ركن التفسير
20 - (لتسلكوا منها سبلا) طرقا (فجاجا) واسعة
السبل: الطرق. والفجاج جمع فج, وهو الطريق الواسعة; قاله الفراء. وقيل: الفج المسلك بين الجبلين. وقد مضى في سورة "الأنبياء والحج".
﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِساطًا﴾ ﴿لِتَسْلُكُوا مِنها سُبُلًا فِجاجًا﴾ هَذا اسْتِدْلالٌ وامْتِنانٌ، ولِذَلِكَ عُلِّقَ بِفِعْلِ (جَعَلَ) مَجْرُورٌ بِلامِ التَّعْلِيلِ وهو (لَكم) أيْ: لِأجْلِكم. والبِساطُ: ما يُفْرَشُ لِلنَّوْمِ عَلَيْهِ والجُلُوسِ مِن ثَوْبٍ أوْ زُرْبِيَّةٍ، فالإخْبارُ عَنِ الأرْضِ بِبِساطٍ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أيْ: كالبِساطِ. ووَجْهُ الشَّبَهِ تَناسُبُ سَطْحِ الأرْضِ في تَعادُلِ أجْزائِهِ بِحَيْثُ لا يُوجِعُ أرْجُلَ الماشِينَ ولا يُقِضُّ جُنُوبَ المُضْطَجِعِينَ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَجْمَ الأرْضِ كالبِساطِ؛ لِأنَّ حَجْمَ الأرْضِ كُرَوِيٌّ، وقَدْ نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِالعِلَّةِ الباعِثَةِ في قَوْلِهِ (لَكم)، والعِلَّةِ الغائِبَةِ في قَوْلِهِ ﴿لِتَسْلُكُوا مِنها سُبُلًا﴾ وحَصَلَ مِن مَجْمُوعِ العِلَّتَيْنِ الإشارَةُ إلى جَمِيعِ النِّعَمِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلنّاسِ مِن تَسْوِيَةِ سَطْحِ الأرْضِ مِثْلَ الحَرْثِ والزَّرْعِ، وإلى نِعَمِهِ خاصَّةً وهي السَّيْرُ في الأرْضِ وخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأنَّها أهَمُّ لِاشْتِراكِ كُلِّ النّاسِ في الِاسْتِفادَةِ مِنها. والسُّبُلُ: جَمْعُ سَبِيلٍ وهو الطَّرِيقُ، أيْ: لِتَتَّخِذُوا لِأنْفُسِكم سُبُلًا مِنَ الأرْضِ تَهْتَدُونَ بِها في أسْفارِكم. والفِجاجُ: جَمْعُ فَجٍّ، والفَجُّ: الطَّرِيقُ الواسِعُ، وأكْثَرُ ما يُطْلَقُ عَلى الطَّرِيقِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ أوْسَعَ مِنَ الطَّرِيقِ المُعْتادِ.