موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 8 شوال 1445 هجرية الموافق ل18 أبريل 2024


الآية [30] من سورة  

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ


ركن التفسير

30 - (فأقم) يا محمد (وجهك للدين حنيفا) مائلا إليه أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك (فطرة الله) خلقته (التي فطر الناس عليها) وهي دينه أي ألزموها (لا تبديل لخلق الله) لدينه أي لا تبدلوه بأن تشركوا (ذلك الدين القيم) المستقيم توحيد الله (ولكن أكثر الناس) كفار مكة (لا يعلمون) توحيد الله

يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره كما تقدم عند قوله تعالى "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" وفي الحديث "إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية. وقوله تعالى "لا تبديل لخلق الله" قال بعضهم معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها فيكون خبرا بمعنى الطلب كقوله تعالى "ومن دخله كان آمنا" وهو معنى حسن صحيح وقال آخرون هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة لا يولد أحد إلا على ذلك ولا تفاوت بين الناس في ذلك. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله "لا تبديل لخلق الله" أي لدين الله وقال البخاري قوله "لا تبديل لخلق الله" لدين الله خلق الأولين دين الأولين الدين والفطرة الإسلام. حدثنا عبدان أخبرنا عبدالله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول "فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" ورواه مسلم من حديث عبدالله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به وأخرجاه أيضا من حديث عبدالرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة. فمنهم الأسود بن سريع التميمي. قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه فأصبت ظفرا فقاتل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟" فقال رجل يا رسول الله أما هم أبناء المشركين فقال "لا إنما خياركم أبناء المشركين" ثم قال - "لا تقتلوا ذرية لا تقتلوا ذرية" - وقال - "كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها "ورواه النسائي في كتاب السير عن زياد بن أيوب عن هشيم عن يونس وهو ابن عبيد عن الحسن البصري به. ومنهم جابر بن عبدالله الأنصاري قال الإمام أحمد حدثنا هاشم ثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا" ومنهم عبدالله بن عباس الهاشمي قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال "الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا بذلك وقد قال الإمام أحمد أيضا حدثنا عفان حدثنا حماد يعني ابن سلمة أنبأنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: أتى علي زمان وأنا أقول أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال "الله أعلم بما كانوا عاملين" قال فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي ومنهم عياض بن حمار المجاشعي قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته "إن ربي عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا: كل ما نحلته عبادي حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغ رأسي فيدعه خبزة قال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ورجل عفيف متعفف ذو عيال - قال - وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخيل والكذاب والشنظير الفحاش انفرد بإخراجه مسلم فرواه من طرق عن قتادة به وقوله تعالى "ذلك الدين القيم" أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي فلهذا لا يعرفه أكثر الناس فهم عنه ناكبون كما قال تعالى "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" الآية.

﴿فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ . الفاءُ فَصِيحَةٌ. والتَّقْدِيرُ: إذا عَلِمْتَ أحْوالَ المُعْرِضِينَ عَنْ دَلائِلِ الحَقِّ فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ. والأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ في طَلَبِ الدَّوامِ. والمَقْصُودُ: أنْ لا تَهْتَمَّ بِإعْراضِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ حاجُّوكَ فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران: ٢٠] وقَوْلِهِ ﴿فاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ومَن تابَ مَعَكَ﴾ [هود: ١١٢] (p-٨٩)أيْ مَن آمَنَ، وقَوْلِهِ ﴿أدْعُو إلى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أنا ومَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨] . فالمَعْنى: فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ والمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، كَما يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿مُنِيبِينَ إلَيْهِ واتَّقُوهُ﴾ [الروم: ٣١] بِصِيغَةِ الجَمْعِ. وإقامَةُ الوَجْهِ: تَقْوِيمُهُ وتَعْدِيلُهُ بِاتِّجاهِهِ قُبالَةَ نَظَرِهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ يَمِينًا ولا شِمالًا. وهو تَمْثِيلٌ لِحالَةِ الإقْبالِ عَلى الشَّيْءِ والتَّمَحُّضِ لِلشُّغْلِ بِهِ بِحالِ قِصَرِ النَّظَرِ إلى صَوْبِ قُبالَتِهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ يَمْنَةً ولا يَسْرَةً، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأقِيمُوا وُجُوهَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ﴾ [الأعراف: ٢٩] وقَوْلِهِ حِكايَةً عَنْ إبْراهِيمَ ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [الأنعام: ٧٩] وقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠] أيْ: أعْطَيْتُهُ لِلَّهِ، وذَلِكَ مَعْنى التَّمْحِيضِ لِعِبادَةِ اللَّهِ وأنْ لا يَلْتَفِتَ إلى مَعْبُودٍ غَيْرِهِ. والتَّعْرِيفُ في الدِّينِ لِلْعَهْدِ وهو دِينُهُمُ الَّذِي هم عَلَيْهِ وهو دِينُ الإسْلامِ. وحَنِيفًا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في فِعْلِ أقِمْ فَيَكُونُ حالًا لِلنَّبِيءِ ﷺ كَما كانَ وصْفًا لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ إبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٠] وهَذا هو الأظْهَرُ في تَفْسِيرِهِ. ويَجُوزُ كَوْنُهُ حالًا مِنَ الدِّينِ عَلى ما فَسَّرَ بِهِ الزَّجّاجُ فَيَكُونُ اسْتِعارَةً بِتَشْبِيهِ الدِّينِ بِرَجُلٍ حَنِيفٍ في خُلُوِّهِ مِن شَوائِبِ الشِّرْكِ، فَيَكُونُ الحَنِيفُ تَمْثِيلِيَّةً وفي إثْباتِهِ لِلدِّينِ اسْتِعارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ. وحَنِيفٌ: صِيغَةُ مُبالَغَةٍ في الِاتِّصافِ بِالحَنَفِ وهو المَيْلُ، وغَلَبَ اسْتِعْمالُ هَذا الوَصْفِ في المَيْلِ عَنِ الباطِلِ، أيِ العُدُولُ عَنْهُ بِالتَّوَجُّهِ إلى الحَقِّ، أيْ عادِلًا ومُنْقَطِعًا عَنِ الشِّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٣٥]، وقَدْ مَضى في سُورَةِ البَقَرَةِ. وفِطْرَةَ اللَّهِ بَدَلٌ مِن حَنِيفًا بَدَلُ اشْتِمالٍ فَهو في مَعْنى الحالِ مِنَ الدِّينِ أيْضًا وهو حالٌ ثانِيَةٌ فَإنَّ الحالَ كالخَبَرِ تَتَعَدَّدُ بِدُونِ عَطْفٍ عَلى التَّحْقِيقِ عِنْدَ النُّحاةِ. وهَذا أحْسَنُ لِأنَّهُ أصْرَحُ في إفادَةِ أنَّ هَذا الدِّينَ مُخْتَصٌّ بِوَصْفَيْنِ هُما: التَّبَرُّؤُ مِنَ الإشْراكِ، ومُوافَقَتُهُ الفِطْرَةَ، فَيُفِيدُ أنَّهُ دِينٌ سَمْحٌ سَهْلٌ لا عَنَتَ فِيهِ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١] أيِ الدِّينُ الَّذِي هو فِطْرَةُ اللَّهِ لِأنَّ (p-٩٠)التَّوْحِيدَ هو الفِطْرَةُ، والإشْراكُ تَبْدِيلٌ لِلْفِطْرَةِ. والفِطْرَةُ أصْلُهُ اسْمُ هَيْئَةٍ مِنَ الفَطْرِ وهو الخَلْقُ مِثْلَ الخِلْقَةِ كَما بَيَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ أيْ: جَبَلَ النّاسَ وخَلَقَهم عَلَيْها، أيْ: مُتَمَكِّنِينَ مِنها. فَحَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ مُسْتَعارٌ لِتَمَكُّنِ مُلابَسَةِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ تَمَكُّنًا يُشْبِهُ تَمَكُّنَ المُعْتَلِي عَلى شَيْءٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وحَقِيقَةُ المَعْنى: الَّتِي فَطَرَ النّاسَ بِها. ومَعْنى فَطَرَ النّاسَ عَلى الدِّينِ الحَنِيفِ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ النّاسَ قابِلَيْنِ لِأحْكامِ هَذا الدِّينِ وجَعَلَ تَعالِيمَهُ مُناسِبَةً لِخِلْقَتِهِمْ غَيْرَ مُجافِيَةٍ لَها، غَيْرَ نائِينَ عَنْهُ ولا مُنْكِرِينَ لَهُ مِثْلَ إثْباتِ الوَحْدانِيَّةِ لِلَّهِ لِأنَّ التَّوْحِيدَ هو الَّذِي يُساوِقُ العَقْلَ والنَّظَرَ الصَّحِيحَ حَتّى لَوْ تُرِكَ الإنْسانُ وتَفْكِيرُهُ ولَمْ يُلَقَّنِ اعْتِقادًا ضالًّا لاهْتَدى إلى التَّوْحِيدِ بِفِطْرَتِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ (أيِ الفِطْرَةِ) أنَّها الخِلْقَةُ والهَيْئَةُ الَّتِي في نَفْسِ الإنْسانِ الَّتِي هي مُعَدَّةٌ ومُهَيَّئَةٌ لِأنْ يُمَيِّزَ بِها مَصْنُوعاتِ اللَّهِ، ويَسْتَدِلُّ بِها عَلى رَبِّهِ ويَعْرِفُ شَرائِعَهُ اهــ. وإنْ لَمْ أرَ مَن أتْقَنَ الإفْصاحَ عَنْ مَعْنى كَوْنِ الإسْلامِ هو الفِطْرَةُ فَأُبَيِّنُهُ: بِأنَّ الفِطْرَةَ هي النِّظامُ الَّذِي أوْجَدَهُ اللَّهُ في كُلِّ مَخْلُوقٍ، والفِطْرَةُ الَّتِي تَخُصُّ نَوْعَ الإنْسانِ هي ما خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ جَسَدًا وعَقْلًا، فَمَشْيُ الإنْسانِ بِرِجْلَيْهِ فِطْرَةٌ جَسَدِيَّةٌ، ومُحاوَلَتُهُ أنْ يَتَناوَلَ الأشْياءَ بِرِجْلَيْهِ خِلافَ الفِطْرَةِ الجَسَدِيَّةِ، واسْتِنْتاجُ المُسَبِّباتِ مِن أسْبابِها والنَّتائِجِ مِن مُقَدِّماتِها فِطْرَةٌ عَقْلِيَّةٌ، ومُحاوَلَةُ اسْتِنْتاجِ أمْرٍ مِن غَيْرِ سَبَبِهِ خِلافُ الفِطْرَةِ العَقْلِيَّةِ وهو المُسَمّى في عِلْمِ الِاسْتِدْلالِ بِفَسادِ الوَضْعِ، وجَزْمُنا بِأنَّ ما نُبْصِرُهُ مِنَ الأشْياءِ هو حَقائِقُ ثابِتَةٌ في الوُجُودِ ونَفْسُ الأمْرِ فِطْرَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وإنْكارُ السُّوفِسْطائِيَّةِ ثُبُوتَ المَحْسُوساتِ في نَفْسِ الأمْرِ خِلافَ الفِطْرَةِ العَقْلِيَّةِ. وقَدْ بَيَّنَ أبُو عَلِيِّ بْنُ سِينا حَقِيقَةَ الفِطْرَةِ في كِتابِهِ النَّجاةِ فَقالَ: ( ومَعْنى الفِطْرَةِ أنْ يَتَوَهَّمَ الإنْسانُ نَفْسَهُ حَصَلَ في الدُّنْيا دَفْعَةً وهو عاقِلٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ رَأْيًا ولَمْ يَعْتَقِدْ مَذْهَبًا ولَمْ يُعاشِرْ أُمَّةً ولَمْ يَعْرِفْ سِياسَةً، ولَكِنَّهُ شاهَدَ المَحْسُوساتِ وأخَذَ مِنها (p-٩١)الحالاتِ، ثُمَّ يَعْرِضُ عَلى ذِهْنِهِ شَيْئًا ويَتَشَكَّكُ فِيهِ فَإنْ أمْكَنَهُ الشَّكُّ فالفِطْرَةُ لا تَشْهَدُ بِهِ وإنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الشَّكُّ فَهو ما تُوجِبُهُ الفِطْرَةُ، ولَيْسَ كُلُّ ما تُوجِبُهُ فِطْرَةُ الإنْسانِ بِصادِقٍ إنَّما الصّادِقُ فِطْرَةُ القُوَّةِ الَّتِي تُسَمّى عَقْلًا، وأمّا فِطْرَةُ الذِّهْنِ بِالجُمْلَةِ فَرُبَّما كانَتْ كاذِبَةً، وإنَّما يَكُونُ هَذا الكَذِبُ في الأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً بِالذّاتِ بَلْ هي مَبادِئُ لِلْمَحْسُوساتِ. فالفِطْرَةُ الصّادِقَةُ هي مُقَدِّماتٌ وآراءٌ مَشْهُورَةٌ مَحْمُودَةٌ أوْجَبَ التَّصْدِيقَ بِها: إمّا شَهادَةُ الكُلِّ مِثْلَ: أنَّ العَدْلَ جَمِيلٌ، وإمّا شَهادَةُ الأكْثَرِ؛ وإمّا شَهادَةُ العُلَماءِ أوِ الأفاضِلِ مِنهم. ولَيْسَتِ الذّائِعاتُ مِن جِهَةِ ما هي ذائِعاتٌ مِمّا يَقَعُ التَّصْدِيقُ بِها في الفِطْرَةِ فَما كانَ مِنَ الذّائِعاتِ لَيْسَ بِأوَّلِيٍّ عَقْلِيٍّ ولا وهْمِيٍّ فَإنَّها غَيْرُ فِطْرِيَّةٍ، ولَكِنَّها مُتَقَرِّرَةٌ عِنْدَ الأنْفُسِ لِأنَّ العادَةَ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْها مُنْذُ الصِّبى ورُبَّما دَعا إلَيْها مَحَبَّةُ التَّسالُمِ والِاصْطِناعُ المُضْطَرُّ إلَيْهِما الإنْسانُ، أوْ شَيْءٌ مِنَ الأخْلاقِ الإنْسانِيَّةِ مِثْلَ الحَياءِ والِاسْتِئْناسِ أوِ الِاسْتِقْراءِ الكَثِيرِ، أوْ كَوْنِ القَوْلِ في نَفْسِهِ ذا شَرْطٍ دَقِيقٍ لِأنْ يَكُونَ حَقًّا صِرْفًا فَلا يُفْطَنُ لِذَلِكَ الشَّرْطِ ويُؤْخَذُ عَلى الإطْلاقِ. اهــ. فَوَصْفُ الإسْلامِ بِأنَّهُ فِطْرَةُ اللَّهِ مَعْناهُ أنَّ أصْلَ الِاعْتِقادِ فِيهِ جارٍ عَلى مُقْتَضى الفِطْرَةِ العَقْلِيَّةِ، وأمّا تَشْرِيعاتُهُ وتَفارِيعُهُ فَهي: إمّا أُمُورٌ فِطْرِيَّةٌ أيْضًا، أيْ جارِيَةٌ عَلى وفْقِ ما يُدْرِكُهُ العَقْلُ ويَشْهَدُ بِهِ، وإمّا أنْ تَكُونَ لِصَلاحِهِ مِمّا لا يُنافِي فِطْرَتَهُ. وقَوانِينُ المُعامَلاتِ فِيهِ هي راجِعَةٌ إلى ما تَشْهَدُ بِهِ الفِطْرَةُ لِأنَّ طَلَبَ المَصالِحِ مِنَ الفِطْرَةِ. وتَفْصِيلُ ذَلِكَ لَيْسَ هَذا مَوْضِعَهُ وقَدْ بَيَّنْتُهُ في كِتابِي المُسَمّى (مَقاصِدُ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّةِ) . واعْلَمْ أنَّ شَواهِدَ الفِطْرَةِ قَدْ تَكُونُ واضِحَةً بَيِّنَةً وقَدْ تَكُونُ خَفِيَّةً، كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الشَّيْخِ ابْنِ سِينا، فَإذا خَفِيَتِ المَعانِي الفِطْرِيَّةُ أوِ التَبَسَتْ بِغَيْرِها فالمُضْطَلِعُونَ بِتَمْيِيزِها وكَشْفِها هُمُ العُلَماءُ الحُكَماءُ الَّذِينَ تَمَرَّسُوا بِحَقائِقِ الأشْياءِ (p-٩٢)والتَّفْرِيقِ بَيْنَ مُتَشابِهاتِها، وسَبَرُوا أحْوالَ البَشَرِ، وتَعَرَّضَتْ أفْهامُهم زَمانًا لِتَصارِيفِ الشَّرِيعَةِ، وتَوَسَّمُوا مَرامِيها، وغاياتِها وعَصَمُوا أنْفُسَهم بِوازِعِ الحَقِّ عَنْ أنْ يَمِيلُوا مَعَ الأهْواءِ. إنَّ المُجْتَمَعَ الإنْسانِيَّ قَدْ مُنِيَ عُصُورًا طَوِيلَةً بِأوْهامٍ وعَوائِدَ ومَأْلُوفاتٍ أدْخَلَها عَلَيْهِ أهْلُ التَّضْلِيلِ، فاخْتَلَطَتْ عِنْدَهُ بِالعُلُومِ الحَقِّ فَتَقاوَلَ النّاسُ عَلَيْها وارْتاضُوا عَلى قَبُولِها، فالتَصَقَتْ بِعُقُولِهِمِ التِصاقَ العَنْكَبُوتِ بِبَيْتِهِ، فَتِلْكَ يُخافُ مِنها أنْ تُتْلَقّى بِالتَّسْلِيمِ عَلى مُرُورِ العُصُورِ فَيَعْسُرُ إقْلاعُهم عَنْها وإدْراكُهم ما فِيها مِن تَحْرِيفٍ عَنِ الحَقِّ، فَلَيْسَ لِتَمْيِيزِها إلّا أهْلُ الرُّسُوخِ أصْحابُ العُلُومِ الصَّحِيحَةِ الَّذِينَ ضَرَبُوا في الوُصُولِ إلى الحَقائِقِ كُلَّ سَبِيلٍ، واسْتَوْضَحُوا خَطِيرَها وسَلِيمَها فَكانُوا لِلسّابِلَةِ خَيْرَ دَلِيلٍ. وكَوْنُ الإسْلامِ هو الفِطْرَةُ، ومُلازَمَةُ أحْكامِهِ لِمُقْتَضَياتِ الفِطْرَةِ صِفَةٌ اخْتَصَّ بِها الإسْلامُ مِن بَيْنِ سائِرِ الأدْيانِ في تَفارِيعِهِ أمّا أُصُولُهُ فاشْتَرَكَتْ فِيها الأدْيانُ الإلَهِيَّةُ، وهَذا ما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ . فالإسْلامُ عامٌّ خالِدٌ مُناسِبٌ لِجَمِيعِ العُصُورِ وصالِحٌ لِجَمِيعِ الأُمَمِ، ولا يَسْتَتِبُّ ذَلِكَ إلّا إذا بُنِيَتْ أحْكامُهُ عَلى أُصُولِ الفِطْرَةِ الإنْسانِيَّةِ لِيَكُونَ صالِحًا لِلنّاسِ كافَّةً ولِلْعُصُورِ عامَّةً وقَدِ اقْتَضى وصْفُ الفِطْرَةِ أنْ يَكُونَ الإسْلامُ سَمْحًا يُسْرًا لِأنَّ السَّماحَةَ واليُسْرَ مُبْتَغى الفِطْرَةِ. وفِي قَوْلِهِ ﴿الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ بَيانٌ لِمَعْنى الإضافَةِ في قَوْلِهِ ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ﴾ وتَصْرِيحٌ بِأنَّ اللَّهَ خَلَقَ النّاسَ سالِمَةٌ عُقُولُهم مِمّا يُنافِي الفِطْرَةَ مِنَ الأدْيانِ الباطِلَةِ والعاداتِ الذَّمِيمَةِ وأنَّ ما يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الضَّلالاتِ ما هو إلّا مِن جَرّاءِ التَّلَقِّي والتَّعَوُّدِ، وقَدْ قالَ النَّبِيءُ ﷺ «يُولَدُ الوَلَدُ عَلى الفِطْرَةِ ثُمَّ يَكُونُ أبَواهُ هُما اللَّذانِ يُهَوِّدانِهِ أوْ يُنَصِّرانِهِ أوْ يُمَجِّسانِهِ كَما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيها مِن جَدْعاءَ» أيْ كَما تُولَدُ البَهِيمَةُ مِن إبِلٍ أوْ بَقَرٍ أوْ غَنَمٍ كامِلَةً جَمْعاءَ أيْ: بِذَيْلِها، أيْ تُوَلَدُ كامِلَةً ويَعْمِدُ بَعْضُ النّاسِ إلى قَطْعِ ذَيْلِها وجَدْعِهِ وهي الجَدْعاءُ، و(تُحِسُّونَ) تُدْرِكُونَ بِالحِسِّ، أيْ: حاسَّةِ البَصَرِ. فَجَعَلَ اليَهُودِيَّةَ والنَّصْرانِيَّةَ مُخالِفَةً الفِطْرَةَ، أيْ: في تَفارِيعِها. (p-٩٣)وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ فِيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ «وإنِّي خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفاءَ كُلَّهم (أيْ غَيْرَ مُشْرِكِينَ) وأنَّهم أتَتْهُمُ الشَّياطِينُ فَأجالَتْهم عَنْ دِينِهِمْ وحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ ما أحْلَلْتُ لَهم وأمَرَتْهم أنْ يُشْرِكُوا بِي ما لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطانًا» الحَدِيثَ. وجُمْلَةُ ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنى فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها فَهي جارِيَةٌ مَجْرى حالٍ ثالِثَةٍ مِنَ الدِّينِ عَلى تَقْدِيرِ رابِطٍ مَحْذُوفٍ. والتَّقْدِيرُ: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ فِيهِ، أيْ في هَذا الدِّينِ، فَهو كَقَوْلِهِ في حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ في قَوْلِ الرّابِعَةِ (زَوْجِي كَلَيْلِ تِهامَةَ لا حَرَّ ولا قَرَّ ولا مَخافَةَ ولا سَآمَةَ) أيْ: في ذَلِكَ اللَّيْلِ. فَمَعْنى ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أنَّهُ الدِّينُ الحَنِيفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبْدِيلٌ لِخَلْقِ اللَّهِ خِلافَ دِينِ أهْلِ الشِّرْكِ، قالَ تَعالى عَنِ الشَّيْطانِ ﴿ولَآمُرَنَّهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] . ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ مُعْتَرِضَةً لِإفادَةِ النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِيما أوْدَعَهُ الفِطْرَةَ. فَتَكُونُ ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ خَبَرًا مُسْتَعْمَلًا في مَعْنى النَّهْيِ عَلى وجْهِ المُبالِغَةِ كَقَوْلِهِ لا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم. فَنَفْيُ الجِنْسِ مُرادٌ بِهِ جِنْسٌ مِنَ التَّبْدِيلِ خاصٌّ بِالوَصْفِ لا نَفْيَ وُقُوعِ جِنْسِ التَّبْدِيلِ فَهو مِنَ العامِ المُرادُ بِهِ الخُصُوصُ بِالقَرِينَةِ. واسْمُ الإشارَةِ لِزِيادَةِ تَمْيِيزِ هَذا الدِّينِ مَعَ تَعْظِيمِهِ. والقَيِّمُ: وصْفٌ بِوَزْنِ فَيْعِلٍ مِثْلَ هَيِّنٍ ولَيِّنٍ يُفِيدُ قُوَّةَ الِاتِّصافِ بِمَصْدَرِهِ، أيِ البالِغُ قُوَّةَ القِيامِ مِثْلَ اسْتَقامَ الَّذِي هو مُبالَغَةٌ في قامَ كاسْتَجابَ. والقِيامُ: حَقِيقَتُهُ الِانْتِصابُ ضِدَّ القُعُودِ والِاضْطِجاعِ، ويُطْلَقُ مَجازًا عَلى انْتِفاءِ الِاعْوِجاجِ يُقالُ: عُودٌ مُسْتَقِيمٌ وقَيِّمٌ، فَإطْلاقُ القَيِّمِ عَلى الدِّينِ تَشْبِيهُ انْتِفاءِ الخَطَأِ عَنْهُ بِاسْتِقامَةِ العُودِ وهو مِن تَشْبِيهِ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١] وقالَ تَعالى ﴿ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦] في سُورَةِ بَراءَةَ. (p-٩٤)ويُطْلَقُ أيْضًا عَلى الرِّعايَةِ والمُراقَبَةِ والكَفالَةِ بِالشَّيْءِ لِأنَّها تَسْتَلْزِمُ القِيامَ والتَّعَهُّدَ قالَ تَعالى ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣]، ومِنهُ قُلْنا لِراعِي التَّلامِذَةِ ومُراقِبِ أحْوالِهِمْ: قَيَّمٌ. ويُطْلَقُ القَيِّمُ عَلى المُهَيْمِنِ والحافِظِ. والمَعانِي كُلُّها صالِحَةٌ لِلْحَمْلِ عَلَيْها هُنا، فَإنَّ هَذا الكُتّابَ مَعْصُومٌ عَنِ الخَطَأِ ومُتَكَفِّلٌ بِمَصالِحِ النّاسِ وشاهِدٌ عَلى الكُتُبِ السّالِفَةِ تَصْحِيحًا ونَسْخًا قالَ تَعالى ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] وتَقَدَّمَ في طالِعِ سُورَةِ الكَهْفِ. فَهَذا الدِّينُ بِهِ قِوامُ أمْرِ الأُمَّةِ. قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لِمُعاذِ بْنِ جَبَلٍ: (يا مُعاذُ ما قِوامُ هَذِهِ الأُمَّةِ ؟ قالَ: الإخْلاصُ وهو الفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النّاسَ عَلَيْها، والصَّلاةُ وهي الدِّينُ، والطّاعَةُ وهي العِصْمَةُ، فَقالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ) يُرِيدُ مُعاذٌ بِالإخْلاصِ التَّوْحِيدَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ﴾ [البينة: ٥] . والِاسْتِدْراكُ في قَوْلِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ واهِمٍ يَقُولُ: إذا كانَ فاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِأنَّهم جُهّالٌ لا عِلْمَ عِنْدَهم فَإنْ كانَ قَدْ بَلَغَهم فَإنَّهم جَهِلُوا مَعانِيَهُ لِإعْراضِهِمْ عَنِ التَّأمُّلِ ولا يَعْلَمُونَ مِنهُ إلّا ما لا يُفِيدُهم مُهِمُّهم لِأنَّهم لَمْ يَسْعَوْا في أنْ يَبْلُغَهم عَلى الوَجْهِ الصَّحِيحِ؛ فَفِعْلُ لا يَعْلَمُونَ غَيْرُ مُتَطَلَّبٍ مَفْعُولًا بَلْ هو مَنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ لِأنَّ المَعْنى لا عِلْمَ عِنْدَهم عَلى نَحْوِ ما قَرَّرَ في نَظِيرِهِ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. والمُرادُ بِـ ”أكْثَرِ النّاسِ“ المُشْرِكُونَ إذْ أعْرَضُوا عَنْ دَعْوَةِ الإسْلامِ، وأهْلُ الكِتابِ إذْ أبَوُا اتِّباعَ الرَّسُولِ ﷺ ومُفارَقَةَ أدْيانِهِمْ بَعْدَ إبْطالِها لِانْتِهاءِ صَلاحِيَّةِ تَفارِيعِها بِانْقِضاءِ الأحْوالِ الَّتِي شَرَعَتْ لَها انْقِضاءً لا مَطْمَعَ بَعْدَهُ لِأنْ تَعُودَ. ومُقابِلُ أكْثَرِ النّاسِ هُمُ المُؤْمِنُونَ، وشِرْذِمَةٌ مِن عُلَماءِ أهْلِ الكِتابِ عَلِمُوا أحَقِّيَّةَ الإسْلامِ وبَقُوا عَلى أدْيانِهِمْ عِنادًا: فَهم يَعْلَمُونَ ويُكابِرُونَ، أوْ تَحَيُّرًا: فَهم في شَكٍّ بَيْنَ عِلْمٍ وجَهْلٍ.


ركن الترجمة

So keep yourself exclusively on the true way, the creational law of God according to which He created man with the quality of choosing right or wrong. There is no altering of God's creation. This is the supreme law. But most men do not understand.

Dirige tout ton être vers la religion exclusivement [pour Allah], telle est la nature qu'Allah a originellement donnée aux hommes - pas de changement à la création d'Allah -. Voilà la religion de droiture; mais la plupart des gens ne savent pas.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :