موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 19 رمضان 1446 هجرية الموافق ل20 مارس 2025


الآية [61] من سورة  

وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَٰحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُوا۟ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ


ركن التفسير

61 - (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام) أي نوع منه (واحد) وهو المن والسلوى (فادع لنا ربك يخرج لنا) شيئا (مما تنبت الأرض من) للبيان (بقلها وقثائها وفومها) حنطتها (وعدسها وبصلها قال) لهم موسى (أتستبدلون الذي هو أدنى) أخس (بالذي هو خير) أشرف أتأخذونه بدله ، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى (اهبطوا) انزلوا (مصرا) من الأمصار (فإن لكم) فيه (ما سألتم) من النبات (وضربت) جعلت (عليهم الذلة) الذل والهوان (والمسكنة) أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم ، وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته (وباؤوا) رجعوا (بغضب من الله ذلك) أي الضرب والغضب (بأنهم) أي بسبب أنهم (كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين) كزكريا ويحيى (بغير الحق) أي ظلما (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد

يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا واذكروا دبركم وضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم قال الحسن البصري فبطروا ذلك فلم يصبروا عليه وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وفوم فقالوا "يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها" وإنما قالوا على طعام واحد وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم فهو مأكل واحد. فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة وأما الفوم فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها بالثاء وكذا فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم عنه بالثوم. وكذا الربيع بن أنس وسعيد بن جبير وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحق البصري عن يونس عن الحسن في قوله "وفومها" قال: قال ابن عباس الثوم قال وفي اللغة القديمة فوموا لنا بمعنى اختزوا قال ابن جرير: فإن كان ذلك صحيحا فإنه من الحروف المبدلة كقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر وأثافي وأثاثي ومغافير ومغاثير وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما والله أعلم وقال آخرون الفوم الحنطة وهو البر الذي يعمل منه الخبز قال: ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبدالأعلى قراءة أنبأنا ابن وهب قراءة حدثني نافع بن أبي نعيم أن ابن عباس سئل عن قول الله "وفومها" ما فومها؟ قال الحنطة. قال ابن عباس. أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول: قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم وقال ابن جرير حدثنا علي بن الحسن حدثنا مسلم الجهني حدثنا عيسى بن يونس عن رشيد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قول الله "وفومها" قال الفوم الحنطة بلسان بني هاشم وكذا قال علي بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس وعكرمة عن ابن عباس أن الفوم الحنطة وقال سفيان الثوري: عن ابن جريج عن مجاهد وعطاء "وفومها" قالا وخبزها. وقال هشيم عن يونس عن الحسن وحصين أبي مالك "وفومها" قال الحنطة وهو قول عكرمة والسدي والحسن البصري وقتادة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم فالله أعلم وقال الجوهري: الفوم الحنطة وقال ابن دريد: الفوم السنبلة. وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة أن الفوم كل حب يختبز. قال وقال بعضهم هو الحمص لغة شامية ومنه يقال لبائعه فامي مغير عن فومي قال البخاري. وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم وقوله تعالى "قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع. وقوله تعالى "اهبطوا مصرا" هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية وهو قراءة الجمهور بالصرف. قال ابن جرير: ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك: وقال ابن عباس "اهبطوا مصرا" من الأمصار رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان عن عكرمة عنه قال: وروى عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وقال ابن جرير وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود "اهبطوا مصر" من غير إجراء يعني من غير صرف ثم روى عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والربيع وعن الأعمش أيضا. قال ابن جرير ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الأجراء أيضا مكون ذلك من باب الاتباع لكتابة المصحف كما في قوله تعالى "قواريرا قواريرا" ثم توقف في المراد ما هو أمصر فرعون أم مصر من الأمصار وهذا الذي قاله فيه نظر والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره والمعنى على ذلك لأن موسى عليه السلام يقول لهم هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثيرا في أي بلد دخلتموها وجدتموه فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه. ولهذا قال "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم" أي ما طلبتم ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه والله أعلم يقول تعالى "وضربت عليهم الذلة والمسكنة" أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا أي لا يزالون مستذلين من وجدهم استذلهم وأهانهم وضرب عليهم الصغار وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون. وقال الضحاك عن ابن عباس "وضربت عليهم الذلة والمسكنة" قال هم أصحاب القبالات يعني الجزية. وقال عبدالرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى "وضربت عليهم الذلة" قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وقال الضحال وضربت عليهم الذلة قال الذل. وقال الحسن أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي المسكنة الفاقة. وقال عطية العوفي الخراج وقال الضحاك الجزية وقوله تعالى "وباءوا بغضب من الله" قال الضحاك استحقوا لغضب من الله وقال الربيع بن أنس فحدث عليهم غضب من الله وقال سعيد بن جبير "وباءوا بغضب من الله" يقول استوجبوا سخطا وقال ابن جرير: يعني بقوله وباءوا بغضب من الله انصرفوا ورجعوا ولا يقال باء إلا موصولا إما بخير وإما بشر يقال منه باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء ومنه قوله تعالى "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك" يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذا رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب ووجب عليهم من الله سخط. وقوله تعالى "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق" يقول تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا إسماعيل عن ابن عون عن عمرو بن سعد عن حميد بن عبدالرحمن قال: قال ابن مسعود كنت لا أحجب عن النجوى ولا عن كذا ولا عن كذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي فأدركته من آخر حديثه وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو البغي؟ فقال "لا ليس ذلك من البغي ولكن البغي من بطر أو قال سفه الحق وغمط الناس" يعني رد الحق وانتقاص الناس والازدراء بهم والتعاظم عليهم ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتلهم أنبياءه أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبدالله بن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبدالله يعني ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين" وقوله تعالى "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به والله أعلم.

