موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 9 شوال 1445 هجرية الموافق ل19 أبريل 2024


الآية [32] من سورة  

وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِىَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءُ أُو۟لَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ


ركن التفسير

32 - (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) أي لا يعجز الله بالهرب منه فيفوته (وليس له) لمن لا يجيب (من دونه) أي الله (أولياء) أنصار يدفعون عنه العذاب (أولئك) الذين لم يجيبوا (في ضلال مبين) بين ظاهر

ثم قال مخبرا عنهم "ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض" أي بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به "وليس لهم من دونه أولياء" أي لا يجيرهم منه أحد "أولئك في ضلال مبين" وهذا مقام تهديد وترهيب فدعوا قومهم بالترغيب والترهيب ولهذا نجع في كثير منهم وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا كما تقدم بيانه ولله الحمد والله أعلم.

﴿وإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ ولَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ ﴿قالُوا يا قَوْمَنا إنّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الحَقِّ وإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿يا قَوْمَنا أجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكم ويُجِرْكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ ﴿ومَن لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرْضِ ولَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ أُولَئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ . هَذا تَأْيِيدٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِأنْ سَخَّرَ اللَّهُ الجِنَّ لِلْإيمانِ بِهِ وبِالقُرْآنِ فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُصَدَّقًا عِنْدَ الثَّقَلَيْنِ ومُعَظَّمًا في العالَمِينَ وذَلِكَ ما لَمْ يَحْصُلْ لِرَسُولٍ قَبْلَهُ. والمَقْصُودُ مِن نُزُولِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الجِنِّ تَوْبِيخُ المُشْرِكِينَ بِأنَّ الجِنَّ وهم مِن عالَمٍ آخَرَ عَلِمُوا القُرْآنَ وأيْقَنُوا بِأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، والمُشْرِكُونَ وهم مِن عالَمِ الإنْسِ ومِن جِنْسِ الرَّسُولِ ﷺ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ ومِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ القُرْآنِ لَمْ يَزالُوا في رَيْبٍ مِنهُ وتَكْذِيبٍ وإصْرارٍ، فَهَذا مَوْعِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِطَرِيقِ المُضادَّةِ لِأحْوالِهِمْ بَعْدَ أنْ جَرَتْ مَوْعِظَتُهم بِحالِ مُماثَلِيهِمْ في الكُفْرِ مِن جِنْسِهِمْ. ومُناسَبَةُ ذِكْرِ إيمانِ الجِنِّ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ إنَّهم كانُوا خاسِرِينَ﴾ [الأحقاف: ١٨] . فالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ واذْكُرْ أخا عادٍ عَطْفَ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ ويَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ هُنا إذْ صَرَفْنا بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿واذْكُرْ أخا عادٍ﴾ [الأحقاف: ٢١] (p-٥٨)والتَّقْدِيرُ: واذْكُرْ إذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ. وأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ بِذِكْرِ هَذا لِلْمُشْرِكِينَ وإنْ كانُوا لا يُصَدِّقُونَهُ لِتَسْجِيلِ بُلُوغِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ لِيَنْتَفِعَ بِهِ مَن يَهْتَدِي ولِتُكْتَبَ تَبِعَتُهُ عَلى الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ. ولَيْسَ في هَذِهِ الآيَةِ ما يَقْتَضِي أنَّ اللَّهَ أرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ إلى الجِنِّ واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ لِهَذِهِ الآيَةِ في أنَّ الجِنَّ حَضَرُوا بِعِلْمٍ مِنَ النَّبِيءِ ﷺ أوْ بِدُونِ عِلْمِهِ. فَفي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ ما قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى الجِنِّ ولا رَآهم، انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ في طائِفَةٍ مِن أصْحابِهِ عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكاظٍ فَلَمّا كانُوا بِنَخْلَةَ - اسْمُ مَوْضِعٍ - وهو يُصَلِّي بِأصْحابِهِ صَلاةَ الفَجْرِ وكانَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فِيهِ فَلَمّا سَمِعُوا القُرْآنَ رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ، فَقالُوا: إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا» . وفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «افْتَقَدْنا النَّبِيءَ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ وهو بِمَكَّةَ فَقُلْنا ما فُعِلَ بِهِ اغْتِيلَ أوْ واسْتُطِيرَ فَبِتْنا بِشَرِّ لَيْلَةٍ حَتّى إذا أصْبَحْنا إذا نَحْنُ بِهِ مِن قِبَلِ حِراءٍ فَقالَ: أتانِي داعِي الجِنِّ فَأتَيْتُهم فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ» . وأيًّا ما كانَ فَهَذا الحادِثُ خارِقُ عادَةٍ وهو مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ . وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - تَعالى - ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠] في سُورَةِ الأنْعامِ. والصَّرْفُ: البَعْثُ. والنَّفَرُ: عَدَدٌ مِنَ النّاسِ دُونَ العِشْرِينَ. وإطْلاقُهُ عَلى الجِنِّ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ الإنْسِ وبَيانُهُ بِقَوْلِهِ مِنَ الجِنِّ. وجُمْلَةُ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الجِنِّ وحَيْثُ كانَتِ الحالُ قَيْدًا لِعامِلِها وهو ”صَرَفْنا“ كانَ التَّقْدِيرُ: يَسْتَمِعُونَ مِنكَ إذا حَضَرُوا فَصارَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا مُؤَدّى المَفْعُولِ لِأجْلِهِ. فالمَعْنى: صَرَفْناهم إلَيْكَ لِيَسْتَمِعُوا القُرْآنَ. وضَمِيرُ حَضَرُوهُ عائِدٌ إلى القُرْآنِ، وتَعْدِيَةُ فِعْلِ حَضَرُوا إلى ضَمِيرِ القُرْآنِ تَعْدِيَةٌ مَجازِيَّةٌ لِأنَّهم إنَّما حَضَرُوا قارِئَ القُرْآنِ وهو الرَّسُولُ ﷺ . وأنْصِتُوا أمْرٌ بِتَوْجِيهِ الأسْماعِ إلى الكَلامِ اهْتِمامًا بِهِ لِئَلّا يَفُوتَ مِنهُ شَيْءٌ. (p-٥٩)وفِي حَدِيثِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «فِي حَجَّةِ الوَداعِ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ لَهُ: اسْتَنْصِتِ النّاسَ»، أيْ قَبْلَ أنْ يَبْدَأ في خُطْبَتِهِ. وفِي الحَدِيثِ: «إذا قُلْتَ لِصاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أنْصِتْ والإمامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ»، أيْ قالُوا كُلُّهم: أنْصِتُوا، كُلُّ واحِدٍ يَقُولُها لِلْبَقِيَّةِ حِرْصًا عَلى الوَعْيِ فَنَطَقَ بِها جَمِيعُهم. و”قُضِيَ“ مَبْنِيٌّ لِلنّائِبِ. والضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ قُضِيَتْ قِراءَتُهُ، أيِ انْتَهى النَّبِيءُ ﷺ مِنَ القِراءَةِ حِينَ حَضَرُوا وبِانْتِهائِهِ مِنَ القِراءَةِ تَمَّ مُرادُ اللَّهِ مَن صَرْفِ الجِنِّ لِيَسْتَمِعُوا القُرْآنَ فَوَلَّوْا، أيِ انْصَرَفُوا مِن مَكانِ الِاسْتِماعِ ورَجَعُوا إلى حَيْثُ يَكُونُ جِنْسُهم وهو المُعَبَّرُ عَنْهُ بِـ ”قَوْمِهِمْ“ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ، نُزِّلَ مَنزِلَةَ الأُنْسِ لِأجْلِ هَذِهِ الحالَةِ الشَّبِيهَةِ بِحالَةِ النّاسِ، فَإطْلاقُ القَوْمِ عَلى أُمَّةِ الجِنِّ نَظِيرُ إطْلاقِ النَّفَرِ عَلى الفَرِيقِ مِنَ الجِنِّ المَصْرُوفِ إلى سَماعِ القُرْآنِ. والمُنْذِرُ: المُخْبِرُ بِخَبَرٍ مُخِيفٍ. ومَعْنى ولَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ رَجَعُوا إلى بَنِي جِنْسِهِمْ بَعْدَ أنْ كانُوا في حَضْرَةِ النَّبِيءِ ﷺ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَأبْلَغُوهم ما سَمِعُوا مِنَ القُرْآنِ مِمّا فِيهِ التَّخْوِيفُ مِن بَأْسِ اللَّهِ - تَعالى - لِمَن لا يُؤْمِنُ بِالقُرْآنِ. والتَّبْشِيرُ لِمَن عَمَلِ بِما جاءَ بِهِ القُرْآنُ. ولا شَكَّ أنَّ اللَّهَ يَسَّرَ لَهم حُضُورَهم لِقِراءَةِ سُورَةٍ جامِعَةٍ لِما جاءَ بِهِ القُرْآنُ كَفاتِحَةِ الكِتابِ وسُورَةِ الإخْلاصِ. وجُمْلَةُ قالُوا يا قَوْمَنا إلى آخِرِها مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ مُنْذِرِينَ. وحِكايَةُ تَخاطُبِ الجِنِّ بِهَذا الكَلامِ الَّذِي هو مِن كَلامٍ عَرَبِيٍّ حِكايَةٌ بِالمَعْنى إذْ لا يُعْرَفُ أنَّ لِلْجِنِّ مَعْرِفَةً بِكَلامِ الإنْسِ، وكَذَلِكَ فَعْلُ ”قالُوا“ مَجازٌ عَنِ الإفادَةِ، أيْ أفادُوا جِنْسَهم بِما فَهِمُوا مِنهُ بِطُرُقِ الِاسْتِفادَةِ عِنْدَهم مَعانِيَ ما حُكِيَ بِالقَوْلِ في هَذِهِ الآيَةِ كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم. وابْتَدَءُوا إفادَتَهم بِأنَّهم سَمِعُوا كِتابًا تَمْهِيدًا لِلْغَرَضِ مِنَ المَوْعِظَةِ بِذِكْرِ الكِتابِ ووَصْفِهِ لِيَسْتَشْرِفَ المُخاطَبُونَ لِما بَعْدَ ذَلِكَ. (p-٦٠)ووَصَفَ الكِتابَ بِأنَّهُ أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى دُونَ: أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأنَّ التَّوْراةَ آخِرُ كِتابٍ مِن كُتُبِ الشَّرائِعِ نَزَلَ قَبْلَ القُرْآنِ، وأمّا ما جاءَ بَعْدَهُ فَكُتُبٌ مُكَمِّلَةٌ لِلتَّوْراةِ ومُبَيِّنَةٌ لَها مِثْلُ زَبُورِ داوُدَ وإنْجِيلِ عِيسى، فَكَأنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ التَّوْراةِ فَلَمّا نَزَلَ القُرْآنُ جاءَ بِهَدْيٍ مُسْتَقِلٍّ غَيْرِ مَقْصُودٍ مِنهُ بَيانُ التَّوْراةِ، ولَكِنَّهُ مُصَدِّقٌ لِلتَّوْراةِ وهادٍ إلى أزْيَدَ مِمّا هَدَتْ إلَيْهِ التَّوْراةُ. وما بَيْنَ يَدَيْهِ: ما سَبَقَهُ مِنَ الأدْيانِ الحَقِّ. ومَعْنى يَهْدِي إلى الحَقِّ: يَهْدِي إلى الِاعْتِقادِ الحَقِّ ضِدَّ الباطِلِ مِنَ التَّوْحِيدِ وما يَجِبُ لِلَّهِ - تَعالى - مِنَ الصِّفاتِ وما يَسْتَحِيلُ وصْفُهُ بِهِ. والمُرادُ بِالطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ: ما يُسْلَكُ مِنَ الأعْمالِ والمُعامَلَةِ. وما يَتَرَتَّبُ عَلى ذَلِكَ مِنَ الجَزاءِ، شَبَّهَ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي لا يَضِلُّ سالِكُهُ عَنِ القَصْدِ مِن سَيْرِهِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِـ ”الحَقِّ“ ما يَشْمَلُ الِاعْتِقادَ والأعْمالَ الصّالِحَةَ. ويُرادُ بِالطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ الدَّلائِلُ الدّالَّةُ عَلى الحَقِّ وتَزْيِيفِ الباطِلِ، فَإنَّها كالصِّراطِ المُسْتَقِيمِ في إبْلاغِ مُتَّبِعِيها إلى مَعْرِفَةِ الحَقِّ. وإعادَتُهم نِداءَ قَوْمِهِمْ لِلِاهْتِمامِ بِما بَعْدَ النِّداءِ وهو أجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ إلى آخِرِهِ؛ لِأنَّهُ المَقْصُودُ مِن تَوْجِيهِ الخِطابِ إلى قَوْمِهِمْ ولَيْسَ المَقْصُودُ إعْلامُ قَوْمِهِمْ بِما لَقُوا مِن عَجِيبِ الحَوادِثِ وإنَّما كانَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِهَذا، ولِأنَّ اخْتِلافَ الأغْراضِ وتَجَدُّدَ الغَرَضِ مِمّا يَقْتَضِي إعادَةَ مِثْلِ هَذا