ركن التفسير
53 - (والمؤتفكة) وهي قرى قوم لوط (أهوى) أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الأرض بأمره جبريل بذلك
يعني مدائن قوم لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود.
﴿والمُؤْتَفِكَةَ أهْوى﴾ ﴿فَغَشّاها ما غَشّى﴾ . والمُؤْتَفِكَةُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اشْتِقاقُ الوَصْفِ كَما سَيَأْتِي، والتَّقْدِيرُ: القُرى المُؤْتَفِكَةُ، وهي قُرىقَوْمِ لُوطٍ الأرْبَعُ وهي سَدُومُ وعَمُورَةُ وآدِمَةُ وصَبُويِيمُ. ووُصِفَتْ في سُورَةِ بَراءَةَ بِالمُؤْتَفِكاتِ؛ لِأنَّ وصْفَ جَمْعِ المُؤَنَّثِ يَجُوزُ أنْ يُجْمَعَ وأنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ المُفْرَدِ المُؤَنَّثِ. وقَدْ صارَ هَذا الوَصْفُ غالِبًا عَلَيْها بِالغَلَبَةِ. وذُكِّرَتِ القُرى بِاعْتِبارِ ما فِيها مِنَ السُّكّانِ تَفَنُّنًا ومُراعاةً لِلْفَواصِلِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ المُؤْتَفِكَةُ هُنا وصْفًا لِلْأُمَّةِ، أيْ: لِأُمَّةِ لُوطٍ لِيَكُونَ نَظِيرًا لِذِكْرِ عادٍ وثَمُودَ وقَوْمِ نُوحٍ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن قَبْلَهُ والمُؤْتَفِكاتُ بِالخاطِئَةِ﴾ [الحاقة: ٩] في سُورَةِ الحاقَّةِ. والِائْتِفاكُ: الِانْقِلابُ، يُقالُ: أفَكَها فَأْتَفَكَتْ. والمَعْنى: الَّتِي خُسِفَ بِها فَجُعِلَ عالِيها سافِلَها، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها في سُورَةِ بَراءَةَ. وانْتَصَبَ المُؤْتَفِكَةَ مَفْعُولُ أهْوى، أيْ: أسْقَطُ، أيْ: جَعَلَها هاوِيَةً. والإهْواءُ: الإسْقاطُ، يُقالُ: أهْواهُ فَهَوى، ومَعْنى ذَلِكَ: أنَّهُ رَفَعَها في الجَوِّ (p-١٥٥)ثُمَّ سَقَطَتْ أوْ أسْقَطَها في باطِنِ الأرْضِ وذَلِكَ مِن أثَرِ زَلازِلَ وانْفِجاراتٍ أرْضِيَّةٍ بُرْكانِيَّةٍ. ولِكَوْنِ المُؤْتَفِكَةِ عَلَمًا انْتَفى أنْ يَكُونَ بَيْنَ المُؤْتَفِكَةَ وأهْوى تَكْرِيرٌ. وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِلِاهْتِمامِ بِعِبْرَةِ انْقِلابِها. وغَشّاها: غَطّاها وأصابَها مِن أعْلى. و﴿ما غَشّى﴾ فاعِلُ ”غَشّاها“، وما مَوْصُولَةٌ، وجِيءَ بِصِلَتِها مِن مادَّةِ وصِيغَةِ الفِعْلِ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْها، وذَلِكَ لا يُفِيدُ خَبَرًا جَدِيدًا زائِدًا عَلى مُفادِ الفِعْلِ. والمَقْصُودُ مِنهُ التَّهْوِيلُ كَأنَّ المُتَكَلِّمَ أرادَ أنْ يُبَيِّنَ بِالمَوْصُولِ والصِّلَةِ وصْفَ فاعِلِ الفِعْلِ فَلَمْ يَجِدْ لِبَيانِهِ أكْثَرَ مِن إعادَةِ الفِعْلِ إذْ لا يُسْتَطاعُ وصْفُهُ. والَّذِي غَشّاها هو مَطَرٌ مِنَ الحِجارَةِ المُحَمّاةِ، وهي حِجارَةٌ بُرْكانِيَّةٌ قُذِفَتْ مِن فُوَّهاتٍ كالآبارِ كانَتْ في بِلادِهِمْ ولَمْ تَكُنْ مُلْتَهِبَةً مِن قَبْلُ، قالَ تَعالى ﴿ولَقَدْ أتَوْا عَلى القَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ [الفرقان: ٤٠] وقالَ ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] . وفاضَتْ عَلَيْها مِياهٌ غَمَرَتْ بِلادَهم فَأصْبَحَتْ بَحْرًا مَيِّتًا. وأفادَ العَطْفُ بِفاءِ التَّعْقِيبِ في قَوْلِهِ فَغَشّاها أنَّ ذَلِكَ كانَ بِعَقِبِ إهْوائِها.