ركن التفسير
8 - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) مقطوع
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون" قال مجاهد وغيره غير مقطوع ولا مجبوب كقوله تعالى "ماكثين فيها أبدا" وكقوله عز وجل "عطاء غير مجذوذ" وقال السدي غير ممنون عليهم وقد رد عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله تعالى على أهل الجنة قال الله تبارك وتعالى "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان" وقال أهل الجنة "فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ . اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ نَشَأ عَنِ الوَعِيدِ الَّذِي تُوُعِّدَ بِهِ المُشْرِكُونَ بَعْدَ أنْ أُمِرُوا بِالِاسْتِقامَةِ إلى اللَّهِ واسْتِغْفارِهِ عَمّا فَرَطَ مِنهم، كَأنَّ سائِلًا يَقُولُ: فَإنِ اتَّعَظُوا وارْتَدَعُوا فَماذا يَكُونُ جَزاؤُهم، فَأُفِيدَ ذَلِكَ وهو أنَّهم حِينَئِذٍ يَكُونُونَ مِن زُمْرَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، وفي هَذا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ المُؤْمِنِينَ. وتَقْدِيمُ لَهم لِلِاهْتِمامِ بِهِمْ. (p-٢٤١)والأجْرُ: الجَزاءُ النّافِعُ، عَنِ العَمَلِ الصّالِحِ، أوْ هو ما يُعْطَوْنَهُ مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ. والمَمْنُونُ: مَفْعُولٌ مِنَ المَنِّ، وهو ذِكْرُ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ بِها، والتَّقْدِيرُ غَيْرُ مَمْنُونٍ بِهِ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ أُعْطُوهُ شُكْرًا لَهم عَلى ما أسْلَفُوهُ مِن عَمَلٍ صالِحٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ، يَعْنِي: أنَّ الإنْعامَ عَلَيْهِمْ في الجَنَّةِ تُرافِقُهُ الكَرامَةُ والثَّناءُ فَلا يُحِسُّونَ بِخَجَلِ العَطاءِ، وهو مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ [البقرة: ٢٦٤] فَأجْرُهم بِمَنزِلَةِ الشَّيْءِ المَمْلُوكِ لَهُمُ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ إيّاهم أحَدٌ وذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ، وقَرِيبٌ مِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ: غُضْفٌ كَواسِبُ لا يُمَنُّ طَعامُها أيْ تَأْخُذُ طَعامَها بِأنْفُسِها فَلا مِنَّةَ لِأحَدٍ عَلَيْها.