موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الاثنين 16 رمضان 1446 هجرية الموافق ل17 مارس 2025


الآية [4] من سورة  

فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا۟ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَا۟ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ


ركن التفسير

4 - (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) مصدر بدل من اللفظ بفعله أي فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة (حتى إذا أثخنتموهم) أكثرتم فيهم القتل (فشدوا) فأمسكوا عنهم واسروهم وشدوا (الوثاق) ما يوثق به الاسرى (فإما منا بعد) مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء (وإما فداء) تفادونهم بما أو أسرى مسلمين (حتى تضع الحرب) أي أهلها (أوزارها) أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر. (ذلك) خبر مبتدأ مقدر أي الأمر فيهم ما ذكر (ولو يشاء الله لانتصر منهم) بغير قتال (ولكن) أمركم به (ليبلو بعضكم ببعض) منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار (والذين قتلوا) وفي قراءة قاتلوا الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات (في سبيل الله فلن يضل) يحبط (أعمالهم)

يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف "حتى إذا أثخنتموهم" أي أهلكتموهم قتلا "فشدوا الوثاق" الأسارى الذين تأسرونهم ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء والتقليل من القتل يومئذ فقال "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الأية المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه منسوخة بقوله تعالى "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" الآية رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وقال الآخرون وهم الأكثرون ليست بمنسوخة ثم قال بعضهم إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ولا يجوز له قتله وقال آخرون منهم بل له أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر وقال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له "ما عندك يا ثمامة؟" فقال إن تقتل تقتل ذا دم وإن تمنن تمنن على شاكر وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت وزاد الشافعي رحمة الله عليه فقال الإمام مخير بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه أيضا وهذه المسألة محررة في علم الفروع وقد دللنا على ذلك في كتابنا الأحكام ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة وقوله عز وجل "حتى تضع الحرب أوزارها" قال مجاهد حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال" وقال الإمام أحمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل ابن عياش عن إبراهيم بن سليمان عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال إن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى سيبت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها وقلت لا قتال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "الآن جاء القتال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله تعالى قلوب أقوام فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ألا إن عقد دار المؤمنين بالشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وهكذا رواه النسائي من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكوني به وقال أبو القاسم البغوي حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن جبير بن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح قالوا يا رسول الله سيبت الخيل ووضعت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قالوا لا قتال قال: "كذبوا الآن جاء القتال لا يزال الله تعالى يزيغ قلوب قوم يقاتلونهم فيرزقهم منهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وعقد دار المسلمين بالشام" وهكذا رواه الحافظ أبو يعلي الموصلي عن داود بن رشيد به والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن نفيل كما تقدم وهذا يقوي القول بعدم النسخ كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب وقال قتادة "حتى تضع الحرب أوزارها" حتى لا يبقى شرك وهذا كقوله تعالى "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" ثم قال بعضهم حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عز وجل وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى. وقوله عز وجل "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم" أي هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده "ولكن ليبلو بعضكم ببعض" أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم وليبلو أخباركم كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي آل عمران وبراءة في قوله تعالى "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" وقال تبارك وتعالي في سورة براءة "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم" ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال "والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم" أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي ـ رجل كانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعطى الشهيد ست خصال: عند أول قطرة من دمه تكفر عنه كل خطيئة ويرى مقعده من الجنة ويزوج من الحور العين ويأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويحلى حلة الإيمان" تفرد به أحمد رحمه الله " حديث آخر "قال أحمد أيضا حدثنا الحكم بن نافع حدثني إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للشهيد عند الله ست خصال: أن يغفر له في أول دفقة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حلة الإيمان ويزوج من الحور العين ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصع بالدر والياقوت الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه" وقد أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجة وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين" وروي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وقال أبو الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته" ورواه أبو داود والأحاديث في فضل الشهيد كثيرة جدا.

