ركن التفسير
13 - (وطعاما ذا غصة) يغص به في الحلق وهو الزقوم أو الضريع أو الغسلين أو شوك من نار لا يخرج ولا ينزل (وعذابا أليما) مؤلما زيادة على ما ذكر لمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن عباس ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج.
﴿إنَّ لَدَيْنا أنْكالًا وجَحِيمًا﴾ ﴿وطَعامًا ذا غُصَّةٍ وعَذابًا ألِيمًا﴾ ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ والجِبالُ وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ (p-٢٧١)وهَذا تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ﴾ [المزمل: ١١]، أيْ:؛ لِأنَّ لَدَيْنا ما هو أشَدُّ عَلَيْهِمْ مِن رَدِّكَ عَلَيْهِمْ، وهَذا التَّعْلِيلُ أفادَ تَهْدِيدَهم بِأنَّ هَذِهِ النِّقَمَ أُعِدَّتْ لَهم لِأنَّها لَمّا كانَتْ مِن خَزائِنِ نِقْمَةِ اللَّهِ تَعالى كانَتْ بِحَيْثُ يَضَعُها اللَّهُ في المَواضِعِ المُسْتَأْهِلَةِ لَها، وهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، فَأعَدَّ اللَّهُ لَهم ما يَكُونُ عَلَيْهِمْ في الحَياةِ الأبَدِيَّةِ ضِدًّا لِأُصُولِ النِّعْمَةِ الَّتِي خُوِّلُوها، فَبَطِرُوا بِها وقابَلُوا المُنْعِمَ بِالكُفْرانِ. فالأنْكالُ مُقابِلُ كُفْرانِهِمْ بِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ والمَقْدِرَةِ؛ لِأنَّ الأنْكالَ: القُيُودُ. والجَحِيمُ: وهو نارُ جَهَنَّمَ مُقابِلُ ما كانُوا عَلَيْهِ مِن لَذَّةِ الِاسْتِظْلالِ والتَّبَرُّدِ. والطَّعامُ ذُو الغُصَّةِ مُقابِلُ ما كانُوا مُنْهَمِكِينَ فِيهِ مِن أطْعِمَتِهِمُ الهَنِيئَةِ مِنَ الثَّمَراتِ والمَطْبُوخاتِ والصَّيْدِ. والأنْكالُ: جَمْعُ نَكْلٍ، بِفَتْحِ النُّونِ وبِكَسْرِها وبِسُكُونِ الكافِ، وهو القَيْدُ الثَّقِيلُ. والغُصَّةُ، بِضَمِّ الغَيْنِ: اسْمٌ لِأثَرِ الغَصِّ في الحَلْقِ وهو تَرَدُّدُ الطَّعامِ والشَّرابِ في الحَلْقِ بِحَيْثُ لا يُسِيغُهُ الحَلْقُ مَن مَرَضٍ أوْ حُزْنٍ وعَبْرَةٍ. وإضافَةُ الطَّعامِ إلى الغُصَّةِ إضافَةٌ مَجازِيَّةٌ وهي مِنَ الإضافَةِ لِأدْنى مُلابَسَةٍ، فَإنَّ الغُصَّةَ عارِضٌ في الحَلْقِ سَبَبُهُ الطَّعامُ أوِ الشُّرْبُ الَّذِي لا يُسْتَساغُ لِبَشاعَةٍ أوْ يُبُوسَةٍ. والعَذابُ الألِيمُ: مُقابِلُ ما في النِّعْمَةِ مِن مَلاذِّ البَشَرِ، فَإنَّ الألَمَ ضِدُّ اللَّذَّةِ. وقَدْ عَرَّفَ الحُكَماءُ اللَّذَّةَ بِأنَّها الخَلاصُ مِنَ الألَمِ. وقَدْ جُمِعَ الأخِيرُ جَمْعَ ما يُضادُّ مَعْنى النَّعْمَةِ (بِالفَتْحِ) . وتَنْكِيرُ هَذِهِ الأجْناسِ الأرْبَعَةِ لِقَصْدِ تَعْظِيمِها وتَهْوِيلِها، و(لَدى) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى حَقِيقَتِهِ ويُقَدَّرُ مُضافٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ نُونِ العَظَمَةِ. والتَّقْدِيرُ: لَدى خَزائِنِنا، أيْ: خَزائِنِ العَذابِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَجازًا في القُدْرَةِ عَلى إيجادِ ذَلِكَ مَتى أرادَ اللَّهُ. ويَتَعَلَّقُ (﴿يَوْمَ تَرْجُفُ﴾) بِالِاسْتِقْرارِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ خَبَرُ (إنَّ) في قَوْلِهِ ﴿إنَّ لَدَيْنا أنْكالًا﴾ . والرَّجْفُ: الزَّلْزَلَةُ والِاضْطِرابُ، والمُرادُ: الرَّجْفُ المُتَكَرِّرُ المُسْتَمِرُّ، وهو الَّذِي يَكُونُ بِهِ انْفِراطُ أجْزاءِ الأرْضِ وانْحِلالُها. (p-٢٧٢)والكَثِيبُ: الرَّمْلُ المُجْتَمِعُ كالرَّبْوَةِ، أيْ: تَصِيرُ حِجارَةُ الجِبالِ دِقاقًا. ومَهِيلٌ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِن هالَ الشَّيْءَ هَيْلًا، إذا نَثَرَهُ وصَبَّهُ. وأصْلُهُ مَهْيُولٌ، اسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلى الياءِ فَنُقِلَتْ إلى السّاكِنِ قَبْلَها فالتَقى ساكِنانِ فَحُذِفَتِ الواوُ، ولِأنَّها زائِدَةٌ، ويَدُلُّ عَلَيْها الضَّمَّةُ. وجِيءَ بِفِعْلِ (كانَتْ) في قَوْلِهِ ﴿وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبًا﴾، لِلْإشارَةِ إلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ حَتّى كَأنَّهُ وقَعَ في الماضِي. ووَجْهُ مُخالَفَتِهِ لِأُسْلُوبِ (تَرْجُفُ) أنَّ صَيْرُورَةَ الجِبالِ كُثُبًا أمْرٌ عَجِيبٌ غَيْرُ مُعْتادٍ، فَلَعَلَّهُ يَسْتَبْعِدُهُ السّامِعُونَ، وأمّا رَجْفُ الأرْضِ فَهو مَعْرُوفٌ، إلّا أنَّ هَذا الرَّجْفَ المَوْعُودَ بِهِ أعْظَمُ ما عُرِفَ جِنْسُهُ.