موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 19 شعبان 1446 هجرية الموافق ل18 فبراير 2025


الآية [57] من سورة  

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ


ركن التفسير

57 - (فإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (تثقفنهم) تجدنهم (في الحرب فشرد) فرق (بهم من خلفهم) من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة (لعلهم) أي الذين خلفهم (يذكرون) يتعظون بهم

"فإما تثقفنهم في الحرب" أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب "فشرد بهم من خلفهم" أي نكل بهم. قاله ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وابن عيينة ومعناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم ويصيروا لهم عبرة "لعلهم يذكرون" وقال السدي يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.

﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهم ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم في كُلِّ مَرَّةٍ وهم لا يَتَّقُونَ﴾ ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهم لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ انْتَقَلَ بِهِ مِنَ الكَلامِ عَلى عُمُومِ المُشْرِكِينَ إلى ذِكْرِ كُفّارٍ آخَرِينَ هُمُ الَّذِينَ بَيَّنَهم بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهم ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ﴾ الآيَةَ. وهَؤُلاءِ عاهَدُوا (p-٤٧)النَّبِيءَ ﷺ وهم عَلى كُفْرِهِمْ، ثُمَّ نَقَضُوا عَهْدَهم، وهم مُسْتَمِرُّونَ عَلى الكُفْرِ، وإنَّما وصَفَهم بِشَرِّ الدَّوابِّ لِأنَّ دَعْوَةَ الإسْلامِ أظْهَرُ مِن دَعْوَةِ الأدْيانِ السّابِقَةِ، ومُعْجِزَةَ الرَّسُولِ ﷺ أسْطَعُ، ولِأنَّ الدَّلالَةَ عَلى أحَقِّيَّةِ الإسْلامِ دَلالَةٌ عَقْلِيَّةٌ بَيِّنَةٌ، فَمَن يَجْحَدُهُ فَهو أشْبَهُ بِما لا عَقْلَ لَهُ، وقَدِ انْدَرَجَ الفَرِيقانِ مِنَ الكُفّارِ في جِنْسِ شَرَّ الدَّوابِّ وتَقَدَّمَ آنِفًا الكَلامُ عَلى نَظِيرِ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ﴾ [الأنفال: ٢٢] الآيَةَ. وتَعْرِيفُ المُسْنَدِ بِالمَوْصُولِيَّةِ لِلْإيماءِ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ عَنْهم بِأنَّهم شَرُّ الدَّوابِّ. والفاءُ في ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ عَطَفَتْ صِلَةً عَلى صِلَةٍ، فَأفادَتْ أنَّ الجُمْلَةَ الثّانِيَةَ مِنَ الصِّلَةِ، وأنَّها تَمامُ الصِّلَةِ المَقْصُودَةِ لِلْإيماءِ، أيْ: الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلِ الإسْلامِ فاسْتَمَرَّ كُفْرُهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ بَعْدَ سَماعِ دَعْوَةِ الإسْلامِ. ولَمّا كانَ هَذا الوَصْفُ هو الَّذِي جَعَلَهم شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ عَطَفَ هُنا بِالفاءِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ سَبَبَ إجْراءِ ذَلِكَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ هو مَجْمُوعُ الوَصْفَيْنِ، وأتى بِصِلَةِ ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِإفادَةِ ثُبُوتِ عَدَمِ إيمانِهِمْ وأنَّهم غَيْرُ مَرْجُوٍّ مِنهُمُ الإيمانُ. فَإنَّ تَقْدِيمَ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ المَنفِيِّ مَعَ عَدَمِ إيلاءِ المُسْنَدِ إلَيْهِ حَرْفَ النَّفْيِ، لِقَصْدِ إفادَةِ تَقْوِيَةِ نَفْيِ الإيمانِ عَنْهم، أيِ الَّذِينَ يَنْتَفِي الإيمانُ مِنهم في المُسْتَقْبَلِ انْتِفاءً قَوِيًّا فَهم بُعَداءُ عَنْهُ أشَدَّ الِابْتِعادِ. ولَيْسَ التَّقْدِيمُ هُنا مُفِيدًا لِلتَّخْصِيصِ لِأنَّ التَّخْصِيصَ لا أثَرَ لَهُ في الصِّلَةِ، ولِأنَّ الأكْثَرَ في تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ المَنفِيِّ، إذا لَمْ يَقَعِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَقِبَ حَرْفِ النَّفْيِ، أنْ لا يُفِيدَ تَقْدِيمُهُ إلّا التَّقَوِّيَ، دُونَ التَّخْصِيصِ، وذَلِكَ هو الأكْثَرُ في القُرْآنِ كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وما تُنْفِقُوا مِن خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكم وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢] إذْ لا يُرادُ وأنْتُمْ دُونَ غَيْرِكم لا تُظْلَمُونَ. فَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهُمْ﴾ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَدَلًا مُطابِقًا، فالَّذِينَ عاهَدَهم هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَهم لا يُؤْمِنُونَ. وتَعْدِيَةُ عاهَدْتَ بِـ (مِن) لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ العَهْدَ كانَ يَتَضَمَّنُ التِزامًا مِن جانِبِهِمْ؛ لِأنَّهُ يُقالُ أخَذْتُ مِنهُ عَهْدًا، أيِ التِزامًا، (p-٤٨)فَلَمّا ذُكِرَ فِعْلُ المُفاعَلَةِ، الدّالُّ عَلى حُصُولِ الفِعْلِ مِنَ الجانِبَيْنِ، نَبَّهَ عَلى أنَّ المَقْصُودَ مِنَ المُعاهَدَةِ التِزامُهم بِأنْ لا يُعِينُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا، ولَيْسَتْ (مِن) تَبْعِيضِيَّةً لِعَدَمِ مَتانَةِ المَعْنى إذْ يَصِيرُ الذَّمُّ مُتَوَجِّهًا إلى بَعْضِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهم لا يُؤْمِنُونَ، وهُمُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ: أنَّ المُرادَ بِهِمْ قُرَيْظَةُ فَإنَّهم عاهَدُوا النَّبِيءَ ﷺ أنْ لا يُحارِبُوهُ ولا يُعِينُوا عَلَيْهِ عَدُوَّهُ، ثُمَّ نَقَضُوا عَهْدَهم فَأمَدُّوا المُشْرِكِينَ بِالسِّلاحِ والعُدَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ، واعْتَذَرُوا فَقالُوا: نَسِينا وأخْطَأْنا، ثُمَّ عاهَدُوهُ أنْ لا يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَنَكَثُوا عَهْدَهم يَوْمَ الخَنْدَقِ، ومالُوا مَعَ الأحْزابِ، وأمَدُّوهم بِالسِّلاحِ والأدْراعِ. والأظْهَرُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمْ قُرَيْظَةَ وغَيْرَهم مِن بَعْضِ قَبائِلِ المُشْرِكِينَ، وأخَصُّها المُنافِقُونَ فَقَدْ كانُوا يُعاهِدُونَ النَّبِيءَ ﷺ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم كَما قالَ تَعالى: ﴿وإنْ نَكَثُوا أيْمانَهم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢] الآيَةَ وقَدْ نَقَضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ ومَن مَعَهُ عَهْدَ النُّصْرَةِ في أُحُدٍ، فانْخَذَلَ بِمَن مَعَهُ وكانُوا ثُلُثَ الجَيْشِ. وقَدْ ذُكِرَ في أوَّلِ سُورَةِ ”بَراءَةٌ“ عَهْدُ فِرَقٍ مِنَ المُشْرِكِينَ. وهَذا هو الأنْسَبُ بِإجْراءِ صِلَةِ ”الَّذِينَ كَفَرُوا“ عَلَيْهِمْ لِأنَّ الكُفْرَ غَلَبَ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ إطْلاقُهُ عَلى المُشْرِكِينَ. والتَّعْبِيرُ في جانِبِ نَقْضِهِمُ العَهْدَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ: لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ يَتَجَدَّدُ مِنهم ويَتَكَرَّرُ، بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، وأنَّهم لا يَنْتَهُونَ عَنْهُ، فَهو تَعْرِيضٌ بِالتَّأْيِيسِ مِن وفائِهِمْ بِعَهْدِهِمْ، ولِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ﴾ إلَخْ. فالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ نَقَضُوا عَهْدَهم ويَنْقُضُونَهُ في كُلِّ مَرَّةٍ. والمُرادُ بِـ ”كُلِّ مَرَّةٍ“ كُلُّ مَرَّةٍ مِنَ المَرّاتِ الَّتِي يَحِقُّ فِيها الوَفاءُ بِما عاهَدُوهُ عَلَيْهِ سَواءٌ تَكَرَّرَ العَهْدُ أمْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأنَّ العَهْدَ الأوَّلَ يَقْتَضِي الوَفاءَ كُلَّما دَعا داعٍ إلَيْهِ. والأظْهَرُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عَقِبَ وقْعَةِ بَدْرٍ، وقَبْلَ وقْعَةِ الخَنْدَقِ، فالنَّقْضُ الحاصِلُ مِنهم حَصَلَ مَرَّةً واحِدَةً، وأخْبَرَ عَنْهُ بِأنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَرّاتٍ. وإنْ كانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ الخَنْدَقِ، بِأنِ امْتَدَّ زَمانُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، فالنَّقْضُ مِنهم قَدْ حَصَلَ مَرَّتَيْنِ، (p-٤٩)والإخْبارُ عَنْهُ بِأنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَرّاتٍ هو هو، فَلا جَدْوى في ادِّعاءِ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وقْعَةِ الخَنْدَقِ. وجُمْلَةُ ﴿وهم لا يَتَّقُونَ﴾ إمّا عَطْفٌ عَلى الصِّلَةِ، أوْ عَلى الخَبَرِ، أوْ في مَحَلِّ الحالِ مِن ضَمِيرِ ”يَنْقُضُونَ“ . وعَلى جَمِيعِ الِاحْتِمالاتِ فَهي دالَّةٌ عَلى أنَّ انْتِفاءَ التَّقْوى عَنْهم صِفَةٌ مُتَمَكِّنَةٌ مِنهم، ومَلَكَةٌ فِيهِمْ، بِما دَلَّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ المَنفِيِّ مِن تَقَوِّي الحُكْمِ وتَحْقِيقِهِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ووُقُوعُ فِعْلِ ”يَتَّقُونَ“ في حَيِّزِ النَّفْيِ يَعُمُّ سائِرَ جِنْسِ الِاتِّقاءِ وهو الجِنْسُ المُتَعارَفُ مِنهُ، الَّذِي يَتَّهِمُهم بِهِ أهْلُ المُرُوءاتِ والمُتَدَيِّنُونَ، فَيَعُمُّ اتِّقاءَ اللَّهِ وخَشْيَةَ عِقابِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ويَعُمُّ اتِّقاءَ العارِ، واتِّقاءَ المَسَبَّةِ واتِّقاءَ سُوءِ السُّمْعَةِ. فَإنَّ الخَيْسَ بِالعَهْدِ والغَدْرَ مِنَ القَبائِحِ عِنْدَ جَمِيعِ أهْلِ الأحْلامِ، وعِنْدَ العَرَبِ أنْفُسِهِمْ، ولِأنَّ مَن عُرِفَ بِنَقْضِ العَهْدِ عَدِمَ مَن يَرْكَنُ إلى عَهْدِهِ وحِلْفِهِ، فَيَبْقى في عُزْلَةٍ مِنَ النّاسِ. فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهم قَدْ غَلَبَهُمُ البُغْضُ في الدِّينِ، فَلَمْ يَعْبَأُوا بِما يَجُرُّهُ نَقْضُ العَهْدِ مِنَ الأضْرارِ لَهم. وإذْ قَدْ تَحَقَّقَ مِنهم نَقْضُ العَهْدِ فِيما مَضى، وهو مُتَوَقَّعٌ مِنهم فِيما يَأْتِي، لا جَرَمَ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ ﷺ أنْ يَجْعَلَهم نَكالًا لِغَيْرِهِمْ، مَتى ظَفِرَ بِهِمْ في حَرْبٍ يُشْهِرُونَها عَلَيْهِ أوْ يُعِينُونَ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ. وجاءَ الشَّرْطُ بِحَرْفِ ”إنْ“ مَزِيدَةٍ بَعْدَها ”ما“ لِإفادَةِ تَأْكِيدِ وُقُوعِ الشَّرْطِ وبِذَلِكَ تَنْسَلِخُ ”إنْ“ عَنِ الإشْعارِ بِعَدَمِ الجُرْمِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ وزِيدَ التَّأْكِيدُ بِاجْتِلابِ نُونِ التَّوْكِيدِ. وفي شَرْحِ الرَّضِيِّ عَلى الحاجِبِيَّةِ، عَنْ بَعْضِ النُّحاةِ: لا يَجِيءُ ”إمّا“ إلّا بِنُونِ التَّأْكِيدِ بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ - تَعالى: فَإمّا تَرَيِنَّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ دَخَلَتِ النُّونُ مَعَ ”إمّا“: إمّا لِلتَّأْكِيدِ أوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَها وبَيْنَ ”إمّا“ الَّتِي هي حَرْفُ انْفِصالٍ في قَوْلِكَ: جاءَنِي إمّا زَيْدٌ وإمّا عَمْرٌو. وقُلْتُ: دُخُولُ نُونِ التَّوْكِيدِ بَعْدَ ”إنْ“ المُؤَكَّدَةِ بِـ ”ما“ غالِبٌ، ولَيْسَ بِمُطَّرِدٍ، فَقَدْ قالَ الأعْشى: ؎إمّا تَرَيْنا حُفاةً لا نِعالَ لَنا إنّا كَذَلِكِ ما نَحْفى ونَنْتَعِلُ (p-٥٠)فَلَمْ يُدْخِلْ عَلى الفِعْلِ نُونَ التَّوْكِيدِ. والثَّقَفُ: الظَّفَرُ بِالمَطْلُوبِ، أيْ: فَإنْ وجَدْتَهم وظَفِرْتَ بِهِمْ في حَرْبٍ، أيِ انْتَصَرْتَ عَلَيْهِمْ. والتَّشْرِيدُ: التَّطْرِيدُ والتَّفْرِيقُ، أيْ: فَبَعِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهم، وقَدْ يُجْعَلُ التَّشْرِيدُ كِنايَةً عَنِ التَّخْوِيفِ والتَّنْفِيرِ. وجُعِلَتْ ذَواتُ المُتَحَدَّثِ عَنْهم سَبَبَ التَّشْرِيدِ بِاعْتِبارِها في حالِ التَّلَبُّسِ بِالهَزِيمَةِ والنَّكالِ، فَهو مِن إناطَةِ الأحْكامِ بِالذَّواتِ والمُرادُ أحْوالُ الذَّواتِ مِثْلَ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] . وقَدْ عُلِمَ أنَّ مُتَعَلِّقَ تَشْرِيدِ مَن خَلْفَهم هو ما أوْجَبَ التَّنْكِيلَ بِهِمْ وهو نَقْضُ العَهْدِ. والخَلْفُ: هُنا مُسْتَعارٌ لِلِاقْتِداءِ بِجامِعِ الِاتِّباعِ، ونَظِيرُهُ الوَراءُ. في قَوْلِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: وأنا رَسُولُ مَن ورائِي. وقالَ وفْدُ الأشْعَرِيِّينَ لِلنَّبِيءِ ﷺ: فَمُرْنا بِأمْرٍ نَأْخُذُ بِهِ ونُخْبِرُ بِهِ مَن وراءَنا. والمَعْنى: فاجْعَلْهم مَثَلًا وعِبْرَةً لِغَيْرِهِمْ مِنَ الكُفّارِ الَّذِينَ يَتَرَقَّبُونَ ماذا يَجْتَنِي هَؤُلاءِ مِن نَقْضِ عَهْدِهِمْ فَيَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ، ولِأجْلِ هَذا الأمْرِ نَكَّلَ النَّبِيءُ ﷺ بِقُرَيْظَةَ حِينَ حاصَرَهم ونَزَلُوا عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، فَحَكَمَ بِأنْ تُقْتَلَ المُقاتِلَةُ وتُسْبى الذُّرِّيَّةُ، فَقَتَلَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ وكانُوا أكْثَرَ مِن ثَمانِمِائَةِ رَجُلٍ. وقَدْ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ في هَذا الأمْرِ بِالإغْلاظِ عَلى العَدُوِّ لِما في ذَلِكَ مِن مَصْلَحَةِ إرْهابِ أعْدائِهِ، فَإنَّهم كانُوا يَسْتَضْعِفُونَ المُسْلِمِينَ، فَكانَ في هَذا الإغْلاظِ عَلى النّاكِثِينَ تَحْرِيضٌ عَلى عُقُوبَتِهِمْ؛ لِأنَّهُمُ اسْتَحَقُّوها. وفي ذَلِكَ رَحْمَةٌ لِغَيْرِهِمْ لِأنَّهُ يَصُدُّ أمْثالَهم عَنِ النَّكْثِ ويَكْفِي المُؤْمِنِينَ شَرَّ النّاكِثِينَ الخائِنِينَ. فَلا تُخالِفُ هَذِهِ الشِّدَّةُ كَوْنَ الرَّسُولِ ﷺ أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ؛ لِأنَّ المُرادَ أنَّهُ رَحْمَةٌ لِعُمُومِ العالَمِينَ وإنْ كانَ ذَلِكَ لا يَخْلُو مِن شِدَّةٍ عَلى قَلِيلٍ مِنهم كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] (p-٥١)وضَمِيرُ الغَيْبَةِ في لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ راجِعٌ إلى (مَن) المَوْصُولَةِ بِاعْتِبارِ كَوْنِ مَدْلُولِ صِلَتِها جَماعَةً مِنَ النّاسِ. والتَّذَكُّرُ تَذَكُّرُ حالَةِ المُثْقَفِينَ في الحَرْبِ الَّتِي انْجَرَّتْ لَهم مِن نَقْضِ العَهْدِ، أيْ لَعَلَّ مَن خَلْفَهم يَتَذَكَّرُونَ ما حَلَّ بِناقِضِي العَهْدِ مِنَ النَّكالِ، فَلا يُقْدِمُوا عَلى نَقْضِ العَهْدِ، فَآلَ مَعْنى التَّذَكُّرِ إلى لازِمِهِ وهو الِاتِّعاظُ والِاعْتِبارُ، وقَدْ شاعَ إطْلاقُ التَّذَكُّرِ وإرادَةُ مَعْناهُ الكِنائِيِّ وغَلَبَ فِيهِ.


ركن الترجمة

If you meet them in battle, inflict on them such a defeat as would be a lesson for those who come after them, and that they may be warned.

Donc, si tu les maîtrises à la guerre, inflige-leur un châtiment exemplaire de telle sorte que ceux qui sont derrière eux soient effarouchés. Afin qu'ils se souviennent.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :