موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 19 شعبان 1446 هجرية الموافق ل18 فبراير 2025


الآية [24] من سورة  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ


ركن التفسير

24 - (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) بالطاعة (إذا دعاكم لما يحييكم) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته (وأنه إليه تحشرون) فيجازيكم بأعمالكم

قال البخاري "استجيبوا" أجيبوا "لما يحييكم" لما يصلحكم. حدثني إسحق حدثنا روح حدثنا شعبة. عن خبيب بن عبدالرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعد بن المعلى رضي الله عنه قال كنت أصلي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال "ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" - ثم قال - لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج" فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرت له. وقال معاذ: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبدالرحمن سمع حفص بن عاصم سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقال "الحمد لله رب العالمين" هي السبع المثاني. هذا لفظه بحروفه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة. وقال مجاهد في قوله "لما يحييكم" قال للحق وقال قتادة "لما يحييكم" قال هو هذا القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة وقال السدي "لما يحييكم" ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر وقال محمد بن إسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا الله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم وقوله تعالى "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" قال ابن عباس يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الإيمان رواه الحاكم في مستدركه موقوفا وقال صحيح ولم يخرجاه ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف إسناده والموقوف أصح وكذا قال مجاهد وسعيد وعكرمة والضحاك وأبو صالح وعطية ومقاتل بن حيان والسدي وفي رواية عن مجاهد في قوله "يحول بين المرء وقلبه" أي حتى يتركه لا يعقل وقال السدي يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه. وقال قتادة هو كقوله "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد". وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناسب هذه الآية وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قال فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال "نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها". وهكذا رواه الترمذي في كتاب القدر من جامعه عن هناد بن السري عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير عن الأعمش واسمه سليمان بن مهران عن أبي سفيان واسمه طلحة بن نافع عن أنس ثم قال حسن. وهكذا روى عن غير واحد عن الأعمش ورواه بعضهم عنه عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي سفيان عن أنس أصح. "حديث آخر" وقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبدالملك بن عمرو حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو مع ذلك على شرط أهل السنن ولم يخرجوه. "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت ابن جابر يقول: حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه" وكان يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قال "والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه". وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر فذكر مثله. "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا حماد ابن زيد عن المعلى بن زياد عن الحسن أن عائشة قالت: دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قالت فقلت يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فقال "إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه". "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا هاشم حدثنا عبدالحميد حدثني شهر سمعت أم سلمة تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قالت: فقلت يا رسول الله أوَ إن القلوب لتقلب؟ قال "نعم ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب" قالت: فقلت يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال "بلى قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني". "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا أبو عبدالرحمن حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبدالرحمن الحبلي أنه سمع عبدالله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف شاء". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك" انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شريح المصري به.

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكم لِما يُحْيِيكُمْ﴾ إعادَةٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ٢٠] الَّذِي هو بِمَنزِلَةِ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ أوْ مَقْصِدِ الخُطْبَةِ مِن مُقَدِّمَتِها كَما تَقَدَّمَ هُنالِكَ. فافْتِتاحُ السُّورَةِ كانَ بِالأمْرِ بِالطّاعَةِ والتَّقْوى، ثُمَّ بَيانِ أنَّ حَقَّ المُؤْمِنِينَ الكُمَّلَ أنْ يَخافُوا اللَّهَ ويُطِيعُوهُ ويَمْتَثِلُوا أمْرَهُ وإنْ كانُوا كارِهِينَ، وضَرَبَ لَهم مَثَلًا بِكَراهَتِهِمُ الخُرُوجَ إلى بَدْرٍ، ثُمَّ بِكَراهَتِهِمْ لِقاءَ النَّفِيرِ، وأوْقَفَهم عَلى ما اجْتَنَبُوهُ مِن بَرَكاتِ الِامْتِثالِ وكَيْفَ أيَّدَهُمُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ ونَصَبَ لَهم عَلَيْهِ أمارَةُ الوَعْدِ بِإمْدادِ المَلائِكَةِ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم بِالنَّصْرِ، وما لَطَفَ بِهِمْ مِنَ الأحْوالِ، وجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ إقْناعًا لَهم بِوُجُوبِ الثَّباتِ في وجْهِ المُشْرِكِينَ عِنْدَ الزَّحْفِ، ثُمَّ عادَ إلى الأمْرِ بِالطّاعَةِ وحَذَّرَهم مِن أحْوالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وهم لا يَسْمَعُونَ، وأعْقَبَ ذَلِكَ بِالأمْرِ بِالِاسْتِجابَةِ لِلرَّسُولِ إذا دَعاهم إلى شَيْءٍ فَإنَّ في دَعْوَتِهِ إيّاهم إحْياءً لِنُفُوسِهِمْ، وأعْلَمَهم أنَّ اللَّهَ يُكْسِبُ قُلُوبَهم بِتِلْكَ الِاسْتِجابَةِ قُوًى قُدْسِيَّةً. واخْتِيرَ في تَعْرِيفِهِمْ، عِنْدَ النِّداءِ، وصْفُ الإيمانِ لِيُومِئَ إلى التَّعْلِيلِ كَما تَقَدَّمَ في الآياتِ مِن قَبْلُ، أيْ أنَّ الإيمانَ هو الَّذِي يَقْتَضِي أنْ يَثِقُوا بِعِنايَةِ اللَّهِ بِهِمْ فَيَمْتَثِلُوا أمْرَهُ إذا دَعاهم. (p-٣١٢)والِاسْتِجابَةُ: الإجابَةُ، فالسِّينُ والتّاءُ فِيها لِلتَّأْكِيدِ، وقَدْ غَلَبَ اسْتِعْمالُ الِاسْتِجابَةِ في إجابَةِ طَلَبٍ مُعَيَّنٍ أوْ في الأعَمِّ، فَأمّا الإجابَةُ فَهي إجابَةٌ لِنِداءٍ وغَلَبَ أنْ يُعَدّى بِاللّامِ إذا اقْتَرَنَ بِالسِّينِ والتّاءِ، وتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ - تَعالى - ”﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥]“ في آلِ عِمْرانَ. وإعادَةُ حَرْفٍ بَعْدَ واوِ العَطْفِ في قَوْلِهِ ”ولِلرَّسُولِ“ لِلْإشارَةِ إلى اسْتِقْلالِ المَجْرُورِ بِالتَّعَلُّقِ بِفِعْلِ الِاسْتِجابَةِ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّ اسْتِجابَةَ الرَّسُولِ ﷺ أعَمُّ مِنَ اسْتِجابَةِ اللَّهِ لِأنَّ الِاسْتِجابَةَ لِلَّهِ لا تَكُونُ لا بِمَعْنى المَجازِ وهو الطّاعَةُ بِخِلافِ الِاسْتِجابَةِ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَإنَّها بِالمَعْنى الأعَمِّ الشّامِلِ لِلْحَقِيقَةِ وهو اسْتِجابَةُ نِدائِهِ، ولِلْمَجازِ وهو الطّاعَةُ، فَأُرِيدَ أمْرُهم بِالِاسْتِجابَةِ لِلرَّسُولِ بِالمَعْنَيَيْنِ كُلَّما صَدَرَتْ مِنهُ دَعْوَةٌ تَقْتَضِي أحَدَهُما. ألا تَرى أنَّهُ لَمْ يُعِدْ ذِكْرَ اللّامِ في المَوْقِعِ الَّذِي كانَتْ فِيهِ الِاسْتِجابَةُ لِلَّهِ والرَّسُولِ ﷺ بِمَعْنًى واحِدٍ، وهو الطّاعَةُ، وذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعالى - ”﴿الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أصابَهُمُ القَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢]“ فَإنَّها الطّاعَةُ لِلْأمْرِ بِاللَّحاقِ بِجَيْشِ قُرَيْشٍ في حَمْراءِ الأسَدِ بَعْدَ الِانْصِرافِ مِن أُحُدٍ فَهي اسْتِجابَةٌ لِدَعْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وإفْرادُ ضَمِيرِ ”دَعاكم“ لِأنَّ الدُّعاءَ مِن فِعْلِ الرَّسُولِ مُباشَرَةً، كَما أُفْرِدَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ”ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ“ وقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا. ولَيْسَ قَوْلُهُ ”﴿إذا دَعاكم لِما يُحْيِيكُمْ﴾“ قَيْدًا لِلْأمْرِ بِاسْتِجابَةٍ ولَكِنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ دُعاءَهُ إيّاهم لا يَكُونُ إلّا إلى ما فِيهِ خَيْرٌ لَهم وإحْياءٌ لِأنْفُسِهِمْ. واللّامُ في ”﴿لِما يُحْيِيكُمْ﴾“ لامُ التَّعْلِيلِ أيْ دَعاكم لِأجْلِ ما هو سَبَبُ حَياتِكُمُ الرُّوحِيَّةِ. والإحْياءُ تَكْوِينُ الحَياةِ في الجَسَدِ، والحَياةُ قُوَّةٌ بِها يَكُونُ الإدْراكُ والتَّحَرُّكُ بِالِاخْتِيارِ، ويُسْتَعارُ الإحْياءُ تَبَعًا لِاسْتِعارَةِ الحَياةِ لِلصِّفَةِ أوِ القُوَّةِ الَّتِي بِها كَمالُ مَوْصُوفِها فِيما يُرادُ مِنهُ مِثْلَ حَياةِ الأرْضِ بِالإنْباتِ وحَياةِ العَقْلِ بِالعِلْمِ وسَدادِ الرَّأْيِ، وضِدُّها المَوْتُ في المَعانِي الحَقِيقِيَّةِ والمَجازِيَّةِ، قالَ - تَعالى - ”﴿أمْواتٌ غَيْرُ أحْياءٍ﴾ [النحل: ٢١]“ ”﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا فَأحْيَيْناهُ﴾ [الأنعام: ١٢٢]“ وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْعامِ. والإحْياءُ والإماتَةُ تَكْوِينُ الحَياةِ والمَوْتِ. وتُسْتَعارُ الحَياةُ والإحْياءُ لِبَقاءِ (p-٣١٣)الحَياةِ واسْتِبْقائِها بِدَفْعِ العَوادِي عَنْها ”﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]“ ”﴿ومَن أحْياها فَكَأنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]“ . والإحْياءُ هَذا مُسْتَعارٌ لِما يُشْبِهُ إحْياءَ المَيِّتِ، وهو إعْطاءُ الإنْسانِ ما بِهِ كَمالُ الإنْسانِ، فَيَعُمُّ كُلَّ ما بِهِ ذَلِكَ الكَمالُ مِن إنارَةِ العُقُولِ بِالِاعْتِقادِ الصَّحِيحِ والخُلُقِ الكَرِيمِ، والدَّلالَةِ عَلى الأعْمالِ الصّالِحَةِ وإصْلاحِ الفَرْدِ والمُجْتَمَعِ، وما يَتَقَوَّمُ بِهِ ذَلِكَ مِنَ الخِلالِ الشَّرِيفَةِ العَظِيمَةِ، فالشَّجاعَةُ حَياةٌ لِلنَّفْسِ، والِاسْتِقْلالُ حَياةٌ، والحُرِّيَّةُ حَياةٌ، واسْتِقامَةُ أحْوالِ العَيْشِ حَياةٌ. ولَمّا كانَ دُعاءُ الرَّسُولِ ﷺ لا يَخْلُو عَنْ إفادَةِ شَيْءٍ مِن مَعانِي هَذِهِ الحَياةِ أمَرَ اللَّهُ الأُمَّةَ بِالِاسْتِجابَةِ لَهُ، فالآيَةُ تَقْتَضِي الأمْرَ بِالِامْتِثالِ لِما يَدْعُو إلَيْهِ الرَّسُولُ سَواءٌ دَعا حَقِيقَةً بِطَلَبِ القُدُومِ، أمْ طَلَبَ عَمَلًا مِنَ الأعْمالِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَيْدُ ”﴿لِما يُحْيِيكُمْ﴾“ مَقْصُودًا لِتَقْيِيدِ الدَّعْوَةِ بِبَعْضِ الأحْوالِ بَلْ هو قَيْدٌ كاشِفٌ، فَإنَّ الرَّسُولَ ﷺ لا يَدْعُوهم إلّا وفي حُضُورِهِمْ لَدَيْهِ حَياةٌ لَهم، ويَكْشِفُ عَنْ هَذا المَعْنى في قَيْدِ ”لِما يُحْيِيكم“ ما رَواهُ أهْلُ الصَّحِيحِ عَنْ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى، قالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ فَدَعانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أجُبْهُ ثُمَّ أتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ أُصَلِّيَ فَقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ - تَعالى - ”﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ﴾“ ثُمَّ قالَ: ألا أُعَلِّمُكَ صُورَةُ» الحَدِيثِ في فَضْلِ فاتِحَةِ الكِتابِ، فَوَقْفُهُ عَلى قَوْلِهِ ”إذا دَعاكم“ يَدُلُّ عَلى أنَّ ”لِما يُحْيِيكم“ قَيْدٌ كاشِفٌ. وفي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقالَ: يا أُبَيُّ وهو يُصَلِّي فالتَفَتَ أُبَيٌّ ولَمْ يَجُبْهُ وصَلّى أُبَيٌّ فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إلى رَسُولِ اللَّهِ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وعَلَيْكَ السَّلامُ، ما مَنَعَكَ يا أُبَيُّ أنْ تُجِيبَنِي إذْ دَعَوْتُكَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ في الصَّلاةِ، فَقالَ: أفَلَمْ تَجِدْ فِيما أُوحِيَ إلَيَّ أنِ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكم لِما يُحْيِيكم. قالَ: بَلى ولا أعُودُ إنْ شاءَ اللَّهُ» الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهو مَرْوِيٌّ أيْضًا مِن طَرِيقِ مالِكِ بْنِ أنَسٍ يُرِيدُ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (وهو عِنْدَ مالِكٍ حَضَرَ مِنهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ) قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ورُوِيَ أنَّهُ وقَعَ نَحْوَهُ مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ، فَتَكُونُ عِدَّةَ قَضايا مُتَماثِلَةٍ. ولا شَكَّ أنَّ القَصْدَ مِنها (p-٣١٤)التَّنْبِيهَ عَلى هَذِهِ الخُصُوصِيَّةِ لِدُعاءِ الرَّسُولِ ﷺ . * * * ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ مُقْتَضى ارْتِباطِ نَظْمِ الكَلامِ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ مَضْمُونُ هَذِهِ الجُمْلَةِ مُرْتَبِطًا بِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها فَيَكُونُ عَطْفُها عَلَيْها عَطْفُ التَّكْمِلَةِ عَلى ما تُكَمِّلُهُ، والجُمْلَتانِ مَجْعُولَتانِ آيَةً واحِدَةً في المُصْحَفِ. وافْتُتِحَتِ الجُمْلَةُ بِ ”اعْلَمُوا“ لِلِاهْتِمامِ بِما تَتَضَمَّنُهُ وحَثِّ المُخاطَبِينَ عَلى التَّأمُّلِ فِيما بَعْدَهُ، وذَلِكَ مِن أسالِيبِ الكَلامِ البَلِيغِ أنْ يُفْتَتَحَ بَعْضُ الجُمَلِ المُشْتَمِلَةِ عَلى خَبَرٍ أوْ طَلَبِ فَهْمٍ بِ ”اعْلَمْ“ أوْ ”تَعَلَّمْ“ لَفْتًا لِذِهْنِ المُخاطَبِ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ غالِبًا بِغَفْلَةِ المُخاطَبِ عَنْ أمْرٍ مُهِمٍّ فَمِنَ المَعْرُوفِ أنَّ المُخْبِرَ أوِ الطّالِبَ ما يُرِيدُ إلّا عِلْمَ المُخاطَبِ، فالتَّصْرِيحُ بِالفِعْلِ الدّالِّ عَلى طَلَبِ العِلْمِ مَقْصُودٌ لِلِاهْتِمامِ، قالَ - تَعالى - اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ وأنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وقالَ: ”﴿اعْلَمُوا أنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠]“ الآيَةَ. وقالَ في الآيَةِ بَعْدَ هَذِهِ ”﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الأنفال: ٢٥]“ وفي الحَدِيثِ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ لِأبِي مَسْعُودٍ الأنْصارِيِّ وقَدْ رَآهُ يَضْرِبُ عَبْدًا لَهُ ”اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ أنَّ اللَّهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنكَ عَلى هَذا الغُلامِ وقَدْ يَفْتَتِحُونَ بِتَعَلَّمْ أوْ تَعَلَّمْنَ» . قالَ زُهَيْرٌ: ؎قُلْتُ تَعَلَّمْ أنَّ لِلصَّيْدِ غِرَّةً وإلّا تُضَيِّعْها فَإنَّكَ قاتِلُهُ وقالَ زِيادُ بْنُ سَيّارٍ: ؎تَعَلَّمْ شِفاءَ النَّفْسِ قَهْرُ عَدُوِّهَـا ∗∗∗ فَبالِغْ بِلُطْفٍ في التَّحَيُّلِ والمَكْرِ وقالَ بِشْرُ بْنُ أبِي خازِمٍ: ؎وإلّا فاعْلَمُوا أنّا وأنْتُمُ ∗∗∗ بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ وأنَّ بَعْدَ هَذا الفِعْلِ مَفْتُوحَةُ الهَمْزَةِ حَيْثُما وقَعَتْ، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ يَسُدُّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ عَلِمَ مَعَ إفادَةِ أنَّ التَّأْكِيدَ. والحَوْلُ، ويُقالُ الحُئُولُ: مَنعُ شَيْءٍ اتِّصالًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ أوْ أشْياءَ. قالَ - تَعالى - ﴿وحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ﴾ [هود: ٤٣] . (p-٣١٥)وإسْنادُ الحَوْلِ إلى اللَّهِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ لِأنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ المَكانِ، والمَعْنى يَحُولُ شَأْنٌ مِن شُئُونِ صِفاتِهِ، وهو تَعَلُّقُ صِفَةِ العِلْمِ بِالِاطِّلاعِ عَلى ما يُضْمِرُهُ المَرْءُ، أوْ تَعَلُّقُ صِفَةِ القُدْرَةِ بِتَنْفِيذِ ما عَزَمَ عَلَيْهِ المَرْءُ أوْ بِصَرْفِهِ عَنْ فِعْلِهِ، ولَيْسَ المُرادُ بِالقَلْبِ هُنا البَضْعَةَ الصَّنَوْبَرِيَّةَ المُسْتَقِرَّةَ في باطِنِ الصَّدْرِ، وهي الآلَةُ الَّتِي تَدْفَعُ الدَّمَ إلى عُرُوقِ الجِسْمِ، بَلِ المُرادُ عَقْلُ المَرْءِ وعَزْمُهُ، وهو إطْلاقٌ شائِعٌ في العَرَبِيَّةِ. فَلَمّا كانَ مَضْمُونُ هَذِهِ الجُمْلَةِ تَكْمِلَةً لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: واعْلَمُوا أنَّ عِلْمَ اللَّهِ يَخْلُصُ بَيْنَ المَرْءِ وعَقْلِهِ خُلُوصَ الحائِلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَإنَّهُ يَكُونُ شَدِيدَ الِاتِّصالِ بِكِلَيْهِما. والمُرادُ بِالمَرْءِ عَمَلُهُ وتَصَرُّفاتُهُ الجُسْمانِيَّةُ. فالمَعْنى أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ عَزْمَ المَرْءِ ونِيَّتَهُ قَبْلَ أنْ تَنْفَعِلَ بِعَزْمِهِ جَوارِحُهُ، فَشُبِّهَ عِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ بِالحائِلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ في كَوْنِهِ أشَدَّ اتِّصالًا بِالمَحُولِ عَنْهُ مِن أقْرَبِ الأشْياءِ إلَيْهِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] . وجِيءَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ“ يَحُولُ ”لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ يَتَجَدَّدُ ويَسْتَمِرُّ، وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ - تَعالى -“ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] ”قالَهُ قَتادَةُ. والمَقْصُودُ مِن هَذا تَحْذِيرُ المُؤْمِنِينَ مِن كُلِّ خاطِرْ يَخْطُرُ في النُّفُوسِ: مِنَ التَّراخِي في الِاسْتِجابَةِ إلى دَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ، والتَّنَصُّلِ مِنها، أوِ التَّسَتُّرِ في مُخالَفَتِهِ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ“ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكم فاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥] ”. وبِهَذا يَظْهَرُ وقْعُ قَوْلِهِ“ ﴿وأنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ”عَقِبَهُ، فَكانَ ما قَبْلَهُ تَحْذِيرًا وكانَ هو تَهْدِيدًا. وفي الكَشّافِ، وابْنِ عَطِيَّةَ: قِيلَ إنَّ المُرادَ الحَثُّ عَلى المُبادَرَةِ بِالِامْتِثالِ وعَدَمِ إرْجاءِ ذَلِكَ إلى وقْتٍ آخَرَ خَشْيَةَ أنْ تَعْتَرِضَ المَرْءَ مَوانِعُ مِن تَنْفِيذِ عَزْمِهِ عَلى الطّاعَةِ، أيْ فَيَكُونُ الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: إنَّ أجَلَ اللَّهِ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ، أيْ بَيْنَ عَمَلِهِ وعَزْمِهِ. قالَ - تَعالى -“ ﴿وأنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكم مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ [المنافقون: ١٠] ”الآيَةَ. وهُنالِكَ أقْوالٌ أُخْرى لِلْمُفَسِّرِينَ يَحْتَمِلُها اللَّفْظُ ولا يُساعِدُ عَلَيْها ارْتِباطُ الكَلامِ، والَّذِي حَمَلَنا عَلى تَفْسِيرِ الآيَةِ بِهَذا دُونَ ما عَداهُ أنْ لَيْسَ في جُمْلَةِ (p-٣١٦)“ ﴿أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ ”إلّا تَعَلُّقُ شَأْنٍ مِن شُئُونِ اللَّهِ بِالمَرْءِ وقَلْبِهِ أيْ جُثْمانِهِ وعَقْلِهِ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ خارِجٍ عَنْهُما، مِثْلَ دَعْوَةِ الإيمانِ ودَعْوَةِ الكُفْرِ، وأنَّ كَلِمَةَ“ بَيْنَ ”تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ، فَما يَكُونُ تَحَوُّلٌ إلّا إلى أحَدِهِما لا إلى أمْرٍ آخَرَ خارِجٍ عَنْهُما كالطَّبائِعِ، فَإنَّ ذَلِكَ تَحْوِيلٌ ولَيْسَ حُئُولًا. وجُمْلَةُ“ ﴿وأنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ”عَطْفٌ عَلى أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ، والضَّمِيرُ الواقِعُ اسْمُ أنَّ ضَمِيرُ اسْمِ الجَلالَةِ، ولَيْسَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ لِعَدَمِ مُناسَبَتِهِ، ولِإجْراءِ أُسْلُوبِ الكَلامِ عَلى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ“ ﴿أنَّ اللَّهَ يَحُولُ﴾ ”إلَخْ. وتَقْدِيمُ مُتَعَلِّقِ“ تُحْشَرُونَ " عَلَيْهِ لِإفادَةِ الِاخْتِصاصِ أيْ: إلَيْهِ لا إلى غَيْرِهِ تُحْشَرُونَ، وهَذا الِاخْتِصاصُ لِلْكِنايَةِ عَنِ انْعِدامِ مَلْجَأٍ أوْ مَخْبَأٍ تَلْتَجِئُونَ إلَيْهِ مِنَ الحَشْرِ إلى اللَّهِ، فَكَنّى عَنِ انْتِفاءِ المَكانِ بِانْتِفاءِ مَحْشُورٍ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ بِأبْدَعِ أُسْلُوبٍ، ولَيْسَ الِاخْتِصاصُ لِرَدِّ اعْتِقادٍ، لِأنَّ المُخاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ، فَلا مُقْتَضى لِقَصْرِ الحَشْرِ عَلى الكَوْنِ إلى اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ.


ركن الترجمة

O believers, respond to the call of God and His Prophet when he calls you to what will give you life (and preservation). Remember that God intervenes between man and his heart, and that you will be gathered before Him.

O vous qui croyez! Répondez à Allah et au Messager lorsqu'il vous appelle à ce qui vous donne la (vraie) vie, et sachez qu'Allah s'interpose entre l'homme et son cœur, et que c'est vers Lui que vous serez rassemblés.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :