موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 18 رمضان 1445 هجرية الموافق ل29 مارس 2024


الآية [9] من سورة  

وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا۟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ


ركن التفسير

9 - (والذين تبوؤا الدار) المدينة (والإيمان) ألفوه وهم الأنصار (من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة) حسدا (مما أوتوا) أي آتى النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين من أموال بني النضير المختصة بهم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) حاجة إلى ما يؤثرون به (ومن يوق شح نفسه) حرصها على المال (فأولئك هم المفلحون)

قال تعالى مادحا للأنصار ومبينا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة "والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم" أى سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم قال عمر: وأوصى الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم كرامتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم رواه البخاري ههنا أيضا وقوله تعالى "يحبون من هاجر إليهم" أي من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا حميد عن أنس قال: قال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا في كثير لقد كفونا المؤنة وأشركونا فى المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال "لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم" لم أره في الكتب من هذا الوجه. وقال البخاري حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين قالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال "إما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة" تفرد به البخاري من هذا الوجه قال البخاري حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا قالوا أتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا تفرد به دون مسلم. "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" أي ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف والتقديم في الذكر والرتبة. قال الحسن البصري "ولا يجدون في صدورهم حاجة" يعني الحسد "مما أوتوا" قال قتادة يعني فيما أعطى إخوانهم. وكذا قال ابن زيد ومما يستدل به على هذا المعني ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهرى عن أنس قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ما هو إلا ما رأيت فلم وليت دعانى فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه قال عبدالله فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق ورواه النسائي في اليوم والليلة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن معمر به وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس فالله أعلم. وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" يعني مما أوتوا المهاجرون قال وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم في الأنصار فعاتبهم الله في ذلك فقال تعالى "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم" فقالوا أموالنا بيننا قطائع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أو غير ذلك" قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال "هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر" فقالوا نعم يا رسول الله. وقوله تعالى "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه" يعني حاجة أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أفضل الصدقة جهد المقل" وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى "ويطعمون الطعام على حبه" وقوله "وآتى المال على حبه" فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه بجميع ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم"ما أبقيت لأهلك؟ فقال رضي الله عنه أبقيت لهم الله ورسوله وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء فرده الآخر إلى الثالث فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم. وقال البخاري حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا أبو أسامة حدثنا فضيل بن غزوان حدثنا أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال: أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله" فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا فقالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئ السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لقد عجب الله عز وجل - أو ضحك - من فلان وفلانه" وأنزل الله تعالى "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" وكذا رواه البخاري في موضع آخر ومسلم والنسائي من طرق عن فضيل بن غزوان به وفى رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة رضي الله عنه. وقوله تعالى "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" أي من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح قال أحمد حدثنا عبدالرزاق أخبرنا داود بن قيس الفراء عن عبيدالله بن مقسم عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن القعنبي عن داود بن قيس به. وقال الأعمش وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث عن زهير بن الأقمر عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالفجور ففجروا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا" ورواه أحمد وأبو داود من طريق شعبة والنسائي من طريق الأعمش كلاهما عن عمرو بن مرة به وقال الليث عن يزيد بن الهاد عن سهيل بن أبي صالح عن صفوان بن أبي يزيد عن القعقاع بن الجلاح عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا" وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان أخبرنا ابن المبارك حدثنا المسعودي عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال جاء رجل إلى عبدالله فقال يا أبا عبدالرحمن إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبدالله وما ذاك؟ قال سمعت الله يقول "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا فقال عبدالله: ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل. وقال سفيان الثوري عن طارق بن عبدالرحمن عن سعيد بن جبير عن أبي الهياج الأسـدي قال كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلا يقول اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك فقلت له فقال إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل وإذا الرجل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه رواه ابن جرير وقال ابن جرير حدثني محمد بن إسحق حدثنا سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري عن عمه يزيد بن جارية عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بريء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة.

﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ . الأظْهَرُ أنَّ (الَّذِينَ) عَطْفٌ عَلى (المُهاجِرِينَ) أيْ والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ. (p-٩٠)والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ هُمُ الأنْصارُ. والدّارُ تُطْلَقُ عَلى البِلادِ، وأصْلُها مَوْضِعُ القَبِيلَةِ مِنَ الأرْضِ. وأُطْلِقَتْ عَلى القَرْيَةِ قالَ تَعالى في ذِكْرِ ثَمُودَ ﴿فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨]، أيْ في مَدِينَتِهِمْ وهي حِجْرُ ثَمُودَ. والتَّعْرِيفُ هُنا لِلْعَهْدِ لِأنَّ المُرادَ بِالدّارِ: يَثْرِبُ والمَعْنى الَّذِينَ هم أصْحابُ الدّارِ. هَذا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ ﴿يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ . والتَّبَوُّءُ: اتِّخاذُ المَباءَةِ وهي البُقْعَةُ الَّتِي يَبُوءُ إلَيْها صاحِبُها، أيْ يَرْجِعُ إلَيْها بَعْدَ انْتِشارِهِ في أعْمالِهِ. وفي مَوْقِعِ قَوْلِهِ (والإيمانَ) غُمُوضٌ إذْ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مَفْعُولا لِفِعْلِ تَبَوَّءُوا، فَتَأوَّلَهُ المُفَسِّرُونَ عَلى وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنْ يُجْعَلَ الكَلامُ اسْتِعارَةً مَكْنِيَّةً بِتَشْبِيهِ الإيمانِ بِالمَنزِلِ وجَعْلِ إثْباتِ التَّبَوُّءِ تَخْيِيلًا فَيَكُونُ فِعْلُ تَبَوَّءُوا مُسْتَعْمَلًا في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ. وجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ جَعَلُوا المَعْطُوفَ عامِلًا مُقَدَّرًا يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ، وتَقْدِيرُهُ: وأخْلَصُوا الإيمانَ عَلى نَحْوِ قَوْلِ الرّاجِزِ الَّذِي لا يُعْرَفُ: ؎عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً بارِدًا وقَوْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرى: ؎يا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدا ∗∗∗ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا أيْ ومُمْسِكًا رُمْحًا وهو الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الكَشّافُ. وقِيلَ الواوُ لِلْمَعِيَّةِ. والإيمانُ مَفْعُولٌ مَعَهُ. (p-٩١)وعِنْدِي أنَّ هَذا أحْسَنُ الوُجُوهِ، وإنْ قَلَّ قائِلُوهُ. والجُمْهُورُ يَجْعَلُونَ النَّصْبَ عَلى المَفْعُولِ مَعَهُ سَماعِيًّا فَهو عِنْدَهم قَلِيلُ الِاسْتِعْمالِ فَتَجَنَّبُوا تَخَرِيجَ آياتِ القُرْآنِ عَلَيْهِ حَتّى ادَّعى ابْنُ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ أنَّهُ غَيْرُ واقِعٍ في القُرْآنِ بِيَقِينٍ. وتَأْوِيلُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأجْمِعُوا أمْرَكم وشُرَكاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١]، ذَلِكَ لِأنَّ البَصَرَيْنِ يَشْتَرِطُونَ أنْ يَكُونَ العامِلُ في المَفْعُولِ مَعَهُ هو العامِلَ في الِاسْمِ الَّذِي صاحَبَهُ ولا يَرَوْنَ واوَ المَعِيَّةِ ناصِبَةَ المَفْعُولِ مَعَهُ خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ والأخْفَشِ فَإنَّ الواوَ عِنْدَهم بِمَعْنى مَعَ. وقالَ عَبْدُ القاهِرِ: مَنصُوبٌ بِالواوِ. والحَقُّ عَدَمُ التِزامِ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ مَعَهُ مَعْمُولًا لِلْفِعْلِ، ألا تَرى صِحَّةَ قَوْلِ القائِلِ: اسْتَوى الماءُ والخَشَبَةُ. وقَوْلُهم: سِرْتُ والنِّيلُ، وهو يُفِيدُ الثَّناءَ عَلَيْهِمْ بِأنَّ دارَ الهِجْرَةِ دارُهم آوَوْا إلَيْها المُهاجِرِينَ لِأنَّها دارُ مُؤْمِنِينَ لا يُماثِلُها يَوْمَئِذٍ غَيْرُها. وبِذَلِكَ يَتَّضِحُ أنَّ مُتَعَلِّقَ (مِن قَبْلِهِمْ) فِعْلُ تَبَوَّءُوا بِمُفْرَدِهِ، وأنَّ المَجْرُورَ المُتَعَلِّقَ بِهِ قُيِّدَ فِيهِ دُونَ ما ذِكْرٍ بَعْدَ الواوِ لِأنَّ الواوَ لَيْسَتْ واوَ عَطْفٍ فَلِذَلِكَ لا تَكُونُ قائِمَةً مَقامَ الفِعْلِ السّابِقِ لِأنَّ واوَ المَعِيَّةِ في مَعْنى ظَرْفٍ فَلا يُعَلَّقُ بِها مَجْرُورٌ. وفِي ذِكْرِ الدّارِ وهي المَدِينَةِ مَعَ ذِكْرِ الإيمانِ إيماءٌ إلى فَضِيلَةِ المَدِينَةِ بِحَيْثُ جَعَلَ تَبَوُّءَهُمُ المَدِينَةَ قَرِينَ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ بِالإيمانِ ولَعَلَّ هَذا هو الَّذِي عَناهُ مالِكٌ رَحْمَهُ اللَّهُ فِيما رَواهُ عَنْهُ ابْنُ وهْبٍ قالَ: سَمِعْتُ مالِكًا يَذْكُرُ فَضْلَ المَدِينَةِ عَلى غَيْرِها مِنَ الآفاقِ. فَقالَ: إنَّ المَدِينَةَ تُبُوِّئَتْ بِالإيمانِ والهِجْرَةِ وإنَّ غَيْرَها مِنَ القُرى افْتُتِحَتْ بِالسَّيْفِ ثُمَّ قَرَأ ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ الآيَةَ. وجُمْلَةُ ﴿يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ حالٌ مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا، وهَذا ثَناءٌ عَلَيْهِمْ بِما تَقَرَّرَ في نُفُوسِهِمْ مِن أُخُوَّةِ الإسْلامِ إذْ أحَبُّوا المُهاجِرِينَ، وشَأْنُ القَبائِلِ أنْ يَتَحَرَّجُوا مِنَ الَّذِينَ يُهاجِرُونَ إلى دِيارِهِمْ لِمُضايَقَتِهِمْ. ومِن آثارِ هَذِهِ المَحَبَّةِ ما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ مِن خَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إذْ عَرَضَ سَعْدٌ عَلَيْهِ أنْ يُقاسِمَهُ مالَهُ وأنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ إحْدى زَوْجَتَيْهِ، وقَدْ أسْكَنُوا المُهاجِرِينَ مَعَهم في بُيُوتِهِمْ ومَنَحُوهم مِن نَخِيلِهِمْ، وحَسْبُكَ الأُخُوَّةُ الَّتِي آخى النَّبِيءُ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ. (p-٩٢)وقَوْلُهُ ﴿ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا﴾ أُرِيدَ بِالوُجْدانِ الإدْراكُ العَقْلِيُّ، وكَنّى بِانْتِفاءِ وُجْدانِ الحاجَةِ مِنَ انْتِفاءِ وُجُودِها لِأنَّها لَوْ كانَتْ مَوْجُودَةً لَأدْرَكُوها في نُفُوسِهِمْ وهَذا مِن بابِ قَوْلِ الشّاعِرِ: ؎ولا تَرى الضَّبَّ بِها يَنْجَحِرُ . والحاجَةُ في الأصْلِ: اسْمُ مَصْدَرِ الحَوْجِ وهو الِاحْتِياجُ، أيْ الِافْتِقارُ إلى شَيْءٍ، وتُطْلَقُ عَلى الأمْرِ المُحْتاجِ إلَيْهِ مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى اسْمِ المَفْعُولِ، وهي هُنا مَجازٌ في المَأْرَبِ والمُرادِ، وإطْلاقُ الحاجَةِ إلى المَأْرَبِ مَجازٌ مَشْهُورٌ ساوى الحَقِيقَةَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً في صُدُورِكُمْ﴾ [غافر: ٨٠]، أيْ لِتَبْلُغُوا في السَّفَرِ عَلَيْها المَأْرَبَ الَّذِي تُسافِرُونَ لِأجْلِهِ، وكَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إلّا حاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها﴾ [يوسف: ٦٨] أيْ مَأْرَبًا مُهِمًّا وقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎أيّامَ تُخْبِرْنِي نُعْمُ وأُخْبِرُها ∗∗∗ ما أكْتُمُ النّاسَ مِن حاجِي وإسْرارِي وعَلَيْهِ فَتَكُونُ (مِن) في قَوْلِهِ مِمّا أُوتُوا ابْتِدائِيَّةً، أيْ مَأْرَبًا أوْ رَغْبَةً ناشِئَةً مِن فَيْءٍ أُعْطِيَهُ المُهاجِرُونَ. والصُّدُورُ مُرادٌ بِها النُّفُوسُ جَمْعُ الصَّدْرِ وهو الباطِنُ الَّذِي فِيهِ الحَواسُّ الباطِنَةُ وذَلِكَ كَإطْلاقِ القَلْبِ عَلى ذَلِكَ. وما أُوتُوا هو فَيْءُ بَنِي النَّضِيرِ. وضَمِيرُ (صُدُورِهِمْ) عائِدٌ إلى الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ وضَمِيرُ أُوتُوا عائِدٌ إلى مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ، لِأنَّ مَن هاجَرَ جَماعَةٌ مِنَ المُهاجِرِينَ فَرُوعِيَ في ضَمِيرِ مَعْنى (مِن) بِدُونِ لَفْظِها. وهَذانَ الضَّمِيرانِ وإنْ كانا ضَمِيرَيْ غَيْبَةٍ وكانا مُقْتَرِبَيْنِ فالسّامِعُ يَرُدُّ كُلَّ ضَمِيرٍ إلى مُعادِهِ بِحَسَبِ السِّياقِ مِثْلَ ما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وعَمَرُوها أكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها﴾ [الروم: ٩] في سُورَةِ الرُّومِ. وقَوْلِ عَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ يَذْكُرُ انْتِصارَ المُسْلِمِينَ مَعَ قَوْمِهِ بَنِي سُلَيْمٍ عَلى هَوازِنَ: ؎عُدْنا ولَوْلا نَحْنُ أحْدَقَ جَمْعُهم ∗∗∗ بِالمُسْلِمِينَ وأحْرَزُوا ما جَمَعُوا أيْ أحْرَزَ جَيْشُ هَوازِنَ ما جَمَعَهُ جَيْشُ المُسْلِمِينَ. والمَعْنى: أنَّهم لا يُخامِرُ نُفُوسَهم تَشَوُّفٌ إلى أخْذِ شَيْءٍ مِمّا أُوتِيَهُ المُهاجِرُونَ مِن فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ. (p-٩٣)ويَجُوزُ وجْهٌ آخَرُ بِأنْ يُحْمَلَ لَفْظُ حاجَةٍ عَلى اسْتِعْمالِهِ الحَقِيقِيِّ (اسْمُ مَصْدَرِ الِاحْتِياجِ) فَإنَّ الحاجَّةَ بِهَذا المَعْنى يَصِحُّ وُقُوعُها في الصُّدُورِ لِأنَّها مِنَ الوِجْدانِيّاتِ والِانْفِعالاتِ. ومَعْنى نَفْيِ وُجْدانِ الِاحْتِياجِ في صُدُورِهِمْ أنَّهم لِفَرْطِ حُبِّهِمْ لِلْمُهاجِرِينَ صارُوا لا يُخامِرُ نُفُوسَهم أنَّهم مُفْتَقِرُونَ إلى شَيْءٍ ما يُؤْتاهُ المُهاجِرُونَ، أيْ فَهم أغْنِياءُ عَمّا يُؤْتاهُ المُهاجِرُونَ فَلا تَسْتَشْرِفُ نُفُوسُهم إلى شَيْءٍ مِمّا يُؤْتاهُ المُهاجِرُونَ بَلْهَ أنْ يَتَطَلَّبُوهُ. وتَكُونُ (مِن) في قَوْلِهِ تَعالى مِمّا أُوتُوا لِلتَّعْلِيلِ، أيْ حاجَةٌ لِأجْلِ ما أُوتِيَهُ المُهاجِرُونَ، أوِ ابْتِدائِيَّةٌ، أيْ حاجَةٌ ناشِئَةٌ عَمّا أُوتِيَهُ المُهاجِرُونَ فَيُفِيدُ انْتِفاءَ وُجْدانِ الحاجَةِ في نُفُوسِهِمْ وانْتِفاءِ أسْبابِ ذَلِكَ الوُجْدانِ ومَناشِئِهِ المُعْتادَةِ في النّاسِ تَبَعًا لِلْمُنافَسَةِ والغِبْطَةِ، وقَدْ دَلَّ انْتِفاءُ أسْبابِ الحاجَةِ عَلى مُتَعَلِّقِ حاجَةِ المَحْذُوفِ إذِ التَّقْدِيرُ: ولا يَجِدُونَ في نُفُوسِهِمْ حاجَةً لِشَيْءٍ أُوتِيَهُ المُهاجِرُونَ. والإيثارُ: تَرْجِيحُ شَيْءٍ عَلى غَيْرِهِ بِمَكْرَمَةٍ أوْ مَنفَعَةٍ. والمَعْنى: يُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ في ذَلِكَ اخْتِيارًا مِنهم وهَذا أعْلى دَرَجَةً مِمّا أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا﴾ فَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِهِ ولَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ يُؤْثِرُونَ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ مِمّا أُوتُوا عَلَيْهِ. ومِن إيثارِهِمُ المُهاجِرِينَ ما رُوِيَ في الصَّحِيحِ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ دَعا الأنْصارَ لِيَقْطَعَ لَهم قَطائِعَ بِنَخْلِ البَحْرَيْنِ فَقالُوا: لا إلّا أنْ تَقْطَعَ لِإخْوانِنا مِنَ المُهاجِرِينَ مِثْلَها» . وإمّا إيثارُ الواحِدِ مِنهم عَلى غَيْرِهِ مِنهم فَما رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «أتى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أصابَنِيَ الجَهْدُ. فَأرْسَلَ في نِسائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا فَقالَ النَّبِيءُ ﷺ: ألا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقامَ رَجُلٌ مَنِ الأنْصارِ هو أبُو طَلْحَةَ فَقالَ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ إلى أهْلِهِ فَقالَ لِامْرَأتِهِ: هَذا ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ لا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، فَقالَتْ: واللَّهِ ما عِنْدِي إلّا قُوتُ الصِّبْيَةِ. قالَ: فَإذا أرادَ الصِّبْيَةُ العَشاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وتَعالَيْ فَأطْفِئِي السِّراجَ ونَطْوِي بُطُونَنا اللَّيْلَةَ. فَإذا دَخَلَ الضَّيْفُ فَإذا أهْوى لِيَأْكُلَ فَقَوْمِي إلى السِّراجِ تُرِي أنَّكِ تُصْلِحِينَهُ فَأطْفِئِيهِ وأرِيهِ أنّا نَأْكُلُ. فَقَعَدُوا وأكَلَ الضَّيْفُ» . (p-٩٤)وذُكِرَتْ قَصَصٌ مِن هَذا القَبِيلِ في التَّفاسِيرِ، قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في قِصَّةِ أبِي طَلْحَةَ وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ. و(لَوْ) وصْلِيَةٌ وهي الَّتِي تَدُلُّ عَلى مُجَرَّدِ تَعْلِيقِ جَوابِها بِشَرْطٍ يُفِيدُ حالَةً لا يُظَنُّ حُصُولَ الجَوابِ عِنْدَ حُصُولِها. والتَّقْدِيرُ: لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ لَآثَرُوا عَلى أنْفُسِهِمْ فَيُعْلَمُ أنَّ إيثارَهم في الأحْوالِ الَّتِي دُونَ ذَلِكَ بِالأحْرى دُونَ إفادَةِ الِامْتِناعِ. وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِن أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. والخَصاصَةُ: شِدَّةُ الِاحْتِياجِ. وتَذْكِيرُ فِعْلِ (كانَ) لِأجْلِ كَوْنِ تَأْنِيثِ الخَصاصَةِ لَيْسَ حَقِيقِيًّا، ولِأنَّهُ فُصِلَ بَيْنَ كانَ واسْمِها بِالمَجْرُورِ. والباءُ لِلْمُلابَسَةِ. وجُمْلَةُ ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ تَذْيِيلٌ، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ، فَإنَّ التَّذْيِيلَ مِن قَبِيلِ الِاعْتِراضِ في آخِرِ الكَلامِ عَلى الرَّأْيِ الصَّحِيحِ. وتَذْيِيلُ الكَلامِ بِذِكْرِ فَضْلِ مَن يُوقَوْنَ شُحَّ أنْفُسِهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ يُشِيرُ إلى أنَّ إيثارَهم عَلى أنْفُسِهِمْ حَتّى في حالَةِ الخَصاصَةِ هو سَلامَةٌ مِن شُحِّ الأنْفُسِ فَكَأنَّهُ قِيلَ لِسَلامَتِهِمْ مِن شُحِّ الأنْفُسِ ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ . والشُّحُّ بِضَمِّ الشِّينِ وكَسْرِها: غَرِيزَةٌ في النَّفْسِ بِمَنعِ ما هو لَها، وهو قَرِيبٌ مِن مَعْنى البُخْلِ. وقالَ الطِّيبِي: الفَرْقُ بَيْنَ الشُّحِّ والبُخْلِ عَسِيرٌ جِدًّا وقَدْ أشارَ في الكَشّافِ إلى الفَرْقِ بَيْنَهُما بِما يَقْتَضِي أنَّ البُخْلَ أثَرُ الشُّحِّ وهو أنْ يَمْنَعَ أحَدٌ ما يُرادُ مِنهُ بَذْلُهُ وقَدْ قالَ تَعالى ﴿وأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] أيْ جُعِلَ الشُّحُّ حاضِرًا مَعَها لا يُفارِقُها، وأُضِيفَ في هَذِهِ الآيَةِ إلى النَّفْسِ لِذَلِكَ فَهو غَرِيزَةٌ لا تَسْلَمُ مِنها نَفْسٌ. وفِي الحَدِيثِ في بَيانِ أفْضَلِ الصَّدَقَةِ «أنْ تَصَّدَّقَ وأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشى الفَقْرَ وتَأْمُلُ الغِنى» . ولَكِنَّ النُّفُوسَ تَتَفاوَتُ في هَذا المِقْدارِ فَإذا غَلَبَ (p-٩٥)عَلَيْها بِمَنعِ المَعْرُوفِ والخَيْرِ فَذَلِكَ مَذْمُومٌ ويَتَفاوَتُ ذَمُّهُ بِتَفاوُتِ ما يَمْنَعُهُ. قالَ وقَدْ أحْسَنَ وصْفَهُ مَن قالَ، لَمْ أقِفْ عَلى قايِلِهِ: ؎يُمارِسُ نَفْسًا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَزَّةً ∗∗∗ إذا هَمَّ بِالمَعْرُوفِ قالَتْ لَهُ مَهْلا فَمَن وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ، أيْ وُقِيَ مِن أنْ يَكُونَ الشُّحُّ المَذْمُومُ خُلُقًا لَهُ، لِأنَّهُ إذا وُقِيَ هَذا الخُلُقَ سَلِمَ مِن كُلِّ مَواقِعِ ذَمِّهِ. فَإنْ وُقِيَ مِن بَعْضِهِ كانَ لَهُ مِنَ الفَلاحِ بِمَقْدارِ ما وُقِيَهِ. واسْمُ الإشارَةِ لِتَعْظِيمِ هَذا الصِّنْفِ مِنَ النّاسِ. وصِيغَةُ القَصْرِ المُؤَدّاةُ بِضَمِيرِ الفَصْلِ لِلْمُبالَغَةِ لِكَثْرَةِ الفَلاحِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلى وِقايَةِ شُحِّ النَّفْسِ حَتّى كَأنَّ جِنْسَ المُفْلِحِ مَقْصُورٌ عَلى ذَلِكَ المُوقى. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن جَعَلَ ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ﴾ ابْتِداءَ كَلامٍ لِلثَّناءِ عَلى الأنْصارِ بِمُناسَبَةِ الثَّناءِ عَلى المُهاجِرِينَ وهَؤُلاءِ لَمْ يَجْعَلُوا لِلْأنْصارِ حَظًّا في ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى وقَصَرُوا قَوْلَهُ ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] عَلى قُرًى خاصَّةٍ هي: قُرَيْظَةُ. وفَدَكُ، وخَيْبَرُ. والنَّفْعُ، وعُرَيْنَةُ، ووادِي القُرى، ورَوَوْا «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيْئَها قالَ لِلْأنْصارِ: إنْ شِئْتُمْ قاسَمْتُمُ المُهاجِرِينَ مِن أمْوالِكم ودِيارِكم وشارَكْتُمُوهم في هَذِهِ الغَنِيمَةِ وإنَّ شِئْتُمْ أمْسَكْتُمْ أمْوالَكم وتَرَكْتُمْ لَهم هَذِهِ ؟ فَقالُوا: بَلْ نَقْسِمُ لَهم مِن أمْوالِنا ونَتْرُكُ لَهم هَذِهِ الغَنِيمَةَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] الآيَةَ» . ومِنهم مَن قَصَرَ هَذِهِ الآيَةَ عَلى فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ وكُلُّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ مَهْيَعِ انْتِظامِ آيِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضِها مَعَ بَعْضٍ وتَفْكِيكٌ لِنَظْمِ الكَلامِ وتَناسُبِهِ مَعَ وهْنِ الأخْبارِ الَّتِي رَوَوْها في ذَلِكَ فَلا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَكُونُ عَطْفُ ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ﴾ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ، واسْمُ المَوْصُولِ مُبْتَدَأً وجُمْلَةُ ﴿يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ خَبَرًا عَنِ المُبْتَدَأِ.


ركن الترجمة

Those who came to the city and to faith before them, love those who take refuge with them, and do not feel for themselves any need for what is given them, and give them preference over themselves even if they are indigent. Whoever preserves himself from his own greed will be prosperous.

Il [appartient également] à ceux qui, avant eux, se sont installés dans le pays et dans la foi, qui aiment ceux qui émigrent vers eux, et ne ressentent dans leurs cœurs aucune envie pour ce que [ces immigrés] ont reçu, et qui [les] préfèrent à eux-mêmes, même s'il y a pénurie chez eux. Quiconque se prémunit contre sa propre avarice, ceux-là sont ceux qui réussissent.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :