موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 19 شعبان 1446 هجرية الموافق ل18 فبراير 2025


الآية [41] من سورة  

وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ


ركن التفسير

41 - (واعلموا أنما غنمتم) أخذتم من الكفار قهراً (من شيء فأن لله خمسه) يأمر فيه بما يشاء (وللرسول ولذي القربى) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب (واليتامى) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء (والمساكين) ذوي الحاجة من المسلمين (وابن السبيل) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين (إن كنتم آمنتم بالله) فاعلموا ذلك (وما) عطف على بالله (أنزلنا على عبدنا) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات (يوم الفرقان) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل (يوم التقى الجمعان) المسلمون والكفار (والله على كل شيء قدير) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة بإحلال الغنائم. والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم والجزية والخراج ونحو ذلك هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة وبالعكس أيضا ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية الحشر "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى" الآية. قال فنسخت آية الأنفال تلك وجعلت الغنائم أربعة أخماس للمجاهدين وخمسا منها لهؤلاء المذكورين وهذ الذي قاله بعيد لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر وتلك نزلت في بني النضير ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة أن بني النضير بعد بدر وهذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة يقول تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في الغنائم ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعا إلى رأى الإمام يقول لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس إذا رآه الإمام والله أعلم. فقوله تعالى "واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه" توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط قال الله تعالى "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" وقوله "فإن لله خمسه وللرسول" اختلف المفسرون ههنا فقال بعضهم لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة قال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية الرياحي: قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيخمسها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل. وقال آخرون ذكر الله ههنا استفتاح كلام للتبرك وسهم لرسوله عليه السلام قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" "فأن لله خمسه" مفتاح كلام "لله ما في السموات وما في الأرض" فجعل سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم واحدا وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح وعبدالله بن بريدة وقتادة ومغيرة وغير واحد أن سهم الله ورسوله واحد ويؤيد هذا ما رواه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح عن عبدالله بن شقيق عن رجل قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو يعرض فرسا فقلت: يا رسول الله ما تقول في الغنيمة؟ فقال "لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش" قلت فما أحد أولى به من أحد؟ قال "لا ولا السهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم". وقال ابن جرير: حدثنا عمران بن موسى حدثنا عبدالوارث حدثنا أبان عن الحسن قال أوصى الحسن بالخمس من ماله وقال ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه ثم اختلف قائلو هذا القول فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تخمس على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله وللرسول صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المنقري حدثنا عبدالوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن عبدالله بن بريدة في قوله "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسـه وللرسول" قال الذي لله فلنبيه والذي للرسول لأزواجه وقال عبدالملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال خمس الله والرسول واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء يعني النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أعم وأشمل وهو أنه صلى الله عليه وسلم يتصرف في الخمس الذي جعله الله بما شاء ويرده في أمته كيف شاء ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا إسحق بن عيسى حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي مريم عن أبي سلام الأعرج عن المقدام بن معديكرب الكندي أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي رضي الله عنهم فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء لعبادة يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس فقال عبادة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال "إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا حدود الله في السفر والحضر وجاهدوا في الله فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي الله به من الهم والغم". هذا حديث حسن عظيم ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه ولكن روى الإمام أحمد أيضا وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول. وعن عمرو بن عنبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال "ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم". رواه أبو داود والنسائي وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي وتبعهمـا على ذلك أكثر العلماء. وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت صفية من الصفي رواه أبو داود في سننه وروى أيضا بإسناده والنسائي أيضا عن يزيد بن عبدالله قال: كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها "من محمد رسول الله إلى بني زهير بن قيس إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم الصفي أنتم آمنون بأمان الله ورسوله" فقلنا من كتب هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه الله وهذا قول مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال. فإذا ثبت هذا وعلم فقد اختلف أيضا في الذي كان يناله عليه السلام من الخمس ماذا يصنع به من بعده فقال قائلون يكون لمن يلي الأمر من بعده روي هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة. وجاء فيه حديث مرفوع وقال آخرون يصرف في مصالح المسلمين وقال آخرون بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل اختاره ابن جرير وقال آخرون بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل قال ابن جرير وذلك قول جماعة من أهل العراق وقيل إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير حدثنا الحارث حدثنا عبدالعزيز حدثنا عبدالغفار حدثنا المنهال بن عمرو سألت عبدالله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا: هو لنا فقلت لعلي فإن الله يقول "واليتامى والمساكين وابن السبيل" فقالا يتامانا ومساكيننا وقال سفيان الثوري وأبو نعيم وأبو أسامة عن قيس بن مسلم سألت الحسن بن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى عن قول الله تعالى "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" فقال هذا مفتاح كلام الله الدنيا والآخرة ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال قائلون سهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليما للخليفة من بعده وقال آخرون لقرابة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال آخرون سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال الأعمش عن إبراهيم كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح فقلت لإبراهيم ما كان علي فيه؟ قال: كان أشدهم فيه. وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم الله وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له مسلمهم طاعة لله ولرسوله وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل وإن كانوا بني عمهم فلم يوافقوهم علي ذلك بل حاربوهم ونابذوهم ومالئوا بطون قريش على حرب الرسول ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية أشد من غيرهم لشدة قربهم ولهذا يقول في أثناء قصيدته: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجل غير آجــــل بميزان قسط لا يخيس شعيـــرة له شاهد من نفسه غيـر عائل لقد سفهت أحلام قوم تبدلــوا بني خلف قيضا بنا والعياطل ونحن الصميم من ذؤابة هــاشم وآل قصي في الخطوب الأوائل وقال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل مشيت أنا وعثمان بن عفان يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد". رواه مسلم وفي بعض روايات هذا الحديث "إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام". وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب قال ابن جرير وقال آخرون هم بنو هاشم ثم روى عن خصيف عن مجاهد قال: علم الله أن في بني هاشم فقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة وفي رواية عنه قال هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة ثم روى عن علي بن الحسن نحو ذلك قال ابن جرير وقال آخرون بل هم قريش كلها حدثني يونس بن عبدالأعلى حدثني عبدالله بن نافع عن أبي معشر عن سعيد المقبري قال: كتب نجدة إلى عبدالله بن عباس يسأله عن ذوي القربى فكتب إليه ابن عباس كنا نقول: إنا هم فأبى علينا ذلك قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى وهذا الحديث صحيح رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى فذكره إلى قوله فأبى ذلك علينا قومنا والزيادة من أفراد أبي معشر نجيح بن عبدالرحمن المدني وفيه ضعف وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن مهدي المصيصي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم". هذا حديث حسن الإسناد وإبراهيم بن مهدي هذا وثقه أبو حاتم وقال يحيى بن معين يأتي بمناكير والله أعلم وقوله "واليتامى" أي أيتام المسلمين واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء أو يعم الأغنياء والفقراء؟ على قولين والمساكين هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنهم "وابن السبيل" هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة وليس له ما ينفقه في سفره ذلك وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة براءة إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان. وقوله "إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا" أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزلنا على رسوله. ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس في حديث وفد عبدالقيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم "وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع. آمركم بالإيمان بالله - ثم قال - هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم". الحديث بطوله فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان وقد بوب البخاري على ذلك في كتاب الإيمان من صحيحه فقال "باب أداء الخمس من الإيمان" ثم أورد حديث ابن عباس هذا وقد بسطنا الكلام عليه في شرح البخاري ولله الحمد والمنة وقال مقاتل بن حيان "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" أي في القسمة وقوله "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير" ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر ويسمى الفرقان لأن الله أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل وأظهـر دينه ونصر نبيه وحزبه قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس: يوم الفرقان يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل رواه الحاكم. وكذا قال مجاهد ومقسم وعبيد الله بن عبدالله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد أنه يوم بدر وقال عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير في قوله "يوم الفرقان" يوم فرق الله بين الحق والباطل وهو يوم بدر وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشـر رجلا والمشركون بين الألف والتسعمائة فهزم الله المشركين وقتل منهم زيادة على السبعين وأسر منهم مثل ذلك وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود قال في ليلة القدر: تحروها لأحدى عشرة يبقين فإن في صبيحتها يوم بدر. وقال على شرطهما وروى مثله عن عبدالله بن الزبير أيضا من حديث جعفر بن برقان عن رجل عنه وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب عن ابن عون عن محمد بن عبـدالله الثقفي عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: قال الحسن بن علي كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من رمضان إسناد جيد قوى ورواه ابن مردويه عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب عن علي قال: كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه: كان يوم بدر يوم الاثنين ولم يتابع على هذا وقول الجمهور مقدم عليه والله أعلم.

(p-٥)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الأنْفالِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ انْتِقالٌ لِبَيانِ ما أُجْمِلَ مِن حُكْمِ الأنْفالِ، الَّذِي افْتَتَحَتْهُ السُّورَةُ، ناسَبَ الِانْتِقالَ إلَيْهِ ما جَرى مِنَ الأمْرِ بِقِتالِ المُشْرِكِينَ إنْ عادُوا إلى قِتالِ المُسْلِمِينَ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٣٩] وافْتِتاحُهُ بِـ ”اعْلَمُوا“ لِلِاهْتِمامِ بِشَأْنِهِ، والتَّنْبِيهِ عَلى رِعايَةِ العَمَلِ بِهِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] فَإنَّ المَقْصُودَ بِالعِلْمِ تَقَرُّرُ الجَزْمِ بِأنَّ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ، والعَمَلُ بِذَلِكَ المَعْلُومِ، فَيَكُونُ ”اعْلَمُوا“ كِنايَةً مُرادًا بِهِ صَرِيحُهُ ولازِمُهُ. والخِطابُ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ وبِالخُصُوصِ جَيْشُ بَدْرٍ ولَيْسَ هَذا نَسْخًا لِحُكْمِ الأنْفالِ المَذْكُورِ أوَّلَ السُّورَةِ، بَلْ هو بَيانٌ لِإجْمالِ قَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٢٤] وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: إنَّها ناسِخَةٌ، وإنَّ اللَّهَ شَرَعَ ابْتِداءً أنَّ قِسْمَةَ المَغانِمِ لِرَسُولِهِ ﷺ يُرِيدُ أنَّها لِاجْتِهادِ الرَّسُولِ بِدُونِ تَعْيِينٍ، ثُمَّ شَرَعَ التَّخْمِيسَ. وذَكَرُوا: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُخَمِّسْ مَغانِمَ بَدْرٍ ثُمَّ خَمَّسَ مَغانِمَ أُخْرى بَعْدَ بَدْرٍ، أيْ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ سُورَةِ الأنْفالِ، وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ أعْطاهُ شارِفًا مِنَ الخُمُسِ يَوْمَ بَدْرٍ»، فاقْتَضَتْ هَذِهِ الرِّوايَةُ أنَّ مَغانِمَ بَدْرٍ خُمِّسَتْ. (p-٦)وقَدِ اضْطَرَبَتْ أقْوالُ المُفَسِّرِينَ قَدِيمًا في المُرادِ مِنَ المَغْنَمِ في هَذِهِ الآيَةِ، ولَمْ تَنْضَبِطْ تَقارِيرُ أصْحابِ التَّفاسِيرِ في طَرِيقَةِ الجَمْعِ بَيْنَ كَلامِهِمْ عَلى تَفاوُتٍ بَيْنَهم في ذَلِكَ، ومِنهم مَن خَلَطَها مَعَ آيَةِ سُورَةِ الحَشْرِ، فَجَعَلَ هَذِهِ ناسِخَةً لِآيَةِ الحَشْرِ والعَكْسَ، أوْ أنَّ إحْدى الآيَتَيْنِ مُخَصِّصَةً لِلْأُخْرى: إمّا في السِّهامِ، وإمّا في أنْواعِ المَغانِمِ، وتَفْصِيلُ ذَلِكَ يَطُولُ. وتَرَدَّدُوا في مُسَمّى الفَيْءِ، فَصارَتْ ثَلاثَةُ أسْماءٍ مَجالًا لِاخْتِلافِ الأقْوالِ: النَّفْلُ، والغَنِيمَةُ، والفَيْءُ. والوَجْهُ عِنْدِي في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ واتِّصالِها بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: (ما غَنِمْتُمْ) في هَذِهِ الآيَةِ: ما حَصَّلْتُمْ مِنَ الغَنائِمِ مِن مَتاعِ الجَيْشِ، وذَلِكَ ما سُمِّيَ بِالأنْفالِ في أوَّلِ السُّورَةِ، فالنَّفْلُ والغَنِيمَةُ مُتَرادِفانِ، وذَلِكَ مُقْتَضى اسْتِعْمالِ اللُّغَةِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، والضَّحّاكِ، وقَتادَةَ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءٍ: الأنْفالُ الغَنائِمُ. وعَلَيْهِ فَوَجْهُ المُخالَفَةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ إذْ قالَ - تَعالى - هُنا ”غَنِمْتُمْ“ وقالَ في أوَّلِ السُّورَةِ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] لِاقْتِضاءِ الحالِ التَّعْبِيرَ هُنا بِفِعْلٍ، ولَيْسَ في العَرَبِيَّةِ فِعْلٌ مِن مادَّةِ النَّفْلِ يُفِيدُ إسْنادَ مَعْناهُ إلى مَن حَصَلَ لَهُ، ولِذَلِكَ فَآيَةُ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ﴾ سِيقَتْ هُنا بَيانًا لِآيَةِ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] فَإنَّهُما ورَدَتا في انْتِظامٍ مُتَّصِلٍ مِنَ الكَلامِ. ونَرى أنَّ تَخْصِيصَ اسْمِ النَّفْلِ بِما يُعْطِيهِ أمِيرُ الجَيْشِ أحَدَ المُقاتِلِينَ زائِدًا عَلى سَهْمِهِ مِنَ الغَنِيمَةِ سَواءٌ كانَ سَلْبًا أوْ نَحْوَهُ مِمّا يَسَعُهُ الخُمُسُ أوْ مِن أصْلِ مالِ الغَنِيمَةِ عَلى الخِلافِ الآتِي - إنَّما هو اصْطِلاحٌ شاعَ بَيْنَ أُمَراءِ الجُيُوشِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، وقَدْ وقَعَ ذَلِكَ في كَلامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وأمّا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ الأنْفالَ ما يَصِلُ إلى المُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتالٍ، فَجَعَلَها بِمَعْنى الفَيْءِ، فَمَحْمَلُهُ عَلى بَيانِ الِاصْطِلاحِ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِن بَعْدُ. وتَعْبِيراتُ السَّلَفِ في التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الغَنِيمَةِ والنَّفْلِ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ، وهَذا مِلاكُ الفَصْلِ في هَذا المَقامِ لِتَمْيِيزِ أصْنافِ الأمْوالِ المَأْخُوذَةِ في القِتالِ، فَأمّا صُوَرُ قِسْمَتِها فَسَيَأْتِي بَعْضُها في هَذِهِ الآيَةِ. فاصْطَلَحُوا عَلى أنَّ الغَنِيمَةَ، ويُقالُ لَها المَغْنَمُ، ما يَأْخُذُهُ الغُزاةُ مِن أمْتِعَةِ المُقاتِلِينَ غَصْبًا، بِقَتْلٍ أوْ بِأسْرٍ، أوْ يَقْتَحِمُونَ دِيارَهم غازِينَ، أوْ يَتْرُكُهُ الأعْداءُ (p-٧)فِي دِيارِهِمْ إذا فَرُّوا عِنْدَ هُجُومِ الجَيْشِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ابْتِداءِ القِتالِ. فَأمّا ما يَظْفَرُ بِهِ الجَيْشُ في غَيْرِ حالَةِ الغَزْوِ مِن مالِ العَدُوِّ، وما يَتْرُكُهُ العَدُوُّ مِنَ المَتاعِ إذا أخْلَوْا بِلادَهم قَبْلَ هُجُومِ جَيْشِ المُسْلِمِينَ، فَذَلِكَ الفَيْءُ. وسَيَجِيءُ في سُورَةِ الحَشْرِ. وقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ في مُقْتَضى هَذِهِ الآيَةِ مَعَ آيَةِ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] إلَخْ. فَقالَ مالِكٌ: لَيْسَ في أمْوالِ العَدُوِّ المُقاتِلِ حَقٌّ لِجَيْشِ المُسْلِمِينَ إلّا الغَنِيمَةَ والفَيْءَ. وأمّا النَّفْلُ فَلَيْسَ حَقًّا مُسْتَقِلًّا بِالحُكْمِ، ولَكِنَّهُ ما يُعْطِيهِ الإمامُ مِنَ الخُمُسِ لِبَعْضِ المُقاتِلِينَ زائِدًا عَلى سَهْمِهِ مِنَ الغَنِيمَةِ، عَلى ما يَرى مِنَ الِاجْتِهادِ، ولا تَعْيِينَ لِمِقْدارِ النَّفْلِ في الخُمُسِ ولا حَدَّ لَهُ، ولا يَكُونُ فِيما زادَ عَلى الخُمُسِ. هَذا قَوْلُ مالِكٍ ورِوايَةٌ عَنِ الشّافِعِيِّ. وهو الجارِي عَلى ما عَمِلَ بِهِ الخُلَفاءُ الثَّلاثَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ، في أشْهَرِ الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ، وسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: النَّفْلُ مِنَ الخُمُسِ وهو خُمُسُ الخُمُسِ. وعَنِ الأوْزاعِيِّ، ومَكْحُولٍ، وجُمْهُورِ الفُقَهاءِ: النَّفْلُ ما يُعْطى مِنَ الغَنِيمَةِ يَخْرُجُ مِن ثُلُثِ الخُمُسِ. و(ما) في قَوْلِهِ: ”أنَّما“ اسْمٌ مَوْصُولٌ وهو اسْمُ (أنَّ) وكُتِبَتْ هَذِهِ في المُصْحَفِ مُتَّصِلَةً بِـ (أنَّ) لِأنَّ زَمانَ كِتابَةِ المُصْحَفِ كانَ قَبْلَ اسْتِقْرارِ قَواعِدِ الرَّسْمِ وضَبْطِ الفُرُوقِ فِيهِ بَيْنَ ما يَتَشابَهُ نُطْقُهُ ويَخْتَلِفُ مَعْناهُ، فالتَّفْرِقَةُ في الرَّسْمِ بَيْنَ (ما) الكافَّةِ وغَيْرِها لَمْ يَنْضَبِطْ زَمَنَ كِتابَةِ المَصاحِفِ الأُولى. وبَقِيَتْ كِتابَةُ المَصاحِفِ عَلى مِثالِ المُصْحَفِ الإمامِ مُبالَغَةً في احْتِرامِ القُرْآنِ عَنِ التَّغْيِيرِ. ومِن شَيْءٍ بَيانٌ لِعُمُومِ (ما) لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ المَقْصُودَ غَنِيمَةٌ مُعَيَّنَةٌ خاصَّةٌ. والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ لِما في المَوْصُولِ مِن مَعْنى الِاشْتِراطِ، وما في الخَبَرِ مِن مَعْنى المُجازاةِ بِتَأْوِيلِ: إنْ غَنِمْتُمْ فَحَقٌّ لِلَّهِ خُمُسُهُ إلَخْ. والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ بَعْدَ (أنَّ) في قَوْلِهِ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ، أوْ خَبَرٌ حُذِفَ مُبْتَدَؤُهُ، وتَقْدِيرُ المَحْذُوفِ بِما يُناسِبُ المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لامُ الِاسْتِحْقاقِ، أيْ فَحَقٌّ لِلَّهِ خُمُسُهُ. وإنَّما صِيغَ عَلى هَذا النَّظْمِ، مَعَ كَوْنِ مَعْنى اللّامِ كافِيًا في الدَّلالَةِ (p-٨)عَلى الأحَقِّيَّةِ، كَما قُرِئَ في الشّاذِّ (فَلِلَّهِ خُمُسُهُ) لِما يُفِيدُهُ الإتْيانُ بِحَرْفِ (أنَّ) مِنَ الإسْنادِ مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا، ولِأنَّ في حَذْفِ أحَدِ رُكْنَيِ الإسْنادِ تَكْثِيرًا لِوُجُوهِ الِاحْتِمالِ في المُقَدَّرِ، مِن نَحْوِ تَقْدِيرِ: حَقٌّ، أوْ ثَباتٌ، أوْ لازِمٌ، أوْ واجِبٌ. واللّامُ لِلْمِلْكِ، أوِ الِاسْتِحْقاقِ، وقَدْ عُلِمَ أنَّ أرْبَعَةَ الأخْماسِ لِلْغُزاةِ الصّادِقِ عَلَيْهِمْ ضَمِيرُ ”غَنِمْتُمْ“ فَثَبَتَ بِهِ أنَّ الغَنِيمَةَ لَهم عَدا خُمُسِها. وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ خُمُسَ الغَنِيمَةِ حَقًّا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ومَن عُطِفَ عَلَيْهِما، وكانَ أمْرُ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ أنَّ رُبُعَ الغَنِيمَةِ يَكُونُ لِقائِدِ الجَيْشِ، ويُسَمّى ذَلِكَ المِرْباعَ بِكَسْرِ المِيمِ. وفِي عُرْفِ الإسْلامِ إذا جُعِلَ شَيْءٌ حَقًّا لِلَّهِ، مِن غَيْرِ ما فِيهِ عِبادَةٌ لَهُ: أنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِلَّذِينَ يَأْمُرُ اللَّهُ بِتَسْدِيدِ حاجَتِهِمْ مِنهُ، فَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الأمْوالِ مُسْتَحِقُّونَ عَيَّنَهُمُ الشَّرْعُ، فالمَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ أنَّ الِابْتِداءَ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعالى - لِلْإشارَةِ إلى أنَّ ذَلِكَ الخُمُسَ حَقُّ اللَّهِ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَشاءُ، وقَدْ شاءَ فَوَكَّلَ صَرْفَهُ إلى رَسُولِهِ ﷺ ولِمَن يَخْلُفُ رَسُولَهُ مِن أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ. وبِهَذا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الخُمُسُ مَقْسُومًا عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، وهَذا قَوْلُ عامَّةِ عُلَماءِ الإسْلامِ وشَذَّ أبُو العالِيَةِ رُفَيْعٌ الرِّياحِيُّ ولاءً مِنَ التّابِعِينَ، فَقالَ: إنَّ الخُمُسَ يُقَسَّمُ عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ فَيُعْزَلُ مِنها سَهْمٌ فَيَضْرِبُ الأمِيرُ بِيَدِهِ عَلى ذَلِكَ السَّهْمِ الَّذِي عَزَلَهُ فَما قَبَضَتْ عَلَيْهِ يَدُهُ مِن ذَلِكَ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ: أيْ عَلى وجْهٍ يُشْبِهُ القُرْعَةَ، ثُمَّ يُقَسِّمُ بَقِيَّةَ ذَلِكَ السَّهْمِ عَلى خَمْسَةٍ: سَهْمٍ لِلنَّبِيءِ ﷺ، وسَهْمٍ لِذَوِي القُرْبى، وسَهْمٍ لِلْيَتامى، وسَهْمٍ لِلْمَساكِينِ، وسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ. ونَسَبَ أبُو العالِيَةِ ذَلِكَ إلى فِعْلِ النَّبِيءِ ﷺ . وأمّا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَلِحَقِّهِ حالَتانِ: حالَةُ تَصَرُّفِهِ في مالِ اللَّهِ بِما ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلى سائِرِ مَصالِحِ الأُمَّةِ، وحالَةِ انْتِفاعِهِ بِما يُحِبُّ انْتِفاعَهُ بِهِ مِن ذَلِكَ. فَلِذَلِكَ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ كانَ يَأْخُذُ مِنَ الخُمُسِ نَفَقَتَهُ ونَفَقَةَ عِيالِهِ، ويَجْعَلُ الباقِيَ مَجْعَلَ مالِ اللَّهِ» . وفي الصَّحِيحِ: أنَّ النَّبِيءَ - صَلّى (p-٩)اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ في الفَيْءِ: «ما لِي مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْكم إلّا الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكم» فَيُقاسُ عَلَيْهِ خُمُسُ الغَنِيمَةِ وكَذَلِكَ كانَ شَأْنُ رَسُولِ اللَّهِ في انْتِفاعِهِ بِما جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الحَقِّ في مالِ اللَّهِ. وأوْضَحُ شَيْءٍ في هَذا البابِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في مُحاوَرَتِهِ مَعَ العَبّاسِ وعَلِيٍّ. حِينَ تَحاكَما إلَيْهِ. رَواهُ مالِكٌ في المُوَطَّأِ ورِجالُهُ رِجالُ الصَّحِيحِ، قالَ عُمَرُ: إنَّ اللَّهَ كانَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ في هَذا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُهُ، قالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ﴾ [الحشر: ٧] فَكانَتْ هَذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ، وواللَّهِ ما احْتازَها دُونَكم ولا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكم قَدْ أعْطاكُمُوها وبَثَّها فِيكم حَتّى بَقِيَ مِنها هَذا المالُ. فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِن هَذا المالِ ثُمَّ يَأْخُذُ ما بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ اللَّهِ. والغَرَضُ مِن جَلْبِ كَلامِ عُمَرَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَأْخُذُ ما بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ اللَّهِ. وأمّا ذُو ”القُرْبى“ فَـ (ألْ) في القُرْبى عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبى﴾ [البقرة: ١٧٧] أيْ: ذَوِي قَرابَةِ المُؤْتِي المالَ. والمُرادُ هُنا هو الرَّسُولُ المَذْكُورُ قَبْلَهُ، أيْ: ولِذَوِي قُرْبى الرَّسُولِ، والمُرادُ بِـ ”ذِي“ الجِنْسُ، أيْ: ذَوِي قُرْبى الرَّسُولِ، أيْ: قَرابَتَهُ، وذَلِكَ إكْرامٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ ﷺ إذْ جَعَلَ لِأهْلِ قَرابَتِهِ حَقًّا في مالِ اللَّهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أخْذَ الصَّدَقاتِ والزَّكاةِ، فَلا جَرَمَ أنَّهُ أغْناهم مِن مالِ اللَّهِ. ولِذَلِكَ كانَ حَقُّهم في الخُمُسِ ثابِتًا بِوَصْفِ القَرابَةِ. فَذُو القُرْبى مُرادٌ بِهِ كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِقَرابَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَهو عامٌّ في الأشْخاصِ، ولَكِنْ لَفْظُ القُرْبى جِنْسٌ فَهو مُجْمَلٌ وأُجْمِلَتْ رُتْبَةُ القَرابَةِ إحالَةً عَلى المَعْرُوفِ في قُرْبى الرَّجُلِ، وتِلْكَ هي قُرْبى نَسَبِ الآباءِ دُونَ الأُمَّهاتِ. ثُمَّ إنَّ نَسَبَ الآباءِ بَيْنَ العَرَبِ يُعَدُّ مُشْتَرَكًا إلى الحَدِّ الَّذِي تَنْشَقُّ مِنهُ الفَصائِلُ، ومَحْمَلُها الظّاهِرُ عَلى عَصَبَةِ الرَّجُلِ مِن أبْناءِ جَدِّهِ الأدْنى. وأبْناءُ أدْنى أجْدادِ النَّبِيءِ ﷺ هم بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هاشِمٍ، وإنْ شِئْتَ فَقُلْ: هم بَنُو هاشِمٍ؛ لِأنَّ هاشِمًا لَمْ يَبْقَ لَهُ عَقِبٌ في زَمَنِ النَّبِيءِ ﷺ إلّا مِن عَبْدِ المُطَّلِبِ. فالأرْجَحُ أنَّ قُرْبى الرَّسُولِ ﷺ هم بَنُو هاشِمٍ، وهَذا قَوْلُ مالِكٍ (p-١٠)وجُمْهُورِ أصْحابِهِ، وهو إحْدى رِوايَتَيْنِ عَنْ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وقالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحَسَنِ، ومُجاهِدٌ، والأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وذَهَبَ الشّافِعِيُّ وأحْمَدُ في إحْدى رِوايَتَيْنِ عَنْهُ، الَّتِي جَرى عَلَيْها أصْحابُهُ، وإسْحاقُ وأبُو ثَوْرٍ: أنَّ القُرْبى هُنا: هم بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِن بَنِي عَبْدِ مَنافٍ. ومالَ إلَيْهِ مِنَ المالِكِيَّةِ ابْنُ العَرَبِيِّ، ومُتَمَسَّكُ هَؤُلاءِ ما رَواهُ البُخارِيُّ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أنَّهُ قالَ: «أتَيْتُ أنا وعُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَسُولَ اللَّهِ نُكَلِّمُهُ فِيما قَسَّمَ مِنَ الخُمُسِ بَيْنَ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَسَمْتَ لِإخْوانِنا بَنِي المُطَّلِبِ ولَمْ تُعْطِنا شَيْئًا، وقَرابَتُنا وقَرابَتُهم واحِدَةٌ، فَقالَ: إنَّما بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ واحِدٌ» . وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لا نِزاعَ فِيهِ، ولا في أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أعْطى بَنِي هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ، ولَكِنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ يَحْتَمِلُ العُمُومَ في الأمْوالِ المُعْطاةِ ويَحْتَمِلُ الخُصُوصَ لِأُمُورٍ: أحَدُها أنَّ لِلنَّبِيءِ ﷺ في حَياتِهِ سَهْمًا مِنَ الخُمُسِ فَيُحْتَمَلُ أنَّهُ أعْطى بَنِي المُطَّلِبِ عَطاءً مِن سَهْمِهِ الخاصِّ، جَزاءً لَهم عَلى وفائِهِمْ لَهُ في الجاهِلِيَّةِ، وانْتِصارِهِمْ لَهُ، وتِلْكَ مَنقَبَةٌ شَرِيفَةٌ أيَّدُوا بِها دَعْوَةَ الدِّينِ وهم مُشْرِكُونَ، فَلَمْ يُضِعْها اللَّهُ لَهم وأمَرَ رَسُولَهُ بِمُواساتِهِمْ وذَلِكَ لا يُكْسِبُهم حَقًّا مُسْتَمِرًّا. ثانِيها أنَّ الحُقُوقَ الشَّرْعِيَّةَ تَسْتَنِدُ لِلْأوْصافِ المُنْضَبِطَةِ فالقُرْبى هي النَّسَبُ، ونَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِهاشِمٍ، وأمّا بَنُو المُطَّلِبِ فَهم وبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وبَنُو نَوْفَلٍ في رُتْبَةٍ واحِدَةٍ مِن قَرابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأنَّ آباءَهم هم أبْناءُ عَبْدِ مَنافٍ، وإخْوَةٌ لِهاشِمٍ، فالَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وظاهَرُوهُ في الجاهِلِيَّةِ كانَتْ لَهُمُ المَزِيَّةُ، وهُمُ الَّذِينَ أعْطى رَسُولُ اللَّهِ أعْيانَهم ولَمْ يَثْبُتْ أنَّهُ أعْطى مَن نَشَأ بَعْدَهم مِن أبْنائِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا ذَلِكَ النَّصْرَ، فَمَن نَشَأ بَعْدَهم في الإسْلامِ يُساوُونَ أبْناءَ نَوْفَلٍ وأبْناءَ عَبْدِ شَمْسٍ فَلا يَكُونُ في عَطائِهِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى تَأْوِيلِ ذِي القُرْبى في الآيَةِ بِبَنِي هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ. أمّا قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ فَقالَ الجَصّاصُ في أحْكامِ القُرْآنِ: قالَ أبُو حَنِيفَةَ في الجامِعِ الصَّغِيرِ: يُقَسَّمُ الخُمُسُ عَلى ثَلاثَةِ أسْهُمٍ. أيْ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِسَهْمِ ذَوِي القُرْبى. ورَوى (p-١١)بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ عَنْ أبِي يُوسُفَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ قالَ: خُمُسُ اللَّهِ والرَّسُولِ واحِدٌ وخَمُسٌ لِذِي القُرْبى فَلِكُلِّ صِنْفٍ سَمّاهُ اللَّهُ - تَعالى - في هَذِهِ الآيَةِ خُمُسُ الخُمُسِ. قالَ: وإنَّ الخُلَفاءَ الأرْبَعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ ذا القُرْبى لا يَسْتَحِقُّ إلّا بِالفَقْرِ. قالَ: وقَدِ اخْتُلِفَ في ذَوِي القُرْبى مَن هم. فَقالَ أصْحابُنا: قَرابَةُ النَّبِيءِ ﷺ الَّذِينَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ وهم آلُ عَلِيٍّ والعَبّاسُ وآلُ جَعْفَرٍ وآلُ عَقِيلٍ ووَلَدُ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وقالَ آخَرُونَ: بَنُو المُطَّلِبِ داخِلُونَ فِيهِمْ. وقالَ أصْبَغُ مِنَ المالِكِيَّةِ: ذَوُو القُرْبى هم عَشِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الأقْرَبُونَ الَّذِينَ أمَرَهُ اللَّهُ بِإنْذارِهِمْ في قَوْلِهِ: ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] وهم آلُ قُصَيٍّ. وعَنْهُ أنَّهم آلُ غالِبِ بْنِ فِهْرٍ، أيْ قُرَيْشٍ، ونُسِبَ هَذا إلى بَعْضِ السَّلَفِ وأخْرَجَ أبُو حَنِيفَةَ مِنَ القُرْبى بَنِي أبِي لَهَبٍ، قالَ: لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ: «لا قَرابَةَ بَيْنِي وبَيْنَ أبِي لَهَبٍ»؛ فَإنَّهُ آثَرَ عَلَيْنا الأفْجَرِينَ رَواهُ الحَنَفِيَّةُ في كِتابِ الزَّكاةِ ولا يُعْرَفُ لِهَذا الحَدِيثِ سَنَدٌ. وبَعْدُ فَلا دَلالَةَ فِيهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ خاصٌّ بِأبِي لَهَبٍ فَلا يَشْمَلُ أبْناءَهُ في الإسْلامِ. ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ في الإصابَةِ أنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحاقَ، وغَيْرَهُ، رَوى عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قَدِمَتْ دُرَّةُ بِنْتُ أبِي لَهَبٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ النّاسَ يَصِيحُونَ بِي ويَقُولُونَ: إنِّي بِنْتُ حَطَبِ النّارِ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ وهو مُغْضَبٌ شَدِيدُ الغَضَبِ، فَقالَ: ما بالُ أقْوامٍ يُؤْذُونَنِي في نَسَبِي وذَوِي رَحِمِي، ألا ومَن آذى نَسَبِي وذَوِي رَحِمِي فَقَدْ آذانِي، ومَن آذانِي فَقَدْ آذى اللَّهَ» . فَوَصَفَ دُرَّةَ بِأنَّها مِن نَسَبِهِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ ذَوِي القُرْبى يَسْتَحِقُّونَ دُونَ اشْتِراطِ الفَقْرِ؛ لِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ أنَّ وصْفَ قُرْبى النَّبِيءِ ﷺ هو سَبَبُ ثُبُوتِ الحَقِّ لَهم في خُمُسِ المَغْنَمِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِوَصْفِ فَقْرِهِمْ. وهَذا قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَماءِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا يُعْطَوْنَ إلّا بِوَصْفِ الفَقْرِ ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ. فَفائِدَةُ تَعْيِينِ خُمُسِ الخُمُسِ لَهم أنْ لا يُحاصَّهم فِيهِ مَن عَداهم مِنَ الفُقَراءِ، هَذا هو المَشْهُورُ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ وبَعْضُ الحَنَفِيَّةِ يَحْكِي عَنْ أبِي يُوسُفَ مُوافَقَةَ الجُمْهُورِ في عَدَمِ اشْتِراطِ الفَقْرِ فِيهِمْ. (p-١٢)وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الخُمُسَ لِخَمْسَةِ مَصارِفَ ولَمْ يُعَيِّنْ مِقْدارَ ما لِكُلِّ مَصْرِفٍ مِنهُ، ولا شَكَّ أنَّ اللَّهَ أرادَ ذَلِكَ لِيَكُونَ صَرْفُهُ لِمَصارِفِهِ هَذِهِ مَوْكُولًا إلى اجْتِهادِ رَسُولِهِ ﷺ وخُلَفائِهِ مِن بَعْدِهِ، فَيُقَسَّمُ بِحَسَبِ الحاجاتِ والمَصالِحِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ مَصْرِفٍ مِنهُ ما يَفِي بِحاجَتِهِ عَلى وجْهٍ لا ضَرَّ مَعَهُ عَلى أهْلِ المَصْرِفِ الآخَرِ، وهَذا قَوْلُمالِكٍ في قِسْمَةِ الخُمُسِ، وهو أصَحُّ الأقْوالِ، إذْ لَيْسَ في الآيَةِ تَعَرُّضٌ لِمِقْدارِ القِسْمَةِ، ولَمْ يَرِدْ في السُّنَّةِ ما يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِذَلِكَ فَوَجَبَ أنْ يُناطَ بِالحاجَةِ، وبِتَقْدِيمِ الأحْوَجِ والأهَمِّ عِنْدَ التَّضايُقِ والأمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الإمامِ، وقَدْ قالَ عُمَرُ فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِن هَذا المالِ ثُمَّ يَأْخُذُ ما بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ اللَّهِ. وقالَ الشّافِعِيُّ: يُقَسَّمُ لِكُلِّ مَصْرَفٍ الخُمُسُ مِنَ الخُمُسِ؛ لِأنَّها خَمْسَةُ مَصارِفَ، فَجَعَلَها مُتَساوِيَةً لِأنَّ التَّساوِيَ هو الأصْلُ في الشَّرِكَةِ المُجْمَلَةِ ولَمْ يَلْتَفِتْ إلى دَلِيلِ المَصْلَحَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْجِيحِ وإذْ قَدْ جَعَلَ ما لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ خُمُسًا واحِدًا تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ فَقَدْ جَعَلَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَصالِحِ المُسْلِمِينَ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: ارْتَفَعَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ وسَهْمُ قَرابَتِهِ بِوَفاتِهِ، وبَقِيَ الخُمُسُ لِلْيَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ إنَّما أخَذَ سَهْمًا في المَغْنَمِ لِأنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، لا لِأنَّهُ إمامٌ، فَلِذَلِكَ لا يَخْلُفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. وعِنْدَ الجُمْهُورِ أنَّ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَخْلُفُهُ فِيهِ الإمامُ يَبْدَأُ بِنَفَقَتِهِ ونَفَقَةِ عِيالِهِ بِلا تَقْدِيرٍ، ويَصْرِفُ الباقِيَ في مَصالِحِ المُسْلِمِينَ. واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَعانِيها عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٧٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ وعِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [النساء: ٣٦] إلى قَوْلِهِ وابْنِ السَّبِيلِ في سُورَةِ النِّساءِ. واليَتامى وابْنُ السَّبِيلِ لا يُعْطَوْنَ إلّا إذا كانُوا فُقَراءَ فَفائِدَةُ تَعْيِينِ خُمُسِ الخُمُسِ لِكُلِّ صِنْفٍ مِن هَؤُلاءِ أنْ لا يُحاصَّهم فِيهِ غَيْرُهم مِنَ الفُقَراءِ والشَّأْنُ في اليَتامى في (p-١٣)الغالِبِ أنْ لا تَكُونَ لَهم سَعَةٌ في المَكاسِبِ فَهم مَظِنَّةُ الحاجَةِ، ولَكِنَّها دُونَ الفَقْرِ فَجُعِلَ لَهم حَقٌّ في المَغْنَمِ تَوْفِيرًا عَلَيْهِمْ في إقامَةِ شُئُونِهِمْ، فَهم مِنَ الحاجَةِ المالِيَّةِ أحْسَنُ حالًا مِنَ المَساكِينِ، وهم مِن حالَةِ المَقْدِرَةِ أضْعَفُ حالًا مِنهم، فَلَوْ كانُوا أغْنِياءَ بِأمْوالٍ تَرَكَها لَهم آباؤُهم فَلا يُعْطَوْنَ مِنَ الخُمُسِ شَيْئًا. والمَساكِينُ الفُقَراءُ الشَّدِيدُو الفَقْرِ جَعَلَ اللَّهُ لَهم خُمُسَ الخُمُسِ كَما جَعَلَ لَهم حَقًّا في الزَّكاةِ، ولَمْ يَجْعَلْ لِلْفُقَراءِ حَقًّا في الخُمُسِ كَما لَمْ يَجْعَلْ لِلْيَتامى حَقًّا في الزَّكاةِ. وابْنُ السَّبِيلِ أيْضًا في حاجَةٍ إلى الإعانَةِ عَلى البَلاغِ وتَسْدِيدِ شُئُونِهِ، فَهو مَظِنَّةُ الحاجَةِ، فَلَوْ كانَ ابْنُ السَّبِيلِ ذا وفْرٍ وغِنًى لَمْ يُعْطَ مِنَ الخُمُسِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ مالِكٌ وبَعْضُ الفُقَهاءِ في اليَتامى وأبْناءِ السَّبِيلِ الفَقْرَ، بَلْ مُطْلَقَ الحاجَةِ. واشْتَرَطَ أبُو حَنِيفَةَ الفَقْرَ في ذَوِي القُرْبى واليَتامى وأبْناءِ السَّبِيلِ وجَعَلَ ذِكْرَهم دُونَ الِاكْتِفاءِ بِالمَساكِينِ لِتَقْرِيرِ اسْتِحْقاقِهِمْ. وقَوْلُهُ: ﴿إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ﴾ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ﴾ لِأنَّ الأمْرَ بِالعِلْمِ لَمّا كانَ المَقْصُودُ بِهِ العَمَلَ بِالمَعْلُومِ والِامْتِثالَ لِمُقْتَضاهُ كَما تَقَدَّمَ، صَحَّ تَعَلُّقُ الشَّرْطِ بِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ”واعْلَمُوا“ دَلِيلًا عَلى الجَوابِ أوْ هو الجَوابُ مُقَدَّمًا عَلى شَرْطِهِ، والتَّقْدِيرُ: إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ فاعْلَمُوا أنَّ ما غَنِمْتُمْ إلَخْ. واعْمَلُوا بِما عَلِمْتُمْ فاقْطَعُوا أطْماعَكم في ذَلِكَ الخُمُسِ واقْنَعُوا بِالأخْماسِ الأرْبَعَةِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلى تَحَقُّقِ الإيمانِ بِاللَّهِ وآياتِهِ هو العِلْمُ بِأنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ مَعَ العَمَلِ المُتَرَتِّبِ عَلى ذَلِكَ العِلْمِ. مُطْلَقُ العِلْمِ بِأنَّ الرَّسُولَ قالَ ذَلِكَ. والشَّرْطُ هُنا مُحَقَّقُ الوُقُوعِ إذْ لا شَكَّ في أنَّ المُخاطَبِينَ مُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، والمَقْصُودُ مِنهُ تَحَقُّقُ المَشْرُوطِ، وهو مَضْمُونُ جُمْلَةِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ إلى آخِرِها. وجِيءَ في الشَّرْطِ بِحِرَفِ ”إنِ“ الَّتِي شَأْنُ شَرْطِها أنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا في وُقُوعِهِ؛ زِيادَةً في حَثِّهِمْ عَلى الطّاعَةِ حَيْثُ يَفْرِضُ حالُهم في صُورَةِ المَشْكُوكِ في حُصُولِ شَرْطِهِ إلْهابًا لَهم لِيَبْعَثَهم عَلى إظْهارِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فِيهِمْ. فالمَعْنى: أنَّكم آمَنتُمْ بِاللَّهِ والإيمانُ يُرْشِدُ إلى اليَقِينِ بِتَمامِ العِلْمِ والقُدْرَةِ لَهُ وآمَنتُمْ بِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى عَبْدِهِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ فَرَأيْتُمْ ذَلِكَ رَأْيَ العَيْنِ وارْتَقى إيمانُكم مِن مَرْتَبَةِ حَقِّ اليَقِينِ إلى مَرْتَبَةِ (p-١٤)عَيْنِ اليَقِينِ فَعَلِمْتُمْ أنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِنَفْعِكم مِن أنْفُسِكم إذْ يَعِدُكم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكم وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكم، فَكانَ ما دَفَعَكُمُ اللَّهُ إلَيْهِ أحْفَظَ لِمَصْلَحَتِكم وأشَدَّ تَثْبِيتًا لِقُوَّةِ دِينِكم. فَمَن رَأوْا ذَلِكَ وتَحَقَّقُوهُ فَهم أحْرِياءُ بِأنْ يَعْلَمُوا أنَّ ما شَرَعَ اللَّهُ لَهم مِن قِسْمَةِ الغَنائِمِ هو المَصْلَحَةُ، ولَمْ يَعْبَئُوا بِما يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِن نَقْصٍ في حُظُوظِهِمُ العاجِلَةِ، عِلْمًا بِأنَّ وراءَ ذَلِكَ مَصالِحَ جَمَّةً آجِلَةً في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿وما أنْزَلْنا﴾ عَطْفٌ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ والمَعْنى وآمَنتُمْ بِما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ وهَذا تَخَلُّصٌ لِلتَّذْكِيرِ بِما حَصَلَ لَهم مِنَ النَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، والإيمانُ بِهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاعْتِقادَ الجازِمَ بِحُصُولِهِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العِلْمَ بِهِ فَيَكُونَ عَلى الوَجْهِ الثّانِي مِنِ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ أوْ مِن عُمُومِ المُشْتَرَكِ. وتَخْصِيصُ ﴿وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ﴾ بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ جُمْلَةِ المَعْلُوماتِ الرّاجِعَةِ لِلِاعْتِقادِ؛ لِأنَّ لِذَلِكَ المَنزِلِ مَزِيدَ تَعَلُّقٍ بِما أُمِرُوا بِهِ مِنَ العَمَلِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِالأمْرِ بِالعِلْمِ في قَوْلِهِ تَعالى: واعْلَمُوا والإنْزالُ: هو إيصالُ شَيْءٍ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ وأُطْلِقَ هُنا عَلى إبْلاغِ أمْرٍ مِنَ اللَّهِ ومِنَ النِّعَمِ الإلَهِيَّةِ إلى الرَّسُولِ ﷺ والمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا المُنَزَّلُ مِن قَبِيلِ الوَحْيِ، أيْ والوَحْيُ الَّذِي أنْزَلْناهُ عَلى عَبْدِنا يَوْمَ بَدْرٍ، لَكِنَّهُ الوَحْيُ المُتَضَمِّنُ شَيْئًا يُؤْمِنُونَ بِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن قَبِيلِ خَوارِقِ العاداتِ، والألْطافِ العَجِيبَةِ، مِثْلَ إنْزالِ المَلائِكَةِ لِلنَّصْرِ، وإنْزالِ المَطَرِ عِنْدَ حاجَةِ المُسْلِمِينَ إلَيْهِ، لِتَعْبِيدِ الطَّرِيقِ، وتَثْبِيتِ الأقْدامِ، والِاسْتِقاءِ. وإطْلاقُ الإنْزالِ عَلى حُصُولِهِ اسْتِعارَةٌ تَشْبِيهًا لَهُ بِالواصِلِ إلَيْهِمْ مِن عُلُوٍّ تَشْرِيفًا لَهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٦] . والتَّطَهُّرِ. ولا مانِعَ مِن إرادَةِ الجَمِيعِ لِأنَّ غَرَضَ ذَلِكَ واحِدٌ، وكَذَلِكَ ما هو مِن مَعْناهُ مِمّا نَعْلَمُهُ أوْ لَمْ نَعْلَمْهُ. ويَوْمَ الفُرْقانِ هو يَوْمُ بَدْرٍ، وهو اليَوْمُ السّابِعَ عَشَرَ مِن رَمَضانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ سُمِّيَ يَوْمَ الفُرْقانِ لِأنَّ الفُرْقانَ الفَرْقُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ (p-١٥)﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] وقَدْ كانَ يَوْمُ بَدْرٍ فارِقًا بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ لِأنَّهُ أوَّلُ يَوْمٍ ظَهَرَ فِيهِ نَصْرُ المُسْلِمِينَ الضُّعَفاءِ عَلى المُشْرِكِينَ الأقْوِياءِ، وهو نَصْرُ المُحِقِّينَ الأذِلَّةِ عَلى الأعِزَّةِ المُبْطِلِينَ، وكَفى بِذَلِكَ فُرْقانًا وتَمْيِيزًا بَيْنَ مَن هم عَلى الحَقِّ ومَن هم عَلى الباطِلِ. فَإضافَةُ ”يَوْمَ“ إلى ”الفُرْقانِ“ إضافَةُ تَنْوِيهٍ بِهِ وتَشْرِيفٍ، وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ الفُرْقانِ﴾ فَإضافَةُ ”يَوْمَ“ إلى جُمْلَةِ التَقى الجَمْعانِ لِلتَّذْكِيرِ بِذَلِكَ الِالتِقاءِ العَجِيبِ الَّذِي كانَ فِيهِ نَصْرُهم عَلى عَدُوِّهِمْ. والتَّعْرِيفُ في ”الجَمْعانِ“ لِلْعَهْدِ. وهُما جَمْعُ المُسْلِمِينَ وجَمْعُ المُشْرِكِينَ. وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ اعْتِراضٌ بِتَذْيِيلِ الآياتِ السّابِقَةِ وهو مُتَعَلِّقٌ بِبَعْضِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ في قَوْلِهِ: ﴿وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ﴾ فَإنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا يَتَعاصى عَلى قُدْرَتِهِ شَيْءٌ، فَإنَّ ما أسْداهُ إلَيْكم يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ جارِيًا عَلى مُتَعارَفِ الأسْبابِ المُعْتادَةِ، فَقُدْرَةُ اللَّهِ قَلَبَتِ الأحْوالَ وأنْشَأتِ الأشْياءَ مِن غَيْرِ مَجارِيها ولا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ مِن سَبَبِ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ يَوْمَ الفُرْقانِ أنَّهُ أُضِيفَ إلى الفُرْقانِ الَّذِي هو لَقَبُ القُرْآنِ فَإنَّ المَشْهُورَ أنَّ ابْتِداءَ نُزُولِ القُرْآنِ كانَ يَوْمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِن رَمَضانَ فَيَكُونُ مِنِ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ.


ركن الترجمة

Know that one-fifth of what you acquire as booty (of war) is for God and His Apostle, and for relatives and orphans, the poor and wayfarers, if you truly believe in God and what We revealed to Our votary on the day of victory over the infidels when the two armies clashed (at Badr). For God has the power to do any thing.

Et sachez que, de tout butin que vous avez ramassé, le cinquième appartient à Allah, au messager, à ses proches parents, aux orphelins, aux pauvres, et aux voyageurs (en détresse), si vous croyez en Allah et en ce que Nous avons fait descendre sur Notre serviteur, le jour du Discernement: le jour où les deux groupes s'étaient rencontrés, et Allah est Omnipotent.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :