ركن التفسير
28 - (وما لهم به) بهذا القول (من علم إن) ما (يتبعون) فيه (إلا الظن) الذي تخيلوه (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) أي عن العلم فيما المطلوب فيه العلم
أي ليس لهم علم صحيح بصدق ما قالوه بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع "إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" أي لا يجدي شيئا ولا يقوم أبدا مقام الحق. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
(p-١١٦)﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ . مَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ ذُو شُعَبٍ: فَإنَّ فِيها بَيانًا لِجُمْلَةِ وما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ وعَوْدًا إلى جُمْلَةِ إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وما تَهْوى الأنْفُسُ، وتَأْكِيدًا لِمَضْمُونِها وتَوْطِئَةً لِتَفْرِيعِ فَأعْرِضْ عَنْ مَن تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا. واسْتُعِيرَ الِاتِّباعُ لِلْأخْذِ بِالشَّيْءِ واعْتِقادِ مُقْتَضاهُ، أيْ: ما يَأْخُذُونَ في ذَلِكَ إلّا بِدَلِيلِ الظَّنِّ المُخْطِئِ. وأُطْلِقَ الظَّنُّ عَلى الِاعْتِقادِ المُخْطِئِ كَما هو غالِبُ إطْلاقِهِ مَعَ قَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ ﴿وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا. وأُظْهِرَ لَفْظُ الظَّنِّ دُونَ ضَمِيرِهِ لِتَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِها فَتَسِيرَ مَسِيرَ الأمْثالِ. ونَفْيُ الإغْناءِ مَعْناهُ نَفْيُ الإفادَةِ، أيْ: لا يُفِيدُ شَيْئًا مِنَ الحَقِّ فَحَرْفُ ”مِن“ بَيانٌ وهو مُقَدَّمٌ عَلى المُبِينِ أعْنِي شَيْئًا. و”شَيْئًا“ مَنصُوبُ عَلى المَفْعُولِ بِهِ لِ ”يُغْنِي“ . والمَعْنى: أنَّ الحَقَّ حَقائِقُ الأشْياءِ عَلى ما هي عَلَيْهِ وإدْراكُها هو العِلْمُ ( المُعَرَّفُ بِأنَّهُ تَصَوُّرُ المَعْلُومِ عَلى ما هو عَلَيْهِ والظَّنُّ لا يُفِيدُ ذَلِكَ الإدْراكَ بِذاتِهِ فَلَوْ صادَفَ الحَقَّ فَذَلِكَ عَلى وجْهِ الصُّدْفَةِ والِاتِّفاقِ، وخاصَّةً الظَّنَّ المُخْطِئَ كَما هُنا.