موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 9 شوال 1445 هجرية الموافق ل19 أبريل 2024


الآية [27] من سورة  

وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ


ركن التفسير

27 - (وأذن) ناد (في الناس بالحج) فنادى على جبل أبي قبيس يا أيها الناس إن ربكم بنى بيتا وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربككم والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك وجواب الأمر (يأتوك رجالا) مشاة جمع راجل كقائم وقيام وركبانا (وعلى كل ضامر) أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى (يأتين) أي الضوامر حملا على المعنى (من كل فج عميق) طريد بعيد

وقوله " وأذن في الناس بالحج " أي ناد في الناس بالحج داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه فذكر أنه قال يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم فقال ناد وعلينا البلاغ فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على أبي قبيس وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة وقوله " يأتوك رجالا وعلى كل ضامر " الآية قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا لأنه قدمهم في الذكر فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم وقال وكيع عن أبي العميس عن أبي حلحلة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً لأن الله يقول " يأتوك رجالا " والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حج راكبا مع كمال قوته عليه السلام وقوله " يأتين من كل فج " يعني طريق كما قال " وجعلنا فيها فجاجا سبلا " وقوله " عميق " أي بعيد قاله مجاهد وعطاء والسدي وقتادة ومقاتل ابن حيان والثوري وغير واحد وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم حيث قال في دعائه " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.

﴿وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ﴾ (وأذِّنْ) عَطْفٌ عَلى ﴿وطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦] . وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ مِن إكْرامِ الزّائِرِ تَنْظِيفَ المَنزِلِ وأنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ الزّائِرِ بِالمَكانِ. والتَّأْذِينُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالإعْلامِ بِشَيْءٍ. وأصْلُهُ مُضاعَفُ أذِنَ إذا سَمِعَ، ثُمَّ صارَ بِمَعْنى بَلَغَهُ الخَبَرُ فَجاءَ مِنهُ آذَنَ بِمَعْنى أخْبَرَ. وأذِّنْ بِما فِيهِ مِن مُضاعَفَةِ الحُرُوفِ مُشْعِرٌ بِتَكْرِيرِ الفِعْلِ، أيْ أكْثِرِ الإخْبارَ بِالشَّيْءِ، والكَثْرَةُ تَحْصُلُ بِالتَّكْرارِ وبِرَفْعِ الصَّوْتِ القائِمِ مَقامَ التَّكْرارِ. ولِكَوْنِهِ بِمَعْنى الإخْبارِ يُعَدّى إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِالباءِ. والنّاسُ يَعُمُّ كُلَّ البَشَرِ، أيْ كُلَّ ما أمْكَنَهُ أنْ يُبَلِّغَ إلَيْهِ ذَلِكَ. (p-٢٤٣)والمُرادُ بِالحَجِّ: القَصْدُ إلى بَيْتِ اللَّهِ. وصارَ لَفْظُ الحَجِّ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ عَلى الحُضُورِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ لِأداءِ المَناسِكِ. ومِن حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ تَلَقِّي عَقِيدَةِ تَوْحِيدِ اللَّهِ بِطَرِيقِ المُشاهِدَةِ لِلْهَيْكَلِ الَّذِي أُقِيمَ لِذَلِكَ حَتّى يَرْسَخَ مَعْنى التَّوْحِيدِ في النُّفُوسِ لِأنَّ لِلنُّفُوسِ مَيْلًا إلى المَحْسُوساتِ لِيَتَقَوّى الإدْراكُ العَقْلِيُّ بِمُشاهَدَةِ المَحْسُوسِ. فَهَذِهِ أصْلٌ في سُنَّةِ المُؤَثِّراتِ لِأهْلِ المَقْصِدِ النّافِعِ. وفي تَعْلِيقِ فِعْلِ (يَأْتُوكَ) بِضَمِيرِ خِطابِ إبْراهِيمَ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ كانَ يَحْضُرُ مَوْسِمَ الحَجِّ كُلَّ عامٍ يُبْلِغُ لِلنّاسَ التَّوْحِيدَ وقَواعِدَ الحَنِيفِيَّةِ. رُوِيَ أنَّ إبْراهِيمَ لَمّا أمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ اعْتَلى جَبَلَ أبِي قَيْسٍ وجَعَلَ إصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ونادى: ”إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا“ . وذَلِكَ أقْصى اسْتِطاعَتِهِ في امْتِثالِ الأمْرِ بِالتَّأْذِينِ. وقَدْ كانَ إبْراهِيمُ رَحّالَةً فَلَعَلَّهُ كانَ يُنادِي في النّاسِ في كُلِّ مَكانٍ يَحِلُّ فِيهِ. وجُمْلَةُ (يَأْتُوكَ) جَوابٌ لِلْأمْرِ، جَعَلَ التَّأْذِينَ سَبَبًا لِلْإتْيانِ تَحْقِيقًا لِتَيْسِيرِ الحَجِّ عَلى النّاسِ. فَدَلَّ جَوابُ الأمْرِ عَلى أنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ اسْتِجابَةَ نِدائِهِ. وقَوْلُهُ (رِجالًا) حالٌ مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ (يَأْتُوكَ) . وعُطِفَ عَلَيْهِ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ بِواوِ التَّقْسِيمِ الَّتِي بِمَعْنى (أوْ) كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ [التحريم: ٥] إذْ مَعْنى العَطْفِ هُنا عَلى اعْتِبارِ التَّوْزِيعِ بَيْنَ راجِلٍ وراكِبٍ، إذِ الرّاكِبُ لا يَكُونُ راجِلًا ولا العَكْسَ. والمَقْصُودُ مِنهُ اسْتِيعابُ أحْوالِ الآتِينَ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ بِتَيْسِيرِ الإتْيانِ المُشارِ إلَيْهِ بِجَعْلِ إتْيانِهِمْ جَوابًا لِلْأمْرِ، أيْ يَأْتِيكَ مَن لَهم رَواحِلُ ومَن يَمْشُونَ عَلى أرْجُلِهِمْ. (p-٢٤٤)ولِكَوْنِ هَذِهِ الحالِ أغْرَبَ قُدِّمَ قَوْلُهُ (رِجالًا) ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ تَكْمِلَةً لِتَعْمِيمِ الأحْوالِ إذْ إتْيانُ النّاسِ لا يَعْدُو أحَدَ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ. و(رِجالًا): جَمْعُ راجِلٍ وهو ضِدُّ الرّاكِبِ. والضّامِرُ: قَلِيلُ لَحْمِ البَطْنِ. يُقالُ: ضَمُرَ ضُمُورًا فَهو ضامِرٌ، وناقَةٌ ضامِرٌ أيْضًا. والضُّمُورُ مِن مَحاسِنِ الرَّواحِلِ والخَيْلِ لِأنَّهُ يُعِينُها عَلى السَّيْرِ والحَرَكَةِ. فالضّامِرُ هُنا بِمَنزِلَةِ الِاسْمِ كَأنَّهُ قالَ: وعَلى كُلِّ راحِلَةٍ. وكَلِمَةُ (كُلِّ) مِن قَوْلِهِ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ مُسْتَعْمَلَةٌ في الكَثْرَةِ، أيْ وعَلى رَواحِلَ كَثِيرَةٍ. وكَلِمَةُ (كُلِّ) أصْلُها الدَّلالَةُ عَلى اسْتِغْراقِ جِنْسِ ما تُضافُ إلَيْهِ ويَكْثُرُ اسْتِعْمالُها في مَعْنًى كَثِيرٍ مِمّا تُضافُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] أيْ مِن أكْثَرِ الأشْياءِ الَّتِي يُؤْتاها أهْلُ المُلْكِ، وقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎بِها كُلُّ ذَيّالٍ وخَنْساءَ تَرْعَوِي إلى كُلِّ رَجّافٍ مِنَ الرَّمْلِ فارِدِ أيْ بِها وحْشٌ كَثِيرٌ في رِمالٍ كَثِيرَةٍ. وتَكَرَّرَ هَذا الإطْلاقُ ثَلاثَ مَرّاتٍ في قَوْلِ عَنْتَرَةَ: ؎جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ∗∗∗ فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرارَةٍ كالدِّرْهَمِ ؎سَحًّا وتَسْكابًا فَكُلَّ عَشِيَّةٍ ∗∗∗ يَجْرِي عَلَيْها الماءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ [البقرة: ١٤٥] في سُورَةَ البَقَرَةِ. ويَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ في سُورَةَ النَّمْلِ. (p-٢٤٥)و(يَأْتِينَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِـ ﴿كُلِّ ضامِرٍ﴾ لِأنَّ لَفْظَ ”كُلِّ“ صَيَّرَهُ في مَعْنى الجَمْعِ. وإذْ هو جَمْعٌ لِما لا يَعْقِلُ فَحَقُّهُ التَّأْنِيثُ، وإنَّما أُسْنِدَ الإتْيانُ إلى الرَّواحِلِ دُونَ النّاسِ فَلَمْ يَقُلْ: يَأْتُونَ، لِأنَّ الرَّواحِلَ هي سَبَبُ إتْيانِ النّاسِ مِن بُعْدٍ لِمَن لا يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ عَلى رِجْلَيْهِ. ويَجُوزُ أنْ تُجْعَلَ جُمْلَةُ (يَأْتِينَ) حالًا ثانِيَةً مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ في (يَأْتُوكَ) لِأنَّ الحالَ الأُولى تَضَمَّنَتْ مَعْنى التَّنْوِيعِ والتَّصْنِيفِ، فَصارَ المَعْنى: يَأْتُوكَ جَماعاتٍ، فَلَمّا تَأوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنى الجَماعاتِ جَرى عَلَيْهِمُ الفِعْلُ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ. وهَذا الوَجْهُ أظْهَرُ لِأنَّهُ يَتَضَمَّنُ زِيادَةَ التَّعْجِيبِ مِن تَيْسِيرِ الحَجِّ حَتّى عَلى المُشاةِ، وقَدْ تُشاهِدُ في طَرِيقِ الحَجِّ جَماعاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ يَمْشُونَ رِجالًا بِأوْلادِهِمْ وأزْواجِهِمْ وكَذَلِكَ يَقْطَعُونَ المَسافاتِ بَيْنَ مَكَّةَ وبِلادِهِمْ. والفَجُّ: الشِّقُّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ تَسِيرُ فِيهِ الرِّكابُ، فَغَلَبَ الفَجُّ عَلى الطَّرِيقِ لِأنَّ أكْثَرَ الطُّرُقِ المُؤَدِّيَةِ إلى مَكَّةَ تُسْلَكُ بَيْنَ الجِبالِ. والعَمِيقُ: البَعِيدُ إلى أسْفَلَ لِأنَّ العُمْقَ البُعْدُ في القَعْرِ، فَأُطْلِقَ عَلى البَعِيدِ مُطْلَقًا بِطَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ، أوْ هو اسْتِعارَةٌ بِتَشْبِيهِ مَكَّةَ بِمَكانٍ مُرْتَفِعٍ والنّاسُ مُصَعِّدُونَ إلَيْهِ. وقَدْ يُطْلَقُ عَلى السَّفَرِ مِن مَوْطِنِ المُسافِرِ إلى مَكانٍ آخَرَ إصْعادٌ كَما يُطْلَقُ عَلى الرُّجُوعِ انْحِدارٌ وهُبُوطٌ، فَإسْنادُ الإتْيانِ إلى الرَّواحِلِ تَشْرِيفٌ لَها بِأنْ جَعَلَها مُشارَكَةً لِلْحَجِيجِ في الإتْيانِ إلى البَيْتِ. وقَوْلُهُ (لِيَشْهَدُوا) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (يَأْتُوكَ) فَهو عِلَّةٌ لِإتْيانِهِمُ الَّذِي هو مُسَبَّبٌ عَلى التَّأْذِينِ بِالحَجِّ فَآلَ إلى كَوْنِهِ عِلَّةً في التَّأْذِينِ بِالحَجِّ. ومَعْنى (لِيَشْهَدُوا) لِيَحْضُرُوا مَنافِعَ لَهم، أيْ لِيَحْضُرُوا فَيُحَصِّلُوا مَنافِعَ لَهم إذْ يُحَصِّلُ كُلُّ واحِدٍ ما فِيهِ نَفْعُهُ. وأهَمُّ المَنافِعِ (p-٢٤٦)ما وعَدَهُمُ اللَّهُ عَلى لِسانِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الثَّوابِ. فَكَنى بِشُهُودِ المَنافِعِ عَنْ نَيْلِها. ولا يُعْرَفُ ما وعَدَهُمُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ بِالتَّعْيِينِ. وأعْظَمُ ذَلِكَ اجْتِماعُ أهْلِ التَّوْحِيدِ في صَعِيدٍ واحِدٍ لِيَتَلَقّى بَعْضُهم عَنْ بَعْضٍ ما بِهِ كَمالُ إيمانِهِ. وتَنْكِيرُ (مَنافِعَ) لِلتَّعْظِيمِ المُرادِ مِنهُ الكَثْرَةُ وهي المَصالِحُ الدِّينِيَّةُ والدُّنْيَوِيَّةُ لِأنَّ في مَجْمَعِ الحَجِّ فَوائِدَ جَمَّةً لِلنّاسِ؛ لِأفْرادِهِمْ مِنَ الثَّوابِ والمَغْفِرَةِ لِكُلِّ حاجٍّ، ولِمُجْتَمَعِهِمْ لِأنَّ في الِاجْتِماعِ صَلاحًا في الدُّنْيا بِالتَّعارُفِ والتَّعامُلِ. وخَصَّ مِنَ المَنافِعِ أنْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ. وذَلِكَ هو النَّحْرُ والذَّبْحُ لِلْهَدايا. وهو مُجْمَلٌ في الواجِبَةِ والمُتَطَوَّعِ بِها. وقَدْ بَيَّنَتْهُ شَرِيعَةُ إبْراهِيمَ مِن قَبْلُ بِما لَمْ يَبْلُغْ إلَيْنا. وبَيَّنَهُ الإسْلامُ بِما فِيهِ شِفاءٌ. وحَرْفُ (عَلى) مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَذْكُرُوا) . وهو لِلِاسْتِعْلاءِ المُجازِيِّ الَّذِي هو بِمَعْنى المُلابَسَةِ والمُصاحَبَةِ، أيْ عَلى الأنْعامِ. وهو عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ عِنْدِ نَحْرِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ أوْ ذَبْحِها. و(ما) مَوْصُولَةٌ، ومِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ بَيانٌ لِمَدْلُولِ (ما) . والمَعْنى: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى بَهِيمَةِ الأنْعامِ. وأُدْمِجَ في هَذا الحُكْمِ الِامْتِنانُ بِأنَّ اللَّهَ رَزَقَهم تِلْكَ الأنْعامَ. وهَذا تَعْرِيضٌ بِطَلَبِ الشُّكْرِ عَلى هَذا الرِّزْقِ بِالإخْلاصِ لِلَّهِ في العِبادَةِ وإطْعامِ المَحاوِيجِ مِن عِبادِ اللَّهِ مِن لُحُومِها، وفي ذَلِكَ سَدٌّ لِحاجَةِ الفُقَراءِ بِتَزْوِيدِهِمْ ما يَكْفِيهِمْ لِعامِهِمْ. ولِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ ﴿فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ﴾ . (p-٢٤٧)فالأمْرُ بِالأكْلِ مِنها يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ أمْرَ وُجُوبٍ في شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَيَكُونُ الخِطابُ في قَوْلِهِ (فَكُلُوا) لِإبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ. وقَدْ عَدَلَ عَنِ الغَيْبَةِ الواقِعَةِ في ضَمائِرِ ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾، إلى الخِطابِ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ﴾ إلَخْ. عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ أوْ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ مَأْمُورٍ بِهِ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وفي حِكايَةِ هَذا تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ إذْ كانُوا يَمْنَعُونَ الأكْلَ مِنَ الهَدايا. ثُمَّ عادَ الأُسْلُوبُ إلى الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] . ويَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ فَكُلُوا مِنها إلَخْ مُعْتَرِضَةً مُفَرَّعَةً عَلى خِطابِ إبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ تَفْرِيعَ الخَبَرِ عَلى الخَبَرِ تَحْذِيرًا مِن أنْ يُمْنَعَ الأكْلُ مِن بَعْضِها. والأيّامُ المَعْلُوماتُ أُجْمِلَتْ هُنا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِبَيانِها إذْ غَرَضُ الكَلامِ ذِكْرُ حَجِّ البَيْتِ وقَدْ بَيَّنْتُ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِأعْمالِ الحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] . والبائِسُ: الَّذِي أصابَهُ البُؤْسُ، وهو ضِيقُ المالِ، وهو الفَقِيرُ. هَذا قَوْلُ جَمْعٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وفي المُوَطَّأِ: في بابِ ما يُكْرَهُ مِن أكْلِ الدَّوابِّ. قالَ مالِكٌ: سَمِعْتُ أنَّ البائِسَ هو الفَقِيرُ اهـ. وقُلْتُ: مِن أجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُعْطَفْ أحَدُ الوَصْفَيْنِ عَلى الآخَرِ لِأنَّهُ كالبَيانِ لَهُ وإنَّما ذُكِرَ البائِسُ مَعَ أنَّ الفَقِيرَ مُغْنٍ عَنْهُ لِتَرْقِيقِ أفْئِدَةِ النّاسِ عَلى الفَقِيرِ بِتَذْكِيرِهِمْ أنَّهُ في بُؤْسٍ لِأنَّ وصْفَ فَقِيرٍ لِشُيُوعِ تَداوُلِهِ عَلى الألْسُنِ صارَ كاللَّقَبِ (p-٢٤٨)غَيْرَ مُشْعِرٍ بِمَعْنى الحاجَةِ وقَدْ حَصَلَ مِن ذِكْرِ الوَصْفَيْنِ التَّأْكِيدُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: البائِسُ الَّذِي ظَهَرَ بُؤْسُهُ في ثِيابِهِ وفي وجْهِهِ، والفَقِيرُ الَّذِي تَكُونُ ثِيابُهُ نَقِيَّةً ووَجْهُهُ وجْهَ غَنِيٍّ. فَعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَكُونُ البائِسُ هو المِسْكِينُ ويَكُونُ ذِكْرُ الوَصْفَيْنِ لِقَصْدِ اسْتِيعابِ أحْوالِ المُحْتاجِينَ والتَّنْبِيهِ إلى البَحْثِ عَنْ مَوْقِعِ الِامْتِناعِ.


ركن الترجمة

Announce the Pilgrimage to the people. They will come to you on foot and riding along distant roads on lean and slender beasts,

Et fais aux gens une annonce pour le Hajj. Ils viendront vers toi, à pied, et aussi sur toute monture, venant de tout chemin éloigné,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :