ركن التفسير
64 - (يا أيها النبي حسبك الله و) حسبك (من اتبعك من المؤمنين)
يحرض تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران ويخبرهم أنه حسبهم أي كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم ولو قل عدد المؤمنين. قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا سفيان عن ابن شوذب عن الشعبي في قوله "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" قال حسبك الله وحسب من شهد معك قال وروي عن عطاء الخراساني وعبدالرحمن بن زيد مثله.
(p-٦٥)﴿يا أيُّها النَّبِيءُ حَسْبُكَ اللَّهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ بِالإقْبالِ عَلى خِطابِ الرَّسُولِ ﷺ بِأوامِرَ وتَعالِيمَ عَظِيمَةٍ، مَهَّدَ لِقَبُولِها وتَسْهِيلِها بِما مَضى مِنَ التَّذْكِيرِ بِعَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ والِامْتِنانِ بِعِنايَتِهِ بِرَسُولِهِ والمُؤْمِنِينَ، وإظْهارِ أنَّ النَّجاحَ والخَيْرَ في طاعَتِهِ وطاعَةِ اللَّهِ، مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا، فَمَوْقِعُ هَذِهِ الآيَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَها كامِلُ الِاتِّساقِ والِانْتِظامِ، فَإنَّهُ لَمّا أخْبَرَهُ بِأنَّهُ حَسْبُهُ وكافِيهِ، وبَيَّنَ ذَلِكَ بِأنَّهُ أيَّدَهُ بِنَصْرِهِ فِيما مَضى وبِالمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ صارَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَظٌّ في كِفايَةِ اللَّهِ - تَعالى - رَسُولَهُ ﷺ فَلا جَرَمَ أنْتَجَ ذَلِكَ أنَّ حَسْبَهُ اللَّهُ والمُؤْمِنُونَ، فَكانَتْ جُمْلَةُ ﴿يا أيُّها النَّبِيءُ حَسْبُكَ اللَّهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ كالفَذْلَكَةِ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها. وتَخْصِيصُ النَّبِيءِ بِهَذِهِ الكِفايَةِ لِتَشْرِيفِ مَقامِهِ بِأنَّ اللَّهَ يَكْفِي الأُمَّةَ لِأجْلِهِ. والقَوْلُ في وُقُوعِ (حَسْبُ) مُسْنَدًا إلَيْهِ هُنا كالقَوْلِ في قَوْلِهِ آنِفًا فَإنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ وفِي عَطْفِ ”المُؤْمِنِينَ“ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ هَنا: تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ كِفايَةِ اللَّهِ النَّبِيءَ ﷺ بِهِمْ، إلّا أنَّ الكِفايَةَ مُخْتَلِفَةٌ وهَذا مِن عُمُومِ المُشْتَرَكِ لا مِن إطْلاقِ المُشْتَرَكِ عَلى مَعْنَيَيْنِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيءِ﴾ [الأحزاب: ٥٦] وقِيلَ: يُجْعَلُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مَفْعُولًا مَعَهُ لِقَوْلِهِ: حَسْبُكَ بِناءً عَلى قَوْلِ البَصْرِيِّينَ أنَّهُ لا يُعْطَفُ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ اسْمٌ ظاهِرٌ، أوْ يُجْعَلُ مَعْطُوفًا عَلى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ المُجَوِّزِينَ لِمِثْلِ هَذا العَطْفِ. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ التَّنْوِيهُ بِالمُؤْمِنِينَ في جَعْلِهِمْ مَعَ النَّبِيءِ ﷺ في هَذا التَّشْرِيفِ، والتَّفْسِيرُ الأوَّلُ أوْلى وأرْشَقُ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿يا أيُّها النَّبِيءُ حَسْبُكَ اللَّهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ نَزَلَتْ يَوْمَ أسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ. فَتَكُونُ مَكِّيَّةً، وبَقِيَتْ مَقْرُوءَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ في سُورَةٍ، ثُمَّ وُضِعَتْ في هَذا المَوْضِعِ بِإذْنٍ مِنَ النَّبِيءِ ﷺ لِكَوْنِهِ أنْسَبَ لَها. (p-٦٦)وعَنِ النَّقّاشِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِالبَيْداءِ في بَدْرٍ، قَبْلَ ابْتِداءِ القِتالِ، فَيَكُونُ نُزُولُها مُتَقَدِّمًا عَلى أوَّلِ السُّورَةِ ثُمَّ جُعِلَتْ في هَذا المَوْضِعِ مِنَ السُّورَةِ. والتَّناسُبُ بَيْنَها وبَيْنَ الآيَةِ الَّتِي بَعْدَها ظاهِرٌ مَعَ اتِّفاقِهِمْ عَلى أنَّ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَها نَزَلَتْ مَعَ تَمامِ السُّورَةِ فَهي تَمْهِيدٌ لِأمْرِ المُؤْمِنِينَ بِالقِتالِ لِيُحَقِّقُوا كِفايَتَهُمُ الرَّسُولَ.