موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 20 رمضان 1446 هجرية الموافق ل21 مارس 2025


الآية [26] من سورة  

وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ دَيَّارًا


ركن التفسير

26 - (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أي نازل دار والمعنى أحدا

الأولى: دعا عليهم حين يئس من أتباعهم إياه. وقال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" [هود: 36] فأجاب الله دعوته وأغرق أمته; وهذا كقول النبي صلي الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب وهازم الأحزاب أهزمهم وزلزلهم). وقيل: سبب دعائه أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال: (احذر هذا فإنه يضلك). فقال: يا أبت أنزلني; فأنزله فرماه فشجه; فحينئذ غضب ودعا عليهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد: إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم. وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة. وقيل: بأربعين. قال قتادة: ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم; ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب, ثم أهلكهم بالعذاب; بدليل قوله تعالى: "وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم" [الفرقان: 37]. الثانية: قال ابن العربي: "دعا نوح على الكافرين أجمعين, ودعا النبي صلي الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم. وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة, فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه; لأن مآله عندنا مجهول, وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة. وإنما خص النبي صلي الله عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما; لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم". قلت: قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة "البقرة" والحمد لله. الثالثة: قال ابن العربي: "إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة؟ قلنا قال الناس في ذلك وجهان: أحدهما: أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة; والشفاعة تكون عن رضا ورقة, فخاف أن يعاتب ويقال: دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم. الثاني: أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك; فخاف الدرك فيه يوم القيامة; كما قال موسى عليه السلام: (إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها). قال: وبهذا أقول". قلت: وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصا فقد قيل له: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" [هود: 36]. فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك; كما دعا نبينا صلي الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال: (اللهم عليك بهم) لما أعلم عواقبهم; وعلى هذا يكون فيه معنى الأم بالدعاء. والله أعلم. أي من يسكن الديار; قاله السدي. وأصله ديوار على فيعال من دار يدور; فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى. مثل القيام; أصله قيوام. ولو كان فعالا لكان دوارا. وقال القتبي: أصله من الدار; أي نازل بالدار. يقال: ما بالدار ديار; أي أحد. وقيل: الديار صاحب الدار.

﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] أعْقَبَهُ بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بِالإهْلاكِ والِاسْتِئْصالِ بِأنْ لا يُبْقِي مِنهم أحَدًا، أيْ: لا تُبْقِ مِنهم أحَدًا عَلى الأرْضِ. وأُعِيدَ فِعْلُ (قالَ) لِوُقُوعِ الفَصْلِ بَيْنَ أقْوالِ نُوحٍ بِجُمْلَةِ ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] إلَخْ، أوْ بِها وبِجُمْلَةِ ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ [نوح: ٢٤] . وقُرِنَتْ بِواوِ العَطْفِ لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً فَلا تَتْبَعُ جُمْلَةَ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] لِلْإشارَةِ إلى أنَّ دَعْوَةَ نُوحٍ حَصَلَتْ بَعْدَ شِكايَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] . ودَيّارٌ: اسْمٌ مَخْصُوصٌ بِالوُقُوعِ في النَّفْيِ يَعُمُّ كُلَّ إنْسانٍ، وهو اسْمٌ بِوَزْنِ فَيْعالٍ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الدّارِ فَعَيْنُهُ واوٌ؛ لِأنَّ عَيْنَ دارٍ مُقَدَّرَةٌ واوًا، فَأصْلُ دَيّارٍ: دَيْوارٍ، فَلَمّا اجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ واتَّصَلَتا وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الواوُ ياءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ في الياءِ الزّائِدَةِ كَما فُعِلَ بِسَيِّدٍ ومَيِّتٍ. ومَعْنى دَيّارٍ: مَن يَحُلُّ بِدارِ القَوْمِ كِنايَةً عَنْ إنْسانٍ. ونَظِيرُ (دَيّارٍ) في العُمُومِ والوُقُوعِ في النَّفْيِ أسْماءٌ كَثِيرَةٌ في كَلامِ العَرَبِ أبْلَغَها ابْنُ السِّكِّيتِ في إصْلاحِ المَنطِقِ إلى خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ، وزادَ كُراعُ النَّمْلِ سَبْعَةً فَبَلَغَتِ اثْنَيْنِ وثَلاثِينَ اسْمًا، وزادَ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ سِتَّةً فَصارَتْ ثَمانِيَةً وثَلاثِينَ. ومِن أشْهَرِها: آحَدٌ، ودَيّارٌ، وعَرِّيبٌ وكُلُّها بِمَعْنى الإنْسانِ، ولَفْظُ (بُدَّ) بِضَمِّ المُوَحَّدَةِ وتَشْدِيدِ الدّالِ المُهْمَلَةِ وهو المُفارَقَةُ. (p-٢١٤)وجُمْلَةُ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِسُؤالِهِ أنْ لا يَتْرُكَ اللَّهُ عَلى الأرْضِ أحَدًا مِنَ الكافِرِينَ يُرِيدُ أنَّهُ خَشِيَ أنْ يُضِلُّوا بَعْضَ المُؤْمِنِينَ وأنْ يَلِدُوا أبْناءً يَنْشَأُونَ عَلى كُفْرِهِمْ. والأرْضُ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها جَمِيعُ الكُرَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وأنْ يُرادَ أرْضٌ مَعْهُودَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ والمُخاطَبِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] يَعْنِي أرْضَ مِصْرَ في سُورَةِ يُوسُفَ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ البَشَرُ يَوْمَئِذٍ مُنْحَصِرِينَ في قَوْمِ نُوحٍ، ويَجُوزُ خِلافُهُ، وعَلى هَذِهِ الِاحْتِمالاتِ يَنْشَأُ احْتِمالُ أنْ يَكُونَ الطُّوفانُ قَدْ غَمَرَ جَمِيعَ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ طُوفانًا قاصِرًا عَلى ناحِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِن عُمُومِ الأرْضِ، واللَّهُ أعْلَمُ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ [الأعراف: ٦٤] في سُورَةِ الأعْرافِ. وخَبَرُ (إنَّكَ) مَجْمُوعُ الشَّرْطِ مَعَ جَوابِهِ الواقِعِ بَعْدَ (إنَّ)؛ لِأنَّهُ إذا اجْتَمَعَ مُبْتَدَأٌ وشَرْطٌ رَجَحَ الشَّرْطُ عَلى المُبْتَدَأِ فَأُعْطِيَ الشَّرْطُ الجَوابَ ولَمْ يُعْطَ المُبْتَدَأُ خَبَرًا لِدَلالَةِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وجَوابِهِ عَلَيْهِ. وعَلِمَ نُوحٌ أنَّهم لا يَلِدُونَ إلّا فاجِرًا كَفّارًا بِأنَّ أوْلادَهم يَنْشَأُونَ فِيهِمْ فَيُلَقِّنُونَهم دِينَهم ويَصُدُّونَ نُوحًا عَنْ أنْ يُرْشِدَهم فَحَصَلَ لَهُ عِلْمٌ بِهَذِهِ القَضِيَّةِ بِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ. والمَعْنى: ولا يَلِدُوا إلّا مَن يَصِيرُ فاجِرًا كَفّارًا عِنْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ العَقْلِ. والفاجِرُ: المُتَّصِفُ بِالفُجُورِ، وهو العَمَلُ الشَّدِيدُ الفَسادِ. والكُفّارُ: مُبالَغَةٌ في المَوْصُوفِ بِالكُفْرِ، أيْ: إلّا مَن يَجْمَعُ بَيْنَ سُوءِ الفِعْلِ وسُوءِ الِاعْتِقادِ، قالَ تَعالى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٤٢] . وفِي كَلامِ نُوحٍ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُصْلِحِينَ يَهْتَمُّونَ بِإصْلاحِ جِيلِهِمُ الحاضِرِ ولا يُهْمِلُونَ تَأْسِيسَ أُسُسِ إصْلاحِ الأجْيالِ الآتِيَةِ إذِ الأجْيالُ كُلُّها سَواءٌ في نَظَرِهِمُ الإصْلاحِيِّ. وقَدِ انْتَزَعَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] دَلِيلًا عَلى إبْقاءِ أرْضِ سَوادِ العِراقِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ بَيْنَ الجَيْشِ الَّذِي فَتَحَ العِراقَ وجَعَلَها خَراجًا لِأهْلِها قَصْدًا لِدَوامِ الرِّزْقِ مِنها لِمَن سَيَجِيءُ مِنَ المُسْلِمِينَ.


ركن الترجمة

Noah said: "O Lord, do not leave a single habitation of unbelievers on the earth.

Et Noé dit: «Seigneur, ne laisse sur la terre aucun infidèle.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :