ركن التفسير
10 - (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) أهلك أنفسهم وأولادهم وأموالهم (وللكافرين أمثالها) أمثال عاقبة ما قبلهم
يقول تعالى "أفلم يسيروا" يعني المشركين بالله المكذبين لرسوله "في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم" أي عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم أي ونجى المؤمنين من بين أظهرهم ولهذا قال تعالى "وللكافرين أمثالها".
﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولِلْكَفَرَيْنِ أمْثالُها﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾ [محمد: ٨] الآيَةَ، وتَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظائِرِ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ [غافر: ٨٢] في سُورَةِ الرُّومِ وفي سُورَةِ غافِرٍ. والِاسْتِفْهامُ تَقْرِيرِيٌّ، والمَعْنى: ألَيْسَ تَعْسُ الَّذِينَ كَفَرُوا مَشْهُودًا عَلَيْهِ بِآثارِهِ مِن سُوءِ عاقِبَةِ أمْثالِهِمُ الَّذِينَ كانُوا قَبْلَهم يَدِينُونَ بِمِثْلِ دِينِهِمْ. وجُمْلَةُ ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، وهَذا تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ. والتَّدْمِيرُ: الإهْلاكُ والدَّمارُ وهو الهَلْكُ. (p-٨٨)وفِعْلُ (دَمَّرَ) مُتَعَدٍّ إلى المُدَمَّرِ بِنَفْسِهِ، فَيُقالُ: دَمَّرَهُمُ اللَّهُ، وإنَّما عُدِّيَ في الآيَةِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ لِلْمُبالَغَةِ في قُوَّةِ التَّدْمِيرِ، فَحُذِفَ مَفْعُولُ دَمَّرَ لِقَصْدِ العُمُومِ، ثُمَّ جُعِلَ التَّدْمِيرُ واقِعًا عَلَيْهِمْ فَأفادَ مَعْنى دَمَّرَ كُلَّ ما يَخْتَصُّ بِهِمْ، وهو المَفْعُولُ المَحْذُوفُ، وأنَّ التَّدْمِيرَ واقِعٌ عَلَيْهِمْ فَهم مِن مَشْمُولِهِ. وجُمْلَةُ ﴿ولِلْكافِرِينَ أمْثالُها﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: ١١] . والمُرادُ بِالكافِرِينَ: كُفّارُ مَكَّةَ والمَعْنى: ولِكُفّارِكم أمْثالُ عاقِبَةِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِنَ الدَّمارِ وهَذا تَصْرِيحٌ بِما وقَعَ بِهِ التَّعْرِيضُ لِلتَّأْكِيدِ بِالتَّعْمِيمِ ثُمَّ الخُصُوصِ. وأمْثالُ: جَمْعُ مِثْلٍ بِكَسْرِ المِيمِ وسُكُونِ الثّاءِ، وجَمَعَ الأمْثالَ لِأنَّ اللَّهَ اسْتَأْصَلَ الكافِرِينَ مَرّاتٍ حَتّى اسْتَقَرَّ الإسْلامُ فاسْتَأْصَلَ صَنادِيدَهم يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، ويَوْمَ حُنَيْنٍ بِالسَّيْفِ أيْضًا، وسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ يَوْمَ الخَنْدَقِ فَهَزَمَهم وسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الرُّعْبَ والمَذَلَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وكُلُّ ذَلِكَ مُماثِلٌ لِما سَلَّطَهُ عَلى الأُمَمِ في الغايَةِ مِنهُ وهو نَصْرُ الرَّسُولِ ﷺ ودِينِهِ، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ما نَصَرَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ أعْلى قِيمَةً بِكَوْنِهِ بِيَدِهِ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ مُباشَرَةً بِسُيُوفِهِمْ وذَلِكَ أنْكى لِلْعَدُوِّ. وضَمِيرُ ”أمْثالُها“ عائِدٌ إلى عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ بِاعْتِبارِ أنَّها حالَةُ سُوءٍ.