ركن التفسير
24 - (نمتعهم) في الدنيا (قليلا) أيام حياتهم (ثم نضطرهم) في الآخرة (إلى عذاب غليظ) وهو عذاب النار لا يجدون عنه محيصا
ثم قال تعالى "نمتعهم قليلا" أي في الدنيا ثم "نضطرهم "أي نلجئهم "إلى عذاب غليظ" أي فظيع صعب مشق على النفوس كما قال تعالى "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون".
﴿نُمَتِّعُهم قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهم إلى عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿إلَيْنا مَرْجِعُهم فَنُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا﴾ [لقمان: ٢٣] يُثِيرُ في نُفُوسِ السّامِعِينَ سُؤالًا عَنْ عَدَمِ تَعْجِيلِ الجَزاءِ إلَيْهِمْ، فَبَيَّنَ بِأنَّ اللَّهَ يُمْهِلُهم زَمَنًا ثُمَّ يُوقِعُهم (p-١٧٩)فِي عَذابٍ لا يَجِدُونَ مِنهُ مَنجًى. وهَذا الِاسْتِئْنافُ وقَعَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ الجُمَلِ المُتَعاطِفَةِ. والتَّمْتِيعُ: العَطاءُ المُوَقَّتُ فَهو إعْطاءُ المَتاعِ، أيِ الشَّيْءِ القَلِيلِ. وقَلِيلًا صِفَةٌ لِمَصْدَرِ مَفْعُولٍ مُطْلَقٍ، أيْ تَمْتِيعًا قَلِيلًا، وقِلَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلى ما أعَدَّ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ أوْ لِقِلَّةِ مُدَّتِهِ في الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إلى مُدَّةِ الآخِرَةِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] في الأعْرافِ. والِاضْطِرارُ: الإلْجاءُ، وهو جَعْلُ الغَيْرِ ذا ضَرُورَةٍ، أيْ لُزُومٍ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ أضْطَرُّهُ إلى عَذابِ النّارِ﴾ [البقرة: ١٢٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والغَلِيظُ: مِن صِفاتِ الأجْسامِ وهو القَوِيُّ الخَشِنُ، وأُطْلِقَ عَلى الشَّدِيدِ مِنَ الأحْوالِ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ بِجامِعِ الشِّدَّةِ عَلى النَّفْسِ وعَدَمِ الطّاقَةِ عَلى احْتِمالِهِ. وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ ﴿ونَجَّيْناهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] في سُورَةِ هُودٍ كَما أُطْلِقَ الكَثِيرُ عَلى القَوِيِّ.