ركن التفسير
44 - (يوم) بدل من يوم قبله وما بينهما اعتراض (تشقق) بتخفيف الشين وتشديدها بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها (الأرض عنهم سراعا) جمع سريع حال من مقدر أي فيخرجون مسرعين (ذلك حشر علينا يسير) فيه فصل بين الموصوف والصفة بمتعلقها للاختصاص وهولا يضر ذلك اشارة إلى معنى الحشر المخبر به عنه وهو الاحياء بعد الفناء والجمع للعرض والحساب
وذلك أن الله عز وجل ينزل مطرا من السماء ينبت أجساد الخلائق كلها في قبورها كما ينبت الحب في الثرى بالماء فإذا تكاملت الأجساد أمر الله تعالى إسرافيل فينفخ في الصور وقد أوعت الأرواح في ثقب في الصور فإذا نفخ إسرافيل فيه خرجت الأرواح تتوهج بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فترجع كل روح إلى جسدها فتدب فيه كما يدب السم في اللديغ وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب سراعا مبادرين إلى أمر الله عز وجل "مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر" وقال الله تعالى "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أول من تنشق عنه الأرض" وقوله عز وجل "ذلك حشر علينا يسير" أي تلك إعادة سهلة علينا يسيرة لدينا كما قال جل جلاله "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" وقال سبحانه وتعالى "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير".
﴿يَوْمَ تَشَّقَّقُ الأرْضُ عَنْهم سِراعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ إنْ جَرَيْتَ عَلى أقْوالِ المُفَسِّرِينَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ السّابِقَةِ أفادَتْ هَذِهِ الآيَةُ بَيانًا لِجُمْلَةِ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ أوْ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِنها مَعَ ما في المَعادِ مِنها مِن تَأْكِيدٍ لِمُرادِفِهِ. وإنْ جَرَيْتَ عَلى ما ارْتَأيْتُهُ في مَحْمَلِ الآيَةِ السّابِقَةِ أفادَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافًا اسْتِدْلالًا عَلى إمْكانِ الحَشْرِ ووَصْفِ حالٍ مِن أحْوالِهِ وهو تَشَقُّقُ الأرْضِ عَنْهم، أيْ عَنْ أجْسادٍ مَثِيلَةٍ لِأجْسادِهِمْ وعَنِ الأجْسادِ الَّتِي لَمْ يَلْحَقْها الفَناءُ. وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ (تَشَّقَّقُ) بِفَتْحِ التّاءِ (p-٣٣٣)وتَشْدِيدِ الشِّينِ. وأصْلُهُ تَتَشَقَّقُ بِتاءَيْنِ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ الثّانِيَةُ في الشِّينِ بَعْدَ قَلْبِها شِينًا لِتَقارُبِ مَخْرَجَيْهِما. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ تَشَقَّقُ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ عَلى حَذْفِ تاءِ التَّفَعُّلِ لِاسْتِثْقالِ الجَمْعِ بَيْنَ تاءَيْنِ. و”سِراعًا“ حالٌ مِن ضَمِيرِ ”عَنْهم“ وهو جَمْعُ سَرِيعٍ، أيْ سِراعًا في الخُرُوجِ أوْ في المَشْيِ الَّذِي يَعْقُبُهُ إلى مَحَلِّ الحِسابِ. والقَوْلُ في إعْرابِ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهم سِراعًا ذَلِكَ حَشْرٌ كالقَوْلِ في إعْرابِ قَوْلِهِ: يَوْمَ يُنادِي المُنادِي مِن مَكانٍ قَرِيبٍ إلى ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ وكَذَلِكَ القَوْلُ في اخْتِلافِ اسْمِ الإشارَةِ مِثْلُهُ. وتَقَدُّمُ المَجْرُورِ في ”عَلَيْنا“ لِلِاخْتِصاصِ، أيْ هو يَسِيرٌ في جانِبِ قُدْرَتِنا لا كَما زَعَمَهُ نُفاةُ الحَشْرِ.