ركن التفسير
48 - (وأنه هو أغنى) الناس بالكفاية بالأموال (وأقنى) أعطى المتخذ قنية
أي ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيما عندهم لا يحتاجون إلى بيعه فهذا تمام النعمة عليهم وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما وعن مجاهد "أغنى" مول "وأقنى" أخدم وكذا قال قتادة وقال ابن عباس ومجاهد أيضا "أغنى" أعطى "وأقنى" رضى وقيل معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه قاله الحضرمي بن لاحق وقيل أغنى من شاء من خلقه وأقنى أي أفقر من شاء منهم قال ابن زيد حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ.
﴿وأنَّهُ هو أغْنى وأقْنى﴾ ومَعْنى أغْنى جَعَلَ غَنِيًّا، أيْ: أعْطى ما بِهِ الغِنى، والغِنى التَّمَكُّنُ مِنَ الِانْتِفاعِ بِما يُحِبُّ الِانْتِفاعُ بِهِ. ويَظْهَرُ أنَّ مَعْنى أقْنى ضِدُّ مَعْنى أغْنى رَعْيًا لِنَظائِرِهِ الَّتِي زاوَجَتْ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مِن قَوْلِهِ ﴿أضْحَكَ وأبْكى﴾ [النجم: ٤٣] و﴿أماتَ وأحْيا﴾ [النجم: ٤٤]، و﴿الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [النجم: ٤٥]، ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ زَيْدٍ والأخْفَشُ وسُلَيْمانُ التَّمِيمِيُّ بِمَعْنى أرْضى. وعَنْ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ والحَسَنِ: أقْنى: أخْدَمَ، فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِنَ القِنِّ وهو العَبْدُ أوِ المَوْلُودُ في الرِّقِّ فَيَكُونُ زِيادَةً عَلى الإغْناءِ. وقِيلَ: أقْنى: أعْطى القُنْيَةَ. وهَذا زِيادَةٌ في الغِنى. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أقْنى: أرْضى، أيْ: أرْضى الَّذِي أغْناهُ بِما أعْطاهُ، أيْ: أغْناهُ حَتّى أرْضاهُ فَيَكُونُ زِيادَةً في الِامْتِنانِ. (p-١٥٠)والإتْيانُ بِضَمِيرِ الفَصْلِ لِقَصْرِ صِفَةِ الإغْناءِ والإقْناءِ عَلَيْهِ تَعالى دُونَ غَيْرِهِ وهو قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لِمُقابَلَةِ ذُهُولِ النّاسِ عَنْ شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعالى بِإسْنادِهِمُ الأرْزاقَ لِوَسائِلِهِ العادِيَّةِ، مَعَ عَدَمِ التَّنَبُّهِ إلى أنَّ اللَّهَ أوْجَدَ مَوادَّ الإرْزاقِ وأسْبابَها وصَرَفَ مَوانِعَها، وهَذا نَظِيرُ ما تَقَدَّمَ مِنَ القَصْرِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] . ومَوْقِعُ جُمْلَةِ ﴿وأنَّهُ هو أغْنى وأقْنى﴾ كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ ﴿وأنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى﴾ [النجم: ٤٠] .