(p-٧٨)﴿فَإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إذا أثْخَنْتُمُوهم فَشُدُّوا الوَثاقَ فَإمّا مَنًّا بَعْدَ وإمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها﴾ لا شَكَّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ لِأنَّ فِيها قَوْلَهُ ﴿حَتّى إذا أثْخَنْتُمُوهم فَشُدُّوا الوَثاقَ﴾ . وهو الحُكْمُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ العِقابُ عَلى ما وقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ مِن فِداءِ الأسْرى الَّتِي في قَوْلِهِ - تَعالى - (﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]) الآيَةَ، إذْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ ذَلِكَ مُقَرَّرًا يَوْمَئِذٍ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْفالِ. والفاءُ لِتَفْرِيعِ هَذا الكَلامِ عَلى ما قَبْلَهُ مِن إثارَةِ نُفُوسِ المُسْلِمِينَ بِتَشْنِيعِ حالِ المُشْرِكِينَ وظُهُورِ خَيْبَةِ أعْمالِهِمْ وتَنْوِيهِ حالِ المُسْلِمِينَ وتَوْفِيقِ آرائِهِمْ. والمَقْصُودُ: تَهْوِينُ شَأْنِهِمْ في قُلُوبِ المُسْلِمِينَ وإغْراؤُهم بِقَطْعِ دابِرِهِمْ، لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، لِأنَّ ذَلِكَ أعْظَمُ مِن مَنافِعِ فِداءِ أسْراهم بِالمالِ لِيَعْبُدَ المُسْلِمُونَ رَبَّهم آمِنِينَ. وذَلِكَ ناظِرٌ إلى آيَةِ سُورَةِ الأنْفالِ وإلى ما يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ مِن قَوْلِهِ ﴿حَتّى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها﴾ . و(إذا) ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنى الشَّرْطِ، وذَلِكَ غالِبُ اسْتِعْمالِها وجَوابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ . واللِّقاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: المُقابَلَةُ: وهو إطْلاقٌ شَهِيرٌ لِلِّقاءِ. يُقالُ: يَوْمَ اللِّقاءِ، فَلا يُفْهَمُ مِنهُ إلّا لِقاءُ الحَرْبِ، ويُقالُ: إنْ لَقِيتَ فَلانًا لَقِيتَ مِنهُ أسَدًا، وقالَ النّابِغَةُ: ؎تَجَنَّبْ بَنِي حُنٍّ فَإنَّ لِقاءَهُـمْ كَرِيهٌ وإنْ لَمْ تَلْقَ إلّا بَصائِرُ فَلَيْسَ المَعْنى: إذا لَقِيتُمُ الكافِرِينَ في الطَّرِيقِ، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ وبِذَلِكَ لا يُحْتاجُ لِذِكْرِ مُخَصَّصٍ لِفِعْلِ لَقِيتُمْ. والمَعْنى: فَإذا قاتَلْتُمُ المُشْرِكِينَ في المُسْتَقْبَلِ فَأمْعِنُوا في قَتْلِهِمْ حَتّى إذا رَأيْتُمْ أنْ قَدْ خَضَدْتُمْ شَوْكَتَهم، فَأْسِرُوا مِنهم أسْرى. ”وضَرْبَ الرِّقابِ“: كِنايَةٌ مَشْهُورَةٌ يُعَبَّرُ بِها عَنِ القَتْلِ سَواءٌ كانَ بِالضَّرْبِ أمْ (p-٧٩)بِالطَّعْنِ في القُلُوبِ بِالرِّماحِ أوْ بِالرَّمْيِ بِالسِّهامِ، وأُوثِرَتْ عَلى كَلِمَةِ القَتْلِ؛ لِأنَّ في اسْتِعْمالِ الكِنايَةِ بَلاغَةٌ؛ ولِأنَّ في خُصُوصِ هَذا اللَّفْظِ غِلْظَةً وشِدَّةً تُناسِبانِ مَقامَ التَّحْرِيضِ. والضَّرْبُ هُنا بِمَعْنى: القَطْعُ بِالسَّيْفِ، وهو أحَدُ أحْوالِ القِتالِ عِنْدَهم؛ لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى شَجاعَةِ المُحارِبِ لِكَوْنِهِ مُواجِهًا عَدُوَّهُ وجْهًا لِوَجْهٍ. والمَعْنى: فاقْتُلُوهم سَواءٌ كانَ القَتْلُ بِضَرْبِ السَّيْفِ، أوْ طَعْنِ الرِّماحِ، أوْ رَشْقِ النِّبالِ، لِأنَّ الغايَةَ مِن ذَلِكَ هو الإثْخانُ. والَّذِينَ كَفَرُوا: هُمُ المُشْرِكُونَ لِأنَّ اصْطِلاحَ القُرْآنِ مِن تَصارِيفِ مادَّةِ الكُفْرِ، نَحْوِ: الكافِرِينَ، والكُفّارِ، والَّذِينَ كَفَرُوا، هو الشِّرْكُ. و(حَتّى) ابْتِدائِيَّةٌ. ومَعْنى الغايَةُ مَعَها يُؤَوَّلُ إلى مَعْنى التَّفْرِيعِ. والإثْخانُ: الغَلَبَةُ لِأنَّها تَتْرُكُ المَغْلُوبَ كالشَّيْءِ المُثْخَنِ وهو الثَّقِيلُ الصُّلْبُ الَّذِي لا يَخِفُّ لِلْحَرَكَةِ، ويُوصَفُ بِهِ المائِعُ الَّذِي جَمُدَ أوْ قارَبَ الجُمُودَ بِحَيْثُ لا يَسِيلُ بِسُهُولَةٍ، ووُصِفَ بِهِ الثَّوْبُ والحَبْلُ إذا كَثُرَتْ طاقاتُهُما بِحَيْثُ يَعْسُرُ تَفَكُّكُها. وغَلَبَ إطْلاقُهُ عَلى التَّوْهِينِ بِالقَتْلِ، وكِلا المَعْنِيِّينِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَإذا فُسِّرَ بِالغَلَبَةِ كانَ المَعْنى حَتّى إذا غَلَبْتُمْ مِنهم مَن وقَعُوا في قَبْضَتِكم أسْرى فَشَدُّوا وثاقَهم. وعَلَيْهِ، فَجَوازُ المَنِّ والفِداءِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ. وإذا فُسِّرَ الإثْخانُ بِكَثْرَةِ القَتْلِ فِيهِمْ كانَ المَعْنى حَتّى إذا لَمْ يَبْقَ مِنَ الجَيْشِ إلّا القَلِيلُ فَأْسِرُوا حِينَئِذٍ، أيْ أبْقُوا الأسْرى، وكِلا الِاحْتِمالَيْنِ لا يَخْلُو مِن تَأْوِيلٍ في نَظْمِ الآيَةِ إلّا أنَّ الِاحْتِمالَ الأوَّلَ أظْهَرُ. وتَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ الأنْفالِ في قَوْلِهِ ﴿حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧] . وانْتَصَبَ ضَرْبَ الرِّقابَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن فِعْلِهِ ثُمَّ أُضِيفَ إلى مَفْعُولِهِ، والتَّقْدِيرُ: فاضْرِبُوا الرِّقابَ ضَرْبًا، فَلَمّا حَذَفَ الفِعْلَ اخْتِصارًا قَدَّمَ المَفْعُولَ المُطْلَقَ عَلى المَفْعُولِ بِهِ ونابَ مَنابَ الفِعْلِ في العَمَلِ في ذَلِكَ المَفْعُولِ وأُضِيفَ إلى المَفْعُولِ إضافَةَ الأسْماءِ إلى الأسْماءِ لِأنَّ المَصْدَرَ راجِحٌ في الِاسْمِيَّةِ. (p-٨٠)والشَّدُّ: قُوَّةُ الرَّبْطِ، وقُوَّةُ الإمْساكِ. والوَثاقُ بِفَتْحِ الواوِ: الشَّيْءُ الَّذِي يَوْثَقُ بِهِ، ويَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الواوِ ولَمْ يُقْرَأْ بِهِ. وهو هُنا كِنايَةٌ عَنِ الأسْرِ؛ لِأنَّ الأسْرَ يَسْتَلْزِمُ الوَضْعَ في القَيْدِ يُشَدُّ بِهِ الأسِيرُ. والمَعْنى: فاقْتُلُوهم، فَإنْ أثْخَنْتُمْ مِنهم فَأْسِرُوا مِنهم. وتَعْرِيفُ الرِّقابِ والوَثاقَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ فَضَرْبَ رِقابَهم وشُدُّوا وثاقَهم. والمَنُّ: الإنْعامُ. والمُرادُ بِهِ: إطْلاقُ الأسِيرِ واسْتِرْقاقُهُ فَإنَّ الِاسْتِرْقاقَ مَنٌّ عَلَيْهِ إذْا لَمْ يُقْتَلْ، والفِداءُ: بِكَسْرِ الفاءِ مَمْدُودًا تَخْلِيصُ الأسِيرِ مِنَ الأسْرِ بِعِوَضٍ مِن مالٍ أوْ مُبادَلَةٍ بِأسْرى مِنَ المُسْلِمِينَ في يَدَيِ العَدُوِّ. وقَدَّمَ المَنَّ عَلى الفِداءِ تَرْجِيحًا لَهُ؛ لِأنَّهُ أعْوَنُ عَلى امْتِلاكِ ضَمِيرِ المَمْنُونِ عَلَيْهِ لِيُسْتَعْمَلَ بِذَلِكَ بَعْضُهُ. وانْتَصَبَ ”مَنًّا“ وفِداءً عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ بَدَلًا مِن عامِلَيْهِما، والتَّقْدِيرُ: إمّا تَمُنُّونَ وإمّا تَفْدُونَ. وقَوْلُهُ ”بَعْدُ“ أيْ بَعْدَ الإثْخانِ، وهَذا تَقْيِيدٌ لِإباحَةِ المَنِّ والفِداءِ. وذَلِكَ مَوْكُولٌ إلى نَظَرِ أمِيرِ الجَيْشِ بِحَسَبِ ما يَراهُ مِنَ المَصْلَحَةِ في أحَدِ الأمْرَيْنِ كَما فَعَلَ النَّبِيءُ ﷺ بَعْدَ غَزْوَةِ هَوازِنَ. وهَذا هو ظاهِرُ الآيَةِ والأصْلُ عَدَمُ النَّسْخِ، وهَذا رَأْيُ جُمْهُورِ أيِمَّةِ الفِقْهِ وأهْلِ النَّظَرِ. فَقَوْلُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا عامٌّ في كُلِّ كافِرٍ، أيْ مُشْرِكٍ يَشْمَلُ الرِّجالَ وهُمُ المَعْرُوفُ حَرْبُهم ويَشْمَلُ مَن حارَبَ مَعَهم مِنَ النِّساءِ والصِّبْيانِ والرُّهْبانِ والأحْبارِ. وهَذِهِ الآيَةُ لِتَحْدِيدِ أحْوالِ القِتالِ وما بَعْدَهُ، لا لِبَيانِ وقْتِ القِتالِ ولا لِبَيانِ مَن هُمُ الكافِرُونَ، لِأنَّ أوْقاتَ القِتالِ مُبِيَّنَةٌ في سُورَةِ ”بَراءَةٌ“ . ومَعْرِفَةُ الكافِرِينَ مَعْلُومَةٌ مِنَ اصْطِلاحِ القُرْآنِ بِقَوْلِهِ ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] . ثُمَّ يَظْهَرُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ (﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]) في سُورَةِ الأنْفالِ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ في القَتْلِ والمَنِّ والفِداءِ والَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مالِكٌ والشّافِعِيُّ والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ (p-٨١)وهُوَ أحَدُ قَوْلَيْنِ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ رَواهُ الطَّحاوِيُّ، ومِنَ السَلَفِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وعَطاءٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ، وأنَّها تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ في أسْرى المُشْرِكِينَ بَيْنَ القَتْلِ أوِ المَنِّ أوِ الفِداءِ، وأمِيرُ الجَيْشِ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ. ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ أصْحابُ هَذا القَوْلِ يَرَوْنَ أنَّ مَوْرِدَ الآيَةِ الإذْنُ في المَنِّ أوِ الفِداءِ فَهي ناسِخَةٌ أوْ مُنْهِيَةٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعالى (﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]) إلى قَوْلِهِ ﴿لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٨] في سُورَةِ الأنْفالِ. وهَذا أوْلى مِن جَعْلِها ناسِخَةً لِقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] . لِما عَلِمْتَ مِن أنَّ مَوْرِدَ تِلْكَ هو تَعْيِينُ أوْقاتِ المُتارَكَةِ وأوْقاتِ المُحارَبَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ هَؤُلاءِ بِحَظْرِ قَتْلِ الأسِيرِ في حِينِ أنَّ التَّخْيِيرَ هُنا وارِدٌ بَيْنَ المَنِّ والفِداءِ، ولَمْ يُذْكَرْ مَعَهُما القَتْلُ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَتَلَ مِن أسْرى بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الحارِثِ» وذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، وعُقْبَةَ بْنَ أبِي مُعَيْطٍ وقَتَلَ أسْرى قُرَيْظَةَ الَّذِينَ نَزَلُوا عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، وقَتَلَ هِلالَ بْنَ خَطَلٍ ومِقْيَسَ بْنَ حُبابَةٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وقَتَلَ بَعْدَ أُحُدٍ أبا عَزَّةَ الجُمَعِيَّ الشّاعِرَ وذَلِكَ كُلُّهُ لا يُعارِضُ هَذِهِ الآيَةَ لِأنَّها جَعَلَتِ التَّخْيِيرَ لِوَلِيِّ الأمْرِ. وأيْضًا لَمْ يُذْكَرْ في هَذِهِ الآيَةِ جَوازُ الِاسْتِرْقاقِ، وهو الأصْلُ في الأسْرى، وهو يُدْخَلُ في المَنِّ إذا اعْتُبِرَ المَنُّ شامِلًا لِتَرْكِ القَتْلِ، ولِأنَّ مُقابَلَةَ المَنِّ بِالفِداءِ تَقْتَضِي أنَّ الِاسْتِرْقاقَ مَشْرُوعٌ. وقَدْ رَوى ابْنُ القاسِمِ وابْنُ وهْبٍ عَنْ مالِكٍ: أنَّ المَنَّ مِنَ العِتْقِ. وقالَ الحَسَنُ وعَطاءٌ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ المَنِّ والفِداءِ فَقَطْ دُونَ قَتْلِ الأسِيرِ، فَقَتْلُ الأسِيرِ يَكُونُ مَحْظُورًا. وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يُعَضِّدُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الحَسَنُ وعَطاءٌ. وذَهَبَ فَرِيقٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ وأنَّهُ لا يَجُوزُ في الأسِيرِ المُشْرِكِ إلّا القَتْلُ بِقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] . وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ والسُّدِّيِّ وابْنِ جُرَيْجٍ، ورَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وهو المَشْهُورُ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ، وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ مِن أصْحابِ أبِي حَنِيفَةَ: لا بَأْسَ أنْ يُفادى أسْرى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا بِأسْرى المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِيَدِ (p-٨٢)المُشْرِكِينَ. ورَوى الجَصّاصُ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ فَدى أسِيرَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ بِأسِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ في ثَقِيفٍ» . والغايَةُ المُسْتَفادَةُ مِن (حَتّى) في قَوْلِهِ ﴿حَتّى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها﴾ لِلتَّعْلِيلِ لا لِلتَّقْيِيدِ، أيْ لِأجْلِ أنْ تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها، أيْ لِيَكُفَّ المُشْرِكُونَ عَنْها فَتَأْمَنُوا مِنَ الحَرْبِ عَلَيْكم ولَيْسَتْ غايَةً لِحُكْمِ القِتالِ. والمَعْنى يَسْتَمِرُّ هَذا الحُكْمُ بِهَذا لِيَهِنَ العَدُوُّ فَيَتْرُكُوا حَرْبَكم، فَلا مَفْهُومَ لِهَذِهِ الغايَةِ، فالتَّعْلِيلُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ. والتَّقْدِيرُ: فَضَرْبَ الرِّقابِ، أيْ لا تَتْرُكُوا القَتْلَ لِأجْلِ أنْ تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها، فَيَكُونُ وارِدًا مَوْرِدَ التَّعْلِيمِ والمَوْعِظَةِ، أيْ فَلا تَشْتَغِلُوا عِنْدَ اللِّقاءِ لا بِقَتْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا لِتَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها فَإذا غَلَبْتُمُوهم فاشْتَغِلُوا بِالإبْقاءِ عَلى مَن تَغْلِبُونَهُ بِالأسْرِ لِيَكُونَ المَنُّ بَعْدَ ذَلِكَ أوِ الفِداءُ. والأوْزارُ: الأثْقالُ، ووَضْعُ الأوْزارِ تَمْثِيلٌ لِانْتِهاءِ العَمَلِ فَشُبِّهَتْ حالَةُ انْتِهاءِ القِتالِ بِحالَةِ وضْعِ الحَمّالِ أوِ المُسافِرِ أثْقالَهُ، وهَذا مِن مُبْتَكَراتِ القُرْآنِ. وأخَذَ مِنهُ عَبَدُ رَبِّهِ السُّلَمِيُّ، أوْ سُلَيْمٌ الحَنَفِيُّ قَوْلَهُ: ؎فَألْقَتْ عَصاها واسْتَقَرَّ بِها النَّوى ∗∗∗ كَما قَرَّ عَيْنًا بِالإيابِ المُسافِـرُ فَشَبَّهَ حالَةَ المُنْتَهِي مِن كُلْفَةٍ بِحالَةِ السّائِرِ يُلْقِي عَصاهُ الَّتِي اسْتَصْحَبَها في سَيْرِهِ. * * * ﴿ذَلِكَ ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنهم ولَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكم بِبَعْضٍ﴾ أُعِيدَ اسْمُ الإشارَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ذَلِكَ بِأنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الباطِلَ﴾ [محمد: ٣] لِلنُّكْتَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ هُنالِكَ، وهو خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. وتَقْدِيرُ المَحْذُوفِ: الأمْرُ ذَلِكَ، والمُشارُ إلَيْهِ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ إلى هُنا، ويُفِيدُ اسْمُ الإشارَةِ تَقْرِيرَ الحُكْمِ ورُسُوخِهِ في النُّفُوسِ. والجُمْلَةُ مِنِ اسْمِ الإشارَةِ والمَحْذُوفِ مُعْتَرِضَةٌ ﴿ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنهُمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ المُقَدَّرِ في المَصْدَرِ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ (p-٨٣)أيْ أُمِرْتُمْ بِضَرْبِ رِقابِهِمْ، والحالُ أنَّ اللَّهَ لَوْ يَشاءُ لاسْتَأْصَلَهم ولَمْ يُكَلِّفْكم بِقِتالِهِمْ، ولَكِنَّ اللَّهَ ناطَ المُسَبِّباتِ بِأسْبابِها المُعْتادَةِ وهي أنْ يَبْلُوَ بَعْضَكم بِبَعْضٍ. وتَعْدِيَةُ انْتَصَرَ بِحَرْفِ (مِن) مَعَ أنَّ حَقَّهُ أنْ يُعَدّى بِحَرْفِ (عَلى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنى: انْتَقَمَ. والِاسْتِدْراكُ راجِعٌ إلى ما في مَعْنى المَشِيئَةِ مِنَ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَرَكَ الِانْتِقامَ مِنهم لِسَبَبٍ غَيْرِ ما بَعْدَ الِاسْتِدْراكِ. والبَلْوُ حَقِيقَتُهُ: الِاخْتِبارُ والتَّجْرِبَةُ، وهو هُنا مَجازٌ في لازِمِهِ وهو ظُهُورُ ما أرادَهُ اللَّهُ مِن رَفْعِ دَرَجاتِ المُؤْمِنِينَ ووَقْعِ بَأْسِهِمْ في قُلُوبِ أعْدائِهِمْ ومِن إهانَةِ الكُفّارِ، وهو أنَّ شَأْنَهم بِمَرْأًى ومَسْمَعٍ مِنَ النّاسِ. * * * (﴿والَّذِينَ قاتَلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ ﴿سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بالَهُمْ﴾ ﴿ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ﴾) هَذا مِن مَظاهِرِ بَلْوى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وهو مُقابِلُ ما في قَوْلِهِ ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿وإمّا فِداءً﴾ فَإنَّ ذَلِكَ مِن مَظاهِرِ إهانَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَذُكِرَ هُنا ما هو مِن رِفْعَةِ الَّذِينَ قاتَلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِعِنايَةِ اللَّهِ بِهِمْ. وجُمْلَةُ (﴿والَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾) إلَخْ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ الآيَةَ، فَإنَّهُ لَمّا أمَرَهم بِقِتالِ المُشْرِكِينَ أعْقَبَ الأمْرَ بِوَعْدِ الجَزاءِ عَلى فِعْلِهِ. وذِكْرُ الَّذِينَ قاتَلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ إذْ كانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: فَلَنْ يُضِلَّ اللَّهُ أعْمالَكم، وهَكَذا بِأُسْلُوبِ الخِطابِ، فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضى الظّاهِرِ مِنَ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ؛ لِيَكُونَ في تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ إفادَةٌ تُقَوِّي الخَبَرَ، ولِيَكُونَ ذَرِيعَةً إلى الإتْيانِ بِالمَوْصُولِ لِلتَّنْوِيهِ بِصِلَتِهِ، ولِلْإيماءِ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ عَلى الصِّلَةِ بِأنَّ تِلْكَ الصِّلَةَ هي عِلَّةُ ما ورَدَ بَعْدَها مِنَ الخَبَرِ. (p-٨٤)فَجُمْلَةُ ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ خَبَرٌ عَنِ المَوْصُولِ، وقُرِنَتْ بِالفاءِ لِإفادَةِ السَّبَبِيَّةِ في تَرَتُّبِ ما بَعْدَ الفاءِ عَلى صِلَةِ المَوْصُولِ لِأنَّ المَوْصُولَ كَثِيرًا ما يُشْرَبُ مَعْنى الشَّرْطِ فَيُقْرَنُ خَبَرُهُ بِالفاءِ، وبِذَلِكَ تَكُونُ صِيغَةُ الماضِي في فِعْلِ (قاتَلُوا) مُنْصَرِفَةً إلى الِاسْتِقْبالِ لِأنَّ ذَلِكَ مُقْتَضى الشَّرْطِ. وجُمْلَةُ سَيَهْدِيهِمْ وما عُطِفَ عَلَيْها بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ . وتَقَدَّمَ الكَلامُ آنِفًا عَلى مَعْنى إضْلالِ الأعْمالِ وإصْلاحِ البالِ. ومَعْنى ﴿عَرَّفَها لَهُمْ﴾ أنَّهُ وصَفَها لَهم في الدُّنْيا فَهم يَعْرِفُونَها بِصِفاتِها، فالجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الجَنَّةِ، أوِ المَعْنى هَداهم إلى طَرِيقِها في الآخِرَةِ فَلا يَتَرَدَّدُونَ في أنَّهم داخِلُونَها، وذَلِكَ مِن تَعْجِيلِ الفَرَحِ بِها. وقِيلَ عَرَّفَها جَعَلَ فِيها عَرْفًا، أيْ رِيحًا طَيِّبًا، والتَّطْيِيبُ مِن تَمامِ حُسْنِ الضِّيافَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”قاتَلُوا“ بِصِيغَةِ المُفاعَلَةِ، فَهو وعْدٌ لِلْمُجاهِدِينَ أحْيائُهم وأمْواتُهم. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ (قُتَلُوا) بِالبِناءِ لِلنّائِبِ، فَعَلى هَذِهِ القِراءَةِ يَكُونُ مَضْمُونُ الآيَةِ جَزاءَ الشُّهَداءِ، فَهِدايَتُهم وإصْلاحُ بالِهِمْ كائِنانِ في الآخِرَةِ.


ركن الترجمة

So, when you clash with the unbelievers, smite their necks until you overpower them, then hold them in bondage. Then either free them graciously or after taking a ransom, until war shall have come to end. If God had pleased He could have punished them (Himself), but He wills to test some of you through some others. He will not allow the deeds of those who are killed in the cause of God to go waste.

Lorsque vous rencontrez (au combat) ceux qui ont mécru frappez-en les cous. Puis, quand vous les avez dominés, enchaînez-les solidement. Ensuite, c'est soit la libération gratuite, soit la rançon, jusqu'à ce que la guerre dépose ses fardeaux. Il en est ainsi, car si Allah voulait, Il se vengerait Lui-même contre eux, mais c'est pour vous éprouver les uns par les autres. Et ceux qui seront tués dans le chemin d'Allah, Il ne rendra jamais vaines leurs actions.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :