ركن التفسير
21 - (وجاءت) فيه (كل نفس) إلى المحشر (معها سائق) ملك يسوقها إليه (وشهيد) يشهد عليها بعملها وهو الأيدي والأرجل وغيرها ويقال للكافر
"وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" أي ملك يسوقه إلى المحشر وملك يشهد عليه بأعماله هذا هو الظاهر من الآية الكريمة. وهو اختيار ابن جرير ثم روى من حديث إسماعيل بن أبى خالد عن يحيى بن رافع مولى لثقيف قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب فقرأ هذه الآية "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" فقال سائق يسوقها إلى الله تعالى وشاهد يشهد عليها بما عملت وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد وقال مطرف عن أبي جعفر مولى أشجع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال السائق الملك والشهيد العمل وكذا قال الضحاك والسدي وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما السائق من الملائكة والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه وبه قال الضحاك بن مزاحم.
﴿ونُفِخَ في الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ﴾ ﴿وجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿وجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ﴾ [ق: ١٩] عَلى تَفْسِيرِ الجُمْهُورِ. فَأمّا عَلى تَفْسِيرِ الفَخْرِ فالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ وصِيغَةُ المُضِيِّ في قَوْلِهِ: ”ونُفِخَ“ مُسْتَعْمَلَةٌ في مَعْنى المُضارِعِ، أيْ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَصِيغَ لَهُ المُضِيُّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]، والمُشارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ﴾ إذْ أنَّ ذَلِكَ الزَّمانَ الَّذِي نُفِخَ في الصُّورِ عِنْدَهُ هو يَوْمُ الوَعِيدِ. والنَّفْخُ في الصُّوَرِ تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] في سُورَةِ الأنْعامِ. وجُمْلَةُ ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ﴾ مُعْتَرِضَةٌ. والإشارَةُ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ﴾ راجِعَةٌ إلى النَّفْعِ المَأْخُوذِ مِن فِعْلِ ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ﴾ . والإخْبارُ عَنِ النَّفْخِ بِأنَّهُ يَوْمُ الوَعِيدِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ ذَلِكَ حُلُولُ يَوْمِ الوَعِيدِ. وإضافَةُ يَوْمٍ إلى الوَعِيدِ مِن إضافَةِ الشَّيْءِ إلى ما يَقَعُ فِيهِ، أيْ يَوْمَ حُصُولِ الوَعِيدِ الَّذِي كانُوا تُوُعِّدُوا بِهِ، والِاقْتِصارُ عَلى ذِكْرِ الوَعِيدِ لِما عَلِمْتَ مِن أنَّ المَقْصُودَ الأوَّلَ مِن هَذِهِ الآيَةِ هُمُ المُشْرِكُونَ. وفي الكَلامِ اكْتِفاءٌ، تَقْدِيرُهُ: ويَوْمُ الوَعْدِ. وعُطِفَتْ جُمْلَةُ (جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) عَلى جُمْلَةِ نُفِخَ في الصُّورِ. والمُرادُ بِـ ”كُلُّ نَفْسٍ“ كُلُّ نَفْسٍ مِنَ المُتَحَدَّثِ عَنْهم وهُمُ المُشْرِكُونَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أُمُورٌ: (p-٣٠٨)أحَدُها: السِّياقُ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ”مَعَها سائِقٌ“ لِأنَّ السّائِقَ يُناسِبُ إزْجاءَ أهْلِ الجَرائِمِ، وأمّا المَهْدِيُّونَ إلى الكَرامَةِ فَإنَّما يَهْدِيهِمْ قائِدٌ يَسِيرُ أمامَهم قالَ تَعالى: ﴿كَأنَّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ﴾ [الأنفال: ٦] . والثّالِثُ: قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِن هَذا﴾ [ق: ٢٢] . والرّابِعُ: قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿وقالَ قَرِينُهُ هَذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: ٢٣] الآيَةَ. وجُمْلَةُ ﴿مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ (جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) . و”سائِقٌ“ مَرْفُوعٌ بِالظَّرْفِ الَّذِي هو مَعَها عَلى رَأْيِ مَن أجازَهُ، أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَعَها. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةُ ﴿مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ﴾ حالًا مِن كُلِّ نَفْسٍ. وعَطْفُ ”وشَهِيدٌ“ عَلى سائِقٌ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن عَطْفِ ذاتٍ عَلى ذاتٍ فَيَكُونَ المُرادُ مَلَكَيْنِ أحَدُهُما يَسُوقُ النَّفْسَ إلى المَحْشَرِ والآخَرُ يَشْهَدُ عَلَيْها بِما حَوَتْهُ صَحائِفُ أعْمالِها. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن عَطْفِ الصِّفاتِ مِثْلَ: ؎إلى المَلِكِ القَرَمِ وابْنِ الهُمامِ فَهُوَ مَلِكٌ واحِدٌ. والسّائِقُ الَّذِي يَجْعَلُ غَيْرَهُ أمامَهُ يُزْجِيهِ في السَّيْرِ لِيَكُونَ بِمَرْأًى مِنهُ كَيْلا يَنْفَلِتَ وذَلِكَ مِن شَأْنِ المَشْيِ بِهِ إلى ما يَسُوءُ قالَ تَعالى: ﴿كَأنَّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ﴾ [الأنفال: ٦] وقالَ ﴿وسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧١]، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم إلى الجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] فَمُشاكَلَةٌ. وضِدُّ السَّوْقِ: القَوْدُ.