءَ، أوْ يُطَلِّقَ بِنَفْسِهِ، أوْ يُطَلِّقَ الحاكِمُ عَلَيْهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ اثْنَيْ عَشَرَ مِن أصْحابِ النَّبِيءِ ﷺ . وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: إنْ مَضَتِ المُدَّةُ ولَمْ يَفِئْ فَقَدْ بانَتْ مِنهُ، واتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ غَيْرَ القادِرِ يَكْفِي أنْ يَفِيءَ بِالعَزْمِ، والنِّيَّةِ، وبِالتَّصْرِيحِ لَدى الحاكِمِ، كالمَرِيضِ والمَسْجُونِ والمُسافِرِ. واحْتَجَّ المالِكِيَّةُ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ ﴿فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فَدَلَّ عَلى أنَّ هُنالِكَ مَسْمُوعًا؛ لِأنَّ وصْفَ اللَّهِ بِالسَّمِيعِ مَعْناهُ العَلِيمُ بِالمَسْمُوعاتِ، عَلى قَوْلِ المُحَقِّقِينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ، لا سِيَّما وقَدْ قُرِنَ بِعَلِيمٍ، فَلَمْ يَبْقَ مَجالٌ لِاحْتِمالِ قَوْلِ القائِلِينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ، بِأنَّ (السَّمِيعُ) مُرادِفٌ (لِلْعَلِيمِ) ولَيْسَ المَسْمُوعُ إلّا لَفْظَ المُولِي، أوْ لَفْظَ الحاكِمِ، دُونَ البَيْنُونَةِ الِاعْتِبارِيَّةِ. وقَوْلُهُ عَلِيمٌ يَرْجِعُ لِلنِّيَّةِ والقَصْدِ. وقالَ الحَنَفِيَّةُ سَمِيعٌ لِإيلائِهِ، الَّذِي صارَ طَلاقًا بِمُضِيِّ أجَلِهِ، وكَأنَّهم يُرِيدُونَ: أنَّ صِيغَةَ الإيلاءِ، جَعَلَها الشَّرْعُ سَبَبَ طَلاقٍ، بِشَرْطِ مُضِيِّ الأمَدِ عَلِيمٌ بِنِيَّةِ العازِمِ عَلى تَرْكِ الفَيْئَةِ. وقَوْلُ المالِكِيَّةِ أصَحُّ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ جُعِلَ مُفَرَّعًا عَنْ عَزْمِ الطَّلاقِ؛ لا عَنْ أصْلِ الإيلاءِ؛ ولِأنَّ تَحْدِيدَ الآجالِ وتَنْهِيَتَها مَوْكُولٌ لِلْحُكّامِ. وقَدْ خَفِيَ عَلى النّاسِ وجْهُ التَّأْجِيلِ بِأرْبَعَةِ أشْهُرٍ، وهو أجَلٌ حَدَّدَهُ اللَّهُ تَعالى، ولَمْ نَطَّلِعْ عَلى حِكْمَتِهِ، وتِلْكَ المُدَّةُ ثُلُثُ العامِ، فَلَعَلَّها تَرْجِعُ إلى أنَّ مِثْلَها يُعْتَبَرُ زَمَنًا طَوِيلًا، فَإنَّ الثُّلُثَ اعْتُبِرَ مُعْظَمَ الشَّيْءِ المَقْسُومِ، مِثْلُ ثُلُثِ المالِ في الوَصِيَّةِ، وأشارَ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ في صَوْمِ الدَّهْرِ. وحاوَلَ بَعْضُ العُلَماءِ تَوْجِيهَهُ بِما وقَعَ في قِصَّةٍ مَأْثُورَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وعَزا ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ رِوايَتَها لِمالِكٍ في المُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ. ولا يُوجَدُ هَذا في الرِّواياتِ المَوْجُودَةِ لَدَيْنا: وهي رِوايَةُ يَحْيى بْنِ يَحْيى اللَّيْثِيِّ، ولا رِوايَةُ ابْنِ القاسِمِ والقَعْنَبِيِّ وسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ ومُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الشَّيْبانِيِّ، ولا رِوايَةُ يَحْيى بْنِ يَحْيى بْنِ بُكَيْرٍ التَّمِيمِيِّ الَّتِي يَرْوِيها المَهْدِيُّ بْنُ تُومَرْتَ، فَهَذِهِ الرِّواياتُ الَّتِي لَدَيْنا فَلَعَلَّها مَذْكُورَةٌ في رِوايَةٍ أُخْرى لَمْ نَقِفْ عَلَيْها. وقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ أبُو الوَلِيدِ الباجِيُّ في شَرْحِهِ عَلى المُوَطَّأِ المُسَمّى بِالمُنْتَقى، ولَمْ يَعْزُها إلى شَيْءٍ مِن رِواياتِ المُوَطَّأِ: أنَّ عُمَرَ خَرَجَ لَيْلَةً يَطُوفُ بِالمَدِينَةِ يَتَعَرَّفُ أحْوالَ النّاسِ فَمَرَّ بِدارٍ سَمِعَ امْرَأةً بِها تُنْشِدُ:(p-٣٨٨) ؎ألا طالَ هَذا اللَّيْلُ واسْوَدَّ جانِبُهُ ∗∗∗ وأرَّقَنِي أنْ لا خَلِيلَ أُلاعِبُهُ ؎فَلَوْلا حَذارِ اللَّهِ لا شَيْءَ غَـيْرُهُ ∗∗∗ لَزُعْزِعَ مِن هَذا السَّرِيرِ جَوانِبُهُ فاسْتَدْعاها، مِنَ الغَدِ، فَأخْبَرَتْهُ أنَّ زَوْجَها أُرْسِلَ في بَعْثِ العِراقِ، فاسْتَدْعى عُمَرُ نِساءً فَسَألَهُنَّ عَنِ المُدَّةِ الَّتِي تَسْتَطِيعُ المَرْأةُ فِيها الصَّبْرَ عَلى زَوْجِها قُلْنَ شَهْرانِ ويَقِلُّ صَبْرُها في ثَلاثَةِ أشْهُرٍ، ويَنْفَدُ في أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وقِيلَ: إنَّهُ سَألَ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ. فَأمَرَ عُمَرُ قُوّادَ الأجْنادِ ألّا يُمْسِكُوا الرَّجُلَ في الغَزْوِ أكْثَرَ مِن أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فَإذا مَضَتِ اسْتَرَدَّ الغازِينَ ووَجَّهَ قَوْمًا آخَرِينَ.


ركن الترجمة

And if they are bent on divorce, God hears all and knows everything.

Mais s'ils se décident au divorce, (celui-ci devient exécutoire) car Allah est certes Audient et Omniscient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :