ركن التفسير
36 - (إنما الحياة الدنيا) أي الاشتغال فيها (لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا) الله وذلك من أمور الآخرة (يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم) جميعها بل الزكاة المفروضة فيها
يقول تعالى تحقيرا لأمر الدنيا وتهوينا لشأنها "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو" أي حاصلها ذلك إلا ما كان منها لله عز وجل ولهذا قال تعالى "وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم" أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئا وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لإخوانكم الفقراء ليعود نفع ذلك عليكم ويرجع ثوابه إليكم.
﴿إنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ﴾ [محمد: ٣٥] الآيَةَ، وافْتِتاحُها بِـ (إنَّ) مُغْنٍ عَنِ افْتِتاحِها بِفاءِ التَّسَبُّبِ عَلى ما بَيَّنَهُ في دَلائِلِ الإعْجازِ، ولَيْسَ اتِّصالُ (p-١٣٣)(إنَّ) بِـ (ما) الزّائِدَةِ الكافَّةِ بِمُغَيِّرٍ مَوْقِعَها بِدُونِ (ما) لِأنَّ اتِّصالَها بِها زادَها مَعْنى الحَصْرِ. والمُرادُ بِـ ”الحَياةِ“ أحْوالُ مُدَّةِ الحَياةِ فَهو عَلى حَذْفِ مُضافَيْنِ. واللَّعِبُ: الفِعْلُ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ فاعِلُهُ الهَزْلَ دُونَ اجْتِناءِ فائِدَةٍ كَأفْعالِ الصِّبْيانِ في مَرَحِهِمْ. واللَّهْوُ: العَمَلُ الَّذِي يُعْمَلُ لِصَرْفِ العَقْلِ عَنْ تَعَبِ الجِدِّ في الأُمُورِ فَيَلْهُو عَنْ ما يَهْتَمُّ لَهُ ويُكِدُّ عَقْلَهُ. والإخْبارُ عَنِ الحَياةِ بِأنَّها لَعِبٌ ولَهْوٌ عَلى مَعْنى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، شُبِّهَتْ أحْوالُ الحَياةِ الدُّنْيا بِاللَّعِبِ واللَّهْوِ في عَدَمَ تُرَتُّبِ الفائِدَةِ عَلَيْها لِأنَّها فانِيَةٌ مُنْقَضِيَةٌ، والآخِرَةُ هي دارُ القَرارِ. وهَذا تَحْذِيرٌ مِن أنْ يَحْمِلَهم حُبُّ لَذائِذِ العَيْشِ عَلى الزَّهادَةِ في مُقابَلَةِ العَدُوِّ ويَتْلُو إلى مُسالَمَتِهِ فَإنَّ ذَلِكَ يُغْرِي العَدُوَّ بِهِمْ. ؎وحُبُّ الفَتى طُولَ الحَياةِ يُذِلُّهُ وإنْ كانَ فِيهِ نَخْوَةٌ وعِـزامُ