﴿وإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِها وقِثّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها قالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ﴾ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمَلِ قَبْلَها بِأُسْلُوبٍ واحِدٍ. وإسْنادُ القَوْلِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ جارٍ عَلى ما تَقَدَّمَ في نَظائِرِهِ وما تَضَمَّنَتْهُ الجُمَلُ قَبْلَها هو مِن تَعْدادِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ مَحْضَةً أوْ مَخْلُوطَةً بِسُوءِ شُكْرِهِمْ وبِتَرَتُّبِ النِّعْمَةِ عَلى ذَلِكَ الصَّنِيعِ بِالعَفْوِ ونَحْوِهِ كَما تَقَدَّمَ، فالظّاهِرُ أنْ يَكُونَ مَضْمُونُ هَذِهِ الجُمْلَةِ نِعْمَةً أيْضًا. ولِلْمُفَسِّرِينَ حَيْرَةٌ في الإشارَةِ إلَيْها فَيُؤْخَذُ مِن كَلامِ الفَخْرِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ﴾ هو كالإجابَةِ لِما طَلَبُوهُ، يَعْنِي والإجابَةُ إنْعامٌ. ولَوْ كانَ مُعَلَّقًا عَلى دُخُولِ قَرْيَةٍ مِنَ القُرى، ولا يَخْفى أنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأنَّ إعْطاءَهم ما سَألُوهُ لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ. ويُؤْخَذُ مِن كَلامِ المُفَسِّرِينَ الَّذِي صَدَّرَ الفَخْرُ بِنَقْلِهِ ووَجَّهَهُ عَبْدُ الحَكِيمِ أنَّ سُؤالَهم تَعْوِيضَ المَنِّ والسَّلْوى بِالبَقْلِ ونَحْوِهِ مَعْصِيَةٌ لِما فِيهِ مِن كَراهَةِ النِّعْمَةِ الَّتِي أنْعَمَ اللَّهُ بِها عَلَيْهِمْ إذْ عَبَّرُوا عَنْ تَناوُلِها (p-٥٢١)بِالصَّبْرِ، والصَّبْرُ هو حَمْلُ النَّفْسِ عَلى الأمْرِ المَكْرُوهِ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ أنَّهُ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى﴾ فَيَكُونُ مَحَلُّ النِّعْمَةِ هو الصَّفْحَ عَنْ هَذا الذَّنْبِ والتَّنازُعَ مَعَهم إلى الإجابَةِ بِقَوْلِهِ: اهْبِطُوا، ولا يَخْفى أنَّ هَذا بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ في قَوْلِهِ اهْبِطُوا إنْعامٌ عَلَيْهِمْ ولا في سُؤالِهِمْ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهم عَصَوْا لِأنَّ طَلَبَ الِانْتِقالِ مِن نِعْمَةٍ لِغَيْرِها لِغَرَضٍ مَعْرُوفٍ لا يُعَدُّ مَعْصِيَةً كَما بَيَّنَهُ الفَخْرُ. فالَّذِي عِنْدِي في تَفْسِيرِ الآيَةِ أنَّها انْتِقالٌ مِن تَعْدادِ النِّعَمِ المُعْقَبَةِ بِنِعَمٍ أُخْرى إلى بَيانِ سُوءِ اخْتِيارِهِمْ في شَهَواتِهِمْ والِاخْتِيارُ دَلِيلُ عَقْلِ اللَّبِيبِ، وإنْ كانَ يَخْتارُ مُباحًا، مَعَ ما في صِيغَةِ طَلَبِهِمْ مِنَ الجَفاءِ وقِلَّةِ الأدَبِ مَعَ الرَّسُولِ ومَعَ المُنْعِمِ إذْ قالُوا لَنْ نَصْبِرَ فَعَبَّرُوا عَنْ تَناوُلِ المَنِّ والسَّلْوى بِالصَّبْرِ المُسْتَلْزِمِ الكَراهِيَةَ، وأتَوْا بِما دَلَّ عَلَيْهِ ”لَنْ“ في حِكايَةِ كَلامِهِمْ مِن أنَّهم لا يَتَناوَلُونَ المَنَّ والسَّلْوى مِنَ الآنَ فَإنَّ (لَنْ) تَدُلُّ عَلى اسْتِغْراقِ النَّفْيِ لِأزْمِنَةِ فِعْلِ نَصْبِرُ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها وهو مَعْنى التَّأبِيدِ وفي ذَلِكَ إلْجاءٌ لِمُوسى أنْ يُبادِرَ بِالسُّؤالِ يَظُنُّونَ أنَّهم أيْأسُوهُ مِن قَبُولِ المَنِّ والسَّلْوى بَعْدَ ذَلِكَ الحِينِ، فَكانَ جَوابُ اللَّهِ لَهم في هَذِهِ الطَّلِبَةِ أنْ قَطَعَ عِنايَتَهُ بِهِمْ وأهْمَلَهم ووَكَلَهم إلى نُفُوسِهِمْ ولَمْ يُرِهِمْ ما عَوَّدَهم مِن إنْزالِ الطَّعامِ وتَفْجِيرِ العُيُونِ بَعْدَ فَلْقِ البَحْرِ وتَظْلِيلِ الغَمامِ، بَلْ قالَ لَهُمُ ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ فَأمَرَهم بِالسَّعْيِ لِأنْفُسِهِمْ وكَفى بِذَلِكَ تَأْدِيبًا وتَوْبِيخًا، قالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَطاءِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِن جَهْلِ المُرِيدِ أنْ يُسِيءَ الأدَبَ فَتُؤَخَّرَ العُقُوبَةُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَوْ كانَ في هَذا إساءَةٌ لَعُوقِبْتُ فَقَدْ يُقْطَعُ المَدَدُ عَنْهُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ ولَوْ لَمْ يَكُنْ إلّا مَنعُ المَزِيدِ، وقَدْ يُقامُ مَقامَ البُعْدِ مِن حَيْثُ لا يَدْرِي. ولَوْ لَمْ يَكُنْ إلّا أنْ يُخَلِّيَكَ وما تُرِيدُ، والمَقْصِدُ مِن هَذا أنْ يَنْتَقِلَ مِن تَعْدادِ النِّعَمِ إلى بَيانِ تَلَقِّيهِمْ لَها بِالِاسْتِخْفافِ لِيَنْتَقِلَ مِن ذَلِكَ إلى ذِكْرِ انْقِلابِ أحْوالِهِمْ وأسْبابِ خِذْلانِهِمْ، ولَيْسَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ بِمُقْتَضِي كَوْنِ السُّؤالِ مَعْصِيَةً فَإنَّ العُقُوباتِ الدُّنْيَوِيَّةَ وحِرْمانَ الفَضائِلِ لَيْسَتْ مِن آثارِ خِطابِ التَّكْلِيفِ ولَكِنَّها مِن أشْباهِ خِطابِ الوَضْعِ تَرْجِعُ إلى تَرَتُّبِ المُسَبَّباتِ عَلى أسْبابِها وذَلِكَ مِن نَوامِيسِ نِظامِ العالَمِ؛ وإنَّما الَّذِي يَدُلُّ عَلى كَوْنِ المَجْزِيِّ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً هو العِقابُ الأُخْرَوِيُّ وبِهَذا زالَتِ الحَيْرَةُ وانْدَفَعَ كُلُّ إشْكالٍ وانْتَظَمَ سِلْكُ الكَلامِ. وقَدْ أشارَتِ الآيَةُ إلى قِصَّةٍ ذَكَرَتْها التَّوْراةُ مُجْمَلَةً مُنْتَثِرَةً وهي أنَّهم لَمّا ارْتَحَلُوا مِن بَرِّيَّةِ سِينا مِن حُورِيبَ ونَزَلُوا في بَرِّيَّةِ فارانَ في آخِرِ الشَّهْرِ الثّانِي مِنَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ مِنَ الخُرُوجِ سائِرِينَ إلى جِهاتِ حَبْرُونَ فَقالُوا تَذَكَّرْنا السَّمَكَ الَّذِي كُنّا نَأْكُلُهُ في مِصْرَ (p-٥٢٢)مَجّانًا أيْ يَصْطادُونَهُ بِأنْفُسِهِمْ والقِثّاءَ والبِطِّيخَ والكُرّاثَ والبَصَلَ والثُّومَ وقَدْ يَبِسَتْ نُفُوسُنا فَلا نَرى إلّا هَذا المَنَّ فَبَكَوْا، فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وسَألَهُ مُوسى العَفْوَ فَعَفا عَنْهم وأرْسَلَ عَلَيْهِمُ السَّلْوى فادَّخَرُوا مِنها طَعامَ شَهْرٍ كامِلٍ. والتَّعْبِيرُ بِلَنِ المُفِيدَةِ لِتَأْبِيدِ النَّفْيِ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ لِأداءِ مَعْنى كَلامِهِمُ المَحْكِيِّ هُنا في شِدَّةِ الضَّجَرِ وبُلُوغِ الكَراهِيَةِ مِنهم حَدَّها الَّذِي لا طاقَةَ عِنْدَهُ. فَإنَّ التَّأْبِيدَ يُفِيدُ اسْتِغْراقَ النَّفْيِ في جَمِيعِ أجْزاءِ الأبَدِ أوَّلِها وآخِرِها، فَلَنْ في نَفْيِ الأفْعالِ مِثْلُ لا التَّبْرِئَةِ في نَفْيِ النَّكِراتِ. ووَصَفُوا الطَّعامَ بِواحِدٍ وإنْ كانَ هو شَيْئَيْنِ المَنُّ والسَّلْوى لِأنَّ المُرادَ أنَّهُ مُتَكَرِّرٌ كُلَّ يَوْمٍ. وجُمْلَةُ يُخْرِجْ لَنا إلى آخِرِها هي مَضْمُونُ ما طَلَبُوا مِنهُ أنْ يَدْعُوَ بِهِ فَهي في مَعْنى مَقُولِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ كَأنَّهُ قِيلَ ”قُلْ لِرَبِّكَ يُخْرِجْ لَنا“، ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ ”أنْ يُخْرِجَ“ لَنا فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلى الإتْيانِ بِفِعْلٍ مَجْزُومٍ في صُورَةِ جَوابِ طَلَبِهِمْ إيماءً إلى أنَّهم واثِقُونَ بِأنَّهُ إنْ دَعا رَبَّهُ أجابَهُ حَتّى كَأنَّ إخْراجَ ما تُنْبِتُ الأرْضُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ دُعاءِ مُوسى رَبَّهُ، وهَذا أُسْلُوبٌ تُكَرَّرَ في القُرْآنِ مِثْلَ قَوْلِهِ ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١] ﴿وقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] وهو كَثِيرٌ فَهو بِمَنزِلَةِ شَرْطٍ وجَزاءٍ كَأنَّهُ قِيلَ إنْ تَدْعُ رَبَّكَ بِأنْ يُخْرِجَ لَنا يُخْرِجْ لَنا، وهَذا بِتَنْزِيلِ سَبَبِ السَّبَبِ مَنزِلَةَ السَّبَبِ فَجَزَمَ الفِعْلَ المَطْلُوبَ في جَوابِ الأمْرِ بِطَلَبِهِ لِلَّهِ لِلدِّلالَةِ عَلى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ لِثِقَتِهِمْ بِإجابَةِ اللَّهِ تَعالى دَعْوَةَ مُوسى، وفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلى إيجادِ ما عُلِّقَ عَلَيْهِ الجَوابُ كَأنَّهُ أمْرٌ في مُكْنَتِهِ. فَإذا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ شَحَّ عَلَيْهِمْ بِما فِيهِ نَفْعُهم. والإخْراجُ: الإبْرازُ مِنَ الأرْضِ، (ومِنَ) الأُولى تَبْعِيضِيَّةٌ والثّانِيَةُ بَيانِيَّةٌ أوِ الثّانِيَةُ أيْضًا تَبْعِيضِيَّةٌ لِأنَّهم لا يَطْلُبُونَ جَمِيعَ البَقْلِ بَلْ بَعْضَهُ، وفِيهِ تَسْهِيلٌ عَلى المَسْئُولِ ويَكُونُ قَوْلُهُ (﴿مِن بَقْلِها﴾) حالًا مِن ما أوْ هو بَدَلٌ مِن ما تُنْبِتُ بِإعادَةِ حَرْفِ الجَرِّ، وعَنِ الحَسَنِ ”كانُوا قَوْمَ فِلاحَةٍ فَنَزَعُوا إلى عِكْرِهِمْ“ وقَدِ اخْتُلِفَ في الفُومِ فَقِيلَ هو الثُّومُ بِالمُثَلَّثَةِ وإبْدالُ الثّاءِ فاءً شائِعٌ في كَلامِ العَرَبِ كَما قالُوا: جَدَثٌ وجَدَفٌ، وثَلَغٌ وفَلَغٌ، وهَذا هو الأظْهَرُ والمُوافِقُ لِما عُدَّ مَعَهُ ولِما في التَّوْراةِ. وقِيلَ الفُومُ الحِنْطَةُ وأنْشَدَ الزَّجّاجُ لَأُحَيْحَةَ بْنِ الجُلاحِ: ؎قَدْ كُنْتُ أغْنى النّاسِ شَخْصًا واحِدًا ورَدَ المَدِينَةِ مِن مَزارِعِ فُومِ (p-٥٢٣)يُرِيدُ مَزارِعَ الحِنْطَةِ وقِيلَ الفُومُ الحِمَّصُ بِلُغَةِ أهْلِ الشّامِ. وقَوْلُهُ ﴿قالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ هو مِن كَلامِ مُوسى وقِيلَ مِن كَلامِ اللَّهِ وهو تَوْبِيخٌ شَدِيدٌ لِأنَّهُ جَرَّدَهُ عَنِ المُقْنِعاتِ وعَنِ الزَّجْرِ، واقْتَصَرَ عَلى الِاسْتِفْهامِ المَقْصُودِ مِنهُ التَّعَجُّبُ فالتَّوْبِيخُ. وفي الِاسْتِبْدالِ لِلْخَيْرِ بِالأدْنى النِّداءُ بِنِهايَةِ حَماقَتِهِمْ وسُوءِ اخْتِيارِهِمْ. وقَوْلُهُ أتَسْتَبْدِلُونَ السِّينُ والتّاءُ فِيهِ لِتَأْكِيدِ الحَدَثِ ولَيْسَ لِلطَّلَبِ فَهو كَقَوْلِهِ واسْتَغْنى اللَّهُ وقَوْلُهُمُ اسْتَجابَ بِمَعْنى أجابَ، واسْتَكْبَرَ بِمَعْنى تَكَبَّرَ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧] في سُورَةِ الإنْسانِ. وفِعْلُ اسْتَبْدَلَ مُشْتَقٌّ مِنَ البَدَلِ بِالتَّحْرِيكِ مِثْلَ شَبَهٍ، ويُقالُ بِكَسْرِ الباءِ وسُكُونِ الدّالِ مِثْلَ شِبْهٍ ويُقالُ بَدِيلٌ مِثْلُ شَبِيهٍ وقَدْ سُمِعَ في مُشْتَقّاتِهِ اسْتَبْدَلَ وأبْدَلَ وبَدَّلَ وتَبَدَّلَ وكُلُّها أفْعالٌ مَزِيدَةٌ ولَمْ يُسْمَعْ مِنهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ وكَأنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا بِهَذِهِ المَزِيدَةِ عَنِ المُجَرَّدِ، وظاهِرُ كَلامِ صاحِبِ الكَشّافِ في سُورَةِ النِّساءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ [النساء: ٢] أنَّ اسْتَبْدَلَ هو أصْلُها وأكْثَرُها وأنَّ تَبَدَّلَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ والتَّفَعُّلُ بِمَعْنى الِاسْتِفْعالِ غَزِيرٌ ومِنهُ التَّعَجُّلُ بِمَعْنى الِاسْتِعْجالِ والتَّأخُّرُ بِمَعْنى الِاسْتِئْخارِ. وجَمِيعُ أفْعالِ مادَّةِ البَدَلِ تَدُلُّ عَلى جَعْلِ شَيْءٍ مَكانَ شَيْءٍ آخَرَ مِنَ الذَّواتِ أوِ الصِّفاتِ أوْ عَنْ تَعْوِيضِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنَ الذَّواتِ أوِ الصِّفاتِ. ولَمّا كانَ مَعْنى الحَدَثِ المَصُوغِ مِنهُ الفِعْلُ اقْتَضَتْ هَذِهِ الأفْعالُ تَعْدِيَةً إلى مُتَعَلِّقَيْنِ إمّا عَلى وجْهِ المَفْعُولِيَّةِ فِيهِما مَعًا مِثْلَ تَعَلُّقِ فِعْلِ الجَعْلِ، وإمّا عَلى وجْهِ المَفْعُولِيَّةِ في أحَدِهِما والجَرِّ لِلْآخَرِ مِثْلَ مُتَعَلَّقَيْ أفْعالِ التَّعْوِيضِ كاشْتَرى وهَذا هو الِاسْتِعْمالُ الكَثِيرُ، فَإذا تَعَدّى الفِعْلُ إلى مَفْعُولَيْنِ نَحْوَ ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ﴾ [إبراهيم: ٤٨] كانَ المَفْعُولُ الأوَّلُ هو المُزالَ والثّانِي هو الَّذِي يَخْلُفُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠] . ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ﴾ [إبراهيم: ٤٨] وقَوْلِهِمْ أبْدَلْتُ الحَلْقَةَ خاتَمًا، وإذْ تَعَدَّتْ إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ وتَعَدَّتْ إلى الآخَرِ بِالباءِ وهو الأكْثَرُ فالمَنصُوبُ هو المَأْخُوذُ والمَجْرُورُ هو المَبْذُولُ نَحْوَ قَوْلِهِ هُنا ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ وقَوْلِهِ ﴿ومَن يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإيمانِ فَقَدْ ضَلَّ (p-٥٢٤)سَواءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨] وقَوْلِهِ في سُورَةِ النِّساءِ ﴿ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ [النساء: ٢] وقَدْ يُجَرُّ المَعْمُولُ الثّانِي الَّتِي هي بِمَعْنى باءِ البَدَلِيَّةِ كَقَوْلِ أبِي الشِّيصِ: ؎بُدِّلْتُ مِن مُرْدِ الشَّبابِ مُلاءَةً ∗∗∗ خَلَقًا وبِئْسَ مَثُوبَةُ المُقْتاضِ وقَدْ يُعْدَلُ عَنْ تَعْدِيَةِ الفِعْلِ إلى الشَّيْءِ المُعَوَّضِ ويُعَدّى إلى آخِذِ العِوَضِ فَيَصِيرُ مِن بابِ أعْطى فَيَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ ويُنَبِّهُ عَلى المَتْرُوكِ بِما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ مِن نَحْوِ مِن كَذا، وبَعْدَ كَذا، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمُ أمْنًا﴾ [النور: ٥٥] التَّقْدِيرُ لِيُبَدِّلَنَّ خَوْفَهم أمْنًا هَذا تَحْرِيرُ طَرِيقِ اسْتِعْمالِ هَذِهِ الأفْعالِ. ووَقَعَ في الكَشّافِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ [النساء: ٢] ما يَقْتَضِي أنَّ فِعْلَ بَدَّلَ لَهُ اسْتِعْمالٌ غَيْرَ اسْتِعْمالِ فِعْلِ اسْتَبْدَلَ وتَبَدَّلَ بِأنَّهُ إذا عُدِّيَ إلى المَعْمُولِ الثّانِي بِالباءِ كانَ مَدْخُولُ الباءِ هو المَأْخُوذَ وكانَ المَنصُوبُ هو المَتْرُوكَ والمُعْطِيَ فَقَرَّرَهُ القُطْبُ في شَرْحِهِ بِما ظاهِرُهُ أنَّ بَدَّلَ لا يَكُونُ في مَعْنى تَعْدِيَتِهِ إلّا مُخالِفًا لِتَبَدَّلَ واسْتَبْدَلَ، وقَرَّرَهُ التَّفْتَزانِيُّ بِأنَّ فِيهِ اسْتِعْمالَيْنِ إذا تَعَدّى إلى المَعْمُولِ الثّانِي بِالباءِ أحَدُهُما يُوافِقُ اسْتِعْمالَ تَبَدَّلَ والآخَرُ بِعَكْسِهِ، والأظْهَرُ عِنْدِي أنْ لا فَرْقَ بَيْنَ بَدَّلَ وتَبَدَّلَ واسْتَبْدَلَ وأنَّ كَلامَ الكَشّافِ مُشْكِلٌ وحَسْبُكَ أنَّهُ لا يُوجَدُ في كَلامِ أئِمَّةِ اللُّغَةِ ولا في كَلامِهِ نَفْسِهِ في كِتابِ الأساسِ. فالأمْرُ في قَوْلِهِ اهْبِطُوا لِلْإباحَةِ المَشُوبَةِ بِالتَّوْبِيخِ أيْ إنْ كانَ هَذا هَمَّكم فاهْبِطُوا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ فالمَعْنى ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ مِنَ الأمْصارِ يَعْنِي وفِيهِ إعْراضٌ عَنْ طَلَبِهِمْ إذْ لَيْسَ حَوْلَهم يَوْمَئِذٍ بَلَدٌ قَرِيبٌ يَسْتَطِيعُونَ وُصُولَهُ. وقِيلَ أرادَ اهْبِطُوا مِصْرَ أيْ بَلَدَ مِصْرَ بَلَدَ القِبْطِ أيِ ارْجِعُوا إلى مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتُمْ مِنها والأمْرُ لِمُجَرَّدِ التَّوْبِيخِ إذْ لا يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ إلى مِصْرَ. واعْلَمْ أنَّ مِصْرَ عَلى هَذا المَعْنى يَجُوزُ مَنعُهُ مِنَ الصَّرْفِ عَلى تَأْوِيلِهِ بِالبُقْعَةِ فَيَكُونُ فِيهِ العَلَمِيَّةُ والتَّأْنِيثُ، ويَجُوزُ صَرْفُهُ عَلى تَأْوِيلِهِ بِالمَكانِ أوْ لِأنَّهُ مُؤَنَّثٌ ثُلاثِيٌّ ساكِنُ الوَسَطِ مِثْلَ هِنْدٍ فَهو في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِدُونِ تَنْوِينٍ وأنَّهُ في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِدُونِ ألِفٍ وأنَّهُ ثَبَتَ بِدُونِ ألِفٍ في بَعْضِ مَصاحِفِ عُثْمانَ. قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وذَكَرَ أنَّ أشْهَبَ قالَ: قالَ لِي مالِكٌ هي عِنْدِي مِصْرُ قَرْيَتُكَ مَسْكَنُ فِرْعَوْنَ ا هـ ويَكُونُ قَوْلُ مُوسى لَهُمُ ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ أمْرًا قُصِدَ مِنهُ التَّهْدِيدُ عَلى تَذَكُّرِهِمْ أيّامَ ذُلِّهِمْ وعَنائِهِمْ وتَمَنِّيهِمُ الرُّجُوعَ لِتِلْكَ المَعِيشَةِ، كَأنَّهُ يَقُولُ لَهُمُ ارْجِعُوا إلى ما كُنْتُمْ فِيهِ إذْ لَمْ تَقْدِرُوا (p-٥٢٥)قَدْرَ الفَضائِلِ النَّفْسِيَّةِ ونِعْمَةِ الحُرِّيَّةِ والِاسْتِقْلالِ. ورُبَّما كانَ قَوْلُهُ اهْبِطُوا دُونَ لِنَهْبِطْ مُؤْذِنًا بِذَلِكَ لِأنَّهُ لا يُرِيدُ إدْخالَ نَفْسِهِ في هَذا الأمْرِ وهَذا يُذَكِّرُ بِقَوْلِ أبِي الطَّيِّبِ: ؎فَإنْ كانَ أعْجَبَكم عامَكم ∗∗∗ فَعُودُوا إلى حِمْصَ في القابِلِ وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ﴾ الظّاهِرُ أنَّ الفاءَ لِلتَّعْقِيبِ عَطَفَتْ جُمْلَةَ إنَّ لَكم ما سَألْتُمْ عَلى جُمْلَةِ اهْبِطُوا لِلدِّلالَةِ عَلى حُصُولِ سُؤْلِهِمْ بِمُجَرَّدِ هُبُوطِهِمْ مِصْرَ أوْ لَيْسَتْ مُفِيدَةً لِلتَّعْلِيلِ إذْ لَيْسَ الأمْرُ بِالهُبُوطِ بِمُحْتاجٍ إلى التَّعْلِيلِ بِمِثْلِ مَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ لِظُهُورِ المَقْصُودِ مِن قَوْلِهِ ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ ولِأنَّهُ لَيْسَ بِمَقامِ تَرْغِيبٍ في هَذا الهُبُوطِ حَتّى يُشَجِّعَ المَأْمُورَ بِتَعْلِيلِ الأمْرِ والظّاهِرُ أنَّ عَدَمَ إرادَةِ التَّعْلِيلِ هو الدّاعِي إلى ذِكْرِ فاءِ التَّعْقِيبِ لِأنَّهُ لَوْ أُرِيدَ التَّعْلِيلُ لَكانَتْ إنَّ مُغْنِيَةً غَناءَ الفاءِ عَلى ما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ القاهِرِ في دَلائِلِ الإعْجازِ في الفَصْلِ الخامِسِ والفَصْلِ الحادِيَ عَشَرَ مِن فُصُولٍ شَتّى في النَّظْمِ إذْ يَقُولُ واعْلَمْ أنَّ مِن شَأْنِ إنَّ إذا جاءَتْ عَلى هَذا الوَجْهِ أيْ في قَوْلِ بَشّارٍ: ؎بَكِّرا صاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِيرِ ∗∗∗ إنَّ ذاكَ النَّجاحَ في التَّبْكِيرِ أنْ تُغْنِيَ غَناءَ الفاءِ العاطِفَةِ مَثَلًا وأنْ تُفِيدَ مِن رَبْطِ الجُمْلَةِ بِما قَبْلَها أمْرًا عَجِيبًا فَأنْتَ تَرى الكَلامَ بِها مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُسْتَأْنَفٍ مَقْطُوعًا مَوْصُولًا مَعًا وقالَ: إنَّكَ تَرى الجُمْلَةَ إذا دَخَلَتْ ”إنَّ“ تَرْتَبِطُ بِما قَبِلَها وتَأْتَلِفُ مَعَهُ حَتّى كَأنَّ الكَلامَيْنِ أُفْرِغا إفْراغًا واحِدًا حَتّى إذا أُسْقِطَتْ إنَّ رَأيْتَ الثّانِيَ مِنهُما قَدْ نَبا عَنِ الأوَّلِ وتَجافى مَعْناهُ عَنْ مَعْناهُ حَتّى تَجِيءَ بِالفاءِ فَتَقُولُ مَثَلًا: ؎بَكِّرا صاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِيرِ ∗∗∗ بَكِّرا فالنَّجاحُ في التَّبْكِيرِ ثُمَّ لا تَرى الفاءَ تُعِيدُ الجُمْلَتَيْنِ إلى ما كانَتا عَلَيْهِ مِنَ الأُلْفَةِ وهَذا الضَّرْبُ كَثِيرٌ في التَّنْزِيلِ جِدًّا مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١] وقَوْلُهُ ﴿يا بُنَيَّ أقِمِ الصَّلاةَ﴾ [لقمان: ١٧] إلى قَوْلِهِ ﴿إنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] وقالَ ﴿وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] إلَخْ. فَظاهِرُ كَلامِ الشَّيْخِ أنَّ وُجُودَ إنَّ في الجُمْلَةِ المَقْصُودُ مِنها التَّعْلِيلُ والرَّبْطُ مُغْنٍ عَنِ الإتْيانِ بِالفاءِ، وأنَّ الإتْيانَ بِالفاءِ حِينَئِذٍ لا يُناسِبُ الكَلامَ البَلِيغَ إذْ هو كالجَمْعِ بَيْنَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ عَنْهُ فَإذا وجَدْنا الفاءَ مَعَ إنَّ عَلِمْنا أنَّ الفاءَ لِمُجَرَّدِ العَطْفِ وإنَّ لِإرادَةِ التَّعْلِيلِ والرَّبْطِ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ المُتَعاطِفَتَيْنِ بِأكْثَرَ مِن مَعْنى التَّعْقِيبِ. ويُسْتَخْلَصُ مِن ذَلِكَ أنَّ مَواقِعَ التَّعْلِيلِ هي الَّتِي يَكُونُ فِيها مَعْناهُ بَيْنَ مَضْمُونِ الجُمْلَتَيْنِ كالأمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَها. (p-٥٢٦)وجَعَلَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ المُحِيطِ جُمْلَةَ ﴿فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ﴾ جَوابًا لِلْأمْرِ وزَعَمَ أنَّ الأمْرَ كَما يُجابُ بِالفِعْلِ يُجابُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ولا يَخْفى أنَّ كِلا المَعْنَيَيْنِ ضَعِيفٌ هاهُنا لِعَدَمِ قَصْدِ التَّرْغِيبِ في هَذا الهُبُوطِ حَتّى يُعَلَّلَ أوْ يُعَلَّقَ، وإنَّما هو كَلامُ غَضَبٍ كَما تَقَدَّمَ. واقْتِرانُ الجُمْلَةِ بِإنَّ المُؤَكِّدَةِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ مَن يَشُكُّ لِبُعْدِ عَهْدِهِمْ بِما سَألُوهُ حَتّى يَشُكُّونَ هَلْ يَجِدُونَهُ مِن شِدَّةِ شَوْقِهِمْ، والمُحِبُّ بِسُوءِ الظَّنِّ مُغْرًى. * * * ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ عَطْفٌ عَلى الجُمَلِ المُتَقَدِّمَةِ بِالواوِ وبِدُونِ إعادَةِ إذْ، فَأمّا عَطْفُهُ فَلِأنَّ هاتِهِ الجُمْلَةَ لَها مَزِيدُ الِارْتِباطِ بِالجُمَلِ قَبْلَها إذْ كانَتْ في مَعْنى النَّتِيجَةِ والأثَرِ لِمَدْلُولِ الجُمَلِ قَبْلَها مِن قَوْلِهِ ﴿وإذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [البقرة: ٤٩] فَإنَّ مَضْمُونَ تِلْكَ الجُمَلِ ذِكْرُ ما مَنَّ اللَّهُ تَعالى بِهِ عَلَيْهِمْ مِن نِعْمَةِ تَحْرِيرِهِمْ مِنَ اسْتِعْبادِ القِبْطِ إيّاهم وسَوْقِهِمْ إلى الأرْضِ الَّتِي وعَدَهم فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نِعْمَتَيِ التَّحْرِيرِ والتَّمْكِينِ في الأرْضِ وهو جَعْلُ الشَّجاعَةِ طَوْعَ يَدِهِمْ لَوْ فَعَلُوا فَلَمْ يُقَدِّرُوا قَدْرَ ذَلِكَ وتَمَنَّوُا العَوْدَ إلى المَعِيشَةِ في مِصْرَ إذْ قالُوا ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ كَما فَصَّلْناهُ لَكم هُنالِكَ مِمّا حَكَتْهُ التَّوْراةُ وتَقاعَسُوا عَنْ دُخُولِ القَرْيَةِ وجَبُنُوا عَنْ لِقاءِ العَدُوِّ كَما أشارَتْ لَهُ الآيَةُ الماضِيَةُ وفَصَّلَتْهُ آيَةُ المائِدَةِ فَلا جَرَمَ إذْ لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ ولَمْ يُقَدِّرُوها أنْ تُنْتَزَعَ مِنهم ويُسْلَبُوها ويُعَوَّضُوا عَنْها بِضِدِّها وهو الذِّلَّةُ المُقابِلَةُ لِلشَّجاعَةِ إذْ لَمْ يَثِقُوا بِنَصْرِ اللَّهِ إيّاهم والمَسْكَنَةُ وهي العُبُودِيَّةُ فَتَكُونُ الآيَةُ مَسُوقَةً مَساقَ المُجازاةِ لِلْكَلامِ السّابِقِ فَهَذا وجْهُ العَطْفِ. وأمّا كَوْنُهُ بِالواوِ دُونَ الفاءِ فَلِيَكُونَ خَبَرًا مَقْصُودًا بِذاتِهِ ولَيْسَ مُتَفَرِّعًا عَلى قَوْلِ مُوسى لَهم ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ لِأنَّهم لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ فَإنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ هو إظْهارُ آثارِها المَقْصُودَةِ مِنها كَإظْهارِ النَّصْرِ لِلْحَقِّ بِنِعْمَةِ الشَّجاعَةِ وإغاثَةِ المَلْهُوفِينَ بِنِعْمَةِ الكَرَمِ وتَثْقِيفِ الأذْهانِ بِنِعْمَةِ العِلْمِ فَكُلُّ مَن لَمْ يَشْكُرِ النِّعْمَةَ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ تُسْلَبَ عَنْهُ ويُعَوَّضَ بِضِدِّها قالَ تَعالى ﴿فَأعْرَضُوا فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وبَدَّلْناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وأثْلٍ﴾ [سبإ: ١٦] الآيَةَ، ولَوْ عَطَفَ بِغَيْرِ الواوِ لَكانَ ذِكْرُهُ تَبَعًا لِذِكْرِ سَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الِاسْتِقْلالِ ما يُنَبِّهُ البالَ. (p-٥٢٧)فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ وباءُوا إلَخْ عائِدَةٌ إلى جَمِيعِ بَنِي إسْرائِيلَ لا إلى خُصُوصِ الَّذِينَ أبَوْا دُخُولَ القَرْيَةِ والَّذِينَ قالُوا ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيئِينَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ فَإنَّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيئِينَ هم أبْناءُ الَّذِينَ أبَوْا دُخُولَ القَرْيَةِ وقالُوا ﴿لَنْ نَصْبِرَ﴾ فالإتْيانُ بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ هُنا جارٍ عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ لِأنَّهم غَيْرُ المُخاطَبِينَ فَلَيْسَ هو مِنَ الِالتِفاتِ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ إلَخْ مِن بَقِيَّةِ جَوابِ مُوسى إيّاهم لِما عَلِمْتَ مِن شُمُولِهِ لِلْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمُ الآبِينَ دُخُولَ القَرْيَةِ ولِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أتى بَعْدَهم فَقَدْ جاءَ ضَمِيرُ الغَيْبَةِ عَلى أصْلِهِ، أمّا شُمُولُهُ لِلْمُخاطَبِينَ فَإنَّما هو بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ وهو لُزُومُ تَوارُثِ الأبْناءِ أخْلاقَ الآباءِ وشَمائِلَهم كَما قَرَّرْناهُ في وجْهِ الخِطاباتِ الماضِيَةِ مِن قَوْلِهِ ﴿وإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ﴾ [البقرة: ٥٠] الآياتِ ويُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ الآتِي بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ المُشْعِرِ بِأنَّ كُلَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ يَثْبُتَ لَهُ مِنَ الحُكْمِ مِثْلُ ما ثَبَتَ لِلْآخَرِ. والضَّرْبُ في كَلامِ العَرَبِ يَرْجِعُ إلى مَعْنى التِقاءِ ظاهِرِ جِسْمٍ بِظاهِرِ جِسْمٍ آخَرَ بِشِدَّةٍ يُقالُ ضَرَبَ بِعَصًا وبِيَدِهِ وبِالسَّيْفِ، وضَرَبَ بِيَدِهِ الأرْضَ إذا ألْصَقَها بِها، وتَفَرَّعَتْ عَنْ هَذا مَعانٍ مَجازِيَّةٌ تَرْجِعُ إلى شِدَّةِ اللُّصُوقِ. فَمِنهُ ضَرَبَ في الأرْضِ. سارَ طَوِيلًا، وضَرَبَ قُبَّةً وبَيْتًا في مَوْضِعِ كَذا بِمَعْنى شَدَّها ووَثَّقَها مِنَ الأرْضِ. قالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ: ؎إنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهاجِرَةٌ وقالَ زِيادٌ الأعْجَمُ: ؎فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلى ابْنِ الحَشْرَجِ ∗∗∗ وضَرَبَ الطِّينَ عَلى الحائِطِ ألْصَقَهُ وقَدْ تَقَدَّمَ ما لِجَمِيعِ هَذِهِ المَعانِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾ [البقرة: ٢٦] فَقَوْلُهُ ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ﴾ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ إذْ شُبِّهَتِ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ في الإحاطَةِ بِهِمْ واللُّزُومِ بِالبَيْتِ أوِ القُبَّةِ يَضْرِبُها السّاكِنُ لِيَلْزَمَها. وذِكْرُ الضَّرْبِ تَخْيِيلٌ لِأنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ في عَلائِقِ المُشَبَّهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضُرِبَتِ اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً ولَيْسَ ثَمَّةَ مَكْنِيَّةً بِأنْ شَبَّهَ لُزُومَ الذِّلَّةِ لَهم ولُصُوقَها بِلُصُوقِ الطِّينِ بِالحائِطِ، ومَعْنى التَّبَعِيَّةِ أنَّ المَنظُورَ إلَيْهِ في التَّشْبِيهِ هو الحَدَثُ والوَصْفُ لا الذّاتُ بِمَعْنى أنَّ جَرَيانَ الِاسْتِعارَةِ في الفِعْلِ لَيْسَ بِعُنْوانِ كَوْنِهِ تابِعًا لِفاعِلٍ كَما في التَّخْيِيلِيَّةِ بَلْ بِعُنْوانِ كَوْنِهِ حَدَثًا وهو مَعْنى قَوْلِهِمْ أُجْرِيَتْ في الفِعْلِ تَبَعًا لِجَرَيانِها (p-٥٢٨)فِي المَصْدَرِ وبِهِ يَظْهَرُ الفَرْقُ بَيْنَ جَعْلِ ضُرِبَتْ تَخْيِيلًا وجَعْلِهِ تَبَعِيَّةً وهي طَرِيقَةٌ في الآيَةِ سَلَكَها الطَّيِّبِيُّ في شَرْحِ الكَشّافِ وخالَفَهُ التَّفْتَزانِيُّ وجَعَلَ الضَّرْبَ اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً بِمَعْنى الإحاطَةِ والشُّمُولِ سَواءٌ كانَ المُشَبَّهُ بِهِ القُبَّةَ أوِ الطِّينَ، وهُما احْتِمالانِ مَقْصُودانِ في هَذا المَقامِ يَشْعُرُ بِهِما البُلَغاءُ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ لَيْسَ هو مِن بابِ قَوْلِ زِيادٍ الأعْجَمِ: ؎إنَّ السَّماحَةَ والمُرُوءَةَ والنَّدى ∗∗∗ في قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلى ابْنِ الحَشْرَجِ لِأنَّ القُبَّةَ في الآيَةِ مُشَبَّهٌ بِها ولَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ والقُبَّةُ في البَيْتِ يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فالآيَةُ اسْتِعارَةٌ وتَصْرِيحٌ والبَيْتُ حَقِيقَةٌ وكِنايَةٌ كَما نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّيِّبِيُّ وجَعَلَ التَّفْتَزانِيُّ الآيَةَ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ في الِاسْتِعارَةِ كِنايَةً عَنْ كَوْنِ اليَهُودِ أذِلّاءَ مُتَصاغِرِينَ وهي نُكَتٌ لا تَتَزاحَمُ. والذِّلَّةُ الصَّغارُ وهي بِكَسْرِ الذّالِ لا غَيْرَ وهي ضِدَّ العِزَّةِ ولِذَلِكَ قابَلَ بَيْنَهُما السَّمَوْألُ أوِ الحارِثِيُّ في قَوْلِهِ: ؎وما ضَرَّنا أنّا قَلِيلٌ وجارُنا ∗∗∗ عَزِيزٌ وجارُ الأكْثَرِينَ ذَلِيلُ . والمَسْكَنَةُ الفَقْرُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ السُّكُونِ لِأنَّ الفَقْرَ يُقَلِّلُ حَرَكَةَ صاحِبِهِ. وتُطْلَقُ عَلى الضَّعْفِ ومِنهُ المِسْكِينُ لِلْفَقِيرِ. ومَعْنى لُزُومِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ لِلْيَهُودِ أنَّهم فَقَدُوا البَأْسَ والشَّجاعَةَ وبَدا عَلَيْهِمْ سِيما الفَقْرِ والحاجَةِ مَعَ وفْرَةِ ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَإنَّهم لَمّا سَئِمُوها صارَتْ لَدَيْهِمْ كالعَدَمِ ولِذَلِكَ صارَ الحِرْصُ لَهم سَجِيَّةً باقِيَةً في أعْقابِهِمْ. والبَوْءُ الرُّجُوعُ وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِانْقِلابِ الحالَةِ مِمّا يُرْضِي اللَّهَ إلى غَضَبِهِ. * * * (p-٥٢٩)﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيئِينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ أثارَهُ ما شَنَّعَ بِهِ حالُهم مِن لُزُومِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ لَهم والإشارَةِ إلى ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباءُوا بِغَضَبٍ﴾ . وأفْرَدَ اسْمَ الإشارَةِ لِتَأْوِيلِ المُشارِ إلَيْهِ بِالمَذْكُورِ وهو أوْلى بِجَوازِ الإفْرادِ مِن إفْرادِ الضَّمِيرِ في قَوْلِ رُؤْبَةَ: ؎فِيها خُطُوطٌ مِن سَوادٍ وبَلَقْ كَأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ لِرُؤْبَةَ: إنْ أرَدْتَ الخُطُوطَ فَقُلْ كَأنَّها، وإنْ أرَدْتَ السَّوادَ والبَياضَ فَقُلْ كَأنَّهُما. فَقالَ رُؤْبَةُ: أرَدْتُ كَأنَّ ذَلِكَ ويْلَكَ وإنَّما كانَ ما في الآيَةِ أوْلى بِالإفْرادِ لِأنَّ الذِّلَّةَ والمَسْكَنَةَ والغَضَبَ مِمّا لا يُشاهَدُ فَلا يُشارُ إلى ذاتِها ولَكِنْ يُشارُ إلى مَضْمُونِ الكَلامِ وهو شَيْءٌ واحِدٌ أيْ مَذْكُورٌ ومَقُولٌ ومِن هَذا قَوْلُهُ تَعالى ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] أيْ ذَلِكَ القَصَصُ السّابِقُ. ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨] وسَيَأْتِي وقالَ صاحِبُ الكَشّافِ والَّذِي حَسَّنَ ذَلِكَ أنَّ أسْماءَ الإشارَةِ لَيْسَتْ تَثْنِيَتُها وجَمْعُها وتَأْنِيثُها عَلى الحَقِيقَةِ وكَذَلِكَ المَوْصُولاتُ ولِذَلِكَ جاءَ الَّذِي بِمَعْنى الجَمْعِ اهـ. قِيلَ أرادَ بِهِ أنَّ جَمْعَ أسْماءِ الإشارَةِ وتَثْنِيَتَها لَمْ يَكُنْ بِزِيادَةِ عَلاماتٍ بَلْ كانَ بِألْفاظٍ خاصَّةٍ بِتِلْكَ الأحْوالِ فَلِذَلِكَ كانَ اسْتِعْمالُ بَعْضِها في مَعْنى بَعْضٍ أسْهَلَ إذا كانَ عَلى تَأْوِيلٍ. وهو قَلِيلُ الجَدْوى لِأنَّ المَدارَ عَلى التَّأْوِيلِ والمَجازِ سَواءٌ كانَ في اسْتِعْمالِ لَفْظٍ في مَعْنى آخَرَ أوْ في اسْتِعْمالِ صِيغَةٍ في مَعْنى أُخْرى فَلا حُسْنَ يَخُصُّ هَذِهِ الألْفاظَ فِيما يَظْهَرُ. فَلَعَلَّهُ أرادَ أنَّ (ذا) مَوْضُوعٌ لِجِنْسٍ ما يُشارُ إلَيْهِ. والَّذِي مَوْضُوعٌ لِجِنْسٍ ما عُرِفَ بِصِلَةٍ فَهو صالِحٌ لِلْإطْلاقِ عَلى الواحِدِ والمُثَنّى والجَمْعِ والمُذَكِّرِ والمُؤَنَّثِ وإنَّ ما يَقَعُ مِن أسْماءِ الإشارَةِ والمَوْصُولاتِ لِلْمُثَنّى نَحْوَ ذانِ ولِلْجَمْعِ نَحْوَ أُولَئِكَ، إنَّما هو اسْمٌ بِمَعْنى المُثَنّى والمَجْمُوعِ لا أنَّهُ تَثْنِيَةُ مُفْرَدٍ، وجَمْعُ مُفْرَدٍ، فَذا يُشارُ بِهِ لِلْمُثَنّى والمَجْمُوعِ ولا عَكْسَ فَلِذَلِكَ حَسُنَ اسْتِعْمالُ المُفْرَدِ مِنها لِلدِّلالَةِ عَلى المُتَعَدِّدِ. والباءُ في قَوْلِهِ ﴿بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ سَبَبِيَّةٌ أيْ أنَّ كُفْرَهم وما مَعَهُ كانَ سَبَبًا لِعِقابِهِمْ في الدُّنْيا بِالذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ وفي الآخِرَةِ بِغَضَبِ اللَّهِ وفِيهِ تَحْذِيرٌ مِنَ الوُقُوعِ في مِثْلِ ما وقَعُوا فِيهِ. (p-٥٣٠)وقَوْلُهُ ﴿ويَقْتُلُونَ النَّبِيئِينَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ خاصٌّ بِأجْيالِ اليَهُودِ الَّذِينَ اجْتَرَمُوا هَذِهِ الجَرِيمَةَ العَظِيمَةَ سَواءٌ في ذَلِكَ مَن باشَرَ القَتْلَ وأمَرَ بِهِ ومَن سَكَتَ عَنْهُ ولَمْ يَنْصُرِ الأنْبِياءَ. وقَدْ قَتَلَ اليَهُودُ مِنَ الأنْبِياءِ أشْعِياءَ بْنَ أمْوَصَ الَّذِي كانَ حَيًّا في مُنْتَصَفِ القَرْنِ الثّامِنِ قَبْلَ المَسِيحِ قَتَلَهُ المَلِكُ مَنسِيٌّ مَلِكُ اليَهُودِ سَنَةَ ٧٠٠ قَبْلَ المَسِيحِ نُشِرَ نَشْرًا عَلى جِذْعِ شَجَرَةٍ. وأرْمِياءَ النَّبِيءَ الَّذِي كانَ حَيًّا في أواسِطِ القَرْنِ السّابِعِ قَبْلَ المَسِيحِ وذَلِكَ لِأنَّهُ أكْثَرَ التَّوْبِيخاتِ والنَّصائِحَ لِلْيَهُودِ فَرَجَمُوهُ بِالحِجارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ وفي ذَلِكَ خِلافٌ. وزَكَرِيّاءَ الأخِيرَ أبا يَحْيَ قَتَلَهُ هِيرُودُسُ العِبْرانِيُّ مَلِكُ اليَهُودِ مِن قِبَلِ الرُّومانِ لِأنَّ زَكَرِيّاءَ حاوَلَ تَخْلِيصَ ابْنِهِ يَحْيى مِنَ القَتْلِ وذَلِكَ في مُدَّةِ نُبُوءَةِ عِيسى، ويَحْيى بْنُ زَكَرِيّاءَ قَتَلَهُ هِيرُودُسُ لِغَضَبِ ابْنَةِ أُخْتِ هِيرُودُسَ عَلى يَحْيى. وقَوْلُهُ ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ أيْ بِدُونِ وجْهٍ مُعْتَبَرٍ في شَرِيعَتِهِمْ فَإنَّ فِيها: ﴿أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ في الأرْضِ فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] فَهَذا القَيْدُ مِنَ الِاحْتِجاجِ عَلى اليَهُودِ بِأُصُولِ دِينِهِمْ لِتَخْلِيدِ مَذَمَّتِهِمْ، وإلّا فَإنَّ قَتْلَ الأنْبِياءِ لا يَكُونُ بِحَقٍّ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ، وإنَّما قالَ الأنْبِياءَ لِأنَّ الرُّسُلَ لا تُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ أعْداؤُهم لِأنَّهُ مُنافٍ لِحِكْمَةِ الرِّسالَةِ الَّتِي هي التَّبْلِيغُ قالَ تَعالى ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا﴾ [غافر: ٥١] وقالَ ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] ومِن ثَمَّ كانَ ادِّعاءُ النَّصارى أنَّ عِيسى قَتَلَهُ اليَهُودُ ادِّعاءً مُنافِيًا لِحِكْمَةِ الإرْسالِ ولَكِنَّ اللَّهَ أنْهى مُدَّةَ رِسالَتِهِ بِحُصُولِ المَقْصِدِ مِمّا أُرْسِلَ إلَيْهِ. وقَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ فِيهِ إلى نَفْسِ المُشارِ إلَيْهِ بِذَلِكَ الأوْلى فَيَكُونُ تَكْرِيرًا لِلْإشارَةِ لِزِيادَةِ تَمْيِيزِ المُشارِ إلَيْهِ حِرْصًا عَلى مَعْرِفَتِهِ، ويَكُونُ العِصْيانُ والِاعْتِداءُ سَبَبَيْنِ آخَرَيْنِ لِضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ ولِغَضَبِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ، والآيَةُ حِينَئِذٍ مِن قَبِيلِ التَّكْرِيرِ وهو مُغْنٍ عَنِ العَطْفِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُشارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الثّانِي هو الكُفْرَ بِآياتِ اللَّهِ وقَتْلَهُمُ النَّبِيئِينَ فَيَكُونُ ذَلِكَ إشارَةً إلى سَبَبِ ضَرْبِ الذِّلَّةِ إلَخْ فَما بَعْدَ كَلِمَةِ ذَلِكَ هو سَبَبُ السَّبَبِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ إدْمانَ العاصِي يُفْضِي إلى التَّغَلْغُلِ فِيها والتَّنَقُّلِ مِن أصْغَرِها إلى أكْبَرِها. والباءُ عَلى الوَجْهَيْنِ سَبَبِيَّةٌ عَلى أصْلِ مَعْناها. ولا حاجَةَ إلى جَعْلِ إحْدى الباءَيْنِ بِمَعْنى (p-٥٣١)مَعَ عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِ اسْمِ الإشارَةِ الثّانِي تَكْرِيرًا لِلْأوَّلِ أخْذًا مِن كَلامِ الكَشّافِ الَّذِي احْتَفَلَ بِهِ الطَّيِّبِيُّ فَأطالَ في تَقْرِيرِهِ وتَفْنِينِ تَوْجِيهِهِ فَإنَّ فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ ما يَنْبُو عَنْهُ نَظْمُ القُرْآنِ. وكانَ الَّذِي دَعا إلى فَرْضِ هَذا الوَجْهِ هو خُلُوَّ الكَلامِ مِن عاطِفٍ يَعْطِفُ بِما عَصَوْا عَلى بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ إذا كانَتِ الإشارَةُ لِمُجَرَّدِ التَّكْرِيرِ. ولَقَدْ نَبَّهْناكَ آنِفًا إلى دَفْعِ هَذا بِأنَّ التَّكْرِيرَ يُغْنِي غَناءَ العَطْفِ.


ركن الترجمة

Remember, when you said: "O Moses, we are tired of eating the same food (day after day), ask your Lord to give us fruits of the earth, herbs and cucumbers, grains and lentils and onions;" he said: "Would you rather exchange what is good with what is bad? Go then to the city, you shall have what you ask." So they were disgraced and became indigent, earning the anger of God, for they disbelieved the word of God, and slayed the prophets unjustly, for they transgressed and rebelled.

Et [rappelez-vous] quand vous dîtes: «O Moïse, nous ne pouvons plus tolérer une seule nourriture. Prie donc ton Seigneur pour qu'Il nous fasse sortir de la terre ce qu'elle fait pousser, de ses légumes, ses concombres, son ail (ou blé), ses lentilles et ses oignons!» - Il vous répondit: «Voulez-vous échanger le meilleur pour le moins bon? Descendez donc à n'importe quelle ville; vous y trouverez certainement ce que vous demandez!». L'avilissement et la misère s'abattirent sur eux; ils encoururent la colère d'Allah. Cela est parce qu'ils reniaient les révélations d'Allah, et qu'ils tuaient sans droit les prophètes. Cela parce qu'ils désobéissaient et transgressaient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :