ركن التفسير
24 - (أفلا يتدبرون القرآن) فيعرفون الحق (أم) بل (على قلوب) لهم (أقفالها) فلا يفهمونه
يقول تعالى آمرا بتدبر القرآن وتفهمه وناهيا عن الإعراض عنه فقال "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" أي بل على قلوب أقفالها فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه قال ابن جرير حدثنا بشر حدثنا حماد بن زيد حدثنا هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنه قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" فقال شاب من أهل اليمن بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به.
﴿أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها﴾ تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿فَأصَمَّهم وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾ [محمد: ٢٣]، أيْ هَلّا تَدَبَّرُوا القُرْآنَ عِوَضَ شَغْلِ بِالِهِمْ في مَجْلِسِكَ بِتَتَبُّعِ أحْوالِ المُؤْمِنِينَ، أوْ تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿فَأصَمَّهم وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾ [محمد: ٢٣] . والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ خَلَقَهم بِعُقُولٍ غَيْرِ مُنْفَعِلَةٍ بِمَعانِي الخَيْرِ والصَّلاحِ، فَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ مَعَ فَهْمِهِ أوْ لا يَفْهَمُونَهُ عِنْدَ تَلَقِّيهِ وكِلا الأمْرَيْنِ عَجِيبٌ. والِاسْتِفْهامُ تَعْجِيبٌ مِن سُوءِ عِلْمِهِمْ بِالقُرْآنِ ومِن إعْراضِهِمْ عَنْ سَماعِهِ. وحَرْفُ (أمْ) لِلْإضْرابِ الِانْتِقالِيِّ. والمَعْنى: بَلْ عَلى قُلُوبِهِمْ أقْفالٌ وهَذا الَّذِي سَلَكَهُ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ وهو الجارِي عَلى كَلامِ سِيبَوَيْهِ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف: ٥١] ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ﴾ [الزخرف: ٥٢] في سُورَةِ الزُّخْرُفِ، خِلافًا لِما يُوهِمُهُ أوْ تَوَهَّمَهُ ابْنُ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ. والتَّدَبُّرُ: التَّفَهُّمُ في دُبُرِ الأمْرِ، أيْ ما يَخْفى مِنهُ وهو مُشْتَقٌّ مِن دُبُرِ الشَّيْءِ، أيْ خَلْفُهُ. (p-١١٤)والأقْفالُ: جَمْعُ قُفْلٍ، وهو اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ إذْ شُبِّهَتِ القُلُوبُ، أيِ العُقُولُ في عَدَمِ إدْراكِها المَعانِيَ بِالأبْوابِ أوِ الصَّنادِيقِ المُغْلَقَةِ، والأقْفالُ تَخْيِيلٌ كالأظْفارِ لِلْمَنِيَّةِ في قَوْلِ أبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ: ؎وإذا المَنِيَّةُ أنْشَبَتْ أظْفارَها ألْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَـعُ وتَنْكِيرُ ”قُلُوبٍ“ لِلتَّنْوِيعِ أوِ التَّبْعِيضِ، أيْ عَلى نَوْعٍ مِنَ القُلُوبِ أقْفالٌ. والمَعْنى: بَلْ بَعْضُ القُلُوبِ عَلَيْها أقْفالٌ. وهَذا مِنَ التَّعْرِيضِ بِأنَّ قُلُوبَهم مِن هَذا النَّوْعِ لِأنَّ إثْباتَ هَذا النَّوْعِ مِنَ القُلُوبِ في أثْناءِ التَّعْجِيبِ مِن عَدَمِ تَدَبُّرِ هَؤُلاءِ القُرْآنَ يَدُلُّ بِدَلالَةِ الِالتِزامِ أنَّ قُلُوبَ هَؤُلاءِ مِن هَذا النَّوْعِ مِنَ القُلُوبِ ذَواتِ الأقْفالِ. فَكَوْنُ قُلُوبِهِمْ مِن هَذا النَّوْعِ مُسْتَفادٌ مِنَ الإضْرابِ الِانْتِقالِيِّ في حِكايَةِ أحْوالِهِمْ. ويَدْنُو مِن هَذا قَوْلُ لَبِيدٍ: ؎تَرّاكُ أمْكِنَةٍ إذا لَمْ أرْضَهَـا ∗∗∗ أوْ يَعْتَلِقُ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمامُها يُرِيدُ نَفْسَهُ لِأنَّهُ وقَعَ بَعْدَ قَوْلِهِ: تَرّاكُ أمْكِنَةٍ. . . البَيْتَ، أيْ أنا تَرّاكُ أمْكِنَةٍ. وإضافَةُ أقْفالٍ إلى ضَمِيرِ قُلُوبٍ نَظْمٌ بَدِيعٌ أشارَ إلى اخْتِصاصِ الأقْفالِ بِتِلْكَ القُلُوبِ، أيْ مُلازَمَتِها لَها فَدَلَّ عَلى أنَّها قاسِيَةٌ.