ركن التفسير
100 - (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) بإرادته (ويجعل الرجس) العذاب (على الذين لا يعقلون) يتدبرون آيات الله
ولهذا قال تعالى "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس" وهو الخبال والضلال "علي الذين لا يعقلون" أي حجج الله وأدلته وهو العادل في كل ذلك في هداية من هدى وإضلال من ضل.
(p-٢٩٤)﴿وما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ عَطَفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ﴾ [يونس: ٩٩] لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِها لِأنَّ مَضْمُونَها إنْكارُ أنْ يَقْدِرَ النَّبِيءُ ﷺ عَلى إلْجاءِ النّاسِ إلى الإيمانِ لِأنَّ اللَّهَ هو الَّذِي يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ لِلْحالِ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِ، أيْ كَيْفَ يُمْكِنُكَ أنْ تُكْرِهَ النّاسَ عَلى الإيمانِ والحالُ أنَّهُ لا تَسْتَطِيعُ نَفْسٌ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ لَها بِالإيمانِ. والإذْنُ: هُنا إذَنُ تَكْوِينٍ وتَقْدِيرٍ. فَهو، خَلَقَ النَّفْسَ مُسْتَعِدَّةً لِقَبُولِ الحَقِّ مُمَيِّزَةً بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، والصَّلاحِ والفَسادِ، مُتَوَصِّلَةً بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ إلى مَعْرِفَةِ ما يَنْبَغِي أنْ يُتَّبَعَ وما لا يَنْبَغِي، مُتَمَكِّنَةً بِصِحَّةِ الإرادَةِ مِن زَجْرِ داعِيَةِ الهَوى والأعْراضِ العاجِلَةِ ومِنِ اتِّباعِ داعِيَةِ الحَقِّ والعاقِبَةِ الدّائِمَةِ حَتّى إذا وُجِّهَ إلَيْها الإرْشادُ حَصَلَ فِيها الهُدى. ويُومِئُ إلى هَذا المَعْنى مِنَ الإذْنِ قَوْلُهُ في مُقابِلِهِ ﴿ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ فَقابَلَ هَذِهِ الحالَةَ بِحالَةِ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فَعَلِمَ أنَّ حالَةَ الإيمانِ حالَةُ مَن يَعْقِلُونَ، فَبَيَّنَتْ آيَةُ ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ﴾ [يونس: ٩٩] أنَّ إيمانَ مَن لَمْ يُؤْمِن هو لِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ إيمانَهُ. وبَيَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ أنَّ إيمانَ مَن آمَنَ هو بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إيمانَهُ، وكِلاهُما راجِعٌ إلى تَقْدِيرِ التَّكْوِينِ في النُّفُوسِ والعُقُولِ. والرِّجْسُ: حَقِيقَتُهُ الخُبْثُ والفَسادُ. وأُطْلِقَ هُنا عَلى الكُفْرِ؛ لِأنَّهُ خُبْثٌ نَفْسانِيٌّ، والقَرِينَةُ مُقابَلَتُهُ بِالإيمانِ كالمُقابِلَةِ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهم إيمانًا﴾ [التوبة: ١٢٤] إلى قَوْلِهِ ﴿فَزادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٥] . والمَعْنى: ويُوقِعُ (p-٢٩٥)الكُفْرَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. والمُرادُ نَفْيُ العَقْلِ المُسْتَقِيمِ، أيِ الَّذِينَ لا تَهْتَدِي عُقُولُهم إلى إدْراكِ الحَقِّ ولا يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهم بِالنَّظَرِ في الأدِلَّةِ. وعَلى لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ المُسْتَعْمَلِ في التَّمَكُّنِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿ويَجْعَلُ الرِّجْسَ﴾ بِياءِ الغَيْبَةِ، والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى اسْمِ الجَلالَةِ الَّذِي قَبْلَهُ. وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ونَجْعَلُ بِنُونِ العَظَمَةِ.