موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 19 شعبان 1446 هجرية الموافق ل18 فبراير 2025


الآية [19] من سورة  

إِن تَسْتَفْتِحُوا۟ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ


ركن التفسير

19 - (إن تستفتحوا) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه (فقد جاءكم الفتح) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين (وإن تنتهوا) عن الكفر والحرب (فهو خير لكم وإن تعودوا) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم (نعد) لنصره عليكم (ولن تغني) تدفع (عنكم فئتكم) جماعاتكم (شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام

يقول تعالى للكفار "إن تستفتحوا" أي تستنصروا وتستقضوا الله وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم ما سألتم كما قال محمد بن إسحق وغيره عن الزهري عن عبدالله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة. وكان استفتاحا منه فنزلت "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" إلى آخر الآية. وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد يعني ابن هارون أخبرنا محمد بن إسحق حدثني الزهري عن عبدالله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة. فكان المستفتح وأخرجه النسائي في التفسير من حديث صالح بن كيسان عن الزهري به وكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق الزهري به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة ويزيد بن رومان وغير واحد وقال السدي كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين فقال الله "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" يقول قد نصرت ما قلتم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم هو قوله تعالى إخبارا عنهم "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية وقوله "وإن تنتهوا" أي عما أنتم فيه من الكفر بالله والتكذيب لرسوله "فهو خير لكم" أي في الدنيا والآخرة وقوله تعالى "وإن تعودوا نعد" كقوله "وإن عدتم عدنا" معناه وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة نعد لكم بمثل هذه الواقعة. وقال السدي "وإن تعودوا" أي إلى الاستفتاح "نعد" أي إلى الفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم والنصر له وتظفيره على أعدائه والأول أقوى "ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت" أي ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا فإن من كان الله معه فلا غالب له "إن الله مع المؤمنين" وهم الحزب النبوي والجناب المصطفوي.

﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ وإنْ تَنْتَهُوا فَهْوَ خَيْرٌ لَكم وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا ولَوْ كَثُرَتْ وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ جَعَلُوا الخِطابَ مُوَجَّهًا إلى المُشْرِكِينَ، فَيَكُونُ الكَلامُ اعْتِراضًا خُوطِبَ بِهِ المُشْرِكُونَ في خِلالِ خُطَباتِ المُسْلِمِينَ بِمُناسَبَةِ قَوْلِهِ ”﴿ذَلِكم وأنَّ اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]“ والخِطابُ التِفاتٌ مِن طَرِيقِ الغَيْبَةِ الَّذِي اقْتَضاهُ قَوْلُهُ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]“ وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ في سَبَبِ نُزُولِها أنَّ أبا جَهْلٍ وأصْحابَهُ لَمّا أزْمَعُوا الخُرُوجَ إلى بَدْرٍ اسْتَنْصَرُوا اللَّهَ تُجاهَ الكَعْبَةِ، وأنَّهم قَبْلَ أنْ يَشْرَعُوا في القِتالِ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْصَرُوا اللَّهَ أيْضًا وقالُوا: رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وبَيْنَ مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ، فَخُوطِبُوا بِأنْ قَدْ جاءَهُمُ الفَتْحُ عَلى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ أيِ الفَتْحُ الَّذِي هو نَصْرُ المُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وإنَّما كانَ تَهَكُّمًا لِأنَّ في مَعْنى ”﴿جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾“ اسْتِعارَةَ المَجِيءِ لِلْحُصُولِ عِنْدَهم تَشْبِيهًا بِمَجِيءِ المُنْجِدِ لِأنَّ جَعْلَ الفَتْحِ جاءِيًا إيّاهم يَقْتَضِي أنَّ النَّصْرَ كانَ في جانِبِهِمْ ولِمَنفَعَتِهِمْ، والواقِعُ يُخالِفُ ذَلِكَ، فَعُلِمَ أنَّ الخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهَكُّمِ بِقَرِينَةِ مُخالَفَتِهِ الواقِعَ بِمَسْمَعِ المُخاطَبِينَ ومَرْآهم. وحَمَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِعْلَ جاءَكم عَلى مَعْنى: فَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمُ النَّصْرُ ورَأيْتُمُوهُ أنَّهُ (p-٢٩٩)عَلَيْكم لا لَكم، وعَلى هَذا يَكُونُ المَجِيءُ بِمَعْنى الظُّهُورِ: مِثْلِ ”﴿وجاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: ٢٢]“ ومِثْلِ ”﴿جاءَ الحَقُّ وزَهَقَ الباطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١]“ ولا يَكُونُ في الكَلامِ تَهَكُّمٌ. وصِيغَ ”﴿تَسْتَفْتِحُوا﴾“ بِصِيغَةِ المُضارِعِ مَعَ أنَّ الفِعْلَ مَضى لِقَصْدِ اسْتِحْضارِ الحالَةِ مِن تَكْرِيرِهِمُ الدُّعاءَ بِالنَّصْرِ عَلى المُسْلِمِينَ، وبِذَلِكَ تَظْهَرُ مُناسِبَةُ عَطْفِ ”﴿وإنْ تَنْتَهُوا فَهو خَيْرٌ لَكُمْ﴾“ إلى قَوْلِهِ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾“ أيْ تَنْتَهُوا عَنْ كُفْرِكم بَعْدَ ظُهُورِ الحَقِّ في جانِبِ المُسْلِمِينَ. وعُطِفَ الوَعِيدُ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ”﴿وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾“ أيْ: إنْ تَعُودُوا إلى العِنادِ والقِتالِ نَعُدْ، أيْ نَعُدْ إلى هَزْمِكم كَما فَعَلْنا بِكم يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ أيْأسَهم مِنَ الِانْتِصارِ في المُسْتَقْبَلِ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ ”﴿ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا ولَوْ كَثُرَتْ﴾“ أيْ لا تَنْفَعُكم جَماعَتُكم عَلى كَثْرَتِها كَما لَمْ تُغْنِ عَنْكم يَوْمَ بَدْرٍ، فَإنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَوْمَئِذٍ واثِقِينَ بِالنَّصْرِ عَلى المُسْلِمِينَ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وعُدَدِهِمْ. والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةَ ”إنْ“ ”﴿وإنْ تَعُودُوا﴾“ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ الجَزاءِ وهي ”﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾“ . ولَوِ اتِّصالِيَّةٌ أيْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكم في حالٍ مِنَ الأحْوالِ ولَوْ كانَتْ في حالِ كَثْرَةٍ عَلى فِئَةِ أعْدائِكم، وصاحِبُ الحالِ المُقْتَرِنَةِ بَلَوِ الِاتِّصالِيَّةِ قَدْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِمَضْمُونِها، وقَدْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِنَقِيضِهِ، فَإنْ كانَ المُرادُ مِنَ العَوْدِ في قَوْلِهِ ”﴿وإنْ تَعُودُوا﴾“ العَوْدَ إلى طَلَبِ النَّصْرِ لِلْمُحِقِّ فالمَعْنى واضِحٌ، وإنْ كانَ المُرادُ مِنهُ العَوْدَ إلى مُحارَبَةِ المُسْلِمِينَ فَقَدْ يُشْكِلُ بِأنَّ المُشْرِكِينَ انْتَصَرُوا عَلى المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنى ”نَعُدْ“ ولا مَوْقِعَ لِجُمْلَةِ ”﴿ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكُمْ﴾“ فَإنَّ فِئَتَهم أغْنَتْ عَنْهم يَوْمَ أُحُدٍ. والجَوابُ عَنْ هَذا الإشْكالِ أنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ بِأداةِ شَرْطٍ مِمّا يُفِيدُ العُمُومَ مِثْلَ ”مَهْما“ فَلا يُبْطِلُهُ تَخَلُّفُ حُصُولِ مَضْمُونِ الجَزاءِ عَنْ حُصُولِ الشَّرْطِ في مَرَّةٍ، أوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ قَضى لِلْمُسْلِمِينَ بِالنَّصْرِ يَوْمَ أُحُدٍ ونَصَرَهم وعَلِمَ المُشْرِكُونَ أنَّهم قَدْ غُلِبُوا ثُمَّ دارَتِ الهَزِيمَةُ عَلى المُسْلِمِينَ لِأنَّهم لَمْ يَمْتَثِلُوا لِأمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَرِحُوا عَنِ المَوْضِعِ الَّذِي أمَرَهم أنْ لا يَبْرَحُوا عَنْهُ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ فَعُوقِبُوا بِالهَزِيمَةِ كَما قالَ ”﴿وما أصابَكم يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٦]“ وقالَ ”﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكم يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾ [آل عمران: ١٥٥]“ . وقَدْ مَضى ذَلِكَ في سُورَةِ آلِ (p-٣٠٠)عِمْرانَ، وبَعْدُ فَفي هَذا الوَعِيدِ بِشارَةٌ بِأنَّ النَّصْرَ الحاسِمَ سَيَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وهو نَصْرُ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ. وجُمْلَةُ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾“ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ زِيادَةٌ في تَأْيِيسِ المُشْرِكِينَ مِنَ النَّصْرِ، وتَنْوِيهٌ بِفَضْلِ المُؤْمِنِينَ بِأنَّ النَّصْرَ الَّذِي انْتَصَرُوهُ هو مِنَ اللَّهِ لا بِأسْبابِهِمْ فَإنَّهم دُونَ المُشْرِكِينَ عَدَدًا وعُدَّةً. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن جَعَلَ الخِطابَ بِهَذِهِ الآيَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، ونُسِبَ إلى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وعَطاءٍ، لِكَوْنِ خِطابِ المُشْرِكِينَ بَعْدَ الهِجْرَةِ قَدْ صارَ نادِرًا لِأنَّهم أصْبَحُوا بُعَداءَ عَنْ سَماعِ القُرْآنِ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا فَإنَّهم لَمّا ذُكِّرُوا بِاسْتِجابَةِ دُعائِهِمْ بِقَوْلِهِ ”﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩]“ الآياتِ، وأُمِرُوا بِالثَّباتِ لِلْمُشْرِكِينَ، وذُكِّرُوا بِنَصْرِ اللَّهِ - تَعالى - إيّاهم يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ ”﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ [الأنفال: ١٧]“ إلى قَوْلِهِ ”﴿مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]“ كانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يُثِيرُ سُؤالًا يَخْتَلِجُ في نُفُوسِهِمْ أنْ يَقُولُوا: أيَكُونُ كَذَلِكَ شَأْنُنا كُلَّما جاهَدْنا أمْ هَذِهِ مَزِيَّةٌ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ، فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُفِيدَةً جَوابَ هَذا التَّساؤُلِ. فالمَعْنى: (إنْ تَسْتَنْصِرُوا في) المُسْتَقْبَلِ قَوْلُهُ (فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ)، والتَّعْبِيرُ بِالفِعْلِ الماضِي في جَوابِ الشَّرْطِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ”﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾“ دَلِيلًا عَلى كَلامٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: إنْ تَسْتَنْصِرُوا في المُسْتَقْبَلِ نَنْصُرْكم فَقَدْ نَصَرْناكم يَوْمَ بَدْرٍ. والِاسْتِفْتاحُ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ كِنايَةٌ عَنِ الخُرُوجِ لِلْجِهادِ، لِأنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ النَّصْرِ، ومَعْنى ”﴿وإنْ تَنْتَهُوا فَهو خَيْرٌ لَكُمْ﴾“ أيْ إنْ تُمْسِكُوا عَنِ الجِهادِ حَيْثُ لا يَتَعَيَّنُ فَهو أيِ الإمْساكُ خَيْرٌ لَكم لِتَسْتَجْمِعُوا قُوَّتَكم وأعْدادَكم، فَأنْتُمْ في حالِ الجِهادِ مُنْتَصِرُونَ، وفي حالِ السِّلْمِ قائِمُونَ بِأمْرِ الدِّينِ وتَدْبِيرِ شُئُونِكُمُ الصّالِحَةِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ «لا تَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ» . وقِيلَ المُرادُ: وإنْ تَنْتَهُوا عَنِ التَّشاجُرِ في أمْرِ الغَنِيمَةِ أوْ عَنِ التَّفاخُرِ بِانْتِصارِكم يَوْمَ بَدْرٍ فَهو خَيْرٌ لَكم مِن وُقُوعِهِ. وأمّا قَوْلُهُ ”﴿وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾“ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ فَهو إنْ تَعُودُوا إلى طَلَبِ النَّصْرِ نَعُدْ فَنَنْصُرَكم أيْ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِن عَطائِنا كَما قالَ زُهَيْرٌ: ؎سَألْنا فَأعْطَيْتُمْ وعُدْنا فَعُدْتُمُ ومَن أكْثَرَ التَّسْآلَ يَوْمًا سَيُحْرَمُ (p-٣٠١)يُعْلِمُهُمُ اللَّهُ صِدْقَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ، ويَكُونُ مَوْقِعُ ”﴿ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا﴾“ زِيادَةُ تَقْرِيرٍ لِمَضْمُونِ ”﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾“ وقَوْلُهُ ”﴿وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾“ أيْ لا تَعْتَمِدُوا إلّا عَلى نَصْرِ اللَّهِ. فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ ”﴿ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا﴾“ بِمَنزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِتَعْلِيقِ مَجِيءِ الفَتْحِ عَلى أنْ تَسْتَفْتِحُوا المُشْعِرِ بِأنَّ النَّصْرَ غَيْرُ مَضْمُونِ الحُصُولِ إلّا إذا اسْتَنْصَرُوا بِاللَّهِ - تَعالى - وجُمْلَةُ ”ولَوْ كَثُرَتْ“ في مَوْضِعِ الحالِ. و”لَوْ“ إتِّصالِيَّةٌ، وصاحِبُ الحالِ مُتَّصِفٌ بِضِدِّ مَضْمُونِها، أيْ: ولَوْ كَثُرَتْ فَكَيْفَ وفِئَتُكم قَلِيلَةٌ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَكُونُ في قَوْلِهِ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾“ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ، لِأنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: وإنَّ اللَّهَ مَعَكم، فَعَدَلَ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ لِلْإيماءِ إلى أنَّ سَبَبَ عِنايَةِ اللَّهِ بِهِمْ هو إيمانُهم. فَهَذانِ تَفْسِيرانِ لِلْآيَةِ، والوِجْدانُ يَكُونُ كِلاهُما مُرادًا. والفَتْحُ حَقِيقَتُهُ إزالَةُ شَيْءٍ مَجْعُولٍ حاجِزًا دُونَ شَيْءٍ آخَرَ، حِفْظًا لَهُ مِنَ الضَّياعِ أوِ الِافْتِكاكِ والسَّرِقَةِ، فالجِدارُ حاجِزٌ، والبابُ حاجِزٌ، والسَّدُّ حاجِزٌ، والصُّنْدُوقُ حاجِزٌ، والعِدْلُ تَجْعَلُ فِيهِ الثِّيابَ والمَتاعَ حاجِزٌ، فَإذا أُزِيلَ الحاجِزُ أوْ فُرِّجَ فِيهِ فَرْجَةٌ يُسْلَكُ مِنها إلى المَحْجُوزِ سُمِّيَتْ تِلْكَ الإزالَةُ فَتْحًا، وذَلِكَ هو المَعْنى الحَقِيقِيُّ، إذْ هو المَعْنى الَّذِي لا يَخْلُو عَنِ اعْتِبارِهِ جَمِيعُ اسْتِعْمالِ مادَّةِ الفَتْحِ، وهو بِهَذا المَعْنى يُسْتَعارُ لِإعْطاءِ الشَّيْءِ العَزِيزِ النَّوالِ اسْتِعارَةً مُفْرَدَةً أوْ تَمْثِيلِيَّةً، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمُ أبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٤٤]“ وقَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ﴾ [الأعراف: ٩٦]“ الآيَةَ في سُورَةِ الأعْرافِ، فالِاسْتِفْتاحُ هُنا طَلَبُ الفَتْحِ أيِ النَّصْرِ، والمَعْنى إنْ تَسْتَنْصِرُوا اللَّهَ فَقَدْ جاءَكُمُ النَّصْرُ. وكَثُرَ إطْلاقُ الفَتْحِ عَلى حُلُولِ قَوْمٍ بِأرْضٍ أوْ بَلَدِ غَيْرِهِمْ في حَرْبٍ أوْ غارَةٍ، وعَلى النَّصْرِ، وعَلى الحُكْمِ، وعَلى مَعانٍ أُخَرَ، عَلى وجْهِ المَجازِ أوِ الكِنايَةِ، وقَوْلُهُ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾“ وقَرَأهُ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، بِفَتْحِ هَمْزَةِ أنَّ عَلى تَقْدِيرِ لامِ التَّعْلِيلِ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ ”﴿وأنَّ اللَّهَ مُوَهِّنٌ كَيْدَ الكافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]“ . وقَرَأهُ الباقُونَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، فَهو تَذْيِيلٌ لِلْآيَةِ في مَعْنى التَّعْلِيلِ، لِأنَّ التَّذْيِيلَ لِما فِيهِ مِنَ العُمُومِ يَصْلُحُ لِإفادَةِ تَعْلِيلِ المُذَيَّلِ، لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ المُقَدِّمَةِ الكُبْرى لِلْمُقَدِّمَةِ الصُّغْرى.


ركن الترجمة

You had asked for a judgement, so the judgement has come to you (In the form of victory for the faithful). So, if you desist it will be better for you. If you come back to it, We shall do the same, and your forces, however large, will not be of the least avail, for God is with those who believe.

Si vous avez imploré l'arbitrage d'Allah vous connaissez maintenant la sentence [d'Allah] Et si vous cessez [la mécréance et l'hostilité contre le Prophète..], c'est mieux pour vous. Mais si vous revenez, Nous reviendrons, et votre masse, même nombreuse, ne vous sera d'aucune utilité. Car Allah est vraiment avec les croyants.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :