موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الثلاثاء 19 شعبان 1446 هجرية الموافق ل18 فبراير 2025


الآية [60] من سورة  

وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىْءٍ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ


ركن التفسير

60 - (وأعدوا لهم) لقتالهم (ما استطعتم من قوة) قال صلى الله عليه وسلم : " هي الرمي " رواه مسلم (ومن رباط الخيل) مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله (ترهبون) تخوفون (به عدو الله وعدوكم) أي كفار مكة (وآخرين من دونهم) أي غيرهم وهم المنافقون أو اليهود (لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم) جزاؤه (وأنتم لا تظلمون) تنقصون منه شيئاً

فقال "وأعدوا لهم ما استطعتم" أي مهما أمكنكم "من قوة ومن رباط الخيل" قال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شفي أخي عقبة بن عامر أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر " "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم عن هرون بن معروف وأبو داود عن سعيد بن منصور وابن ماجه عن يونس بن عبدالأعلى ثلاثتهم عن عبدالله بن وهب به.ولهذا الحديث طرق أخر عن عقبة بن عامر منها ما رواه الترمذي من حديث صالح بن كيسان عن رجل عنه وروى الإمام أحمد وأهل السنن عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا" وقال الإمام مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الخيل لثلاثة: لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسنات له فهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء فهي على ذلك وزر" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال "ما أنزل الله على فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" رواه البخاري وهذا لفظه ومسلم كلاهما من حديث مالك وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج أخبرنا شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن وفرس للشيطان وفرس للإنسان فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله - وذكر ما شاء الله - وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليها وأما فرس الإنسان فالفرس يربطها الإنسان يلتمس بطنها فهي له ستر من الفقر" وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي وقول الجمهور أقوى للحديث والله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج وهشام قالا حدثنا ليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة أن معاوية بن خديج مر على أبي ذر وهو قائم عند فرس له فسأله ما تعاني من فرسك هذا؟ فقال إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته. قال وما دعاء بهيمة من البهائم؟ قال والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر فيقول: اللهم أنت خولتني عبدا من عبادك وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده. قال وحدثنا يحيى بن سعيد عن عبدالحميد بن أبي جعفر حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن خديج عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه - أو - أحب أهله وماله إليه". رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى القطان به. وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا الحسين بن إسحق التستري حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لابن الحنظلية يعني سهلا حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ومن ربط فرسا في سبيل الله كانت النفقة عليها كالماد يده بالصدقة لا يقبضها" والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة. وفي صحيح البخاري عن عروة ابن أبي الجعد البارقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم". وقوله "ترهبون" أي تخوفون "به عدو الله وعدوكم" أي من الكفار "وآخرين من دونهم" قال مجاهد يعني بني قريظة وقال السدي: فارس وقال سفيان الثوري قال ابن يمان هم الشياطين التي في الدور وقد ورد حديث بمثل ذلك. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي حدثنا أبو حيوة يعني شريح بن زيد المقري حدثنا سعيد بن سنان عن ابن غريب يعني يزيد بن عبدالله بن غريب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في قول الله تعالى "وآخرين من دونهم لا تعلمونهم" قال هم الجن. ورواه الطبراني عن إبراهيم بن دحيم عن أبيه عن محمد بن شعيب عن سنان بن سعيد بن سنان عن يزيد بن عبدالله بن غريب به وزاد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يخبل بيت فيه عتيق من الخيل". وهذا الحديث منكر لا يصح إسناده ولا متنه وقال مقاتل بن حيان وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم هم المنافقون وهذا أشبه الأقوال ويشهد له قوله تعالى "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" وقوله "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" أي مهما أنفقتم في الجهاد فإنه يوفى إليكم على التمام والكمال ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف كما تقدم في قوله تعالى "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية حدثنا أحمد بن عبدالرحمن الدشتكي حدثنا أبي عن أبيه حدثنا الأشعث بن إسحق عن جعفر بن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر أن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم" فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين وهذا أيضا غريب.

﴿وأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكم وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهم وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ في سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكم وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ . عُطِفَتْ جُمْلَةُ ”وأعِدُّوا“ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ﴾ [الأنفال: ٥٧] أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ [الأنفال: ٥٩] فَتُفِيدُ مَفادَ الِاحْتِراسِ عَنْ مُفادِها؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (p-٥٥)﴿ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ [الأنفال: ٥٩] يُفِيدُ تَوْهِينًا لِشَأْنِ المُشْرِكِينَ، فَتَعْقِيبُهُ بِالأمْرِ بِالِاسْتِعْدادِ لَهم: لِئَلّا يَحْسَبَ المُسْلِمُونَ أنَّ المُشْرِكِينَ قَدْ صارُوا في مُكْنَتِهِمْ، ويَلْزَمُ مِن ذَلِكَ الِاحْتِراسِ أنَّ الِاسْتِعْدادَ لَهم هو سَبَبُ جَعْلِ اللَّهِ إيّاهم لا يُعْجِزُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ هَيَّأ أسْبابَ اسْتِئْصالِهِمْ ظاهِرَها وباطِنَها. والإعْدادُ: التَّهْيِئَةُ والإحْضارُ، ودَخَلَ في ”ما اسْتَطَعْتُمْ“ كُلُّ ما يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ النّاسِ اتِّخاذُهُ مِنَ العُدَّةِ. والخِطابُ لِجَماعَةِ المُسْلِمِينَ ووُلاةِ الأمْرِ مِنهم؛ لِأنَّ ما يُرادُ مِنَ الجَماعَةِ إنَّما يَقُومُ بِتَنْفِيذِهِ وُلاةُ الأُمُورِ الَّذِينَ هم وُكَلاءُ الأُمَّةِ عَلى مَصالِحِها. والقُوَّةُ كَمالُ صَلاحِيَةِ الأعْضاءِ لِعَمَلِها وقَدْ تَقَدَّمَتْ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الأنفال: ٥٢] وعِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَخُذْها بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] . وتُطْلَقُ القُوَّةُ مَجازًا عَلى شِدَّةِ تَأْثِيرِ شَيْءِ ذِي أثَرٍ، وتُطْلَقُ أيْضًا عَلى سَبَبِ شِدَّةِ التَّأْثِيرِ، فَقُوَّةُ الجَيْشِ شِدَّةُ وقْعِهِ عَلى العَدُوِّ، وقُوَّتُهُ أيْضًا سِلاحُهُ وعَتادُهُ، وهو المُرادُ هُنا، فَهو مَجازٌ مُرْسَلٌ بِواسِطَتَيْنِ فاتِّخاذُ السُّيُوفِ والرِّماحِ والأقْواسِ والنِّبالِ مِنَ القُوَّةِ في جُيُوشِ العُصُورِ الماضِيَةِ، واتِّخاذُ الدَّبّاباتِ والمَدافِعِ والطَّيّاراتِ والصَّوارِيخِ مِنَ القُوَّةِ في جُيُوشِ عَصْرِنا. وبِهَذا الِاعْتِبارِ يُفَسَّرُ ما رَوى مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ عَلى المِنبَرِ ثُمَّ قالَ: «ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، قالَها ثَلاثًا»، أيْ: أكْمَلُ أفْرادِ القُوَّةِ آلَةُ الرَّمْيِ، أيْ: في ذَلِكَ العَصْرِ. ولَيْسَ المُرادُ حَصْرَ القُوَّةِ في آلَةِ الرَّمْيِ. وعَطْفُ ”﴿رِباطِ الخَيْلِ﴾“ عَلى القُوَّةِ مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ، لِلِاهْتِمامِ بِذَلِكَ الخاصِّ. (والرِّباطُ) صِيغَةُ مُفاعَلَةٍ أُتِيَ بِها هُنا لِلْمُبالَغَةِ لِتَدُلَّ عَلى قَصْدِ الكَثْرَةِ مِن رَبْطِ الخَيْلِ لِلْغَزْوِ، أيِ احْتِباسُها ورَبْطُها انْتِظارًا لِلْغَزْوِ عَلَيْها، كَقَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ «مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا في سَبِيلِ اللَّهِ كانَ رَوَثُها وبَوْلُها حَسَناتٍ لَهُ» الحَدِيثَ. يُقالُ: رَبَطَ الفَرَسَ إذا شَدَّهُ في مَكانِ حِفْظِهِ، وقَدْ سَمَّوُا المَكانَ الَّذِي تُرْتَبَطُ فِيهِ الخَيْلُ (p-٥٦)رِباطًا؛ لِأنَّهم كانُوا يَحْرُسُونَ الثُّغُورَ المَخُوفَةَ راكِبِينَ عَلى أفْراسِهِمْ، كَما وصَفَ ذَلِكَ لَبِيدٌ في قَوْلِهِ: ؎ولَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمُلُ شِكَّتِي فُرُطٌ وِشاحِيَ إنْ رَكَبْتُ زِمامُها إلى أنْ قالَ: ؎حَتّى إذا ألْقَتْ يَدًا في كَـافِـرٍ ∗∗∗ وأجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها ؎أسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ ∗∗∗ جَرْداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرّامُها ثُمَّ أُطْلِقَ الرِّباطُ عَلى مَحْرَسِ الثَّغْرِ البَحْرِيِّ، وبِهِ سَمَّوْا رِباطَ دِمْياطَ بِمِصْرَ، ورِباطَ المُنَسْتِيرِ بِتُونُسَ، ورِباطَ سَلا بِالمَغْرِبِ الأقْصى. وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وجُمْلَةُ ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ﴾ إمّا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، ناشِئًا عَنْ تَخْصِيصِ الرِّباطِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ ما يَعُمُّهُ، وهو القُوَّةُ، وإمّا في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ”وأعِدُّوا“ وعَدُوُّ اللَّهِ وعَدُوُّهم: هُمُ المُشْرِكُونَ فَكانَ تَعْرِيفُهم بِالإضافَةِ لِأنَّها أخْصَرُ طَرِيقٍ لِتَعْرِيفِهِمْ، ولِما تَتَضَمَّنُهُ مِن وجْهِ قِتالِهِمْ وإرْهابِهِمْ، ومِن ذَمِّهِمْ، أنْ كانُوا أعْداءَ رَبِّهِمْ، ومِن تَحْرِيضِ المُسْلِمِينَ عَلى قِتالِهِمْ إذْ عُدُّوا أعْداءً لَهم، فَهم أعْداءُ اللَّهِ لِأنَّهم أعْداءُ تَوْحِيدِهِ وهم أعْداءُ رَسُولِهِ ﷺ لِأنَّهم صارَحُوهُ بِالعَداوَةِ، وهم أعْداءُ المُسْلِمِينَ لِأنَّ المُسْلِمِينَ أوْلِياءُ دِينِ اللَّهِ والقائِمُونَ بِهِ وأنْصارُهُ. فَعَطْفُ ”وعَدُوَّكم“ عَلى ﴿عَدُوَّ اللَّهِ﴾ مِن عَطْفِ صِفَةِ مَوْصُوفٍ واحِدٍ مِثْلَ قَوْلِ الشّاعِرِ، وهو مِن شَواهِدِ أهْلِ العَرَبِيَّةِ: ؎إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُما ∗∗∗ مِ ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمِ والإرْهابُ جَعْلُ الغَيْرِ راهِبًا، أيْ: خائِفًا، فَإنَّ العَدُوَّ إذا عَلِمَ اسْتِعْدادَ عَدُوِّهِ لِقِتالِهِ خافَهُ، ولَمْ يَجْرَأْ عَلَيْهِ، فَكانَ ذَلِكَ هَناءً لِلْمُسْلِمِينَ وأمْنًا مِن أنْ يَغْزُوَهم أعْداؤُهم، (p-٥٧)فَيَكُونُ الغَزْوُ بِأيْدِيهِمْ: يَغْزُونَ الأعْداءَ مَتى أرادُوا، وكانَ الحالُ أوْفَقَ لَهم، وأيْضًا إذا رَهَبُوهم تَجَنَّبُوا إعانَةَ الأعْداءِ عَلَيْهِمْ. والمُرادُ بِآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ أعْداءٌ لا يَعْرِفُهُمُ المُسْلِمُونَ بِالتَّعْيِينِ ولا بِالإجْمالِ، وهم مَن كانَ يُضْمِرُ لِلْمُسْلِمِينَ عَداوَةً وكَيْدًا، ويَتَرَبَّصُ بِهِمُ الدَّوائِرَ، مِثْلَ بَعْضِ القَبائِلِ. فَقَوْلُهُ: لا تَعْلَمُونَهم أيْ لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَهم قَبْلَ هَذا الإعْلامِ، وقَدْ عَلِمْتُمُوهُمُ الآنَ إجْمالًا، أوْ أُرِيدَ: لا تَعْلَمُونَهم بِالتَّفْصِيلِ ولَكِنَّكم تَعْلَمُونَ وجُودَهم إجْمالًا مِثْلَ المُنافِقِينَ، فالعِلْمُ بِمَعْنى المَعْرِفَةِ. ولِهَذا نَصَبَ مَفْعُولًا واحِدًا. وقَوْلُهُ: (مِن دُونِهِمْ) مُؤْذِنٌ بِأنَّهم قَبائِلُ مِنَ العَرَبِ كانُوا يَنْتَظِرُونَ ما تَنْكَشِفُ عَنْهُ عاقِبَةُ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ مِن حَرْبِهِمْ مَعَ المُسْلِمِينَ، فَقَدْ كانَ ذَلِكَ دَأْبَ كَثِيرٍ مِنَ القَبائِلِ كَما ورَدَ في السِّيرَةِ، ولِذَلِكَ ذُكِرَ مِن دُونِهِمْ بِمَعْنى: مِن جِهاتٍ أُخْرى؛ لِأنَّ أصْلَ (دُونَ) أنَّها لِلْمَكانِ المُخالِفِ، وهَذا أوْلى مِن حَمْلِهِ عَلى مُطْلَقِ المُغايَرَةِ الَّتِي هي مِن إطْلاقاتِ كَلِمَةِ (دُونَ) لِأنَّ ذَلِكَ المَعْنى قَدْ أغْنى عَنْهُ وصْفُهم بِـ ”آخَرِينَ“ وجُمْلَةُ ﴿اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ لِهَؤُلاءِ الآخَرِينَ، فالخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ الكِنائِيِّ، وهو تَعَقُّبُهم والإغْراءُ بِهِمْ، وتَعْرِيضٌ بِالِامْتِنانِ عَلى المُسْلِمِينَ بِأنَّهم بِمَحَلِّ عِنايَةِ اللَّهِ، فَهو يُحْصِي أعْداءَهم ويُنَبِّهُهم إلَيْهِمْ. وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ: لِلتَّقَوِّي، أيْ: تَحْقِيقِ الخَبَرِ وتَأْكِيدِهِ، والمَقْصُودُ تَأْكِيدُ لازِمِ مَعْناهُ، أمّا أصْلُ المَعْنى فَلا يَحْتاجُ إلى التَّأْكِيدِ إذْ لا يُنْكِرُهُ أحَدٌ، وأمّا حَمْلُ التَّقْدِيمِ هُنا عَلى إرادَةِ الِاخْتِصاصِ فَلا يَحْسُنُ، لِلِاسْتِغْناءِ عَنْ طَرِيقِ القَصْرِ بِجُمْلَةِ النَّفْيِ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ فَلَوْ قِيلَ: ويَعْلَمُهُمُ اللَّهُ لَحَصَلَ مَعْنى القَصْرِ مِن مَجْمُوعِ الجُمْلَتَيْنِ. وإذْ قَدْ كانَ إعْدادُ القُوَّةِ يَسْتَدْعِي إنْفاقًا، وكانَتِ النُّفُوسُ شَحِيحَةً بِالمالِ، تَكَفَّلَ اللَّهُ لِلْمُنْفِقِينَ في سَبِيلِهِ بِإخْلافِ ما أنْفَقُوهُ والإثابَةِ عَلَيْهِ، فَقالَ ﴿وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ في سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ﴾ . فَسَبِيلُ اللَّهِ هو الجِهادُ لِإعْلاءِ كَلِمَتِهِ. (p-٥٨)والتَّوْفِيَةُ: أداءُ الحَقِّ كامِلًا، جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الإنْفاقَ كالقَرْضِ لِلَّهِ، وجَعَلَ عَلى الإنْفاقِ جَزاءً، فَسَمّى جَزاءَهُ تَوْفِيَةً عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ، وتَدُلُّ التَّوْفِيَةُ عَلى أنَّهُ يَشْمَلُ الأجْرَ في الدُّنْيا مَعَ أجْرِ الآخِرَةِ، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وتَعْدِيَةُ التَّوْفِيَةِ إلى الإنْفاقِ بِطَرِيقِ بِناءِ الفِعْلِ لِلنّائِبِ، وإنَّما الَّذِي يُوَفّى هو الجَزاءُ عَلى الإنْفاقِ في سَبِيلِ اللَّهِ، لِلْإشارَةِ إلى أنَّ المُوَفّى هو الثَّوابُ. والتَّوْفِيَةُ تَكُونُ عَلى قَدْرِ الإنْفاقِ وأنَّها مِثْلُهُ، كَما يُقالُ: وفّاهُ دَيْنَهُ، وإنَّما وفّاهُ مُماثِلًا لِدَيْنِهِ. وقَرِيبٌ مِنهُ قَوْلُهم: قَضى صَلاةَ الظُّهْرِ، وإنَّما قَضى صَلاةً بِمِقْدارِها، فالإسْنادُ: إمّا مَجازٌ عَقْلِيٌّ، أوْ هو مَجازٌ بِالحَذْفِ. والظُّلْمُ: هُنا مُسْتَعْمَلٌ في النَّقْصِ مِنَ الحَقِّ؛ لِأنَّ نَقْصَ الحَقِّ ظُلْمٌ، وتَسْمِيَةُ النَّقْصِ مِنَ الحَقِّ ظُلْمًا حَقِيقَةٌ. ولَيْسَ هو كالَّذِي في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿كِلْتا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها ولَمْ تَظْلِمْ مِنهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣]


ركن الترجمة

Prepare against them whatever arms and cavalry you can muster, that you may strike terror in (the hearts of) the enemies of God and your own, and others besides them not known to you, but known to God. Whatever you spend in the way of God will be paid back to you in full, and no wrong will be done to you.

Et préparez [pour lutter] contre eux tout ce que vous pouvez comme force et comme cavalerie équipée, afin d'effrayer l'ennemi d'Allah et le vôtre, et d'autres encore que vous ne connaissez pas en dehors de ceux-ci mais qu'Allah connaît. Et tout ce que vous dépensez dans le sentier d'Allah vous sera remboursé pleinement et vous ne serez point lésés.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :