موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 18 رمضان 1445 هجرية الموافق ل29 مارس 2024


الآية [84] من سورة  

وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ


ركن التفسير

84 - (وأنتم) يا حاضري الميت (حينئذ تنظرون) إليه

ولهذا قال ههنا "وأنتم حينئذ تنظرون" أي إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت.

(p-٣٤٢)﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ﴾ ﴿وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكم ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ ﴿تَرْجِعُونَها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ . مُقْتَضى فاءِ التَّفْرِيعِ أنَّ الكَلامَ الواقِعَ بَعْدَها ناشِئٌ عَمّا قَبْلَهُ عَلى حَسَبِ تَرْتِيبِهِ وإذْ قَدْ كانَ الكَلامُ السّابِقُ إقامَةَ أدِلَّةٍ عَلى أنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى إعادَةِ الحَياةِ لِلنّاسِ بَعْدَ المَوْتِ، وأعْقَبَ ذَلِكَ بِأنَّ تِلْكَ الأدِلَّةَ أيَّدَتْ ما جاءَ في القُرْآنِ مِن إثْباتِ البَعْثِ، وأنْحى عَلَيْهِمْ أنَّهم وضَحَتْ لَهُمُ الحُجَّةُ ولَكِنَّهم مُكابِرُونَ فِيها ومُظْهِرُونَ الجُحُودَ وهم مُوقِنُونَ بِها في الباطِنِ، وكُلُّ ذَلِكَ راجِعٌ إلى الِاسْتِدْلالِ بِقُوَّةِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلى إيجادِ مَوْجُوداتٍ لا تَصِلُ إلَيْها مَدارِكُ النّاسِ، انْتَقَلَ الكَلامُ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى إثْباتِ البَعْثِ بِدَلِيلٍ لا مَحِيصَ لَهم عَنِ الِاعْتِرافِ بِدَلالَتِهِ. فالتَّفْرِيعُ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأةَ الأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٢] وهو أنْ عَجْزَهم عَنْ إرْجاعِ الرُّوحِ عِنْدَ مُفارَقَتِها الجَسَدَ يُنَبِّهُهم عَلى أنَّ تِلْكَ المُفارَقَةَ مُقَدَّرَةٌ في نِظامِ الخِلْقَةِ وأنَّها لِحِكْمَةٍ. فَمَعْنى الكَلامِ قَدْ أخْبَرَكُمُ اللَّهُ بِأنَّهُ يُجازِي النّاسَ عَلى أفْعالِهِمْ ولِذَلِكَ فَهو مُحْيِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِإجْراءِ الجَزاءِ عَلَيْهِمْ، وقَدْ دَلَّكم عَلى ذَلِكَ بِانْتِزاعِ أرْواحِهِمْ مِنهم قَهْرًا، فَلَوْ كانَ ما تَزْعُمُونَ مِن أنَّكم غَيْرَ مَجْزِيِّينَ بَعْدَ المَوْتِ لَبَقِيَتِ الأرْواحُ في أجْسادِها، إذْ لا فائِدَةَ في انْتِزاعِها مِنها بَعْدَ إيداعِها فِيها، لَوْلا حِكْمَةُ نَقْلِها إلى حَياةٍ ثانِيَةٍ، لِيَجْرِيَ جَزاؤُها عَلى أفْعالِها في الحَياةِ الأُولى. وهَذا نَظِيرُ الِاسْتِدْلالِ عَلى تَفَرُّدِ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ بِأنَّ في كَيْنُونَةِ المَوْجُوداتِ دَلائِلَ خِلْقِيَّةٍ عَلى أنَّها مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعالى وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولِلَّهِ يَسْجُدُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهم بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ [الرعد: ١٥] . ومَرْجِعُ هَذا المَعْنى إلى أنَّ هَذا اسْتِدْلالٌ بِمُقْتَضى الحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ في حالَةِ خَلْقِ الإنْسانِ فَإنَّ إيداعَ الأرْواحِ في الأجْسادِ تَصَرُّفٌ مِن تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعالى، وهو الحَكِيمُ، فَما نَزَعَ الأرْواحَ مِنَ الأجْسادِ بَعْدَ أنْ أوْدَعَها فِيها مُدَّةً إلّا لِأنَّ انْتِزاعَها مُقْتَضى الحِكْمَةِ أنْ تُنْتَزَعَ، وانْحَصَرَ ذَلِكَ في أنْ يَجْرِيَ عَلَيْها الحِسابُ عَلى ما اكْتَسَبَتْهُ في مُدَّةِ الحَياةِ الدُّنْيا. (p-٣٤٣)وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] فاللَّهُ تَعالى جَعَلَ الحَياةَ الدُّنْيا والآجالَ مُدَدَ عَمَلٍ، وجَعَلَ الحَياةَ الآخِرَةَ دارَ جَزاءٍ عَلى الأعْمالِ، ولِذَلِكَ أقامَ نِظامَ الدُّنْيا عَلى قاعِدَةِ الِانْتِهاءِ لِآجالِ حَياةِ النّاسِ. أمّا مَوْتُ مَن كانَ قَرِيبًا مِن سِنِّ التَّكْلِيفِ ومَن دُونَهُ ومَوْتُ العَجَماواتِ فَذَلِكَ عارِضٌ تابِعٌ لِإجْراءِ التَّكْوِينِ لِلْأجْسادِ الحَيَّةِ عَلى نِظامِ التَّكْوِينِ المُتَماثِلِ، وكَذَلِكَ ما يَعْرِضُ لَها مِن عَوارِضَ مُهْلِكَةٍ اقْتَضاها تَعارُضُ مُقْتَضَياتِ الإنْظامِ وتَكْوِينُ الأمْزِجَةِ مِن صِحَّةٍ ومَرَضٍ، ومُسالَمَةٍ وعُدْوانٍ. فَبَقِيَ الإشْكالُ في جَعْلِ ”تَرْجِعُونَها“ مِن جُمْلَةِ جَوابِ شَرْطِ (إنْ) إذْ لا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلى صَدِّ الأرْواحِ عَنِ الخُرُوجِ، أنْ يَكُونَ خُرُوجُها لِإجْراءِ الحِسابِ. ودَفَعَ هَذا الإشْكالَ وُجُوبُ تَأْوِيلِ تَرْجِعُونَها بِمَعْنى تُحاوِلُونَ إرْجاعَها، أيْ: عَدَمُ مُحاوَلَتِكم إرْجاعَها مُنْذُ العُصُورِ الأُولى دَلِيلٌ عَلى تَسْلِيمِكم بِعَدَمِ إمْكانِ إرْجاعِها، وما ذَلِكَ إلّا لِوُجُوبِ خُرُوجِها مِن حَياةِ الأعْمالِ إلى حَياةِ الجَزاءِ. وأصْلُ تَرْكِيبِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: فَإذا كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنَّكم غَيْرُ مَدِينِينَ فَلَوْلا حاوَلْتُمْ عِنْدَ كُلِّ مُحْتَضِرٍ إذا بَلَغَتِ الرُّوحُ الحُلْقُومَ أنْ تُرْجِعُوها إلى مَواقِعِها مِن أجْزاءِ جَسَدِهِ فَما صَرَفَكم عَنْ مُحاوَلَةِ ذَلِكَ إلّا العِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِأنَّ الرُّوحَ ذاهِبَةٌ لا مَحالَةَ. فَإذا عَلِمْتَ هَذا اتَّضَحَ لَكَ انْتِظامُ الآيَةِ الَّتِي نُظِمَتْ نَظْمًا بَدِيعًا مِنَ الإيجازِ، وأُدْمِجَ في دَلِيلِها ما هو تَكْمِلَةٌ لِلْإعْجازِ. و(لَوْلا) حَرْفُ تَحْضِيضٍ مُسْتَعْمَلٍ في التَّعْجِيزِ لِأنَّ المَحْضُوضَ إذا لَمْ يَفْعَلْ ما حُضَّ عَلى فِعْلِهِ فَقَدْ أظْهَرَ عَجْزَهُ، والفِعْلُ المَحْضُوضُ عَلَيْهِ هو تَرْجِعُونَها، أيْ تُحاوِلُونَ رُجُوعَها. وإذا بَلَغَتِ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ تَرْجِعُونَها مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِتَهْوِيلِهِ والتَّشْوِيقِ إلى الفِعْلِ المَحْضُوضِ عَلَيْهِ. والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في ”بَلَغَتِ“ عائِدٌ عَلى مَفْهُومٍ مِنَ العِباراتِ لِظُهُورِ أنَّ الَّتِي (p-٣٤٤)تَبْلُغُ الحُلْقُومَ هي الرُّوحُ حُذِفَ إيجازًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ [ص: ٣٢] أيِ: الشَّمْسُ. و(ال) في الحُلْقُومِ لِلْعَهْدِ الجِنْسِيِّ. وجُمْلَةُ ﴿وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ ”بَلَغَتِ“ ومَفْعُولُ تَنْظُرُونَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرِهُ: تَنْظُرُونَ صاحِبَها، أيْ: صاحِبَ الرُّوحِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ، وفائِدَةُ هَذِهِ الحالِ تَحْقِيقُ أنَّ اللَّهَ صَرَفَهم عَنْ مُحاوَلَةِ إرْجاعِها مَعَ شِدَّةِ أسَفِهِمْ لِمَوْتِ الأعِزَّةِ. وجُمْلَةُ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن مَفْعُولِ تَنْظُرُونَ المَحْذُوفِ، أوْ مُعْتَرِضَةٌ والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ. وأيًّا ما كانَتْ فَهي احْتِراسٌ لِبَيانِ أنَّ ثَمَّةَ حُضُورًا أقْرَبَ مِن حُضُورِهِمْ عِنْدَ المُحْتَضِرِ وهو حُضُورُ التَّصْرِيفِ لِأحْوالِهِ الباطِنَةِ. وقُرْبُ اللَّهِ: قُرْبُ عِلْمٍ وقُدْرَةٍ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ ”وجاءَ رَبُّكَ“، أوْ قُرْبُ مَلائِكَتِهِ المُرْسَلِينَ لِتَنْفِيذِ أمْرِهِ في الحَياةِ والمَوْتِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ﴾ [الأعراف: ٥٢]، أيْ جاءَهم جِبْرِيلٌ بِكِتابٍ، قالَ تَعالى ﴿حَتّى إذا جاءَتْهم رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٧] . وجُمْلَةُ ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ وجُمْلَةِ ﴿فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ وكَلِمَةُ ”فَلَوْلا“ الثّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِنَظِيرِها السّابِقِ أُعِيدَ لِتُبْنى عَلَيْهِ جُمْلَةُ تَرْجِعُونَها لِطُولِ الفَصْلِ. وجُمْلَةُ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ أوْ حالٌ مِنَ الواوِ في تَرْجِعُونَها. وجَوابُ شَرْطِ (إنْ) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ تَرْجِعُونَها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَوْلُهُ تَرْجِعُونَها سَدَّ مَسَدَّ الأجْوِبَةِ والبَياناتِ الَّتِي تَقْتَضِيها التَّحْضِيضاتُ، و(إذا) مِن قَوْلِهِ ﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ﴾ و(إنْ) المُتَكَرِّرَةُ وحَمْلُ بَعْضُ القَوْلِ بَعْضًا إيجازٌ أوِ اقْتِضاباتٌ اهـ. (p-٣٤٥) وجُمْلَةُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ وعَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ لِمَعْنى مَدِينِينَ يَكُونُ وجْهُ إعادَةِ هَذا الشَّرْطِ مَعَ أنَّهُ مِمّا اسْتُفِيدَ مِن قَوْلِهِ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ هو الإيماءُ إلى فَرْضِ الشَّرْطِ في قَوْلِهِ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ بِالنِّسْبَةِ لِما في نَفْسِ الأمْرِ وأنَّ الشَّرْطَ في قَوْلِهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هو فَرْضٌ وتَقْدِيرٌ لا وُقُوعَ لَهُ نَفْيُ البَعْثِ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي يَرْجِعُ قَوْلُهُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إلى ما أفادَهُ التَّحْضِيضُ، ومَوْقِعُ فاءِ التَّفْرِيعِ مِن إرادَةِ أنَّ قَبْضَ الأرْواحِ لِتَأْخِيرِهِا إلى يَوْمِ الجَزاءِ، أيْ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في نَفْيِ البَعْثِ والجَزاءِ. وضَمِيرُ التَّأْنِيثِ في قَوْلِهِ تَرْجِعُونَها عائِدٌ إلى الرُّوحِ الدّالِّ عَلَيْهِ التّاءُ في قَوْلِهِ ﴿إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ﴾ . ومَعْنى الِاسْتِدْراكِ في ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ راجِعٌ إلى قَوْلِهِ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ لِرَفْعِ تَوَهُّمٍ قائِلٍ: كَيْفَ يَكُونُ أقْرَبَ إلى المُحْتَضِرِ مِنَ العُوّادِ الحافِّينَ حَوْلَهُ وهم يَرَوْنَ شَيْئًا غَيْرَهم يَدْفَعُ ذَلِكَ بِأنَّهم مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى. وجُمْلَةُ ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ. ومَفْعُولُ تُبْصِرُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ. ومَعْنى مَدِينِينَ مُجازِينَ عَلى أعْمالِكم. وعَلى هَذا المَعْنى حَمَلَهُ جُمْهُورُ المُتَقَدِّمِينَ مِنَ المُفَسِّرِينَ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، وعَلَيْهِ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ مِنَ المُتَأخِّرِينَ عَلى الإجْمالِ، وفَسَّرَهُ الفَرّاءُ، والزَّمَخْشَرِيُّ مَدِينِينَ بِمَعْنى: عَبِيدٌ لِلَّهِ، مِن قَوْلِهِمْ: دانَ السُّلْطانُ الرَّعِيَّةُ، إذا ساسَهم، أيْ: غَيْرُ مَرْبُوبِينَ وهو بَعِيدٌ عَنِ السِّياقِ. واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ فَرْضٌ وتَقْدِيرٌ فَ (إنْ) فِيهِ بِمَنزِلَةِ (لَوْ)، أيْ: لَوْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، أيْ: غَيْرَ مَجْزِيِّينَ عَلى الأعْمالِ. وأسْنَدَ فِعْلَ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ إلى المُخاطَبِينَ بِضَمِيرِ المُخاطَبِينَ، دُونَ أنْ يَقُولَ: إنْ كانَ النّاسُ غَيْرَ مَدِينِينَ لِأنَّ المُخاطَبِينَ هُمُ الَّذِينَ لِأجْلِ إنْكارِهِمُ البَعْثَ سِيقَ هَذا الكَلامُ. والمَعْنى: لَوْ كُنْتُمْ أنْتُمْ وكانَ النّاسُ غَيْرَ مَدِينِينَ لَما أُخْرِجَتِ (p-٣٤٦)الأرْواحُ مِنَ الأجْسادِ إذْ لا فائِدَةَ تَحْصُلُ مِن تَفْرِيقِ ذَيْنَكِ الإلْفَيْنِ لَوْلا غَرَضٌ سامٍ، وهو وضْعُ كُلِّ رُوحٍ فِيما يَلِيقُ بِها مِن عالَمِ الخُلُودِ جَزاءً عَلى الأعْمالِ، ولِذَلِكَ أُوثِرَ لَفْظُ ﴿غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ دُونَ أنْ يُقالَ: غَيْرُ مَبْعُوثِينَ أوْ غَيْرُ مُعادِينَ، وإنْ كانَ لا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ الإدانَةِ نَفْيُ البَعْثِ فَإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَعْثٌ بِلا جَزاءٍ لَكِنْ ذَلِكَ لا يُدْعى لِأنَّهُ عَبَثٌ. فَقَوْلُهُ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ إيماءٌ إلى أنَّ الغَرَضَ مِن سَوْقِ هَذا الدَّلِيلِ إبْطالُ إنْكارِهِمُ البَعْثَ الَّذِي هو لِحِكْمَةِ الجَزاءِ. ومِن مُسْتَتْبَعاتِ هَذا الكَلامِ أنْ يُفِيدَ الإيماءُ إلى حِكْمَةِ المَوْتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإنْسانِ لِأنَّهُ لِتَخْلِيصِ الأرْواحِ مِن هَذِهِ الحَياةِ الزّائِلَةِ المَمْلُوءَةِ باطِلًا إلى الحَياةِ الأبَدِيَّةِ الحَقِّ الَّتِي تَجْرِي فِيها أحْوالُ الأرْواحِ عَلى ما يُناسِبُ سُلُوكَها في الحَياةِ الدُّنْيا، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] فَيَقْتَضِي أنَّهُ لَوْلا أنَّكم مَدِينُونَ لَما انْتَزَعْنا الأرْواحَ مِن أجْسادِها بَعْدَ أنْ جَعَلْناها فِيها ولَأبْقَيْناها لِأنَّ الرُّوحَ الإنْسانِيَّ لَيْسَ كالرُّوحِ الحَيَوانِيِّ، فَتَكُونُ الآيَةُ مُشْتَمِلَةً عَلى دَلِيلَيْنِ: أحَدُهُما بِحاقِّ التَّرْكِيبِ، والآخَرُ بِمُسْتَتْبَعاتِهِ الَّتِي أوْمَأ إلَيْها قَوْلُهُ ﴿إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ . والغَرَضُ الأوَّلُ هو الَّذِي ذُيِّلَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. هَذا تَفْسِيرُ الآيَةِ الَّذِي يُحِيطُ بِأوْفَرِ مَعانِيها دَلالَةً واقْتِضاءً ومُسْتَتْبَعاتٍ. وجُعِلَ في الكَشّافِ مَهْيَعُ الآيَةِ يَصُبُّ إلى إبْطالِ ما يَعْتَقِدُهُ الدَّهْرِيُّونَ، أيِ الَّذِينَ يَقُولُونَ ”نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ“، لِأنَّهم نَفَوْا أنْ يَكُونُوا عِبادًا لِلَّهِ. وجُعِلَ مَعْنى مَدِينِينَ مَمْلُوكِينَ لِلَّهِ، وبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الفَرّاءُ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّهُ أصَحَّ ما يُقالُ في مَعْنى اللَّفْظَةِ هُنا، ومَن عَبَّرَ بِمُجازى أوْ بِمُحاسَبٍ، فَذَلِكَ هُنا قَلِقٌ. وقُلْتَ: في كَلامِهِ نَظَرٌ ظاهِرٌ. وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ تَفْرِيعَهُ عَلى ما حُكِيَ مِن كَلامِهِمُ السّابِقِ مَبْنِيًّا عَلى أنَّ ما حُكِيَ مِن كَلامِهِمْ في الأنْواءِ والتَّكْذِيبِ يُفْضِي إلى مَذْهَبِ التَّعْطِيلِ، فاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي وُجُودَ الخالِقِ وهو كُلُّهُ ناءٍ عَنْ مَهْيَعِ الآيَةِ لِأنَّ الدَّهْرِيَّةَ لا يَنْتَحِلُها جَمِيعُ العَرَبِ بَلْ هي نِحْلَةُ طَوائِفَ قَلِيلَةٍ مِنهم وناءٍ عَنْ مُتَعارَفِ ألْفاظِها وعَنْ تَرْتِيبِ اسْتِدْلالِها.


ركن الترجمة

And you wait for the moment (of death),

et qu'à ce moment là vous regardez,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :