ركن التفسير
18 - (ذلكم) الإبلاء حق (وأن الله موهن) مضعف (كيد الكافرين)
وقوله "ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين" هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر أنه أعلمهم تعالى بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل مصغر أمرهم وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار ولله الحمد والمنة.
﴿ذَلِكم وأنَّ اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾ الإشارَةُ بِ ذَلِكم إلى البَلاءِ الحَسَنِ وهَذِهِ الإشارَةُ لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِ المَقْصُودِ مِنَ البَلاءِ الحَسَنِ وأنَّ ذَلِكَ البَلاءَ عِلَّةٌ لِلتَّوْهِينِ. واسْمُ الإشارَةِ يُفْتَتَحُ بِهِ الكَلامُ لِمَقاصِدَ يَجْمَعُها التَّنْبِيهُ عَلى أهَمِّيَّةِ ما يَرِدُ بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿هَذا وإنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَئابٍ﴾ [ص: ٥٥]“ ويَجِيءُ في الكَلامِ الوارِدِ تَعْلِيلًا كَقَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٥١]“ . وعَلَيْهِ فاسْمُ الإشارَةِ هُنا مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وعُطِفَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾“ . وقَوْلُهُ ”﴿وأنَّ اللَّهَ﴾“ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أنَّ، فَما بَعْدَها في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِلامِ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفَةٍ، والتَّقْدِيرُ: ولِتَوْهِينِ كَيْدِ الكافِرِينَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ بِذَلِكم إلى الأمْرَيْنِ، وهو ما اقْتَضاهُ قَوْلُهُ: ”﴿وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ [الأنفال: ١٧]“ مِن تَعْلِيلِ الرَّمْيِ بِخَذْلِ المُشْرِكِينَ وهَزْمِهِمْ وإبْلاءِ المُؤْمِنِينَ البَلاءَ الحَسَنَ. وإفْرادُ اسْمِ الإشارَةِ مَعَ كَوْنِ المُشارِ إلَيْهِ اثْنَيْنِ عَلى تَأْوِيلِ المُشارِ إلَيْهِ بِالمَذْكُورِ كَما تَقَدَّمَ في نَظِيرِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ. و”كَيْدِ الكافِرِينَ“ هو قَصْدُهُمُ الإضْرارَ بِالمُسْلِمِينَ في صُورَةٍ لَيْسَتْ ظاهِرُها بِمُضِرَّةٍ، وذَلِكَ أنَّ جَيْشَ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ جاءُوا لِإنْقاذِ العِيرِ لَمّا عَلِمُوا بِنَجاةِ عِيرِهِمْ، وظَنُّوا خْيَبَةَ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا في طَلَبِها، أبَوْا أنْ يَرْجِعُوا إلى مَكَةَ وأقامُوا عَلى بَدْرٍ لِيَنْحَرُوا ويَشْرَبُوا الخَمْرَ ويَضْرِبُوا الدُّفُوفَ فَرَحًا وافْتِخارًا بِنَجاةِ عِيرِهِمْ (p-٢٩٨)ولَيْسَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ، ولَكِنْ لِيَتَسامَعَ العَرَبُ فَيَتَساءَلُوا عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَيُخْبِرُوا بِأنَّهم غَلَبُوا المُسْلِمِينَ فَيَصْرِفُهم ذَلِكَ عَنِ اتِّباعِ الإسْلامِ فَأرادَ اللَّهُ تَوْهِينَهم بِهَزْمِهِمْ تِلْكَ الهَزِيمَةَ الشَّنْعاءَ فَهو مُوهِنُ كَيْدِهِمْ في الحالِ، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الكَيْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿وأُمْلِي لَهم إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣]“ في سُورَةِ الأعْرافِ. وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وأبُو جَعْفَرٍ، ”مُوَهِّنٌ“ بِفَتْحِ الواوِ وبِتَشْدِيدِ الهاءِ وبِالتَّنْوِينِ ونَصْبِ ”كَيْدَ“، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ، ويَعْقُوبُ، ”مُوهِنٌ“ بِتَسْكِينِ الواوِ وتَخْفِيفِ الهاءِ ونَصْبٍ ”كَيْدَ“ - والمَعْنى عَلى القِراءَتَيْنِ سَواءٌ، وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِإضافَةِ ”مُوهِنِ“ إلى ”كَيْدِ“، والمَعْنى وهي إضافَةٌ لَفْظِيَّةٌ مُساوِيَةٌ لِلتَّنْكِيرِ.