ركن التفسير
28 - (ذلك) العذاب الشديد وأسوأ الجزاء (جزاء أعداء الله) بتحقيق الهمزة الثانية وإبدالها واوا (النار) عطف بيان للجزاء المخبر به عن ذلك (لهم فيها دار الخلد) أي إقامة لا انتقال منها (جزاء) منصوب على المصدر بفعله (بما كانوا بآياتنا) القرآن (يجحدون)
أي بشر أعمالهم وسيء أفعالهم.
﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذابًا شَدِيدًا ولَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ النّارُ لَهم فِيها دارُ الخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ . دَلَّتِ الفاءُ عَلى أنَّ ما بَعْدَها مُفَرَّعٌ عَمّا قَبْلَها: فَإمّا أنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلى آخِرِ ما تَقَدَّمَ وهو قَوْلُهُ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ﴾ [فصلت: ٢٦] الآيَةَ، وإمّا أنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥] الآيَةَ، وقَوْلِهِ (﴿فَإنْ أعْرَضُوا﴾ [فصلت: ١٣]) الآيَةَ وقَوْلِهِ ”﴿ويَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللَّهِ إلى النّارِ﴾ [فصلت: ١٩]“ الآيَةَ وقَوْلِهِ ﴿وقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ﴾ [فصلت: ٢٥] الآيَةَ وقَوْلِهِ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا﴾ [فصلت: ٢٦] إلَخْ. (p-٢٧٩)وعَلى كِلا الوَجْهَيْنِ يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِـ الَّذِينَ كَفَرُوا هُنا: المُشْرِكِينَ الَّذِينَ الكَلامُ عَنْهم. فالَّذِينَ كَفَرُوا إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ لِقَصْدِ ما في المَوْصُولِ مِنَ الإيماءِ إلى عِلَّةِ إذاقَةِ العَذابِ، أيْ لِكُفْرِهِمُ المَحْكِيِّ بَعْضُهُ فِيما تَقَدَّمَ. وإذاقَةُ العَذابِ: تَعْذِيبُهم، اسْتُعِيرَ لَهُ الإذاقَةُ عَلى طَرِيقِ المَكْنِيَّةِ والتَّخْيِيلَةِ. والعَذابِ الشَّدِيدِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهُ عَذابُ يَوْمِ بَدْرٍ فَهو عَذابُ الدُّنْيا. وعَطْفُ ﴿ولَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ في الآخِرَةِ. وأسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ مَنصُوبٌ عَلى نَزْعِ الخافِضِ. والتَّقْدِيرُ: عَلى أسْوَأِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ مَنصُوبًا عَلى النِّيابَةِ عَنِ المَفْعُولِ المُطْلَقِ تَقْدِيرُهُ: جَزاءً مُماثِلًا أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ. وأسْوَأُ: اسْمُ تَفْضِيلٍ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ، وإنَّما أُرِيدَ بِهِ السَّيِّئُ، فَصِيغَ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ لِلْمُبالَغَةِ في سُوئِهِ. وإضافَتُهُ إلى الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ مِن إضافَةِ البَعْضِ إلى الكُلِّ ولَيْسَ مِن إضافَةِ اسْمِ التَّفْضِيلِ إلى المُفَضَّلِ عَلَيْهِ. والإشارَةُ بِـ ﴿ذَلِكَ جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ﴾ إلى ما تَقَدَّمَ وهو الجَزاءُ والعَذابُ الشَّدِيدُ عَلى أسْوَأِ أعْمالِهِمْ. وأعْداءُ اللَّهِ: هُمُ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم بِقَوْلِهِ تَعالى ”﴿ويَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللَّهِ﴾ [فصلت: ١٩]“ . والنّارُ عَطْفُ بَيانٍ مِن جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ. ودارُ الخُلْدِ: النّارُ. فَقَوْلُهُ لَهم فِيها دارُ الخُلْدِ جاءَ بِالظَّرْفِيَّةِ بِتَنْزِيلِ النّارِ مَنزِلَةَ ظَرْفٍ لِدارِ الخُلْدِ وما دارُ الخُلْدِ إلّا عَيْنُ النّارِ. وهَذا مِن أُسْلُوبِ التَّجْرِيدِ لِيُفِيدَ مُبالَغَةَ مَعْنى الخُلْدِ في النّارِ. وهو مَعْدُودٌ مِنَ المُحَسِّناتِ البَدِيعِيَّةِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] وقَوْلُ أبِي حامِدٍ العَتّابِيِّ: (p-٢٨٠)٢٠٦ ؎وفِي الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفاءِ كافِي أيْ والرَّحْمَنُ كافٍ لِلضُّعَفاءِ. والخُلْدُ: طُولُ البَقاءِ، وأُطْلِقَ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ عَلى البَقاءِ المُؤَبَّدِ الَّذِي لا نِهايَةَ لَهُ. وانْتَصَبَ جَزاءُ عَلى الحالِ مِن دارِ الخُلْدِ، والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وما مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ جَزاءٌ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ يَجْحَدُونَ بِآياتِنا. وصِيغَةُ المُضارِعِ في يَجْحَدُونَ دالَّةٌ عَلى تَجَدُّدِ الجُحُودِ حِينًا فَحِينًا وتَكَرُّرِهِ. وعُدِّيَ فِعْلُ يَجْحَدُونَ بِالباءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى: يَكْذِبُونَ. وتَقْدِيمُ بِآياتِنا لِلِاهْتِمامِ ولِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ.