ركن التفسير
9 - (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا) عاونوا (على إخراجكم أن تولوهم) بدل اشتمال من الذين أن تتخذوهم أولياء (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
وقوله تعالى "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخرجكم أن تولوهم" أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" كقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكم في الدِّينِ وأخْرَجُوكم مِن دِيارِكم وظاهَرُوا عَلى إخْراجِكم أنْ تَوَلَّوْهم ومَن يَتَوَلَّهم فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ . فَذْلَكَةٌ لِما تَقَدَّمَ وحَصْرٌ لِحُكْمِ الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ. وهي تُؤْذِنُ بِانْتِهاءِ الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ مِن أوَّلِهِ. والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن جُمْلَةِ ﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ﴾ إلى آخِرِها قَصْرٌ قُلِبَ لِرَدِّ اعْتِقادِ مَن ظَنَّ أوْ شَكَّ في جَوازِ صِلَةِ المُشْرِكِينَ عَلى الإطْلاقِ. والَّذِينَ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الصِّفاتُ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ هم مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ، و﴿أنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ ﴿الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ﴾ . (p-١٥٤)﴿ومَن يَتَوَلَّهُمْ﴾ شَرْطٌ وجِيءَ في جَوابِ الشَّرْطِ بِاسْمِ الإشارَةِ لِتَمْيِيزِ المُشارِ إلَيْهِمْ زِيادَةً في إيضاحِ الحُكْمِ. والمُظاهَرَةُ: المُعاوَنَةُ. وذَلِكَ لِأنَّ أهْلَ مَكَّةَ فَرِيقانِ مِنهم مَن يَأْتِي بِالأسْبابِ الَّتِي لا يَحْتَمِلُ المُسْلِمُونَ مَعَها البَقاءَ بِمَكَّةَ، ومِنهم مَن يُعِينُ عَلى ذَلِكَ ويُغْرِي عَلَيْهِ. والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ، أيْ أنَّ ظُلْمَهم لِشِدَّتِهِ ووُقُوعِهُ بَعْدَ النَّهْيِ الشَّدِيدِ والتَّنْبِيهِ عَلى الأخْطاءِ والعِصْيانِ ظُلْمٌ لا يُغْفَرُ لِأنَّهُ اعْتِداءٌ عَلى حُقُوقِ اللَّهِ وحُقُوقِ المُسْلِمِينَ وعَلى حَقِّ الظّالِمِ نَفْسِهِ.