ركن التفسير
28 - (ذلك) التوفي على الحالة المذكورة (بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه) أي العمل بما يرضيه (فأحبط أعمالهم)
﴿ذَلِكَ بِأنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأحْبَطَ أعْمالَهُمْ﴾ الإشارَةُ بِذَلِكَ إلى المَوْتِ الفَظِيعِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَكَيْفَ إذا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ﴾ [محمد: ٢٧] كَما تَقَدَّمَ آنِفًا. واتِّباعُهم ما أسْخَطَ اللَّهَ: هو اتِّباعُهُمُ الشِّرْكَ. والسُّخْطُ مُسْتَعارٌ لِعَدَمِ الرِّضا بِالفِعْلِ. وكَراهَتُهم رِضْوانَ اللَّهِ: كَراهَتُهم أسْبابَ رِضْوانِهِ وهو الإسْلامُ. وفِي ذِكْرِ اتِّباعِ ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَراهَةَ رِضْوانِهِ مُحَسِّنُ الطِّباقِ مَرَّتَيْنِ لِلْمُضادَّةِ بَيْنَ السُّخْطِ والرِّضْوانِ، والِاتِّباعِ والكَراهِيَةِ. والجَمْعُ بَيْنَ الإخْبارِ عَنْهم بِاتِّباعِهِمْ ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَراهَتِهِمْ رِضْوانَهُ مَعَ إمْكانِ الِاجْتِزاءِ بِأحَدِهِما عَنِ الآخَرِ لِلْإيماءِ إلى أنَّ ضَرْبَ المَلائِكَةِ وُجُوهَ هَؤُلاءِ مُناسِبٌ لِإقْبالِهِمْ عَلى ما أسْخَطَ اللَّهَ، وأنَّ ضَرْبَهم أدْبارَهم مُناسِبٌ لِكَراهَتِهِمْ رِضْوانَهُ لِأنَّ الكَراهَةَ تَسْتَلْزِمُ الإعْراضَ والإدْبارَ، فَفي الكَلامِ أيْضًا مُحَسِّنُ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُرَتَّبِ. فَكانَ ذَلِكَ التَّعْذِيبُ مُناسِبًا لِحالَيْ تَوَقِّيهِمْ في الفِرارِ مِنَ القِتالِ ولِلسَّبَبَيْنِ الباعِثَيْنِ عَلى ذَلِكَ التَّوَقِّي. وفَرَّعَ عَلى اتِّباعِهِمْ ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَراهَتِهِمْ رِضْوانَهُ قالَ ﴿فَأحْبَطَ أعْمالَهُمْ﴾ فَكانَ اتِّباعُهم ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَراهَتُهم رِضْوانَهُ سَبَبًا في الأمْرَيْنِ: ضَرْبِ المَلائِكَةِ وُجُوهَهم وأدْبارَهم عِنْدَ الوَفاةِ، وإحْباطِ أعْمالِهِمْ. (p-١٢٠)والإحْباطُ: إبْطالُ العَمَلِ، أيْ أبْطَلَ انْتِفاعَهم بِأعْمالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوها مَعَ المُؤْمِنِينَ مِن قَوْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ومِنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وغَيْرِ ذَلِكَ. وتَقَدَّمَ ما هو بِمَعْناهُ في أوَّلِ السُّورَةِ.