النِّداءِ كَما يُعِيدُ الخَطِيبُ قَوْلَهُ أيُّها النّاسُ كَما وقَعَ في خُطْبَةِ حَجَّةِ الوَداعِ. واسْتُعِيرَ أجِيبُوا لِمَعْنى: اعْمَلُوا وتَقَلَّدُوا تَشْبِيهًا لِلْعَمَلِ بِما في كَلامِ المُتَكَلِّمِ بِإجابَةِ نِداءِ المُنادِي كَما في الآيَةِ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي أيْ إلّا أنْ أمَرْتُكم فَأطَعْتُمُونِي. لِأنَّ قَوْمَهم لَمْ يَدْعُهم داعٍ إلى شَيْءٍ، أيْ أطِيعُوا ما طُلِبَ مِنكم أنْ تَعْمَلُوهُ. و”داعِيَ اللَّهِ“ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ القُرْآنَ لِأنَّهُ سَبَقَ في قَوْلِهِمْ إنّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى. وأُطْلِقَ عَلى القُرْآنِ داعِيَ اللَّهِ مَجازًا لِأنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلى طَلَبِ الِاهْتِداءِ بِهَدْيِ اللَّهِ، فَشُبِهَ ذَلِكَ بِدُعاءٍ إلى اللَّهِ واشْتُقَّ مِنهُ وصْفٌ لِلْقُرْآنِ بِأنَّهُ (p-٦١)داعِيَ اللَّهِ عَلى طَرِيقَةِ التَّبَعِيَّةِ وهي تابِعَةٌ لِاسْتِعارَةِ الإجابَةِ لِمَعْنى العَمَلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ داعِيَ اللَّهِ مُحَمَّدًا ﷺ لِأنَّهُ يَدْعُو إلى اللَّهِ بِالقُرْآنِ. وعَطْفُ وآمِنُوا بِهِ عَلى أجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ عَطْفُ خاصٍّ عَلى عامٍّ. وضَمِيرُ بِهِ عائِدٌ إلى اللَّهِ، أيْ وآمِنُوا بِاللَّهِ، وهو المُناسِبُ لِتَناسُقِ الضَّمائِرِ مَعَ يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكم ويُجِرْكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ أوْ عائِدٌ إلى داعِيَ اللَّهِ، أيْ آمِنُوا بِما فِيهِ أوْ آمِنُوا بِما جاءَ بِهِ، وعَلى الِاحْتِمالَيْنِ الأخِيرَيْنِ يَقْتَضِي أنَّ هَؤُلاءِ الجِنَّ مَأْمُورُونَ بِالإسْلامِ. و(مِن) في قَوْلِهِ ”مِن ذُنُوبِكم“ الأظْهَرُ أنَّها لِلتَّعْلِيلِ فَتَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ أجِيبُوا بِاعْتِبارِ أنَّهُ مُجابٌ بِفِعْلِ ”يَغْفِرْ“، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً، أيْ: يَغْفِرْ لَكم بَعْضَ ذُنُوبِكم، فَيَكُونُ ذَلِكَ احْتِرازًا في الوَعْدِ لِأنَّهم لَمْ يَتَحَقَّقُوا تَفْصِيلَ ما يُغْفَرُ مِنَ الذُّنُوبِ وما لا يُغْفَرُ إذْ كانُوا قَدْ سَمِعُوا بَعْضَ القُرْآنِ ولَمْ يُحِيطُوا بِما فِيهِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ زائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ عَلى رَأْيِ جَماعَةٍ مِمَّنْ يَرَوْنَ زِيادَةَ (مِن) في الإثْباتِ كَما تُزادُ في النَّفْيِ. وأمّا (مِن) الَّتِي في قَوْلِهِ ويُجِرْكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ فَهي لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ يُجِرْكم لِأنَّهُ يُقالُ: أجارَهُ مِن ظُلْمِ فُلانٍ، بِمَعْنى مَنَعَهُ وأبْعَدَهُ. وحِكايَةُ اللَّهِ هَذا عَنِ الجِنِّ تَقْرِيرٌ لِما قالُوهُ فَيَدُلُّ عَلى أنَّ لِلْجِنِّ إدْراكًا لِلْمَعانِي وعَلى أنَّ ما تَدُلُّ عَلَيْهِ أدِلَّةُ العَقْلِ مِنَ الإلَهِيّاتِ واجِبٌ عَلى الجِنِّ اعْتِقادُهُ لِأنَّ مَناطَ التَّكْلِيفِ بِالإلَهِيّاتِ العَقْلِيَّةِ هو الإدْراكُ، وأنَّهُ يَجِبُ اعْتِقادُ المُدْرَكاتِ إذا تَوَجَّهَتْ مَدارِكُهم إلَيْها أوْ إذا نُبِّهُوا إلَيْها كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ إبْلِيسَ. وهَؤُلاءِ قَدْ نُبِّهُوا إلَيْها بِصَرْفِهِمْ إلى اسْتِماعِ القُرْآنِ، وهم قَدْ نَبَّهُوا قَوْمَهم إلَيْها بِإبْلاغِ ما سَمِعُوهُ مِنَ القُرْآنِ وعَلى حَسَبِ هَذا المَعْنى يَتَرَتَّبُ الجَزاءُ بِالعِقابِ كَما قالَ - تَعالى - ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩]، وقالَ في خِطابِ الشَّيْطانِ ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥]، فَأمّا فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ فَغَيْرُ لائِقَةٍ بِجِنْسِ الجِنِّ. وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بَلَغَتْهم دَعْوَةُ القُرْآنِ مُؤاخَذُونَ إذا لَمْ يَعْمَلُوا بِها وأنَّهم يُعَذَّبُونَ. (p-٦٢)واخْتَلَفُوا في جَزاءِ الجِنِّ عَلى الإحْسانِ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْجِنِّ ثَوابٌ إلّا أنْ يُجارُوا مِن عَذابِ النّارِ ثُمَّ يُقالُ لَهم كُونُوا تُرابًا مِثْلَ البَهائِمِ، وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وابْنُ أبِي لَيْلى والضَّحّاكُ: كَما يُجازَوْنَ عَلى الإساءَةِ يُجازَوْنَ عَلى الإحْسانِ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ. وحَكى الفَخْرُ أنَّ مُناظَرَةً جَرَتْ في هَذِهِ المَسْألَةِ بَيْنَ أبِي حَنِيفَةَ ومالِكٍ ولَمْ أرَهُ لِغَيْرِهِ. وهَذِهِ مَسْألَةٌ لا جَدْوى لَها ولا يَجِبُ عَلى المُسْلِمِ اعْتِقادُ شَيْءٍ مِنها سِوى أنَّ العالِمَ إذا مَرَّتْ بِهِ الآياتُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَهْمُها. ومَعْنى ﴿فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرْضِ﴾ أنَّهُ لا يَنْجُو مِن عِقابِ اللَّهِ عَلى عَدَمِ إجابَتِهِ داعِيَهُ، فَمَفْعُولُ (مُعْجِزٍ) مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ المُضافُ إلَيْهِ في قَوْلِهِ ﴿داعِيَ اللَّهِ﴾ أيْ فَلَيْسَ بِمُعْجِزِ اللَّهِ، وقالَ في سُورَةِ الجِنِّ ﴿أنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ في الأرْضِ ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢] وهو نَفْيٌ لِأنْ يَكُونَ يَعْجِزُ طالِبُهُ، أيْ ناجِيًا مِن قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. والكَلامُ كِنايَةٌ عَنِ المُؤاخَذَةِ بِالعِقابِ. والمَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ في الأرْضِ تَعْمِيمُ الجِهاتِ فَجَرى عَلى أُسْلُوبِ اسْتِعْمالِ الكَلامِ العَرَبِيِّ وإلّا فَإنَّ مَكانَ الجِنِّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. ﴿ولَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أولِياءُ﴾، أيْ لا نَصِيرَ يَنْصُرُهُ عَلى اللَّهِ ويَحْمِيهِ مِنهُ، فَهو نَفْيُ أنْ يَكُونَ لَهُ سَبِيلٌ إلى النَّجاةِ بِالِاسْتِعْصامِ بِمَكانٍ لا تَبْلُغُ إلَيْهِ قُدْرَةُ اللَّهِ، ولا بِالِاحْتِماءِ بِمَن يَسْتَطِيعُ حِمايَتَهُ مِن عِقابِ اللَّهِ. وذِكْرُ هَذا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ. واسْمُ الإشارَةِ في ﴿أُولَئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ مَن هَذِهِ حالَهم جَدِيرُونَ بِما يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الحُكْمِ لِتَسَبُّبِ ما قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ فِيهِ كَما في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] . والظَّرْفِيَّةُ المُسْتَفادَةُ مِن ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ مَجازِيَّةٌ لِإفادَةِ قُوَّةِ تَلَبُّسِهِمْ بِالضَّلالِ حَتّى كَأنَّهم في وِعاءٍ هو الضَّلالُ. والمُبِينُ: الواضِحُ، لِأنَّهُ ضَلالٌ قامَتِ الحُجَجُ والأدِلَّةُ عَلى أنَّهُ باطِلٌ.


ركن الترجمة

He who does not listen to the summoner of God cannot weaken (the power of) God on earth, nor will he have protectors other than Him. They are clearly in the wrong."

Et quiconque ne répond pas au prédicateur d'Allah ne saura échapper au pouvoir [d'Allah] sur terre. Et il n'aura pas de protecteurs en dehors de Lui. Ceux-là sont dans un égarement évident.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :